السنة والتشريع - موسى شاهين لاشين
السنة والتشريع - موسى شاهين لاشين
ناشر
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف هدية شهر شعبان ١٤١١ هـ
محل انتشار
مجلة الأزهر
ژانرها
ـ[السنة والتشريع]ـ
المؤلف: موسى شاهين لاشين (المتوفى: ١٤٣٠هـ)
قدم له وعنى بإعداده وإخراجه: رئيس التحرير، د. علي أحمد الخطيب.
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف (هدية شهر شعبان ١٤١١ هـ - مجلة الأزهر)
عدد الأجزاء: ١
أعدَّهُ للمكتبة الشاملة/ توفيق بن محمد القريشي - غفر الله له ولوالديه.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]:
إن الظروف التي نعيشها اليوم تجعل لهذا الموضوع أهمية خاصة، فهناك نهضة دينية، أو صحوة إسلامية تهتم بالسُنَّة النبوية، وهناك مقالات صحفية، ومؤلفات حديثة، ومؤتمرات عالمية، ومراكز بحوث للسُنَّة النبوية في بلاد إسلامية.
وفي مقابل ذلك الجناح الآخر تشهير ومهاجمات، ومحاولات للنيل من قدسية النبوة، تعنِّفُ تارة وتلين أخرى، تأخذ شكل أمواج البحر، تعلو وتهبط، لكنها تتدافع في اتجاه واحد.
وقد اختلف حجم هذه المحاولات من بلد إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، وكلما اشتد ضعف المسلمين اشتدت الحملة، وتوالى الهجوم، تمامًا كميكروب الأمراض، كلما ضعفت المناعة والحصانة كلما اشتدَّ الهجوم والافتراس.
إنَّ السُنّة كانت هدفًا لأعداء الإسلام منذ زمن بعيد، لكنها قاومت وتقاوم، وحطمت وتحطم محاولات المُبشِّرين والمستشرقين، بما رسخ في قلوب المؤمنين من إيمان وتقديس وحب اقتداء.
لكن مشكلة العصر تشكيك بعض علماء المسلمين فيها بصفة عامة بهدف أو بآخر، ولا نبالغ إذا قلنا:
إنَّ أعداء الإسلام والمستشرقين والمُبشِّرين بل والاستعمار والغزو الثقافي وراء هذه المحاولات، او بالأحرى وراء بعض هذه المحاولات، ومما لا شك فيه أنَّ كثيرًا ممن يرفع عقيرته
1 / 3
في السُنَّة بغير علم قد رضع لبنًا غير ألبانها، وفطم عن ثدي غير ثدي أمها، سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، وسواء استهدف مطعمًا دنيويًا من منصب أو جاه أو شهرة أم لم يستهدف.
إنَّ الحرية الشخصية في العقيدة وفي إبداء الرأي فهمت في عالمنا الإسلامي المعاصر فهمًا غير صحيح، واستغلت بشكل واسع وملحوظ في التدخل في الدين وأحكام الشريعة، وفي الحديث النبوي بشكل واسع.
وقد يغتر مسلم بنفسه، ويظن أنه من أولى العلم لمجرد أنه قرأ كتابًا أو كُتُبًا، أو أنه درس مسألة، أو أنه اشتهر بين الناس كعالم، أو أنه تولى منصبًا، وقد تسوِّلُ له نفسه أنه لا يقل عن الصحابة في فهمهم، ولا عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل وأصحابهم في علمهم وفقههم، وقد ينخدع به أناس يستجيبون له، ويُرَوِّجون باطله وزيفه.
هذه هي المشكلة التي تواجه التراث الإسلامي العريق والأحكام الشرعية الأصيلة في هذه الأيام.
شراذم من البشر تعطي رئيسها أو أميرها حق الاجتهاد، وتنقاد لما يقول غير عابئة بأقوال جهابذة الصحابة وفحول العلماء، وإنْ كان أميرهم محدود العلم قليل البضاعة.
وأفراد صفر اليدين من مبادئ العلوم الشرعية، يجهلون الأوليات منها يقولون: نأخذ أحكامنا رأسًا من الكتاب والسُنّة.
