طوبى للحب، إنه رحيم بديع وإن جاء بعد الأوان ...
قسوة الحب
كنت زوجا وفية فاضلة، لم يخطر لها يوما أن تخون بعلها، ولا هي يوما خانته، وما أتيت حياتي أمرا نكرا، ولا قرفت في العيش شرا فيعيبني المجتمع به، ولكني مع ذلك قتلت رجلا ...
ذلك ما نبأني به والد القتيل بعد أن عفا عني وصفح، فقد راح يقول إنه لهين على المرأة أن تقتل كما هو بين عليها أن تهب الحياة ...
يا عجبا! ما كنت أعرف ذلك ولا عن لي من قبل، بل قد كنت أتدبر الأمر من ناحيتي الخاصة، وأعمل على أن أدفع عني غائلة القانون. وما كنت أدري ما على المرأة التي تجد من الرجل الحب من فرائض كبار، وتكاليف ثقال ...
وأنا اليوم أسند في حدود الأربعين، وكان زواجي منذ ستة عشر عاما، وزوجي راغد العيش، موفق في الحياة، فنحن نسكن دارا جميلة في أرباض المدينة ولم نرزق ولدا، وقد مضت حياتي حتى العام الفارط هادئة مألوفة، إلا فترات تتولاني خلالها السآمة، ويغمرني ألم الوحشة، فأجلس أستعيد أحلام الشباب وأماني الصبا، أيام كانت النفس لاهفة على الحب تتمنى لو تصيب إعجابا وحبا، ولست أدري علام رحت أتمنى شيئا كهذا ولم أعد الصبية الحدثة، ولا الفتاة الغر اللعوب، ولا حق لي فيه اليوم ولا أنا من أهله، ولكنا كذلك نحن النساء، قد نجاوز حدود الشباب، ثم لا تزال نفوسنا على الحب لاهفة، والعين لنعمته ولذاذته طلعة، وعسير علينا أن نتخلى عن ذلك الأمل ونستدبر ذلك الرجاء.
ومنذ قراب عام، قبل عهد هذا الأمر الذي جرى والذي أنا به محدثتكم، جاءت نسوة من المدينة في زورة لدارنا، وكنا جالسات نخيط ثيابا، وقد جئت بفضلة من حرير وردي اللون فقلت لصواحبي شاكية آسفة: أحسبها لا تكفي لنصطنع منها غطاء لوسادة. فقالت صاحبة منهن: لم لا تصنعين منها قميصا مقورا لا أكمام له يا عزيزتي؟ ...
قلت ضاحكة: يا عجبا! ... ألمثلي يصلح القميص المهفهف الوردي لا كم له؟ ...
فقال: نعم، وله حاشية من مخمل مذهب، فأنت مديدة القامة سمراء المعارف، وإنك لتترائين في ريطة مهفهفة كهذه مليكة من الملكات البهيات الباهرات ...
قلت: ولمن ترين ألبسه؟ ومن ذا سيشهدني مترائية به؟
صفحه نامشخص