امید و آرمانشهر در فلسفهی ارنست بلوخ
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
ژانرها
تأليف
عطيات أبو السعود
المقدمة
«الأمل واليوتوبيا عند إرنست بلوخ» موضوع هذا البحث. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عن علاقة كل منهما بالآخر، أي علاقة البشر وأمانيهم باليوتوبيا التي تعطي انطباعا أوليا بأنها بناء عالم مثالي في الخيال، وكأن الأمل يرتبط بالخيال الذي قد لا يحققه على الإطلاق، وليس هذا بطبيعة الحال هو هدف البحث؛ ولذا يجب البدء بتعريف كل منهما. أما الأمل فهو تعبير عن تطلعات الجنس البشري إلى حياة أفضل في المستقبل، يسودها الإخاء والمساواة وتقوم على أساس من العدل في ظل مملكة للحرية، وأما اليوتوبيا فهي النظام الذي يحقق هذه التطلعات في مكان ما على هذه الأرض. وليس المقصود باليوتوبيا هنا هي الترجمة الحرفية للكلمة التي تعني «لا مكان» لأن اليوتوبيا موضوع هذا البحث هي يوتوبيا عينية قابلة للتحقيق وفق شروط داخلية وخارجية، أي شروط ذاتية وموضوعية تجتمع في لحظة تاريخية ملائمة توفر شروط تحققها.
وقد تم اختيار هذا الموضوع لأهميته الشديدة في عصرنا الحديث الذي اتفقت الآراء على أنه عصر أزمة كبرى. وغالبا ما تبرز فلسفة الأمل في العصور التي يغلب عليها التوتر والاضطراب وتزداد فيها الصراعات، وقد شهد القرن العشرون حربين عالميتين وحروبا أهلية لا حصر لها، وخيبة آمال في ثورات كبيرة وآمال عظيمة، فلا بد أن يكون هناك بعث لروح الأمل، ولا بد أن يكون الأمل - ونحن على مشارف الألف الثالث للميلاد - هو المطلب الأساسي والمشروع. أما لماذا «الأمل واليوتوبيا عند إرنست بلوخ» على وجه التحديد ، فلم يكن هذا أيضا من قبيل الصدفة أو العشوائية؛ إذ لا يوجد في عصرنا فيلسوف تغنى بالأمل مثلما فعل هذا الأخير، حتى لقد وضعه - أي الأمل - عنوانا لأهم كتبه على الإطلاق وهو «مبدأ الأمل»، كما أنه - أي بلوخ - يعد أكبر فيلسوف يوتوبي في القرن العشرين أهاب بالإنسان أن يمسك بهذا المبدأ الذي تحول عنده إلى مبدأ للمسئولية التي يحملها الإنسان على عاتقه ليحقق بإرادته الثورية آماله وأحلامه في يوتوبيا واقعية وعينية.
ومنهج البحث هو المنهج التحليلي النقدي، لأن بلورة النسق الفلسفي الكامل لفلسفة الأمل قد استلزمت التحليل والشرح والتفسير والنقد، كما أن هذا النسق لم يقدم من قبل إلى المكتبة العربية، التي لم تعرف من كتب بلوخ سوى الترجمة العربية لكتاب «فلسفة عصر النهضة». وكان من الضروري - نظرا لضخامة هذا النسق الذي ضم التراث البشري في داخله - تقديم الإطار النظري الكلي وإسقاط تفاصيل كثيرة لا تخل بالهيكل العام لفلسفة بلوخ. وقد كانت هناك صعوبة كبيرة في استخلاص البنية الفلسفية، وترجع هذه الصعوبة إلى أن بلوخ قدم مشروعا فلسفيا ضخما وطموحا لا يفتقر فقط إلى الاتساق والتماسك، بل يتسم أيضا بالغموض والإبهام بسبب صياغته في لغة معقدة يصعب فك رموزها، وأسلوب يغلب عليه المجاز ويكثر من استخدام الصور الشعرية والأسطورية والمصطلحات الصوفية، وقد زاد من هذه الصعوبة الطابع العام للفكر الألماني الذي لا يعرف في كثير من الأحيان بساطة العرض وسهولته، بل يميل دائما إلى التعقيد والتكثيف والتجريد باعتبارها - في نظر المفكرين الألمان - دليلا على عمق الفكر وأصالته؛ مما جعل بلوخ لفترة طويلة غير مقروء خارج ألمانيا، بل وغير مقروء أيضا من أبناء وطنه - باستثناء الصفوة من المتخصصين والمثقفين - ويرجع هذا إلى صعوبة فهمه من قبل المثقف العادي.
