ومن أصحابنا من يقول: إن الياء من هذا الجمع ألزم حذفه تحقيقًا لا قياسًا، فلما سقط عاد التنوين لنقصان البناء عما لا يجب صرفه، وفي النصب تثبت الياء في الكلَ تقول: رأيت قاضيًا، وغوازيَ، لأن الفتحة مستخفة، ولما دخل الإعراب في موضع النصب في غوازٍ منع الصرف على ما وجب وتقول في اسم المفعول من الواو: مغزوٌّ على أصله، ومن الياء: مرميّ، والأصل: مرمُويٌ، فلما اجتمع الياء والواو وكانت الأولى ساكنة أبدلت من الواو ياء ثم أدغم، لانكسار ما قبلها، تقول: غُزِي، ووُعِي، والأصل: غُزِو، وفي التثنية: غُزِيا، وفي الجمع: غزُوا، والأصل: غُزِيوا، وكذلك تقول في الرمي: رُموا، والأصل: رُمِيوا، فاستثقلت الضمة في الياء وقبلها كسرة فأسكنوها فالتقى ساكنان، فحذفت الياء ثم ضمت الميم والراء لمجاورتهما للواو فصار: رُموا وغُزوا.
باب
ما اعتل فاؤه ولامه
اعلم أن هذا الباب يجري أوله على ما اعتل فاؤه، وآخره على ما اعتل لامه، وذلك كقولك: وشى يشي، ووفى يفي، ووعى يعي، وإنما يعتل فاؤه في المستقبل والأمر لوقوع حرف العلة فيه على الحد الذي يقع فيه: وعد يعد، ويعتل لامه فيهما لوقوع حرف العلة فيه موقعه من: جرى، وسعى، وغزا، فتقول في مستقبل وشى، ووعى: يشي، ويعي، والأصل: يوْشي، ويوْعي، فلما وقعت الواو بين ياء وكسرة حذفت، وتقول في الأمر: عِ يا هذا، وشِ ثوبك، والأصل: اوْعِ، واوْشِ، فلما وقعت الواو بين كسرتين حذفت، ثم استغني عن الهمزة المجتلبة، فإن وقفت عليه قلت: عِهْ، وشِهْ، وإنما ردت الهاء لأنهم يبتدئون بمتحرك ويقفون على ساكن، وهذا لا يتأتى في الحرف الواحد، فإن ثنيت قلت: شِيا، وعِيا، وفي الجمع: شُوا أثوابكم، وعُوا حديثنا، قال الله تعالى:) يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم (، والأصل: اوقِيوا، على افعلوا، فأسقطت الواو لما تقدم فبقي: اقْيُوا، فاسثقلت الضمة في الياء وقبلها كسرة فنزعوها، فالتقى ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ثم ضمت القاف لمجاورته للواو، واستغني عن الهمزة المجتلبة لتحرك ما بعدها فحذفت فصار: قُوا، وعُوا.
واعلم أن ما كان على فعِل: كولي، ووري الزند يري لما جاء مستقبله على يفعل صار بناء الأمر فيه على حد ما ذكرناه في: وقى، ووعى، فتقول في الأمر: لِ بلدنا يا رجل، و: رِ نارًا يا زند، وهذا لوجاء على أصل الباب وهو يفعل بفتح العين لكان الأمر منه: اِولِ واوْرِ لأن فاءه كان يصح في المستقبل كما يصح في: وجِل يوْجَل، ولكن لما جاء على يفعِل بكسر العين، جرى الأمر فيه على ما ذكرناه.
فإن أمرت مؤنثًا من: وعى، ووشى، قلت: عِيْ، وشِيْ، والأصل: اوْعي، واوْشي، أسقطت الواو لما تقدم، ثم استثقلت الياء وقبلها كسرة فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين، وفي الثنتين: قِيا، وعِيا، يستوي ما للمذكر والمؤنث، كما استوى في سائر الأبواب، وفي النساء: عِينَ، وشِينَ، والأصل: اُعِينَ، واُشِينَ، على: افعلنَ، وفاء الفعل سقطت كما تقدم، وكذلك الهمزة المجتلبة.
فصل
يشتمل على أمثلة من هذه الأبواب الأربعة أفردنا أحكامها والقول فيها ليأنس الناظر بما يتقدم قبلها من ذكر ما مضى.
اعلم أن افتعل من باب ما اعتل فاؤه يجيء مدغمًا وهو الوجه المختار، وذلك كقولك: اتَّعد، واتَّهب، واتَّزن، واتَّأس، واتَّبس، ومعنى اتَّهب: قبل الهبة وكذلك اتَّعد معناه: التزم العدة وقبلها، وكذلك اتَّزن معناه: قبل الوزن، واتَّأس من اليأس، واتَّبس من اليبس، والأصل فيها: اوتعد، واوتزن، واوتهب، وايتأس، وايتبس، فأبدل من الواو والياء تاء ثم أدغم الأولى في الثانية، ولو تركوهما على أصلهما لتبعا ما قبلهما، ومن العرب من يتركه على الأصل، وإنما صلح الإدغام بين الواو والتاء لتقارب الحرفين وتناسبهما في كونهما من حروف الزوائد والإبدال، ألا ترى أن تقول: تخمة، والأصل: وُخمة، وتُكأة والأصل: وِكأة، وتقول: تقي يتَّقي، والأصل: وقى يقي، وتقول: اتكأته، والأصل: أوكأته، وإنهما في مخرجهما يتقاربان، ألا ترى أن التاء من طرف اللسان، وطرف الثنية الأعلى وأنه لا منبع للحرف بعد إلاّ الشفة التي منها الواو، فلما تناسبتا من هذه الوجوه طلب فيهما الإدغام لاجتماعهما.
1 / 6