وعلماء تخصَّصُوا في فنون أخرى غير الشريعة، ظنوا في أنفسهم القدرة على دراسة القرآن والسُنّة، واستنباط
1 / 4
الأحكام منها، وهم يفتقدون وسائل الفهم الصحيح المبني على قواعد الشريعة وأصولها.
وأصحاب أهداف سياسية وأغراض مشبوهة يصيحون بين الحين والحين: إنَّ باب الاجتهاد مفتوح، وكل مفكر مسلم أهل للاجتهاد في الشريعة، ولا حجر على العقول، وبين أيدينا المصحف وكُتب الحديث، وهم لا حفظون القرآن ولا يحفظون خمسة أحاديث، ولا يُميِّزون بين صحيحها وضعيفها.
باب الاجتهاد مفتوح.
نعم.
هو مفتوح منذ رسالة محمد ﷺ وإلى قيام الساعة، ولكن البحث فيمن يطرق هذا الباب ويلِجُهُ، في مؤهلاته له، وفي الثقة فيه، وفي الأخذ عنه.
الإسلام احترم العقل - نعم - ودعا إلى التفكير والبحث والاستنباط والترقي في المعارف إلى أقصى ما يطيق البشر، ولا حجر على العقول، ولكل أنْ يجتهد لنفسه، ويعمل بما يرى، وحسابه على الله، أما أنْ يُفتي للناس وهو غير أهل للفتوى، فإنه يخشى عليه ويخشى منه، يخشى أن يَضلَّ ويُضلَّ والعياذ بالله.
لقد سُئِلْتُ من جماعة منحرفة عمن له حق الفتوى في الدين؟ فسألت السائل - وكان طبيب أنف وأذن وحنجرة: «من له الحق في الطب؟» قال: «الطبيب». قلتُ: «فمن له حق التشخيص الصحيح في مرض القلب؟» قال: «طبيب القلب طبعًا». قلتُ: «وليس طبيب الأنف والأذن والحُنجرة؟» قال:
1 / 5
" لا. أبدًا». قلتُ: " فإنَّ طب الروح والدين لا يقل عن الجسد. فحق الفتوى في الدين لعلماء أفنوا حياتهم في علومه وفي دراسة دقائقه وأسراره.
المشكلة أنَّ الساحة الإسلامية كثر فيها المُدَّعُون للاجتهاد، المُتَصَدُّون للفتوى بغير علم، الحريصون على اقتحام حصون الشريعة بتهوُّرٍ ودون مهابة، وبتبجُّجٍ دون حياء، وبغير زاد ولا سلاح، وتورَّعَ العالمون، وخافوا الاجتهاد وأكبروه، واستصغروا أنفسهم وعلمهم أمامه، هيبة وإجلالًا لأهله، وخوفًا من الله إذا هم أخطأوا، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (١).
خافوا أنْ يَصْدُقَ عليهم قول رسول الله ﷺ يَحْكِي عن آخر الزمان: «اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا» (٢).
إن علماء الدين الذين يعرفون أنفسهم لا يتطاولون إلى الأئمة الذين خدموا الشريعة وأسَّسُوا فقهها وكانوا المنهل الذي اغترفوا منه، فهم لا بد أنْ يستنيروا بآرائهم وأنْ يقيسوا عليها ما يجد لهم في أطوار حياتهم.
إنَّ علماء القرون الأولى كانوا موسوعة علمية في التفسير والحديث وعلومهما وما يخدمهما من علم الأصول واللغة العربية ك نحوها وصرفها وبلاغتها وأصولها وأسرار عباراتها، أما نحن فقد شغلتنا أموالنا وأهلونا ومواقعنا في تيارات الحياة المتدافعة، فمع إيماننا بأنَّ هذه العلوم يخدم بعضها بعضًا قسمناها إلى تخصُّصات بل كليات مختلفة: كلية اللغة العربية وكلية الشريعة وكلية أصول الدين،
_________
(١) [فاطر: ٢٨].
(٢) رواه البخاري في: [كتاب العلم] و[كتاب الفتن].
1 / 6
وأصبح التفسير وعلوم القرآن قسمًا يتخصَّصُ فيه طالب غير الطالب الذي يتخصَّصُ في قسم الحديث وعلومه، وأصبحنا في كل تخصُّص نقرأ كتب الأوائل ونحاول استيعابها. وهيهات ... وإنما يعرف الفضل من الناس ذوُوهُ.
