امید و آرمانشهر در فلسفهی ارنست بلوخ
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
ژانرها
وليس هذا الهدف سوى الحياة الأفضل التي تختمر في داخلنا، والتي يرسمها الحلم فتتأهب وتكافح، وتجرب، وتغير وتنذر نفسها لتحقيق ما لم يتحقق بعد.
هكذا تعبر «اللا» عن السخط على الصورة التي صار إليها الشيء المفتقد، بوصفها القوة الدافعة الكامنة تحت كل صيرورة في العالم، والدافع المحرك إلى الأمام في مجرى التاريخ، ولذلك تظهر في كل تعريف يقدم للموضوع وكأن لسان حالها يقول بلهجة الإنكار: كلا ليس هذا هو المحمول الذي يحدد الموضوع تحديدا كافيا. ومن ثم يتبين أن «اللا» تجعل من نفسها «ليس-بعد» يوتوبية وفعالة على الدوام، وتتخذ صورة «السلب» الذي يدفع الحركة الجدلية قدما، وينمو خلال كل وضع قد يبدو إيجابيا وإن لم يكن كذلك تماما من منظور «الكل» الذي لا زالت تتطلع إليه، والذي يمكن عنده وحده أن تستقر «اللا» بعد تحقيق هدفها المنشود.
لقد غدت «اللا» هي ال «ليس-بعد» التي تمثل العنصر الهدام أو التناقض الذي يعمل على تدمير كل ما قد «صارت» إليه العملية الجدلية، لسبب بسيط هو أن كل مرحلة من مراحل التعريف أو التحديد لهذا الشيء الذي صار، لا بد أن تعوق تحقيق هدفها، لأن أي صيرورة نحو «الكل» لا تعبر عن التحقيق الكافي، ولا الإنجاز الناجح بحق، وتتمثل مناقضة الصيرورة في الذات والموضوع معا باعتبارهما وجهي الواقع المتحرك، فتتم في الذات البشرية أو في الوعي الذي يجد أن ما حققته الصيرورة غير كاف وربما يكون معوقا، كما تتمثل المناقضة الموضوعية تجاه ما يظهر من ذلك «الموضوع» نفسه الذي أفرزته عملية الصيرورة، من جهة ما ينطوي عليه من نزوع ناضج إلى تحقيق شكل الوجود المرتقب، أو بمعنى أدق نزوع أنضجته قوى الإنتاج وشروط الأوضاع التاريخية والاجتماعية بوجه عام. ومن ثم تصبح ال «ليس-بعد» أكثر تحددا وأقوى اندفاعا نحو تحقيق المهام التي تستوجب التحقيق، وأشد وعيا بالظروف الموضوعية التي تمكن من حلها والوفاء بها بطريقة موضوعية أيضا.
10
يذهب بلوخ إلى أبعد من ذلك عندما يربط الفكر بمقولة ال «ليس-بعد» ويدخله في قلب العملية الجدلية، وعندما يقول بأن على الفكر أن يكون دائما على أهبة الاستعداد وأن ينظر إلى الأمام، وأن ينظر فيما حوله، وأن يكون في قلب الحياة والأشياء وأن يتوسطها كذلك - بالمعنى الجدلي المفهوم من التوسط - بحيث يتجاوز الواقع باستمرار، ويعي دوره في التقدم إلى الأمام. وعلى هذا التجاوز والتقدم يتوقف كل شيء، فالفكر الذي يشده مغناطيس ويدفعه جوعه وشوقه للتقدم نحو الهدف، يكون فكرا مبشرا وأملا نذر نفسه لتحقيق ما لم يتحقق بعد.
11
الواقع أن الحافز على هذا الفكر موجود في «اللا» الكامنة داخلنا والتي لا تطيق هذا الكمون فتتحول إلى ال «ليس-بعد»، وكأن ال «ليس-بعد» هي المغناطيس الذي يجذب الفكر إليه، كما يدفعه للتزود بالمعرفة الجادة المنهجية الواعية، والتسلح بالمفاهيم الدقيقة المحددة، واللغة المقتصدة، والإرادة النشطة الفاعلة التي تعلم إلى أين ولأي هدف؛ لذلك وصف بلوخ هذا النوع من التفكير «بإبرة المغناطيس» التي تخطط للهدف المقصود وتحدد الطريق إليه بدقة متناهية.
12
هذا الفكر المتجاوز والمتقدم إلى الأمام يحتاج بطبيعة الحال إلى «أنطولوجيا» من طبيعة مختلفة عن أنطولوجيا الوجود العام الذي يرجع إلى الأصل ويريد الاستقرار فيه وإعادة كل شيء إليه كما نجدها عند هيدجر. ويطالب بلوخ بدراسة أنطولوجيا الوجود من خلال الموجود المتحرك الذي يحمل في داخله الموجود - الذي لم يتحقق - بعد (أو ال «ليس-بعد»)، الموجود المتحرك بأشكاله المتفتحة على معاني الوجود المتحرك أيضا إلى الأمام، لا الوجود العام الذي يلح دائما على تمييز نفسه عن الموجود الجزئي فيما يسمى بالفارق الأنطولوجي الأساسي بينهما كما يزعم هيدجر. ولهذا لا تنفصل نظرية الوجود هنا عن الموجود ومجاله الممكن، كما لا تستغني في كل تعبيراتها عن هذا الوجود عن الكلام عنه من جهة «الإمكان» التي تصلح دون غيرها للإحاطة بال «ليس-بعد» أو الموجود المستقبلي الذي لا يزال في مرحلة التشكيل والتفتح والسعي إلى التحقق.
13
صفحه نامشخص