قالت: «وماذا كان جوابه؟»
فحارت في الجواب ولكنها لم تر بدا من الصدق فقالت: «إنه ردني خائبة يا مولاتي.»
قالت: «وهل ينبغي أن أكون أنا أعرف منه لحقك يا عبادة؟»
قالت: «إني تقدمت إلى الرشيد أطلب حقا كنت أحسبه لي عليه، وأما الآن فإني أستعطفك وألتمس رحمتك ولا حق لي. أطلب إحسانك على فتاة لا شأن لها في أمرنا. أما أنا فإذا ظننت أني أذنبت إليك فهذا عنقي بين يديك ولا آسف على حياتي.»
فقالت: «وأي فتاة تعنين؟»
فاستبشرت بسؤالها وقالت: «أعني فتاة هي بقية ذلك القتيل السيئ الطالع، ساقها شقاؤها إلى الفرار مما أصاب أباها وأعمامها وجدها فبقيت على قيد الحياة وظللت أنا حية لأعولها وأتولى تربيتها، فقضينا السنين ونحن نتستر ونعيش عيش المتسولين وقبلنا حكم القضاء فينا، فساقت لنا الأقدار أناسا وشوا بنا إلى أمير المؤمنين وحملوا الفتاة المسكينة إلى قصره، فخفت أن يغروه بقتلها ولم أجد لي بابا أطلب الفرج منه سواك؛ فأتيتك بهذه الآثار لعلها تعطفك على تلك المسكينة، وعسى كلمة يكون لها فيها الحياة فيأمر أمير المؤمنين بإخراجها فأذهب بها وأقضي بقية الحياة معها في كوخ حقير أو أغادر هذه البلاد إلى حيث تأمرين. بالله ترفقي. أسألك برأس ابنك وبحنوك عليه إلا أصغيت لتذللي. وأنت تعلمين أني لم أستعطف أحدا في عمري حتى ولا الرشيد رحمه الله.» ولم تعد تستطيع إمساك نفسها عن البكاء.
وكانت عبادة تتوقع أن تسمع منها كلمة عطف فإذا هي تسألها: «وما اسم الفتاة؟»
قالت: «ميمونة يا مولاتي.»
فابتسمت وحول مبسمها هالة من الحقد والنقمة وقالت: «ميمونة؟! جئت تطلبين النجاة لميمونة؟ لماذا لم ينجها حبيبها الخراساني شاهر سيف النقمة على آل عباس؟ هذا الذي لو أتيح له أن يشرب دمنا لشربه!»
فلما سمعت قولها أرتج عليها ودهشت لاطلاعها على سر كانت تحسبه مكتوما عن كل إنسان، وقد فاتها تفشي الجاسوسية في ذلك العصر، وأن لكل إنسان جاسوسا على صاحبه، حتى الأب يتجسس على ابنه والابن يتجسس على أبيه. وكان لزبيدة عيون في بيت المأمون يأتونها بالأخبار عن كل حركة فيه، وقد علمت بخبر الخراساني بالأمس، وعزمت على أن تخبر ابنها به ولم تعلم أنه غادر بغداد ونجا من حبائلها.
صفحه نامشخص