القنوت في الوتر

القنوت في الوتر

ناشر

دار ابن الأثير للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

محل انتشار

المملكة العربية السعودية

ژانرها

سلسلة الأبحاث الْفِقْهِيَّة فِي الصَّلَاة (١) الْقُنُوت فِي الْوتر تأليف أ. د. الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد آل فريان كُلية الشَّرِيعَة فِي الرياض دَار ابْن الْأَثِير

صفحه نامشخص

المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن القنوت في الوتر من الموضوعات المهمة الحية التي يكثر السؤال عنها، ولا تزال بحاجة إلى بحث واستقصاء، ولاسيما ما يتعلق بقدره وموضعه، وحكم الجهر به، ورفع اليدين عند تلاوته، فضلا عن الحديث عن حقيقته وحكمه؛ ولذلك رأيت أن من المتعين الكتابة عنه، والتأليف فيه. وقد جعلت البحث: في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث، وخاتمة ثم الفهارس. تحدثت في المقدمة: عن موضوع البحث وخطته والمنهج الذي التزمت به. وتناولت في التمهيد: فضل الوتر وما ورد في قيام الليل. وجعلت المبحث الأول: في حقيقة القنوت في الوتر: وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: معنى القنوت في الوتر، وفيه مسألتان. المسألة الأولى: تعريف القنوت. المسألة الثانية: تعريف الوتر.

1 / 3

المطلب الثاني: أركان القنوت في الوتر. المطلب الثالث: أنواع القنوت في الوتر. المطلب الرابع: ألفاظ القنوت في الوتر، وفيه أربع مسائل. المسألة الأولى: ألفاظ القنوت في الوتر الواردة في السنة. المسألة الثانية: ألفاظ القنوت في الوتر الواردة عن السلف. المسألة الثالثة: ألفاظ القنوت في الوتر التي لم ترد في السنة ولا عن السلف. المسألة الرابعة: القنوت في الوتر بدعاء ختم القرآن الكريم. المبحث الثاني: حكم القنوت في الوتر: وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم القنوت في الوتر في رمضان. المطلب الثاني: حكم القنوت في الوتر في غير رمضان. المبحث الثالث: صفة القنوت في الوتر: وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: موضع القنوت في الوتر. المطلب الثاني: افتتاح القنوت في الوتر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: افتتاح القنوت في الوتر بالتكبير. المسألة الثانية: افتتاح القنوت في الوتر بتحميد الله والصلاة على رسوله. المطلب الثالث: قدر القنوت في الوتر.

1 / 4

المطلب الرابع: الجهر بالقنوت في الوتر، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حكم الجهر بالقنوت. المسألة الثانية: حكم الجهر بالتأمين في القنوت. المطلب الخامس: رفع اليدين في القنوت. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: رفع اليدين عند القنوت. المسألة الثانية: رفع اليدين بعد الفراغ من القنوت. المطلب السادس: قضاء القنوت في الوتر. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: قضاء القنوت في الوتر للإمام والمنفرد. المسألة الثانية: قضاء القنوت في الوتر للمأموم. ثم الخاتمة، وقد اشتملت على أهم النتائج، ثم فهارس المصادر والموضوعات. وقد التزمت في كتابة هذا البحث بالمنهج التالي: ١ - الرجوع إلى المصادر والمراجع المعتبرة. ٢ - الدارسة الفقهية المقارنة للمسائل. ٣ - شرح الألفاظ الغامضة وتفسير المصطلحات. ٤ - الترجمة للأعلام غير المشاهير باختصار.

1 / 5

٥ - عزو الآيات الكريمة، وتخريج الأحاديث والآثار. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يجعلنا هداة مهتدين، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وكتب الوليد بن عبد الرحمن آل فريان

1 / 6

التمهيد في فضل الوتر وما ورد في قيام الليل الوتر من العبادات العظيمة والطاعات الجليلة التي اهتم النبي ﷺ بشأنها وحافظ عليها وحرص على أدائها وأولاها أشد عناية، فكان ﷺ لا يدع الوتر أبدا سفرا ولا حضرا (١). وقد أكد على أهمية المحافظة على الوتر والاعتناء به وعدم التفريط فيه؛ فقال: «إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر» (٢). وقال: «إن الله قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمُر النعم وهي الوتر» (٣).

