آلمان نازی
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
ژانرها
Grieser » رئيس مجلس شيوخ مدينة دانتزج الحرة ومن كبار النازيين ، على امتهان العصبة مرة بعد أخرى. وعلاوة على ذلك أفاد هتلر من حاجة إيطاليا إلى صداقته، فضغطت الدولتان (ألمانيا وإيطاليا) على النمسا للحصول من هذه الدولة الضعيفة على عدة امتيازات في مصلحة ألمانيا في صيف العام نفسه، وفي هذا الوقت أيضا شجع الحليفان الجديدان الثورة المندلعة في إسبانيا ضد حكومتها الجمهورية (6 يولية 1936)، فأخذا من ذلك الحين يؤيدان علنا الجنرال «فرانكو
Franco » وأنصاره الفاشيين، بإرسال عتاد الحرب والرجال لمساعدة الثوار، ولم تستطع بريطانيا بسبب تردد فرنسا أن تفعل شيئا سوى إرغام هذه الدولة الأخيرة على اتخاذ موقف «الحياد»، والموافقة على اتباع سياسة «عدم التدخل» في شئون إسبانيا. أما روسيا السوفيتية فقد ظلت وحدها تمد الجمهورية الإسبانية بالمعونة. وحيال هذا الضعف الظاهر من جانب الدول الغربية، رأت بلجيكا في أغسطس 1936 أن السلامة في اتباع خطة «أفياد»، فانفصلت عن الدول الغربية، وأدى انفصالها إلى تقصير خط الدفاع عن حدود فرنسا الشرقية. ومنذ أكتوبر اتفقت كل من إيطاليا وألمانيا في «برختسجادن» على اتباع سياسة مشتركة عمومية. وعندما منعت بريطانيا الحكومة الإسبانية من إثارة مسألة التدخل الإيطالي الألماني في إسبانيا أمام عصبة الأمم جرؤ الهر هتلر على تمزيق البقية الباقية من مواد معاهدات فرساي، حتى إذا ما حذر «بلوم» رئيس الوزارة الفرنسية الألمان من المساس بمراكش الإسبانية، أعلن الألمان والإيطاليون في يناير 1937 أن ألمانيا وإيطاليا سوف تتبعان من هذا الحين سياسة مشتركة على أساس ما تقتضيه مصالح «محور برلين-روما» الذي خرج إلى عالم الوجود في «برختسجادن»؛ فكان معنى هذا قيام محالفة ألمانية إيطالية صريحة ضد الديمقراطية ثم الشيوعية في أوروبا وفي العالم أجمع. وبذلك تبدأ المرحلة الثانية من مراحل سياسة النازيين الخارجية.
ومما يميز هذه المرحلة وقوع عدة حوادث جسام أدت في النهاية إلى اشتعال نيران الحرب العالمية الثانية؛ فقد ظل الألمان والإيطاليون في الشهور التالية بين يناير ويولية 1937 - وعلى الرغم من الوعود الشفوية المتكررة التي أصدروها لتقرير رغبتهم في التزام خطة «عدم التدخل» - يعملون لتأييد الثوار الفاشيين في إسبانيا بكل وسيلة حتى ظهر في أوائل العام التالي أن النصر في النهاية سوف يكون من نصيب (فرانكو) وجماعته، وأن الهزيمة السياسية - ولا شك - سوف تكون من نصيب تلك الدول الديمقراطية التي التزمت سياسة «عدم التدخل». وعلاوة على ذلك أفاد النازيون من توتر الموقف السياسي في أوروبا كل فائدة، فأقدم هتلر على غزو النمسا، ثم ضمها إلى ألمانيا عنوة واقتدارا (في 11 مارس 1938)، وحول النازيون أنظارهم بعد ذلك صوب جمهورية تشيكوسلوفاكيا، فأسفر اتفاق ميونخ (في 30 سبتمبر 1938) بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا عن سلخ بلاد السوديت وضمها إلى ألمانيا. ومع أن الهر هتلر كان قد أكد للمستر تشمبرلين أن السوديت آخر ما يطمع فيه من الأراضي الأوروبية، فإنه ما لبث حتى نقض عهده في مارس من العام التالي، وضم مقاطعتي بوهيميا ومورافيا التشيكية في حكومة واحدة تحت الحماية الألمانية واحتل سلوفاكيا. وفي 22 مارس طلبت ألمانيا أرض «ميميل» من «ليتوانيا» واستولت عليها. وفي أول سبتمبر اعتدت ألمانيا على بولندة، ثم قرر هتلر يوم الاعتداء عليها أن يضم مدينة دانتزج الحرة إلى الريخ الثالث.
