يقال: زال الشيء يزول زوالًا، إذا فارق ولم يثبت، وأزاله غيره، فهذا لا يتعدى، وزال الشيء من الشيء يزيله زيلًا إذا مارَّه، وهذا يتعدى إلى مفعول واحد، وما زال يفعل كذا، يزال: بمعنى ما برح، وقال سيبويه: يقال منه زايلت بمعنى بارحت، فدل هذا على أنه من الياء، وإذا كان كذلك فكأنه لغة في زال يزول فيكون على هذا: فعل يفعل من الياء، وذاك على: فَعَل يَفْعِل من الواو، وقد أخرج ما زال وما برح جميعًا إلى باب العبادات، وجرد كلاهما للزمان، فدخل على المبتدأ والخبر ومعناهما الإثبات، لأن زال ضد دام، وبرح ضد ثبت، وبدخول الحرف الثاني عليهما وهو ما صارا للإثبات، لأن نفي النفي إثبات، وبانتقالهما إلى باب العبادات لم يكتفيا بالفاعل واحتاجا إلى الخبر. وحكى أبو علي الفارسي ﵀ أن بعض أهل النظر فرق بينهما بأن قال: برح لا يستعمل في الكلام إلاّ أن يراد به البَراح من المكان، ذكر المكان أو لم يذكر، لقيام الدليل عليه، قال أبو علي: وهذا فاسد، ألا ترى قول الله تعالى:) وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتَّى أبلغ مجمع البحرين (، ومن المحال أن يبلغ الموضع المذكور ولم يبرح مكانه، وإذا لم يخل قوله لا أبرح في الآية من أن يكون في معنى البراح من المكان والمضي عنه، أو في معنى لا أزال، وامتنع أحدهما فما بقي إلاّ الآخر. قال: ويدل على أن معناهما الإثبات امتناع العرب من جواز قول القائل: ما زال زيد إلاّ راكبًا، وما برح عمرو إلاّ منطلقًا، كما امتنعوا من جواز: دام زيد إلاّ راكبًا، أو ثبت زيد إلاّ ساكتًا، وللمعترض على أبي علي فيما رده أن يقول: وجدت قولهم: لم يزل، مستعملًا في صفة القديم تعالى، تقول: لم يزل الله تعالى قادرًا وعالمًا، ولم يبرح، غير مستعمل في صفاته، لا يقال: لم يبرح القديم كذا، ولو استويا في المعنى لجريانه على حد واحد في الجواز والامتناع، وإذا قد اختلفا فيما ذكرته فلاختلاف معناهما، وإذ لا يقال في جواب هذا هو أن يزال لما لم يستعمل فيما وضع له في الأصل استعمال يزول، وكان منقولًا إلى باب العبادات بهذه للبنية التي لم يشتهر بإفادته معنى الزوال، صار كأن معناه ولفظه لا مناسبة بينهما وبين معنى الزوال ولفظه، فصلح بعد النقل لدخوله في صفات القديم تعالى.
وما برح، استعمل في الزوال من المكان والبراح منه والمضي عنه قبل النقل كثيرًا، واشتهر بإفادته هذا المعنى اشتهارًا بينًا، فلما كان أمره قبل النقل كذلك نزهوا القديم ﷿ بعد النقل عن وصفه به لاختيارهم أشرف الألفاظ لصفاته، ولاستغنائهم بما زال عنه، ويكشف هذا ويوضحه أنهم وصفوه تعالى بعلام الغيوب، وامتنعوا من استعمال: علامة، وإن كان أبلغ في المعنى مكانه، لما في لفظه من صورة علامة التأنيث، وأنهم لا يقولون في صفاته معلِّم، وإن كان قد قال:) الرحمن علم القرآن (لاشتهار لفظه معلِّم بالمحترف له، فقس على ما أصلته لك تصب إن شاء الله.
مسألة
الإمَّرُ: الضعيف الرأي، ويزاد فيه الهاء، فيقال: إمَّرة، قال:
ولستُ بذي رثْيةٍ أمَّرٍ ... إذا قيدَ مستكرهًا أصحبا
ووزنهما على ما قال سيبويه: فِعَّلَ وفِعَّلة، ولا يجوز أن يكون أفعلة لأمرين: أحدهما أن أفعلة لا يكون صفة ولا أفعل، والثاني: أنه لو كانت الهمزة زائدة لكان الفاء والعين في موضع واحد، وهذا يعز في الكلام ويقل، وقال أبو عمرو الجرمي: الإمَّرة ضرب من الغنم، وعلى وزنه الإمَّعة، يريد أن إمَّعة فعَّلة أيضًا، وهو الذي يتبع غيره، قال: وسمعت أعرابيًا ويحدث عن يونس قال، قال أبي: إني لأبغض الإمَّعة من الرجال، قالوا: وما الإمَّعة، قال: الذي يقول من يذهب حتَّى أذهب معه، ولم يرد بهذا التفسير أن إمَّعة مشتق من لفظ مع.
مسألة
1 / 13