التعليقات السنية على العقيدة الواسطية

Muhammad ibn Khalifa Al-Tamimi d. Unknown

التعليقات السنية على العقيدة الواسطية

التعليقات السنية على العقيدة الواسطية

ناشر

دار الأماجد

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٤٢ هـ - ٢٠٢١ م

محل انتشار

الناشر المتميز

ژانرها

مقدمة المصنف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليُظهره على الدين كُله، وكفى بالله شهيدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إقرارًا به وتوحيدًا. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسَلَّم تسليمًا مزيدًا».

1 / 5

مقدمة الشارح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، ثم أما بعد: قبل أن نشرع في بيان ما احتوت عليه هذه «العقيدة الواسطية» من مسائل وقضايا- أُحِبُّ أن أُقَدِّم ببعض المقدمات. المقدمة الأولى: مفهوم العقيدة: أولى تلك المقدمات: هي ما يتعلق بشأن هذا العلم؛ علم العقيدة، فإن كثيرًا من طلبة العلم قد يدرس جزئيات هذه العقيدة دون أن يستوعب كيفية الربط بينها وبين ما يَعنيه هذا العلم؛ لذا لا بد من وضع مقدمة هنا تتعلق بأمر هذه العقيدة؛ لكي يستطيع طالب العلم أن يربط بين جزئيات المسائل وبين كلياتها. فعلم العقيدة علم يُعنى بباطن الإنسان، فنحن إذا ما تأملنا حديث جبريل المعروف، والذي بَيَّن فيه النبي ﷺ أركان الإسلام وأركان الإيمان والإحسان، نرى أنَّ النبي ﷺ جعل أركان الإسلام هي الأمور الظاهرة، وجعل أركان الإيمان هي الأمور الباطنة، ثم ذكر الإحسان، والإحسان مجموع الأمرين؛ لأن الإحسان هو إتقان الظاهر والباطن، فإذا ما أتقن الإنسان الظاهر والباطن- فإنه بذلك

1 / 7

يكون من أهل الإحسان. فإذا قلنا: إن العقيدة أمر يُعنى بالباطن، فالسؤال الذي يفرض نفسه ما هو الباطن؟ والجواب: أن الباطن هو مجموع أمرين: أمر الفكر والنَّظر. وأمر الإرادة والعمل. ونحن لو تأملنا في عِدَّة نصوص من كتاب الله ﷿ وسنة نبيه ﷺ؛ لأرشدتنا إلى مفهوم هذا الباطن؛ وذلك كقول الله ﷿ في تزكيته لنبيه ﷺ حيث قال: ﴿ما ضَلَّ صاحبكم وما غوى﴾؛ فقد زَكَّاه الله ﷾ في جانبين، وكذا تزكية النبي ﷺ للخلفاء من بعده؛ كقوله: «عَليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (^١). قال الراغب الأصفهاني: «والرُّشد: خلاف الغَي، يستعمل استعمال الهداية؛ يقال: رَشَدَ يَرْشُدُ، ورَشِدَ يَرْشَدُ؛ قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]، وقال: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦]، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١]، وبين الرُّشدين- أعني: الرُّشد المؤنس من اليتيم، والرُّشد الذي أوتي إبراهيم ﵇ بونٌ بعيدٌ» (^٢). وإذا ما جمعنا بين الآية والحديث نجد أن لكل لفظ ما يقابله؛ فالرشد ضد الغواية، والهدى ضده الضلال، فإذًا أخبر الله تعالى بكمال الهدى والرشد للنبي ﷺ، وزكى النبي ﷺ الخلفاء وأخبر بأنهم راشدون مهديون.

(^١) أخرجه الترمذي (٢٦٧٦)، وأبو داود (٤٦٠٧)، والدارمي (٩٦) من العرباض بن سارية؟، وصححه الألباني في «الصحيحة» (٩٣٧). (^٢) «المفردات في غريب القرآن» (ص ٣٥٤).