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٩٩٩)، ومسلم في الصحيح (٧٠٠) عن ابن عمر. (٢) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ١٨٠، ٢٠٦، ٢٠٨) وابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ١٩٨) عن عبد الله بن عمرو ﵄، وله شاهد من حديث أبي بصرة، أخرجه أحمد في المسند (٦/ ٧، ٣٩٧) وشاهد من حديث معاذ ﵁ أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٤٢). (٣) أخرجه أبو داود في السنن، رقم ١٤١٣، والترمذي في الجامع، رقم (٤٥٢) وقال: حديث غريب، وابن ماجة في السنن (١١٦٨) من حديث خارجة بن حذافة ﵁، قال ابن الصلاح: حسن الإسناد. ينظر: البدر المنير (٤/ ٢١٢) وله شاهد من حديث عمرو بن العاص ﵁، أخرجه الطبراني في الأوسط (٧٩٧٥). وحمر النعم: الإبل الحمُر. ينظر: الأزهري، التهذيب (٣/ ١٣).

1 / 7

وأوصى النبي ﷺ أبا هريرة أن لا ينام حتى يُوتر (١). وقال: «إن الله وتر يحب الوتر» (٢). وحذر من إهماله أو التهاون فيه، فقال: «من لم يوتر فليس منا» (٣). ولهذا أوجبه بعض أهل العلم، وعدَّه الجمهور من السنن

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (١١٧٨)، ومسلم في الصحيح (٧٢١) وأوصى النبي ﷺ أبا الدرداء ﵁، أخرجه مسلم في الصحيح (٧٢٢) وأوصى النبي ﷺ أبا ذر بذلك أيضا. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ١٧٣). (٢) أخرجه البخاري في الصحيح، رقم (٦٤١٠)، ومسلم في الصحيح (٦) عن أبي هريرة ﵁، وأخرجه من حديث علي ﵁: أبو داود في السنن (١٤١٦)، والترمذي في الجامع (٤٥٣) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في المجتبى (٣/ ٢٢٨)، وابن ماجة في السنن (١١٥٧)، وأحمد في المسند (٢/ ٢٢٣). (٣) أخرجه أبو داود في السنن (١٤١٤)، وأحمد في المسند (٥/ ٣٧٥) من حديث بُريدة ﵁، وله شاهد من حديث أبي هريرة ﵁، أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٤٤٣).

1 / 8

المؤكدة (١). وقال الإمام أحمد: في رجل يترك الوتر متعمدا: هذا رجل سوء يترك سنة سنها النبي ﷺ. ثم قال: هذا ساقط العدالة إذا ترك الوتر متعمدا (٢). أما قيام الليل بعامة فمن أفضل الطاعات وأزكى القربات، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٥ - ٢٦]. وقال سبحانه في مدح الصالحين والثناء عليهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧].

(١) ذهب أبو حنيفة إلى أن الوتر واجب، وذهب عامة أهل العلم إلى أنه سنة مؤكدة. ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (١/ ٤٢٣)، والعدوي في الشرح (١/ ٥٠٣)، وابن عبد البر في التمهيد (٥/ ١٨٩)، والشربيني في مغني المحتاج (١/ ٤١٤)، وابن أبي عمر في الشرح الكبير (٤/ ١٠٦)، والمذهب عند الحنابلة: أنه أفضل من سنة الفجر وغيرها من الرواتب. ينظر: المرداوي في الإنصاف (٤/ ١٠٦)، واختار ابن تيمية وجوبه على من يتهجد في الليل. ينظر: المرداوي في الإنصاف (٤/ ٤٠٧). (٢) رواية معاذ بن المثنى (ت٢٨٨هـ) كما في طبقات الحنابلة (٢/ ٤١٨)، وفي رواية أبي بكر الأحول (ت٢٢٣هـ) قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يترك الوتر، فقال: لا يكون عدلا. ابن يعلى في الطبقات (٢/ ٥٧٣). وانظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى (٢٣/ ٨٨).