وكان الاعتداء على بولندة الشرارة التي أشعلت نار الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك كفلت وحشية الغزو الألماني إخضاع بولندة في وقت قصير، لا سيما وقد اضطرت الجيوش الروسية إلى اختراق حدود بولندة الشرقية، حتى إذا كان آخر سبتمبر اقتسمت ألمانيا والروسيا البلاد البولندية فيما بينهما، ثم استطاعت ألمانيا التفرغ للجبهة الغربية، فاكتسحت جحافلها في ربيع 1940 خمس دول مستقلة فاحتلت الدانمرك في أبريل، وأخضعت النرويج بين 9 أبريل و10 يونية، وغزت في 10 مايو تلك الدول التي ظلت محايدة وهي بلجيكا وهولندة ولكسمبرج. وبعد تسليم الملك ليوبولد البلجيكي حطم النازيون مقاومة الحلفاء، فسقطت باريس في أيديهم في 14 يونية ثم احتلوا شطرا كبيرا من فرنسا - بما في ذلك شواطئها الشمالية والغربية - بمقتضى هدنة عقدت مع فرنسا في 22 يونية. وفي أغسطس 1940 بدأت معركة بريطانيا. وفي سبتمبر تدفق الألمان على رومانيا بموافقة حكومتها. وفي 19 نوفمبر اجتمع الملك البلغاري بوريس بالهر هتلر في برختسجادن، فكان النظام الجديد موضع الأحاديث التي دارت بينهما، وأسفر هذا الاجتماع عن تدفق جيوش النازيين على بلغاريا في فبراير 1941، حتى إذا كان يوم 2 مارس من العام نفسه، أعلن «فيلوف
Filoff » رئيس الوزارة البلغارية أن الحكومة الألمانية طلبت إرسال جندها إلى بلغاريا متعهدة في الوقت نفسه بأن مهمة هؤلاء الجنود وقتية، وأن الغرض من إرسالهم المحافظة على السلم في البلقان. بيد أنه لم يلبث أن اتضح في الشهر التالي أن «السلم» المقصود إنما كان اتخاذ بلغاريا قاعدة للهجوم منها على يوغسلافيا واليونان، وقد احتل النازيون هذه البلاد مع شركائهم الإيطاليين في أوائل أبريل. وفي مايو احتل الألمان جزيرة كريت. وفي يونية 1941 بدأ الغزو الألماني لروسيا. •••
تلك إذن كانت الحرب الخاطفة، وفيها انتصر الألمان على طول الخط كما شهدنا حتى نهاية عام 1941، ولكن هذه الانتصارات كانت ضئيلة القيمة في الواقع؛ إذ كان الألمان قد خسروا معركة بريطانيا، وكان في استطاعة الإنجليز أن يحشدوا أكبر قواتهم الإمبراطورية أو يضموا إلى صفهم الديمقراطية الأمريكية الكبرى؛ الولايات المتحدة، ثم غيرها من الشعوب الحرة في الشرق والغرب؛ لمنازلة عدوهم في معركة حاسمة.