1 / 8

والرشد مكانه العقل، ولذلك قال الله ﷾ في شأن اليتامى: ﴿فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم﴾؛ فلا يدفع المال إلى اليتيم إلا إذا بلغ رشده، وليس ببلوغه سن التكليف، فإذا أحسن التصرف في ماله فعند ذلك يُدفع إليه، وأما إذا لم يحسن ذلك فلا يدفع إليه هذا المال حتى يرشد. فالرشد مكانه العقل، والهدى مكانه الإرادة أو القلب بمفهومه الخاص؛ لأن القلب في الحقيقة هو الباطن، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب. والعقل يُراد به العلم، ويراد به العمل؛ فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد؛ فلا بد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة إلى الدماغ؛ فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء» (^١). وإن كان في بعض النصوص قد يُطلق القلب ويراد به أحد الجانبين، كما في قول النبي ﷺ: «ألا وإنَّ في الجسد مُضغة إذا صَلَحت صَلَح الجسد كله، وإذا فَسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (^٢). وقد كان من دعاء النبي ﷺ: «اللهم ألهمني رُشدي، وأَعِذني من شَرِّ نفسي» (^٣)؛ فدعا هنا بكمال الأمرين: بكمال الإرادة والعمل،

(^١) «مجموع الفتاوى» (٩/ ٣٠٤). (^٢) أخرجه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير؟. (^٣) أخرجه أحمد (٣٣/ ١٩٧) برقم (١٩٩٩٢)، والترمذي (٣٤٨٣) واللفظ له من حديث عمران بن حصين؟، وإسناده عند أحمد صحيح على شرط مسلم، كما قال محققو «المسند».

1 / 9

وبكمال الفكر والنظر. ولو تأملنا قول النبي ﷺ: «أصدق الأسماء: حارثٌ وهَمَّام» (^١). فهذان الاسمان أصدق وسمٍ على الإنسان؛ لأنه في إرادة دائمة وكسب دائم؛ إمَّا إلى خير وإما إلى شر، وفي همٍّ وتفكير دائم؛ إمَّا إلى خير وإما إلى شَرٍّ؛ فهذان الاسمان أصدق وصف للإنسان. والوحي قد جاء يخاطبك أيها الإنسان من داخلك، وهذه العقيدة جاءت لتعنى بك من داخلك، وداخلك هما هذان الأمران، ولذلك تأمل قول الله ﷾ حيث قال: ﴿إنه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الحاقة: ٤٠ - ٤٢]، لماذا ذكر الشعراء؟ ولماذا ذكر الكُهَّان هنا؟ وما وجه هذا الذكر في باب الثناء على الوحي؟ والجواب: لتعلم أن هذا الوحي جاء يخاطبك أيها الإنسان، وليس هذا الوحي مجرد قول شاعر يتلاعب بمشاعر الإنسان وإرادته، ويحاول في بعض الأحيان أن يقلب الحق باطلًا والباطل حقًّا، فقد يُزَيِّن الزنا باسم الحب والغرام وغير ذلك، وهذا ما يفعله كثير من الشعراء، وكذلك قال: ﴿ولا بقول كاهن﴾؛ لأن الكاهن يتلاعب بالحقائق العلمية. فإذًا نزه الله هذا الوحي عن أن يكون من هذا أو من ذاك. وتأمل كذلك هذا النص في سورة الشعراء: ﴿هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم﴾؛ فذكر الكهان، ثم قال: ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾؛ فذكر الصنفين، وأعاد

(^١) أخرجه أبو داود (٤٩٥٠) وأحمد في «المسند» (١٩٠٣٢ (، والبخاري في «الأدب المفرد» (٨١٤ (من حديث أبي وهب الجشمي؟، وصححه الألباني في «الصحيحة» (١٠٤٠).