1 / 9

وقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٦]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: ٦٤]. وقال النبي ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل» (١). وقال: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» (٢). وفي الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه (٣). ولذلك حث النبي ﷺ الرجل على إيقاظ زوجه لأدائها، فقال: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح (٤) في وجهها من الماء».

(١) أخرجه مسلم في الصحيح (١٦٦٣) من حديث أبي هريرة ﵁. (٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٤٢٠)، ومسلم في الصحيح (١١٥٩) من حديث عبد الله بن عمرو ﵁. (٣) أخرجه مسلم في الصحيح (٧٥٧) من حديث جابر ﵁. (٤) النضح: رش الماء. ينظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (٥/ ٤٣٨).

1 / 10

كما حث المرأة أيضا فقال: «ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (١). ومن ثمار هذه العبادة العظيمة ما تعود به على فاعلها من طيب النفس وانشراح الصدر ودفع الكسل والخمول، يقول النبي ﷺ: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم (٢) إذا هو نام ثلاث عُقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (٣). وهي منهاة عن الإثم ومن مكفرات الذنوب، قال ﷺ: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى

(١) أخرج أبو داود في السنن (١٣٠٨، ١٤٥٠)، والنسائي في المجتبى (٣/ ٢٠٥)، وابن ماجة في السنن (١٣٣٦)، وأحمد في المسند (٢/ ٢٤٧، ٢٥٠، ٤٣٦) وابن حبان في الصحيح (٢٥٦٧)، والحاكم في المستدرك (١/ ٣٠٩) وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي هريرة ﵁. (٢) القفا: مؤخرة الرأس والعنق. ينظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (٥/ ١١٢). (٣) أخرجه البخاري في الصحيح (١١٤٢)، ومسلم في الصحيح (٧٧٦) من حديث أبي هريرة ﵁.

1 / 11

ربكم ومكفر للسيئات ومنهاة عن الإثم» (١). فما أعظمهما من منافع، وما أجملها من فضائل ومناقب. أما من أعرض عن ذلك ونام حتى يُصبح، فذاك رجل بال الشيطان في أذنيه (٢). ولذلك اهتم السلف بالتأليف في ذلك، فكتبوا مؤلفات عديدة وتناولوا الموضوع من جوانب مختلفة، وإن كان أكثرها في بيان فضله، وما ورد في الحث عليه والدعوة إليه (٣).

(١) أخرجه الترمذي في الجامع (٣٥٤٩) وقال: وهذا أصح، وابن خزيمة في الصحيح (٢/ ١٧٦)، والطبراني في الكبير (٨/ ١٠٩) والأوسط (٣٢٧٧)، وابن جرير وصححه كما في إتحاف المهرة (٦/ ٢٣٦)، والحاكم في المستدرك (١/ ٣٠٨) وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي أمامة ﵁. (٢) أخرجه مسلم في الصحيح، رقم (٧٧٤) من حديث ابن مسعود. (٣) ينظر: كتاب التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا (ت٢٨١هـ) مطبوع، وكتاب قيام الليل وقيام رمضان، وكتاب الوتر لمحمد بن نصر المروزي (ت٢٩٤هـ) (مختصر المقريزي) مطبوعة، وكتاب قيام الليل ابن المنذر (ت ٣١٨هـ) وأشار إليه في كتاب الأوسط (٥/ ٢٥١) وغيرها.

1 / 12

المبحث الأول حقيقة القنوت في الوتر وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: معنى القنوت في الوتر. المطلب الثاني: أركان القنوت في الوتر. المطلب الثالث: أنواع القنوت في الوتر. المطلب الرابع: ألفاظ القنوت في الوتر.