لا تشغلنا هذه المشكلة المتسعة الأطراف عن مشكلتنا المحصورة في المُشكّكين أو المُتشكِّكين في السُنَّة النبوية وهي طرف من المشكلة الواسعة التي أشرنا إليها.
إنَّ الذين يحاولون النيل من السُنَّة تختلف مشاربهم وأهدافهم واتَّجاهاتهم، وإنَّ كثيرًا منهم يفتح له مجال واسع في الإعلام الذي يجري وراء المادة الغريبة المستحدثة والشاذة التي تجذب الجماهير. فإذا أراد العلماء أن يكشفوا الزيف ويردُّوا الشبهات لم يجدوا المجال الكافي المتكافئ مع نشر السموم. ومن هنا يُتَّهَم العلماءُ والمُتخصِّصُون بالقصور أو التقصير ..
إنَّ أملنا في القاعدة الإسلامية الصلبة التي لا تؤثر فيها معاول الهدم.
إنَّ أملنا في القاعدة الإسلامية الراسخة التي لا تزعزعها العواصف، ولولا إيمانها في عقيدتها وشريعتها لكانت النتيجة خطيرة.
إنَّ علماء الأُمَّة الإسلامية منذ العصر الأول تصدَّوْا للدفاع عن السُنَّة وحمايتها من عبث العابثين بالأسلوب العملي والأسلوب العلمي.
أما العملي فحرصوا على الاقتداء، حتى بالغ بعضهم
1 / 7
فيه، فكان يتحرَّى أنْ ينيخ ناقته في المكان الذي أناخ فيه رسول الله ﷺ ناقته.
وأما الأسلوب العلمي فاهتموا بالإسناد، واشتغلوا بنقد الحديث، وجاهدوا في دفع الدخيل، وقَعَّدُوا القواعد، ووضعوا الضوابط، حتى أصبح علم الحديث علومًا متعدِّدة وليس علمًا واحدًا، فورثنا عنهم:
١ - علم مصطلح الحديث، وهو يهتم بتاريخ بالأسماء والمسميات، وأسباب الضعف ومواصفات صحة الحديث.
٢ - وعلم رجال الحديث: ويهتم بتاريخ الرُواة من حيث مولدهم ووفاتهم وموطنهم ورحلاتهم وشيوخهم وتلامذتهم؛ ليتبيَّنَ من ذلك اتصال الإسناد أو عدم اتصاله.
٣ - وعلم نقد الحديث أو علم الجرح والتعديل: ويهتم بوضع كل راوٍ في درجة معينة من حيث العدالة والضبط، ويكفي أن نشير إلى أنهم وضعوا التعديل خمس درجات، أعلاها [أثبت الناس] و[أوثق الناس]، وأدناها [صدوق]، ووضعوا للجرح اثنتي عشرة درجة أدناها [مختلق كذاب]، ووضعوا كل راوٍ في درجة معينة من هذه الدرجات.
٤ - وعلم التخريج ويهتم بعزو الحديث إلى موضعه من المصادر الأصلية المعتبرة في الحديث.
٥ - وعلم دراسة الأسانيد والحكم على الحديث، ويهتم بتطبيق القواعد والضوابط والموازين ليحكم على الحديث بالصحة أو بالحسن أو بالضعف.
٦ - وعلم مختلف الحديث ويهتم برفع التناقض فيما ظاهره التناقض بين الأحاديث.
1 / 8
٧ - وعلم شرح الحديث تحليليًا أو موضوعيًا ويهتم بشرح المفردات واستنباط الأحكام، أو بجمع أحاديث الموضوع الواحد وشرحها.
٨ - وعلم مناهج المُحدِّثين ويهتم ببيان منهج كل مؤلف حديثي وما يحتويه كل كتاب من الموضوعات.
ونستطيع القول بأنَّ هذا البحر الزاخر من العلوم لا يسبح فيه إلاَّ ماهر متخَصِّصٌ بذل الليالي والشهور والسنين ثم قال: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (١) وقال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (٢).
وكلما دخل في الأعماق شعر بصغار نفسه، وكلما تبَحَّرَ عرف قلة علمه، وباب العلم أنْ تعرف نفسك، فما يزال المرء عالمًا ما ظن أنه يجهل، فإنْ ظنَّ أنه قد علم فقد جهل. أي جهل نفسه، وهذا هو الجهل المركَّب كما يقولون.