1 / 10

ذكر هذين الصنفين، والشيطان عدو الإنسان لا يدخل عليه إلا من أحد هذين البابين؛ إمَّا باب الشهوات المحرمة، وهذه تتسلط على الإرادة. وإما من باب شبهات الضلال، وهذه تتسلط على الفكر والنَّظر. فإذًا نخلص من هذه النصوص إلى أن الباطل مجموع الأمرين: مجموع الفكر والنظر ومجموع الإرادة والعمل. وقد لخَّص لك السلف هذه الحقائق بقولهم: «الإيمان قول وعمل». ومعنى قولهم: «قول» أي علم وعمل؛ فعلم يجعل الإنسان يُميز بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبالتالي يعرف الإيمان؛ فيقوم به، ويعرف الكفر ليجتنبه. وعمل وهو الجانب الإرادي. ولذلك وأنت تدرس العقيدة يجب أن تعلم أنها تقوم على مجموع الأمرين، وهذا ما تميز به منهج السلف؛ فقد اعتنى بكلا الجانبين (العلم والعمل)؛ فاعتنى بمجموع الأمرين في هذا الباطن الذي هو في الحقيقة بصلاحه يصلح أمر الإنسان كله؛ لأنه متى ما صلح الباطن صلح الظاهر، واستقامت الجوارح بناءً على استقامة هذا الباطن؛ فضلًا عن أن هذا هو المقصود بعلم العقيدة. وهاك بعض الأمثلة كتطبيقات على ما تقدم: كيف تكون مؤمنًا بالله تعالى؟ لا تكون مؤمنًا بالله تعالى حتى تعرف الله، وهذا جانب علمي. وحتى تعبد الله، وهذا جانب عملي. وإيمانك بالنبي ﷺ لا يصح حتى تصدق به، وهذا جانب علمي. وحتى تتبعه، وهذا جانب عملي. وكذلك القرآن وهو إما أخبار وإما أوامر؛ فحق الأخبار أن

1 / 11

تُصدق، وحق الأوامر أن تُتَّبع، إذًا ما جاء هذا الوحي إلا ليُصلح هذا الباطن. فهذا هو علم العقيدة إذا درسته وتعمقت فيه فبقدر هذا التعمق يجب أن تصلح من باطنك، وإذا أصلحت هذا الباطن استقام هذا الفكر؛ فرأيت الحق حقًّا والباطل باطلًا، وعندها تستقيم عندك أمور النظر، وتستقيم بهذا الوحي الذي هو كلام الله وكلام رسوله ﷺ، وتستقيم كذلك باتباع الأوامر؛ فمن هنا قدمت بهذه المقدمة المختصرة. فالجانب العلمي هو أنك عرفت الله ﷾، ومَيَّزت بين هذا الإله الحق وبين هذه الآلهة الباطلة، وعرفت ما يستحقه ﷾ من أسماء حسنى وصفات عُلَا .. إلى غير ذلك من هذه الجوانب العلمية، وهكذا إذا درست أعمال القلوب من خوف ورجاء وتوكل وغير ذلك .. فهذه جوانب عملية، وطبعًا كلا الأمرين لا بد منه، فعندما يقول السلف: «الإيمان- أي: العقيدة- قولٌ وعملٌ»، فإنما يعنون مجموع الأمرين؛ فلا ينفع العلم وحده، ولا ينفع العمل وحده. ونحن لا نكتفي بباب العلم بالله ﷾، فهذا العلم لا بد أن يتبعه العمل، لذا بوب البخاري بابًا سماه: (باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ [محمد: ١٩] فبدأ بالعلم) (^١). فلعل في هذه المقدمة المختصرة بيان لمفهوم العقيدة وهو أن اعتقاد الأسان في باطنه بمجموع الأمرين؛ فيؤمن بجانب العلم، ويؤمن بجانب العمل. وبالتالي دراسة هذه العقيدة تصلح هذين الجانبين، وبصلاحهما يَصلح الإنسان في جميع أحواله بإذن الله ﷾؛ فمتى ما ازداد علمًا بها

(^١) «صحيح البخاري» (١/ ٢٤، ٢٥).

1 / 12

وتعمُّقًا فيها فإنه بذلك يصلح من أمر هذا الباطن، وهذا سبب في سَدِّ منافذ الشيطان من شبهات الضلال وشهوات الحرام .. فنحن متى ما استقام فكرنا ونظرنا وعلمنا واستقامت كذلك إرادتنا صلح حالنا، ومن هنا يجب أن نُعنى بهذا الجانب أعظم العناية؛ فنأخذه من منبعه الصافي، لأننا أمناء على ما نتعلم ونعتقد وما نعمل، وسنسأل عما نعلم وعما نعمل؛ لذا يجب أن يكون ما نعلمه وما نعمله وفق ما أمر الله ﷾ به ووفق ما أمر به رسوله ﷺ. فهذا مفهوم العقيدة، والعقيدة- بحمد الله تعالى- سهلة ميسرة ومحببة إلى النفس، لكن متى ما أحسن الإنسان أخذها من معينها الصافي، ومتى ما أحسن استيعابها وأخذها على الوجه الذي ينبغي، أما إذا حصل خلل من جهة المأخذ أو من جهة التطبيق؛ فهذا الخلل يعود إلى المتلقي. المقدمة الثانية: فهم الأوليات والأولويات: هناك أوليات وأولويات للعقيدة؛ لأن النبي ﷺ قد قال لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن: «فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله» (^١)، وفي رواية: «فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى» (^٢). فينبغي أن تتأمل في ترتيب هذه الأولويات؛ كيف رتبها المصنف؟ وهذا هو ترتيب أهل السنة والجماعة؛ وكل خير في اتباع