ومن جهة أخرى، صادف الألمان منذ البداية عدة صعوبات سببتها هذه الحرب الخاطفة، أهمها: أن كثيرا من مراكز الانتاج الصناعي والزراعي ما لبث أن دمر أو تعطل بفعل الحرب، كما أن أسرات عديدة سرعان ما صارت تفر أمام جحافل النازيين الزاحفة على بلادها، يطلب أفرادها مكانا أمينا يلجئون إليه من شبح الموت الذي يطاردهم، وكان من هؤلاء الحيارى الفارين كثير من الزراع والصناع الذين هم دعامة الإنتاج الاقتصادي في أوطانهم، وعدا هذا فقد فضل عديدون من زعماء الصناعة في البلاد المهددة بالغزو والاحتلال مغادرة منشآتهم الصناعية والهجرة إلى الدول المحايدة أو المتحالفة ضد ألمانيا، فنجم من ذلك كله أن حل الارتباك محل الجهد «المنظم»، وتوقف الإنتاج أو كاد في البلدان المخربة المنهوبة، فماذا يصنع النازيون لتدارك هذه الحال؟
كان لا بد من إصلاح أداة الإنتاج الاقتصادي بأي ثمن لأمور واضحة جلية؛ فالحرب ما تزال مستعرة الأوار ، والتعبئة الكاملة تقتضي الانتفاع بكافة الموارد لمواصلة القتال، ناهيك بالرغبة في إحراز النصر ضد بريطانيا، ولا يتسنى كل ذلك بغير استقرار تلك الشعوب المغلوبة على أمرها واستكانتها إلى العمل المنتج في الحقل والمصنع. ولكن كيف يطمئن المغلوبون إلى التعاون مع الغالبين إذا كان مجرد العيش في ذلة هو ما ينبغي عليهم أن يطمعوا فيه؟ لا بد إذن من تخدير أعصابهم، ولا بد إذن من التمويه عليهم، وكان الحيارى الذين أصابتهم الهزيمة ونزلت بهم الكوارث أشد الناس إقبالا على تصديق كل قول مموه وتعليل النفس بقرب انقشاع الغمة. وعرف شيطان النازي هذا الضعف في الشعوب المقهورة، فراحت الدعاية تدق الطبول وتنفخ في الأبواق مبشرة بأن شمس «النظام الجديد» سوف تبدد تلك الحلوكة المخيمة على الدول التي خضعت لسلطانهم.
وما كان النازيون يقصدون من تخدير أعصاب المغلوبين استئناف النشاط الاقتصادي وتوفير أسباب التعبئة الكاملة فحسب، بل إن كسب الوقت كان من أهم أهدافهم، حتى تتوطد دعائم ذلك النظام، وحتى تمر فترة من الزمن تكفي لتغلغله في كيان أوروبا الاقتصادي والسياسي؛ لأن هذا التغلغل من شأنه أن يرغم الشعوب المغلوبة على تعود هذا النوع الجديد من الحياة، فيكفل مرور الزمن ورسوخ العادة إخماد المقاومة رويدا رويدا، ويضمن استسلام الشعوب إلى العيش في ظل السيطرة النازية في النهاية، فإذا ما انقضى زمن طويل على سريان هذا النظام صار من المتعذر على الديمقراطية حتى بعد انهزام الهتلريين وانقضاء دولتهم اجتثاث هذا النظام من أصوله ومحو أثره من الوجود.
وكانت الدعوة إلى النظام الجديد وسيلة مؤاتية تتيح الفرصة باسم المساهمة مع ألمانيا المنتصرة في تشييد صرح الحضارة الجديدة لأولئك النفعيين من الكويسلنجيين واللافاليين الذين لا تخلو منهم أمة مقهورة، ولأولئك المغامرين المكبوتين من الكتاب وأشباه المفكرين الذين إذا فشلوا في حياة الفكر الحر الطليق وازور المجتمع عنهم وأهمل أمرهم تلمسوا في فلسفة «النظام الجديد» ينبوعا جديدا ينهلون منه - كأنما قد تفتقت أذهانهم هم وحدهم حتى فهموا ما استغلق على غيرهم - ثم انقلبوا يكيدون لأبناء أوطانهم انتقاما لما توهموه غمطا لمواهبهم وازدراء لثمرات قرائحهم.
صفحه نامشخص