ومن هنا نجد علماء الحديث وطلابه الراسخين في العلم يحتاطون عند الكلام وعند الفتوى في الحديث، ونجد غيرهم ممن يلبس مسوحهم ويتقمَّصُ شيخصيتهم أكثر جرأة على تناوله وعلى القول فيه بغير علم.
نعود إلى مشكلة هذا العصر، وإنها تكمن في حنجرة من يَدَّعِي علم الحديث والفقه والأصول وكل العلوم، ثم يهاجم الحديث النبوي، ويستبيح حرمه، وينتهك قدسيته، وقد اتخذت هذه المحاولات في أيامنا ثلاث شعب:
الشعبة الأولى: اتجهت إلى تحطيم الرُواة حَمَلَةَ الحديث من مصدره إلينا، وإذا تحطَّمت الوسيلة، وفسدت يُصبح الأصل معتمدًا على لا شيء فيصبح لا شيء، ويمثل هذه
_________
(١) [طه: ١١٤].
(٢) [الإسراء: ٨٥].
1 / 9
الشعبة (أبو رية) في كتابه عن أبي هريرة ﵁ فيتَّهمه بالكذب والاختلاق والافتراء على رسول الله ﷺ وأبو هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله ﷺ، أو ثاني المكثرين من الصحابة، وهو من أوثق المُحدِّثين عند أهل الحديث، فطعنه وإصابته في المقتل طعن لمن هو مثله أو دونه.
الشعبة الثانية: اتجهت إلى تحطيم كتاب من كتب الحديث الأصلية، وكما اختارت الشعبة الأولى أبرز الرُواة، فصوَّبتْ سهامها في صدره ليسقط غيره بسقوطه، اختارت الشعبة الثانية أبرز كتب الحديث وأصحها، وهو " صحيح البخاري "، إذْ سقوطه واهتزاز الثقة فيه تهتز الثقة بجيمع كتب الحديث من باب أولى.
ويمثل هذا الاتجاه ما كتبه (المولوي جراغ علي الهندي) في كتاب أسماه: «أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام» قال: «إنَّ الحديث النبوي ليس قطعيًا كما يظنه المسلمون، بل صحَّته وحُجيته محل نظر وشك، وهو لا يصلح لأنْ يعتمد عليه في معرفة الأحكام، وإنَّ " الجامع الصحيح للإمام البخاري " ﵀ يتضمَّنُ أحاديث موضوعة كثيرة، ولكنَّ المسلمين يَظُنُّونَهُ أَصَحَّ الكتب بعد كتاب الله، بناءً على مغالاتهم في الاعتقاد وتقليدهم الأعمى». اهـ.
ومن هذه الشعبة، وعلى طريقة ما نشره عالم مصري، يحتل درجة أستاذ الحضارة الإسلامية، كتب في صحيفة " أخبار اليوم " المصرية في شهر مايو ١٩٨٣ م ثلاث مقالات
1 / 10
بعنوان: " لا تصدّقوا ما في البخاري من أكاذيب الإسراء والمعراج " يستبعد أو يكذب ما جاء بشأن (البراق)، وصلاة النبي ﷺ بالأنبياء، وعروجه إلى السماء، وتردُّده بين موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وبين ربه، ويبني تكذيبه على الاستبعاد العقلي. وهذا القول منشور في كتاب من كتبه.
وإذا ثبتت الأكاذيب في " البخاري " فقد الثقة كمصدر كبير من مصادر السُنّة، وفقد من هو دونه هذه الثقة من باب أولى. وقد رَدَدْتُ عليه في الصحيفة نفسها بتاريخ ١٨/ ٦ / ١٩٨٣.