(^١) أخرجه أبو داود (١٥٨٤) بلفظ: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب؛ فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله …»، وأخرجه البخاري (١٤٥٨) ومسلم (١٩) من حديث ابن عباس ﵄، بلفظ: «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم …». (^٢) أخرجه البخاري (٧٣٧١) من حديث ابن عباس ﵄.

1 / 13

من سلف وكل شر في ابتداع مَنْ خلف؛ فأول ما يبدأون به: الإيمان بالله ﷾، ثم بقية أركان الإيمان. وقد يأتي وقت من الأوقات مَنْ يحاول أن يغير هذا الترتيب، وأن يقدم بعض الأمور التي جاءت في آخر العقيدة؛ فهل ننساق وراء رغباته؟ أو وراء هذا المنهج الذي قد يسلكه البعض؟ لا، بل يرجى أن يتم التمكن لهذه المسألة؛ لأننا أصحاب العقيدة، وفيها أوليات وفيها أولويات، ولسنا بحاجة إلى مَنْ يعيد لنا ترتيب هذه الأمور، فلا يأتي إنسان فيجعل من مسائل الأحكام أو مسائل الأسماء أولية، أو يجعل من مسائل الخلافة والإمامة أول هذه المسائل ويرجئ مسائل الإيمان بالله .. إلى آخر ذلك، فمثلًا إذا جاء إنسان يريد أن يحيد عن منهج أهل السنة والجماعة ومنهج أهل السلف؛ فيجب أن نعلم أن هذا هو سبيلنا؛ فأمورنا مرتبة بحمد الله تعالى. ونحن- بحمد الله تعالى- نتميز بأمرين: أولًا: ثبات العقيدة؛ فما كان عليه النبي ﷺ وما كان عليه أصحابه فنحن عليه إلى هذا اليوم، ووالله ما نرضى أن نحيد عن هذا قدر أنملة، وإن حدنا عن هذا المنهج فنحن- والله- في ضلال، والعقيدة منا براء. ثانيًا: اتصال العقيدة؛ فعقيدتنا ليست منقطعة، ولا شك أن العقيدة التي تركها النبي ﷺ واستقام عليها أصحابه رضوان الله عليهم محفوظة؛ قال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أُمَّتي على الحق ظاهرين» (^١)، وعندما سُئل النبي ﷺ عن الفرقة الناجية قال:

(^١) أخرجه البخاري (٧٣١١) ومسلم (١٥٦) من حديث المغيرة بن شعبة؟.

1 / 14

«مَنْ كان على مِثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (^١). فإذا كنا على هذه العقيدة التي كان عليها النبي ﷺ وكان عليها أصحابه فنحن على الحق بإذن الله تعالى، وإذا حُدنا فضلالنا على أنفسنا. فلنعلم أننا أمام عقيدة ثابتة متصلة سندها إلى النبي ﷺ، ولذلك تميز أهل السنة- أهل الحديث- بالإسناد. هذا ما أردتُ أن أُقَدِّم به بين يدي شرح هذه العقيدة. أمَّا عن سبب تأليف العقيدة الواسطية؛ فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «كان سبب كتابتها: أنه قدم عليَّ من أرض واسط بعض قُضاة نواحيها- شيخ يقال له: رضي الدين الواسطي من أصحاب الشافعي ﵀ قدم علينا حاجًا، وكان من أهل الخير والدين، وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد وفي دولة التَّتَر من غلبة الجهل، والظلم، ودروس الدين والعلم، وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، فاستعفيت من ذلك، وقلت: قد كتب الناس عقائد متعددة، فخذ بعض عقائد أئمة السنة، فألحَّ في السؤال، وقال: ما أحب إلا عقيدة تكتبها أنت، فكتبت له هذه العقيدة وأنا قاعد بعد العصر» (^٢).