غمر بلوخ نسقه الفلسفي في تفاصيل هائلة من التراث البشري بأكمله، وعرض لكل فروع المعرفة من فلسفة وفن وأدب وموسيقى وشعر، كما عرض لحضارات العالم ودياناته القديمة بحيث يمكن القول بأنه آخر المفكرين الموسوعيين في القرن العشرين، وأفرط أيضا في استخدام المصطلحات والعبارات اليونانية واللاتينية والأقوال والمأثورات القديمة التي لم تعد تستخدم الآن؛ في محاولة لإحيائها وإضفاء معاني جديدة عليها إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنه أوجد في اللغة الألمانية قاموسا ثقافيا خاصا لفلسفته، كما أسرف باعتباره ناقدا أدبيا في الوقت ذاته في استخدام الصور الفنية (الاستعارة والتشبيه والكناية والرمز) التي زادت من غموض لغته.
وكان من الضروري للتغلب على هذه الصعوبات إسقاط تفاصيل جزئية واستطرادات كثيرة كان من الممكن - في حالة تتبعها - أن تخرج بالبحث عن السياق المرسوم له، كما كان من الضروري استخلاص النسق الكلي لفلسفة الأمل، وتقديمه بالعرض والتحليل أولا ثم بالتعقيب النقدي على بعض التفاصيل والجزئيات التي استلزمت الوقوف عندها وتم نقدها في موضعها. وأخيرا ينتهي العرض التحليلي الكلي بتقييم عام في خاتمة نقدية للإطار العام لفلسفة الأمل واليوتوبيا.
ينقسم البحث إلى ستة فصول تتدرج في خط تصاعدي بدءا من حياة بلوخ إلى عرض البناء النظري لفلسفته في الأمل، ثم محاولة تطبيق هذا النسق النظري على التاريخ البشري المنظور إليه نظرة يوتوبية. ويتناول الفصل الأول «حياة بلوخ ونواة تفكيره اليوتوبي» ويقدم تعريفا بالفيلسوف وعصره. وينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام؛ أولا: حياة بلوخ ومؤلفاته، وفيه عرض تاريخي لحياته وأسفاره وعلاقات الصداقة التي جمعته ببعض فلاسفة عصره وأدبائه، والتعريف بمؤلفاته وأعماله. ثانيا: المؤثرات الفكرية في فلسفته، وهي عديدة ومتنوعة، منها مؤثرات فلسفية كالفلسفة اليونانية وخاصة أرسطو، والفلسفة الكلاسيكية الألمانية من ياكوب بوهيه وهيجل وشيلنج، والفلسفة الماركسية التي تركت بصماتها على الطابع العام لتفكير بلوخ، ومؤثرات أدبية كالحركة التعبيرية التي غلب أسلوبها الأدبي على لغة بلوخ الفلسفية، ومؤثرات دينية وخاصة التراث الصوفي المسيحي واليهودي وفكرة الخلاص. ثالثا: مدخل إلى فلسفته ومفاهيمها الأساسية وفيه تعريف بأهم المقولات التي قام عليها النسق الفلسفي للأمل واليوتوبيا، مثل مقولات ال «ليس-بعد» وما قبل الظهور و«الإمكان» و«الأمل» و«الأمام» و«الجديد» و«الأقصى».
ويتناول الفصل الثاني «البناء الأنثروبولوجي للأمل» وهو الجذر الأول من فلسفة الأمل الذي يصور انعكاس الوعي بال «ليس-بعد » على الذات البشرية، وينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام: أولا: نشأة الوعي، وفيه تتبع لظواهر الوعي البشري منذ بدايته الأولى عند الطفل، ويعرض لنظرية في نشأة الوعي من الدوافع، وأهمها وأولها الجوع، فهو الذي يدفعنا ويحركنا إلى الأمام. كما يتتبع آثار الحلم البشري بأبعاده المختلفة وأنواعه، وكيف تطور الوعي بال «ليس-بعد» من أحلام اليقظة. ثانيا: طبقات الوعي، ويعرض لطبقات الوعي المختلفة ومنها ما قبل الوعي، وهو اللاوعي بالمعنى الفرويدي أي المكبوت أو المنسي، والوعي بال «ليس-بعد» وهو الوعي بشيء جديد لم يأت بعد أو بشيء يرجح حدوثه بناء على شروط ذاتية وموضوعية محددة، وهو ما يسمى الوعي بالمستقبل. ثالثا: معوقات الوعي بال «ليس-بعد»، ويشمل المعوقات المختلفة التي تحول دون ظهور وعي ال «ليس-بعد» إلى النور، ومنها العائق التاريخي الذي يسلم بوجود التام والكامل منذ البداية، الأمر الذي يجهض كل محاولة للتقدم نحو الجديد، ومنها النزعة الرومانسية، إذ استعبدها الماضي حين اعتبرت أن الكمال كله كان في الماضي، ومنها اليوتوبيات الاجتماعية التي لم تكن قادرة على التطور بسبب النزعة السكونية التي سادتها، كل هذه المعوقات حالت دون ظهور الوعي بال «ليس-بعد» الذي لا يمكن اكتشافه بفعل التذكر، بل بالحدس الذي يؤدي وظيفة يوتوبية.
صفحه نامشخص