الشعبة الثالثة: وهي أخطر الشُعَب، هي المتوجِّهة إلى رسول الله ﷺ رأسًا. لم تتوجه إلى الرُواة كالشعبة الأولى، فالرُواة أدُّوا الأمانة، ولم تتوجه إلى الكتب، ولا إلى " البخاري ". فعبارة ممثل هذه الشعبة [لن نمس بذلك روايات " البخاري " وصحتها، فالبخاري وغيره مِمَّنْ روَوْا هذا الحديث - حديث الذباب - قد روَوْهُ بسند صحيح لا مطعن فيه، ونقلوا إلينا نقلًا صحيحًا ما صدر عن الرسول ﷺ وأدُّوا بذلك الأمانة التي التزموا بها، ولا كلام لأحد في هذا]، إذن فَمِنْ أين العيب والمأخذ؟ في الرسول ﷺ نفسه. يقول الرأي ويظهر الصواب في خلافه، ولا نقول: يخطئ، تأدُّبًا.
بين يديَّ كُتيِّبٌ منشور بدار الكتاب المصري بالقاهرة منذ شهور قليلة بعنوان " السُنّة والتشريع " للدكتور الشيخ عبد المنعم النمر، حدَّد الباحث هدفه على هيئة سؤال في أوله، وانتهى بفتواه وقراره وحكمه، ففي صفحة «٤» يقول: «هل يجوز لنا أن نجتهد في الأحكام فيها
1 / 11
الرسول ﷺ ولو أدى إلى حكم غير الحكم الذي حكم به.
ثم خلص في صفحة «٩» إلى قوله «لا يمكن أن نشد المسلمين الآن في معاملاتهم التي سادت في عصر الرسول ﷺ وبعده، ودونها الفقهاء، في كتب الفقه، فإما أن تكون كتلك المعاملات، وإما كانت مرفوضة. إنَّ ذلك في العقائد والعبادات، وفيما جاء في القرآن عن المعاملات أمر مُسَلَّمٌ به، لا نستطيع تغييره، وإنْ كان يمكن الاجتهاد في فهمه وطريقة تنفيذه كما حصل. أما المعاملات وأحكامها القائمة على الاجتهاد البشري وحده، ولم تكن من الوحي في شيء، سواء من الرسول ﷺ، أو ممن جاء بعده من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء فلا بد من النظر إليها من جديد، على أساس القواعد التي بنيت عليها من قبل، وعلى ضوء الظروف الجديدة، فما كان موافقًا للمصلحة في أيامنا أبقيناه، وما وجدناه غير ذلك كان علينا أن نجتهد فيه».
فهذا التصريح وهذا الرأي الجديد يمكن أنْ يوضع في فقرات محدَّدةٍ.
الأولى: أنه لا يمكن إخضاع المسلمين اليوم في معاملاتهم إلى إطار المعاملات في عصر الرسول ﷺ وبعده إلى اليوم.
الثانية: أنَّ ما جاء عن المعاملات في الأحاديث النبوية، ولم يرد في القرآن، يمكن إهماله وتغييره، بل لا بُدَّ من النظر فيه من جديد.
1 / 12
فالباحث لا يعتدُّ في المعاملات إلاَّ بالقرآن الكريم، ولا يعتدُّ بالأحاديث النبوية فيها، ويكثر من التصريح بذلك، وبدون أدنى غموض، فهو يقول في صفحة «٣٥»: «إنَّ المكلفين يعرفون مصالحهم ويدبِّرونها فيما لم يأت به دليل خاص من الكتاب، وهم أعلم بشؤون دنياهم».
ويقول في صفحة «٥٧»: «وهذا وحده يقضي علينا بالدوران مع المصلحة وقصدها أينما تكن ما دام ذلك لا يتعارض مع النصوص القرآنية ولا مع القواعد الشرعية».
الثالثة: يقرِّرُ الباحث أنَّ له أنْ يجتهد كما كان الرسول ﷺ يجتهد، ويُبِيحُ لنفسه أنْ يخالف حكم الرسول ﷺ وصريح لفظه ونص حديثه، فيقول في صفحة «٤٧»: «ما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات، أفلا يجوز لمن يأتي بعده من أيام الصحابة وحتى الآن أنْ يُدلي في الموضوع باجتهاده أيضًا، ولو أدَّى اجتهاده إلى غير ما قرَّرَهُ رسول الله باجتهاده ولا يصبح ما قرَّرَهُ الرسول باجتهاده حُكمًا ثابتًا للأبد».