(^١) أخرجه الترمذي (٢٦٤١) من حديث عبد الله بن عمرو ﵄، وقال: «هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، قال الحافظ العراقي في «المغني» (٣/ ٢٨٤): «أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، ولأبي داود من حديث معاوية وابن ماجه من حديث أنس وعوف بن مالك: «وهي الجماعة»، وأسانيدها جياد، وحسنه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (٣٢٢٧). (^٢) «مجموع الفتاوى» (٢/ ١٦٤).

1 / 15

قال المصنف ﵀: «أمَّا بعد: فهذا اعتقاد الفرقة النَّاجية المنصورة إلى قيام الساعة؛ أَهْل السُّنَّة والجَمَاعَة. وهو الإيمانُ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبَعث بعد الموت، والإيمان بالقدَر؛ خَيره وشَرِّه». الشرح نبدأ الآن بشرح كلام المصنف ﵀؛ إذ قال أنه سيذكر اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، وهم أهل السنة والجماعة. والفرقة الناجية لها ألقاب: (أهل السنة والجماعة- الطائفة المنصورة- أهل الحديث- الغرباء)؛ فهذه المسميات جاءت بها النصوص، وبحمد الله تعالى عُرف أهل السنة بأنهم هم أهل السنة، فهذا هو اسمهم ثم كما جاء في الحديث: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»؛ فهم الطائفة الناجية والطائفة المنصورة التي استقامت على هذا المنهج الذي جاء به الوحي؛ فلزمته علمًا وعملًا ودعوة. فأول ما بدأ به المصنف هنا أنه ذكر أركان الإيمان فقال: «الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر؛ خيره وشره»، فهذه أركان الإيمان التي جاء بها حديث جبريل (^١).

(^١) حديث جبريل الطويل، وفيه بيَّن النبي ﷺ أركان الإسلام وأركان الإيمان وعرَّف الإحسان، وذكر بعض علامات الساعة، أخرجه البخاري مختصرًا (٤٨) من حديث أبي هريرة؟، وأخرجه مسلم بطوله (٩) من حديث عمر؟.

1 / 17

ولفظ الإيمان تارة يُطلق ويراد به: مجموع الدين، وتارة يطلق ويراد به: الأمور الباطنة. ولفظ الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ فحديث: «الإيمان بضع وسبعون شعبة» (^١) - شمل جميع أمور الدين؛ فالإيمان يشمل جميع أمور الدين أحيانًا، وتارة يراد بالإيمان الجانب الباطن من الإنسان، كما في حديث جبريل عندما سأل النبي ﷺ عن الإيمان، فقال: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وبالقدر؛ خيره وشره». فهنا يراد به الأمور الباطنة. وهكذا الإسلام تارة يُطلق ويراد به جميع الدين، كما قوله تعالى: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾، وتارة يطلق ويراد به: الأمور الظاهرة، كما في حديث جبريل المتقدم، وفيه: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﷺ، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا». فمن هذا نعلم أن هذه الألفاظ أحيانًا تعم جميع الدين، وأحيانًا تختص ببعض أموره، ومراد المصنف هنا: ما يتعلق بالأمور الباطنة. والإيمان لغة: التصديق. أو أنه أمر يشمل التصديق، ويشمل معه غيره. والصواب: أن الإيمان ليس مجرد التصديق، فالإيمان يشمل التصديق ويشمل الإقرار والانقياد.

(^١) أخرجه البخاري (٩) ومسلم (٣٥) واللفظ له من حديث أبي هريرة؟.