1 / 13

المطلب الأول: معنى القنوت في الوتر وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف القنوت. المسألة الثانية: تعريف الوتر.

1 / 14

المسألة الأولى: تعريف القنوت القنوت في اللغة: مصدر قنت يقنت قنوتا واسم الفاعل منه قانت، ومعناه: الطاعة أو لزوم الطاعة ودوامها (١). قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦] (٢). وقال سبحانه: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠]. وفي حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي ﷺ قال: «كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» (٣).

(١) ينظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (٥/ ٣١) والفراء، معاني القرآن (١/ ٧٤)، والزجاج، معاني القرآن (١/ ١٧٦، ٣١٦)، وابن قتيبة، مشكل القرآن (٤٥٢)، والراغب، المفردات (٦٨٤)، وابن تيمية، جامع الرسائل (١/ ٥) وذهب الأزهري كما في الزاهر (١٧٦) إلى أن أصله القيام. قال ابن تيمية: هذا ضعيف؛ لا يعرف في اللغة أن مجرد القيام يسمى قنوتا. جامع الرسائل (١/ ٦). (٢) ينظر: ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن (٤٥٢). (٣) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٧٥)، وابن حبان في الصحيح (٣٠٩)، والطبراني في الأوسط (٥١٧٧)، وأبو يعلى في المسند (١٣٧٩). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢٠): (رواه أحمد وأبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وفي إسناد أحمد وأبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (٣٢٧) عن عطاء ﵁.

1 / 15

ويطلق على معان عدة، منها: ١ - الصلاة، قال تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (١) [الزمر: ٩]. ٢ - الدعاء، وفي الحديث أن النبي ﷺ قنت شهرا يدعو (٢). ٣ - القيام، وفي الحديث: «أي الصلاة أفضل، قال: طول القنوت» (٣).

(١) ينظر: أبو عبيد، غريب الحديث (٣/ ١٣٣) قال: ألا تراه يقول ساجدا وقائما. (٢) أخرجه البخاري في الصحيح (١٣٠٠، ٣٠٦٤)، ومسلم في الصحيح (٦٥٧) عن أنس ﵁. (٣) أخرجه مسلم في الصحيح (٧٥٦)، وأحمد في المسند (٣/ ٣٠٢، ٣١٤) عن جابر ﵁ قال أبو عبيد في غريب الحديث (٣/ ١٣٣): طول القنوت يريد طول القيام. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٣٠٦) عن ابن عمر، قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن.

1 / 16

٤ - الإمساك عن الكلام، قال تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] (١). وفي الاصطلاح: الدعاء حال القيام (٢). وقيل: الدعاء بدعاء القنوت (٣).

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٥٣٤)، ومسلم في الصحيح (٣٥٩) عن زيد بن أرقم ﵁. وينظر: أبو عبيد، غريب الحديث (٣/ ١٣٤). (٢) ينظر: الأزهري، الزاهر (١٧٦)، والزجاج، معاني القرآن (١/ ١٧٦، ٣١٦) قال: والمشهور في اللغة والاستعمال أن القنوت الدعاء في القيام، وقال ابن تيمية في جامع الرسائل (١/ ٧): الدعاء في القيام معنى شاع في اصطلاح الفقهاء إذا تكلموا في القنوت في الصلاة، وهذا عُرف خاص. (٣) ينظر: ابن عبد الهادي، الدر النقي (١/ ٢٥٠).

1 / 17

المسألة الثانية: تعريف الوتر الوتر في اللغة: بكسر الواو وفتحها، مصدر أوتر يُوتر إيتارا ووترا، يقال: أوترت الصلاة ووترتها إذا جعلتها وترا. وجمع الوتر أوتار، ومعناه الفرد أو العدد الفردي سواء كان واحدا أو أكثر، إذا لم يكن عددا مزدوجا. قال تعالى: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: ٣] (١). وقال ﷺ: «إن الله وتر يحب الوتر» (٢). وفي الاصطلاح: صلاة التطوع الفردية في الليل (٣).