الرابعة: يُقَرِّرُ الباحث أنه لا يعتَدُّ في المعاملات بأقوال الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء، فله أنْ يضرب بها كلهاعرض الحائط، وبنص عبارته السابقة [سواء من الرسول ﷺ أو مِمَّنْ جاء بعده من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء] وبكل صراحة واعتداد يقول في صفحة «٥٧»: «وإذا كنا نقول هذا من أقوال الرسول الاجتهادية فمِنْ باب أولى نقوله بالنسبة لأقوال الصحابة والتابعين والأئمة ومَنْ جاء بعدهم من فقهاء المذاهب».
1 / 13
الخامسة: يُقَرِّرُ عدم وجوب اتباع الرسول ﷺ في المعاملات، لأنه قد يخطئ فيقول في صفحة «٧٢»: «إنَّ الرسول قد يرى الرأي في أمور الدنيا والأمر بخلافه، فلا يجب اتباعه».
هذا هدف البحث الخطير. فماذا استخدم له الباحث من شبهات وأساليب؟
هذا ما سنعرض له ونرُدُّ عليه.
الصلاة على النبي ﷺ -:
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (١).
فضل كتابة النبي ﷺ:
يختلف العلماء في وجوب الصلاة على النبي ﷺ كلما ذكر، لكنهم لا يختلفون في استحباب ذلك، وأحاديث الترغيب كثيرة ومشهور منها:
«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَاعَشْرًا» (٢). ومنها: «رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (٣). ولفظ الحاكم: «بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»، ولفظ الطبراني: «شَقِيَ عَبْدٌ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ولفظ عبد الرزاق: «مِنَ الجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ رَجُلِ فَلاَ يُصَلِّي عَلَيَّ».
وعلماء الحديث يجعلون الصلاة على النبي ﷺ كلما ذكر كتابة من آداب طالب الحديث، ويلتزمون ذلك وإنْ تكرَّرَ ذكره
_________
(١) [الأحزاب: ٥٦].
(٢) رواه مسلم والنسائي والترمذي.
(٣) أخرجه الترمذي.
1 / 14
ﷺ في السطر الواحد، ولا تكاد تجد كتاب حديث أغفل الصلاة على النبي ﷺ مرة، وكيف يغفلها الكاتب وهو يحصل لنفسه بكتابتها عشر صلوات من الله، والصلاة من الله رحمة، ويحصل لنفسه أيضًا بقراءة القارئ لها عشر رحمات أخرى؟
إساءة المستشرقين:
لكن المستشرقين في كتاباتهم يتعمَّدون عدم الصلاة عليه أصلًا، وهذا منهم غير مستغرب، أما المستغرب حقًا أنْ يحاكيهم المسلمون بأيِّ قصد أو يبخلوا بكتابة جميع أحرف الصلاة والسلام عليه فيرمزوا لها بـ (ص) أو بـ (صلعم) وكأنَّ سطورهم التي حشوها بساقط القول ضاقت عن الصلاة والتسليم صراحة وحروفًا، فيخسرون بذلك حسنات ورحمات وخيرًا كثيرًا.
ولئن قبل ذلك وعذر فيه عامة المسلمين فلا يعذر عالم من علماء المسلمين في كتاباتهم فلا يعذر من يكتب عن حديث رسول الله ﷺ، وإنْ عذر من يكتب عن حديث رسول الله ﷺ يهو يُقدِّسُهُ ويُجِلُّهُ ويدعو لطاعته والعمل بقوله فلا يعذر عن عدم الصلاة والسلام عليه من يدعو إلى مخالفته، وإلى عدم وجوب اتباعه، وهذا ما لا حظناه على الباحث وقد أحصينا عدد المرات التي لم يُصلِّ ويُسَلِّمَ فيها على النبي ﷺ في بحثه الصغير فوجدناها ١٩٦ (ستًا وتسعين ومائة مرة).
1 / 15
نحن لا نُشكِّكُ في إيمان الباحث ولا في حُبِّهِ وتقديسه للنبي ﷺ، ولا نظنه قصد ترك الصلاة والتسليم للتقليل من قدسية أوامره ﷺ والاسترخاء في طاعته والاقتداء به، ولكن خطورة البحث وما يدعو إليه يجعل هذا السلوك محل نظر وتعقيب، ويجعل اعتذاره عن ذلك بأي عذر اعتذارًا غير مقبول.
هذه ملاحظة عاجلة نخلص منها إلى الشبهات.