1 / 18

أركان الإيمان: ذكر المصنف أركان الإيمان السِّتة، وسنتحدث عنها بشيء من التفصيل. قال العلامة السّعْدي ﵀ في رسالته النافعة «التنبيهات اللطيفة»: «وأصلها الذي عليه تُبنى: أي: أصل هذه العقيدة هو الإيمان بهذه الأصول السِّتَّة التي صرَّح بها الكتاب والسنة في مواضع كثيرة جملة وتفصيلًا وتفريعًا، وهي المذكورة في حديث جبريل المشهور حيث قال جبريل للنبي ﷺ: ما الإيمان؟ فأجابه. فهذه الرسالة من أولها إلى آخرها تفصيل لهذه الأصول الستة» (^١). ومن المواضع التي ذكر اللهُ فيها هذه الأركانَ السِّتَّةَ العظيمة قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٣٦]. فهذه خمسة أركان، والسَّادس بيَّنه اللهُ في قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]. وذكرها النبي ﷺ في سُنَّتِه في حديث جبريل المشهور، عندما سأله ﵇ عن الإيمان، فقال رسول الله ﷺ: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه».

(^١) «التنبيهات اللطيفة» (ص ١٣).

1 / 19

الركن الأول: الإيمان بالله: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله هو الرَّبُّ الخالق المدبِّر المتصف بصفات الكمال والجلال، المنزَّه عن كل نقص وعيب، المستحق للألوهية وحده لا شريك له، وهو أصل الأصول وأعظمها وأهمها، وعليه تُبنى العقيدة كلها. ثمرات الإيمان بالله ﷿: ذكر العلامة ابن عثيمين ﵀: أن «الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبةَ الله وتعظيمَه الموجبةَ للقيامِ بأمرِه واجتنابِ نَهْيِهِ، ويحصل بهما كمال السَّعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع؛ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]» (^١). الركن الثاني: الإيمان بالملائكة: قال الكرماني: «الملائكةُ: جمع مَلَكٍ؛ نظرًا إلى أصله الذي هو (مألك) مَفْعَل من الألوكة، بمعنى الرسالة، والتاء زيدت فيه لتأكيد معنى الجمع، أو لتأنيث الجمع» (^٢). والإيمان بالملائكة يجب أن يكون إيمانًا مُجملًا بجميعهم؛ مَنْ علمنا منهم ومَن لم نعلم، وأن الله خلقهم من نور، وأنهم عباد مُكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون ولا يتناسلون، وكذلك يجب أن يكون إيمانًا مُفَصَّلًا بمن ذُكر منهم باسمه؛ كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، وبصفة مَنْ ذُكر منهم بوصفٍ؛ كحملة العرش وخزنة النار

(^١) «مجموع رسائل وفتاوى العثيمين» (٣/ ٢٥٩). (^٢) «الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري» (١/ ١٩٤).

1 / 20

وجبريل، وبعدد مَنْ ذُكِر منهم بعددٍ كخزنَة النار وحملة العرش. وبعمل مَنْ ذُكِر منهم بعملٍ؛ فمنهم الموكَّل بالجبال، ومنهم الموكَّل بالقَطر، ومنهم الموكَّل بفتنة القبر، ومنهم الموكَّل بالنفخ في الصور وغير ذلك. ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: أولًا: العلم بعظمة خالقهم ﵎ وقدرته وسلطانه. ثانيًا: شكره تعالى على عنايته بعباده، حيث وكَّل بهم مِنْ هؤلاء الملائكة مَنْ يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم. ثالثًا: محبَّة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين (^١). الرُّكن الثالث: الإيمان بالكتب: هو الاعتقادُ الجازمُ أن الله تعالى أنزل على رسله كتبًا حجة على العالمين، ومحجة للعاملين؛ يعلمونهم بها الحكمة، ويزكونهم. ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتابًا؛ لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. ونعلم من هذه الكتب: ١ - التوراة: التي أنزلها الله تعالى على موسى ﷺ، وهي أعظم كتب بني إسرائيل؛ قال ﷿: ﴿فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ

(^١) انظر: «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العثيمين» (٣/ ٢٥٩).

1 / 21

كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾. ٢ - الإنجيل: الذي أنزله الله تعالى على عيسى ﷺ، وهو مصدق للتوراة، ومتمم لها؛ قال جل وعلا: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾. ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾. ٣ - الزَّبور: الذي آتاه الله تعالى داود ﷺ. ٤ - صُحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام. ٥ - القرآن العظيم: الذي أنزله الله على نبيه، محمد خاتم النبيين ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ فكان ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾؛ فنسخ الله به جميع الكتب السابقة، وتكفل بحفظه عن عبث العابثين، وزيغ المحرفين؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾؛ لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة (^١). من ثمرات الإيمان بالكتب: أولًا: العلم برحمة الله وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتابًا يهديهم به. ثانيًا: ظُهُور حِكمته تعالى؛ حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها، وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم مُناسبًا لِجَميع الخَلْقِ في كلِّ عَصر ومكانٍ إلى يوم القيامة. ثالثًا: شكر نعمة الله على ذلك (^٢).