(١) ينظر: الأزهري، الزاهر (١٨١)، وابن فارس، مقاييس اللغة (٦/ ٨٤) والفيومي، المصباح المنير (٥٣١) والكسر في الوتر لغة الحجاز وتميم، وبها قرأ حمزة والكسائين وبالفتح لغة غيرهم وقرأ بها نافع وعاصم وابن كثير وأبو عامر وأبو عمرو. ينظر: الطبري، التفسير (٢٦/ ٣٥٦)، وابن خلف، الإقناع (٢/ ٨١٠). (٢) تقدم تخريجه. (٣) ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (١/ ٤٢٦) والشربيني، مغني المحتاج (١/ ٤١٤)، وابن أبي عمر، الشرح الكبير (٤/ ١١٥). أما أقله وأكثره فمحل خلاف بين العلماء.

1 / 18

وقيل: الركعة التي تختم بها صلاة الليل (١). وبناء على ذلك فإن القنوت في الوتر هو: الدعاء حال القيام في آخر صلاة التطوع الفردية في الليل، أو: الدعاء حال القيام في آخر صلاة الوتر (٢). أو: الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.

(١) ينظر: العدوي، الشرح الكبير على مختصر خليل (١/ ٥٠٣) والشربيني، مغني المحتاج (١/ ٤١٥). (٢) قال ابن تيمية: الفقهاء يذكرون القنوت سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا، لكن لما كان الفرض ليس يصح أن يصليه إلا قائما، وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم صار القنوت في القيام أكثر وأشهر. ينظر: جامع الرسائل (١/ ٧).

1 / 19

المطلب الثاني: أركان القنوت في الوتر يقوم القنوت في الوتر على ثلاثة أركان (١): الركن الأول: القانت، وهو التالي لدعاء القنوت إذا كان إماما أو منفردا، والمؤمن عليه إذا كان مأموما؛ لأن التأمين في معنى الدعاء (٢). قال تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٩]. الركن الثاني: الوتر، أي: صلاة الوتر، والمراد حال القيام في آخر صلاة الوتر لمن صلى قائما أو قبل السجود لمن صلى قاعدا. الركن الثالث: القنوت، أي: ألفاظ القنوت، أو: الدعاء الذي يتلى أو يؤمن عليه. وقد جاءت الإشارة إلى هذه الأركان في حديث علي ﵁ أن النبي ﷺ كان يقول في آخر وتره: «اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك ...» (٣).

(١) الركن في اللغة هو: جانب الشيء الأقوى، وفي الاصطلاح: ما توقف عليه وجود الشيء. ينظر: الفيومي، المصباح المنير (١٩٧) والبهوتي، الروض المربع (١/ ١٩٤). (٢) ينظر: المطلب الرابع من المبحث الثالث. (٣) سيأتي تخريجه.

1 / 20

المطلب الثالث: أنواع القنوت في الوتر القنوت في الوتر على نوعين، هما: النوع الأول: القنوت في الوتر في رمضان. وقد اختلف العلماء في حكم القنوت في الوتر في رمضان، والراجح -كما سيأتي (١) - استحباب القنوت في الوتر في رمضان. ويدل لذلك ما يأتي: الدليل الأول: حديث الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في قنوت الوتر (٢). وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ علم الحسن القنوت في الوتر ولم يخص ذلك بوقت دون وقت، وتعليمه يدل على الاستحباب. ونوقش: بأن الحديث ضعيف (٣).

(١) ينظر: المطلب الأول من المبحث الثاني. (٢) سيأتي تخريجه. (٣) قال الإمام أحمد: ليس يروى فيه عن النبي ﷺ شيء. رواية الكحال كما في زاد المعاد لابن القيم (١/ ٣٣٤) وقال ابن خزيمة في الصحيح (٢/ ١٥١): ولست أحفظ خبرا ثابتا عن النبي ﷺ في القنوت. وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ٥٧): لا يصح عن النبي ﷺ في القنوت في الوتر حديث مسند.

1 / 21