وبالله التوفيق.
1 / 16
الشبهات:
ركز الباحث على تقرير ثلاث قواعد، ليخلص منها إلى القاعدة الرابعة التي يهدف إليها، أما القواعد الثلاث فهي:
الأولى: أنَّ الرسول ﷺ كان يجتهد وليس كل نطقه وحيًا.
الثانية: أنَّ الرسول ﷺ كان يخطئ في اجتهاده، وكان الصحابة يُصَحِّحُون له الخطأ، وكان يُقرِّرُ الشيء ويرجع عنه في نفس الجلسة.
الثالثة: أنَّ حُكمه ﷺ في كثير من المعاملات كان من اجتهاده مراعاة لمصالح يراها لأمَّته وليس حُكمًا لله، ولا يسانده وحي. وليس حُكمًا ثابتًا للأبد.
أما الرابعة: فهي أنَّ الأُمَّة أعلم بشؤون دنياها، فلا تعتمد أحكامه في المعاملات التي لم يرد فيها نص من القرآن الكريم، وتقرَّرَ ما تراه صالحًا لها، ولو خالفت نص أحاديثه ﷺ.
الأمر حقًا خطير، ولكن يعزينا ويهدئ روعنا أنَّ الباحث - كما يقول - في نفسه شبهات، وينشد الوصول إلى الحق، ويُصَرِّحُ في كُتَيِّبِهِ أنَّ الحكمة ضالة المؤمن، وأنه مسارع - بعون الله - إلى الحق إنْ وجده في غير ما قرَّرَهُ، وأنه سَيُسَرُّ به كما يُسَرُّ صاحب الضالة بوجودها.
ومن هنا كان واجب العلماء المُتخَصِّصِين الغيورين أنْ يزيلوا هذه الشبهات وأنْ يُبرزوا الحق والحقيقة، وأنْ يكشفوا الغموض الذي حولها. والله الهادي سواء السبيل.
1 / 17
اجتهاد الرسول ﷺ -:
موضوع قديم، قتله العلماء بحثًا، ولم يترك الأوائل للأواخر بشأنه شيئًا، وخلاصته أنهم اختلفوا: فمنهم من لم يُجِزْ له ﷺ الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهادًا في الواقع والحقيقة؛ لأنَّ الله معه ﷺ وهو مع الله؛ ولأنه في جُلِّ أوقاته ﷺ يناجي مَنْ لا نُناجي، وإلهامه وحي ورؤيا منامه وحي، والقرآن يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (١). ويفسِّرون ما ظاهره الرأي، وما ظاهره المشورة، وما ظاهره قبول رأي الآخرين، وما ظاهره الخطأ في الرأي والرجوع إلى قول الغير بأنَّ ذلك اجتهاد في الظاهر لتدريب الأمَّة على البحث والتفكير والاجتهاد في الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته: أنَّ الله يوحي إليه أنْ قُلْ كذا وسيقول لك فلان كذا فقُلْ له كذا وسنطبق هذا القول على الأمثلة التي ذكرها الباحث إنْ شاء الله.
وجمهور العلماء على أنَّ النبي ﷺ يجوز له أنْ يجتهد، وأنه اجتهد فعلًا، وأنَّ اجتهاده في بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحي بتصحيح الحُكم، والإرشاد إلى ما ينبغي، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (٢).
أو جاء الوحي بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما
_________
(١) [النجم: ٣، ٤].
(٢) [التحريم: ١، ٢].
1 / 18
ينبغي. كما في قوله تعالى عن أسارى بدر: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (١).
نعم نقول: إن الرسول ﷺ أذن له بالاجتهاد واجتهد ونعم نقول: إنَّ بعض اجتهاداته لم تصادف الصواب، لكن أين حكم الله تعالى في الأمر الذي اجتهد فيه محمد ﷺ ولم يصب؟
الاحتمالات العقلية أربعة:
١ - أما ألاَّ يكون الله تعالى حكم فيه أصلًا. وهذا باطل، فكل شيء عنده بمقدار، و﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ (٢).