(^١) انظر: «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العثيمين» (٣/ ٢٤١). (^٢) انظر: «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العثيمين» (٣/ ٢٥٩، ٢٦٠).

1 / 22

الركن الرابع: الإيمان بالرسل: والرسول: هو رجلٌ من بني آدم بَعَثَه اللهُ بشرعٍ، وأَمَرَه بتبليغه. والإيمان بالرسل مُجْمَلٌ، وذلك بجميع رسل الله؛ مَنْ علمنا منهم ومَن لم نعلم؛ قال تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤]، وإيمانٌ مفصَّلٌ، وذلك بجميع من ذُكر منهم باسمه في كتاب الله، أو في سنة رسول الله ﷺ الصحيحة. مِنْ ثمرات الإيمان بالرسل: أولًا: العلم برحمة الله وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد. ثانيًا: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى. ثالثًا: مَحَبَّة الرُّسل وتوقيرهم، والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا لله بعبادته وتبليغ رسالته والنصح لعباده والصبر على أذاهم» (^١). الركن الخامس: البعث بعد الموت: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سيبعث الناس بعد موتهم، ويُعيد إليهم أرواحهم، وذلك للحساب والجزاء. دلَّ على ذلك الأدلة المتوافرة من الكتاب والسُّنَّة وإجماع المسلمين، بل واليهود والنصارى وكل الشرائع السماوية السابقة. ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر: أولًا: الحرص على طاعة الله تعالى؛ رغبة في ثواب ذلك

(^١) «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين» (٣/ ٢٦٠).

1 / 23

اليوم، والبعد عن معصيته، خوفًا من عقاب ذلك اليوم. ثانيًا: تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا، ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها (^١). الركن السَّادس: الإيمان بالقدر خيره وشره. هو الاعتقاد الجازم بتقدير تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته؛ قال جل وعلا: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾، ونؤمن مع ذلك أن الله تعالى جعل للعبد اختيارًا وقدرة بهما يكون الفعل، وإن كان لا يخرج بهما عن مشيئته سبحانه؛ قال سبحانه: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. والاعتقاد أن الله تعالى أرسل ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾، ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره ما بطلت حجته جل وعلا على الناس بإرسال رسله. من ثمرات الإيمان بالقدر: أولًا: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب؛ لأن السبب والمسبب كليهما بقضاء الله وقدره. ثانيًا: راحة النفس وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشًا، وأروح نفسًا، وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر. ثالثًا: طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد؛ لأن حصول

(^١) «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين» (٣/ ٢٦٠).

1 / 24

ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح؛ فيشكر الله تعالى على ذلك ويدع الإعجاب (^١).

(^١) «مجموع رسائل وفتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين» (٣/ ٢٥٦ - ٢٦٠) بتصرف.

1 / 25

قال المصنف ﵀: «ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسَه في كتابه، وبما وصفه به رسوله مُحمد ﷺ؛ من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ». الشرح بعد أن ذكر المصنف ﵀ أركان الإيمان إجمالًا- بدأ في بيان تفصيلِها؛ فبدأ بالأصلِ الأولِ، وهو الإيمان بالله ﷿؛ فقال: «من الإيمان بالله: الإيمانُ بما وصف به نفسَه في كتابه، وبما وصفه به رسوله مُحمد ﷺ؛ من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ». فعقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بوجود الله ﷾، وأنه الأول بلا ابتداء، والآخِر بلا انتهاء، وأنَّه الرب الخالق الرازق المُدَبِّر، الإله الحق، المستحق للعبادة وحده، وأن من الإيمان به سبحانه: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى، وذلك بأن نثبت له ما أثبته لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسوله محمد ﷺ؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. فأهل السنة يؤمنون أن الله ليس كمثله شيء؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يُمَثِّلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سَمِيَّ له، ولا كُفء له، ولا نِدَّ له، ولا يقاس جل وعلا بخلقه.

1 / 26