امید و آرمانشهر در فلسفهی ارنست بلوخ
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
ژانرها
وتكشف الوظيفة اليوتوبية عن نفسها في المثل العليا، لارتباط هذه الأخيرة ارتباطا وثيقا بمضمون الأمل الموضوعي. فالمثل العليا تفوق كلا من الأيديولوجيات والنماذج الأولية في قابليتها للفهم، كما تفوقهما في وضوحها وغناها بالمضمون. والمثل العليا أكثر ارتباطا بالواقع المادي، كما أن التوقع فيها واضح ومكشوف مما يجعلها قابلة للمعالجة اليوتوبية. وتكشف المثل العليا منذ البداية عن الأمل الكامن فيها، بينما تتضمن النماذج الأولية عنصرا توقعيا غير واضح، وتهبط بالأمل إلى أعماق سحيقة القدم. هذا فضلا عن أنه لا يوجد حتى الآن تصنيف متفق عليه للنماذج الأولية، بينما يوجد العديد من المثل العليا.
وترتبط المثل العليا دائما بما هو أسمى، أي بالعالم الممكن باعتباره وسيلة لتحقيق غايتها. وغاية بلوخ هي الوصول إلى الشكل الأسمى للخير الأسمى في المجال السياسي والاجتماعي، وهو المجتمع الخالي من الطبقات. لذلك تصبح مثل الحرية والمساواة والإخاء البشري وسائل لتحقيق هذه الغاية. ومن ثم أخذ بلوخ على الفلسفة المثالية الألمانية أن المثل العليا فيها - عند كانط وهيجل خاصة - متعالية على الواقع المادي ويتعذر الوصول إليها. ولذلك بقيت المثل الأخلاقية معلقة في السماء، كما بقيت المثل العليا الجمالية مجرد متعة جمالية يستمتع بروعتها فحسب.
ويتتبع بلوخ المبدأ اليوتوبي في المثل العليا عند كل من كانط وهيجل. فالمثل العليا عند كانط ظهرت في القانون الأخلاقي كسلطة مباشرة نهائية تتصارع مع الدوافع الطبيعية، وفهمنا للقانون الأخلاقي اضطرنا إلى افتراض كائن أسمى يضمن قيام علاقة متكافئة بين الفضيلة والسعادة، ولكن فكرة هذا الكائن الأسمى نبعت من الأخلاق نفسها دون أن تكون هي الأصل في ظهور الأخلاق.
74
وظهرت المثل العليا مرة أخرى كأمل وغاية منشودة في هذا الثالوث: الحرية، الخلود، الله. وهنا يظهر المثل الأعلى كأمل أو خير أسمى للعقل العملي، ومع ذلك يبقى الثالوث عقائد تستند إلى الإيمان العملي دون أن تستحيل إلى موضوعات تقوم على المعرفة العلمية، أي أن ما سلم به العقل النظري باعتباره مجرد إمكانية أو مثل أعلى قد استحال على يد العقل العملي إلى عقيدة تدعمها الحاجات المشتركة لكل إرادة عاقلة.
75
ظهرت المثل العليا مرة أخرى في استطيقا كانط في صورة كمال طبيعي - بدون الخير الأسمى - أي في صورة مناقضة للمثل العليا الأخلاقية التي ابتعد عنها كانط في الفن لأنه يرى أن الإلزام الأخلاقي في الفن سخف شديد.
76
ومعنى هذا أن البعد اليوتوبي عند كانط لا يتمثل إلا في الفن الذي هو نشاط بشري تلقائي حر منزه عن الغرض أو الغاية، وخال من الصراع مع الدوافع الطبيعية كما هو الحال في المجال الأخلاقي. وبهذا يتجسد الكمال عنده - أي عند كانط - في أشكال عديدة كأمل للمستقبل، ولكن هذا الأمل مقصور على الجمال الفني وحده ومقطوع الصلة بالواقع السياسي الاجتماعي. وهكذا تنتهي المثل العليا عند كانط إلى أن تكون مجرد مثل فنية خالصة لا تتصل من بعيد أو قريب بالواقع الاجتماعي والسياسي.
أما عن هيجل فإن المثل العليا بوجه عام تكمن في الفن وحده لا في بقية جوانب الواقع الاجتماعي والسياسي. فما دامت الفكرة عنده هي الحقيقة المطلقة، فإنه ينتج من ذلك اتحاد الحق والجمال لأن كلا منهما هو الفكرة. ولكنهما متمايزان أيضا، فالجمال هو الفكرة حين تدرك في إطار حسي وحين تدرك بالحواس سواء أكان ذلك في الفن أم في الطبيعة. أما الحقيقة فهي الفكرة حين تدرك في ذاتها أي بوصفها فكرة خالصة، وهي لا تدرك بما هي كذلك عن طريق الحواس بل عن طريق الفكر الخالص أي عن طريق الفلسفة.
صفحه نامشخص