٢ - أنْ يكون لله تعالى فيه حكم مخالف لما حكم به محمد ﷺ، فيترك - جَلَّ شَأْنُهُ - حكم محمد ﷺ ساريًا على الأُمَّة ويوقف حكم نفسه ﷾، وهذا واضح البطلان، لأنَّ محمدًا ﷺ في هذه الحالة يكون مُشَرِّعًا غير شرع الله.
٣ - أنْ يكون لله تعالى حُكم مخالف لما حكم به محمد ﷺ باجتهاده، فيعدل سبحانه حكم محمد ﷺ ليوافق حكم الله.
٤ - أنْ يكون لله تعالى حكم موافق لما حكم به محمد ﷺ باجتهاده، أو بعبارة أدق: أنْ يكون حكم محمد ﷺ موافقًا لحكم الله، ومثل ذلك قوله ﷺ لسعد بن معاذ حين حُكِّمَ في بني قريظة فَحَكَمَ حُكمَهُ المشهور، فقال له رسول الله ﷺ: «حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» (٣).
والحاصل الذي يجب الإيمان به أنَّ لله تعالى حُكمًا في العباد، هو شريعته في أرضه.
_________
(١) [الأنفال: ٦٧].
(٢) [يوسف: ٤٠].
(٣) رواه البخاري.
1 / 19
وأنَّ اجتهاد محمد ﷺ إنْ وافق حُكم الله فهو حُكم الله على لسان نبيه ﷺ، وإنْ لم يوافق حُكم الله عدله إلى حكمه - جَلَّ شَأْنُهُ -. وإذن تصبح الأحكام الدينية التي حكم بها محمد ﷺ أحكام الله في النهاية. وقبل لقائه الرفيق الأعلى ﷺ.
اللفظ والمراد منه:
نعم قد يكون النص الشرعي عامًا مرادًا به الخصوص، وهناك قرائن حال، وقرائن ألفاظ تمنع من العموم وتحدِّدُ المراد من المخصوص:
ففي تخصيص عموم الأمكنة مثلًا قوله ﷺ: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرَضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (١) خصَّصَ هذا العموم بغير الأماكن النجسة.
وفي تخصيص عموم الأزمنة ما صحَّ في " البخاري " أنَّ النبي ﷺ في عام قحط وجدب قال لأصحابه: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» فأكل الصحابة وتصدَّقُوا بأضحيتهم قبل ثالث ليلة، وفي العام القابل - وكان عام رخاء - قهم الصحابة أنَّ الطلب السابق كان خاصًا بزمن، فسألوا رسول الله ﷺ: نفعل بأضحيتنا كما فعلنا العام الماضي؟ وكان ما توقَّعُوا. قال ﷺ: «كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهِ».
وفي تخصيص الأفراد قال ﷺ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (٢)، ولم يكن المقصود بالأحد عموم
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) رواه البخاري بمعناه.
1 / 20
المسلمين، حتى يشمل الضعفاء والمرضى والأطفال والنساء، وإنما كان المقصود خصوص المقاتلين الذين عادوا من غزو الخندق.
ومن هذا القبيل قوله ﷺ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ» (١)، فعموم القتيل غير مراد، لئلا يشمل القتيل ظلمًا من المسلمين، وإنما المراد به قتيل الكفار المحاربين. كذلك عموم «مَنْ قَتَلَ» ليس المقصود به كل من قاتل وقتل إلى آخر الزمان، وإنما المراد العصر الأول الذي تَطَلَّبَ تشجيع الغزو والجهاد، وكذا كل عصر يشبهه إذا رأى حاكم المسلمين ذلك.
أما الأحكام العامة في المعاملات وغيرها والتي لم يدخلها تخصيص بالأفراد ولا بالأماكن ولا بالأزمنة، فهي باقية على عمومها صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة، والجهل بالمصلحة فيها، وظن المصلحة في غيرها، لا يمنع من الالتزام بها، فما أكثر ما يجهل الإنسان مصلحة نفسه، فضلًا عن مصلحة غيره.
وفي الشرع مصالح العباد بالتحقيق، فالمُشَرِّعُ هو الخالق الذي يعلم من خلق ويعلم ما يصلحه، وفي كل طلب للمصلحة من غير الشرع طلب للماء من السراب: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ، أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ (٢).
يقول الإمام ابن القيم: «إنَّ شريعة الله مبناها وأساسها
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) [النور: ٣٩، ٤٠].
1 / 21