فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة سكونًا غير لازم كقولك: اردد، وامدد، وازرر، وما أشبهها، فإن بني تميم يدغمونه أيضًا بعد أن يلقوا حركة الأولى على الساكن الذي قبله، ولهم في مثل هذا لغات، فمنهم من يقول: ردّ، يبنيه على الفتح، لأن الفتحة أخف الحركات، ومنهم من يقول: رُدَّ، فيتبع الضمة، ومنهم من يقول: ردّ، فيبنيه على الأصل في التقاء الساكنين، وأهل الحجاز يظهرون التضعيف في مثل هذا، ويأتون على الأصل، فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة سكونًا لازمًا، فإنه يجوز الإدغام، وعلى ذلك: مررت ومررنا، وسررت وسررنا، وما أشبهه، بل يجعلون الحذف بدلًا منه، تقول في ظللت: ظلت، قال الله تعالى:) الذي ظلتَ عليه عاكفًا (، وفي مسست، مستُ، وربما ألقوا حركة العين على الفاء، فيقولون: ظلتُ، ومستُ، وعلى هذا قولهم: علماء بنو فلان، وبلعنبر، وبلهجيم، يريدون: على الماء، وبني العنبر، وبني الهجيم، وهذه آخر مسألة في كتاب سيبويه، وقد جاءوا إلى مثل: تداركوا، وتطيَّروا، فراموا الإدغام فألجأهم ذلك إلى إدخال ألف الوصل، قال تعالى ﷿:) اطَّيرنا بكَ وبمن معك (الأصل: تطيرنا، فلما أسكن الأولى عند الإدغام أدخل عليه ألف الوصل ليتوصل به إلى النطق بساكن، فقال تعالى:) بل ادَّارك علمهم في الآخرة (، وكما جعلوا الحذف بدلًا من الإدغام فيما تقدم، كذلك جعلوه بدلًا منه في مثل: تتذكرون، وتتوقفون، وما أشبهه، فقيل: تذكَّرون، فالمانع من الإدغام ههنا هو أنه لو أدغم لاحتيج إلى ألف الوصل، لسكون أول الكلمة، وألف الوصل لا يدخل على الفعل المضارع، فاعلمه.
واعلم أنه لا يدغم حروف المد واللين في أمثالها، لكونها مدات لا معتمد لها في مخارجها، ومن العرب من لا يحقق الهمزتين إذا اجتمعتا، بل تسلط عليها التليين والحذف، ومن كان هذا لغته لم يدغم الهمزة في مثلها.
وحكى سيبويه أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين، يقول: أأنذرتم، على لغة، فصح إدغامها في مثلها، فكما منع مانع من إدغام الحرف في مثله، فقد اتفق ما منع من إدغام الحرف في مقاربة، وإن كان يدغم ذلك المقارب في الممتنع، وهذا يرجع إلى فضل قوة أحد الحرفين على الآخر، وذلك كإدغامهم اللام في الراء، وامتناعهم عن إدغام الراء في اللام من حيث كان الراء حرفًا فيه تكرار، فلو أدغم في اللام لذهب تكراره، وكان ذلك إجحافًا به من حيث وجب إخراجه إلى صورة اللام، ثم إدغامه، وكان أبو عمرو يجوّز هذا ويقرأ به، يقول: نذله، يريد: نذر له، وهنا جميلة من شروط الإدغام، وبابه يطول، وليس القصد إلى تقصيه، وإنما أحببنا أن نرى الإدغام يجري مجرى الاعتلال فاعلمه إن شاء الله تعالى.
واعلم أن التضعيف في بنات الواو والياء يتفق، وذلك كحييت، وعييت، وأصييت، وأعييت، وكما تقدم ذكره في الحوَّة والقوَّة، والعين في جميع ذلك يصح، ويعتل اللام لأنه موضع التغير، وإذا كان كذلك، فإنه يجري حيِيَ على باب خشي، وأُحيي على باب أُعطي، فإذا جاء موضع يلزم لام خشي فيه الحركة لزمت لام حييت وعييت أيضًا، وتكون حِ الخيار في الإدغام والتضعيف، تقول حييَ زيد، وحيِّ زيد، وعيي عمرو، وعيِّ عمرو، وتقول: هو يحيى، كما تقول: هو يخشى، وهو يعيى، كما تقول: هو يعطى، ومن قال: حيي فلم يدغم قال في الجمع: حيُوا بالتخفيف، فحذف كما قالوا: عمَوا ورضَوا وخشَوا، ومن قال: حيّ فأدغم، قال في الجمع: حيُوا، فلم يحذف.
باب
الهمزة
اعلم أن الهمزة أثقل حروف المعجم، لما يلحق المتكلم بها من الكلفة في إخراجها من منبعها، إذ كان فيها كالتهوّع، ولذلك لحقها ضروب من التحقيق والإبدال والحذف وبين بين، وفي العرب من يحقق الهمزتين، وكان ابن أبي إسحاق يقرأ بمذهبهم.
1 / 10