124

فهم يجدون المساواة إذا ماتوا ويطمحون إليها مخلصين ويودون لو ردوا إلى الحياة ليحققوها، ولكنهم لا يستطيعون تحقيقها إذا ردوا إلى الحياة؛ لأن اليد الواحدة لا تستطيع التصفيق، ولأن النظام السياسي والاجتماعي لا تغيره إرادة أو فرد أو أفراد، وإنما تغيره إرادة إجماعية لا تتحقق إلا بالتطور، ومن يدري! لعل التطور لا يكفي لتحقيقها، ولعلها تحتاج لشيء أشد عنفا من التطور وهو الثورة.

وليس هنا موضع الحديث عما يمكن أن يكون بين هذا التفكير الفلسفي، وبين الفلسفة الوجودية من تقارب أو تباعد، وإنما الشيء الذي ليس فيه شك هو أن هذا النحو من التفكير ملائم لما أشرت إليه آنفا من رأي الكاتب في بحثه عن الصلة بين الأديب وبين الجماعات؛ فجان بول سارتر يريد أن يجعل المساواة بين الناس حقيقة واقعة تريدها الجماعة كلها ولا يريدها لأفراد متفرقين، وأحسبك توافقني على أنه قد صور من ذلك ما أراد تصويره، فبلغ من هذا التصوير ما أحب.

أما القصة الثانية فعنوانها «الأنوف المستعارة» وهي تدور بالفعل حول أنوف مستعارة يخفي بها أصحابها أنوفهم التي ركبها الله في وجوههم. والقصة فكاهة، ولكنها فكاهة مرة تضحك ولكن من حماقة الإنسان وسخفه وضعفه وتعلقه بالمنافع العاجلة، وانقياده للوهم، واستسلامه للسلطان وإن كان ضعيفا لا يعتمد على قوة تسنده أو تجعله مصدرا للخوف.

فأنت حين تبدأ القصة في دهليز من دهاليز القصر الملكي في مورافيا، وهذا الدهليز قذر مهمل قد ضربت عليه العنكبوت بنسجها، ورجل قائم على سلم يحاول أن يرد إلى سقف الدهليز وجدرانه نظافتها ويزيل عنها نسج العنكبوت، ثم تعرض عليك صورة أخرى ترى فيها حجرة العرش، وقد اجتمعت فيها حاشية الملك ووجوه الدولة وفي موقدها نار ضئيلة تخمد شيئا فشيئا.

ولكنك تلاحظ على كل من ترى في القصر من رجال ونساء ومن سادة وخدم أنهم يحملون في وجوههم أنوفا ضخمة مسرفة في الضخامة تجعل هذه الوجوه قبيحة مضحكة.

ثم يقبل الملك والملكة فتنهض الحاشية، ويحاول الملك أن يجلس على عرشه فإذا هو مضطرب لا يثبت قد قصرت بعض قوائمه، فيضطر بعض الحجاب إلى أن يتموا هذه القوائم القصيرة بقطع من الخشب يزجونها بينها وبين الأرض، حتى إذا ثبت عرش الملك واستطاع أن يجلس جرت القصة نفسها لعرش الملكة.

وقد أخذ الملك يتحدث إلى وجوه دولته، فيعلن إليهم أن ابنه الأمير أندريه سيقترن بالأميرة أجات بنت ملك القوقاز، وأن هذه الأميرة في طريقها الآن إلى عاصمة مورافيا ومعها حاشيتها وتتبعها عربات ضخمة قد ملئت ذهبا، وستمتلئ خزائن مورافيا، وسيجعل الله لهذه الدولة الضخمة الفقيرة يسرا بعد عسر وغنى بعد فقر وفرجا بعد حرج. ثم يشير الملك إلى صورة مغطاة قد علقت إلى أحد الجدران فيرفع عنها غطاؤها، وتظهر الأميرة من ورائه رائعة الجمال، بارعة الحسن ليس فيها إلا عيب واحد وهو أن أنفها طبيعي جميل، فإذا نبه الملك إلى ذلك دعا رسام القصر فأمره بأن يصلح هذا الأنف؛ فيقبل الرسام على الصورة يضخم أنفها ويفخمه ويسبغ عليه من القبح ما تمتاز به الأنوف في مملكة مورافيا.

هنالك يرضى الملك ورجال الدولة عن الصورة، ويدعى الأمير الشاب ليراها، فإذا أقبل نظر إلى الصورة في تكره واشمئزاز ثم انصرف عنها معرضا يظهر الإذعان للقضاء المحتوم أكثر مما يظهر الشوق إلى خطبه التي شغفت قلبه حبا.

وفي أثناء هذا كله يلاحظ الملك أن خدم القصر قد تركوا أعمالهم وأبوا أن يستجيبوا له إذا دعا، فإذا سأل عن ذلك أنبأه وزير العمل بأن خدم القصر قد قرروا الإضراب إذا تمت الساعة الحادية عشرة؛ لأنهم لم يقبضوا أجورهم منذ ستة أشهر، وقد حاولت الحكومة إقناعهم بأن زواج الأمير سيملأ الخزائن ذهبا وسيقبضون رواتبهم ومكافآت أخرى، ولكنهم لم يحفلوا بهذه الوعود.

هنالك يعلن الملك أن لا بد مما ليس منه بد، وأن رجال القصر كلهم ومعهم وجوه الدولة يجب أن يتناوبوا فيما بينهم أعمال الخدم، ثم ينهض الملك نفسه فيقدم الأسوة الصالحة ويأخذ في ترتيب الحجرة، ويضطر وجوه الدولة إلى أن يصنعوا صنيعه، فهم ينقلون الأثاث القديم الموروث ليضعوا مكانه أثاثا جديدا أنيقا قد استعاره الملك من أعضاء حاشيته.

صفحه نامشخص