113

آلمان نازی

ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)

ژانرها

Concordat

في يولية 1933؛ لأن إبرام ذلك الاتفاق كفل على - حد قول النازيين أنفسهم - اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بالوطنية الاشتراكية اعترافا نهائيا. وكان الكونكردات ينص على أن يقسم كل أسقف عند تعيينه في أسقفيته يمين الولاء للدولة الألمانية، وحرم على القساوسة الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو مساعدة هذه الأحزاب مهما كانت أغراضها. أما النازيون فقد تعهدوا في نظير ذلك بأن يعطوا الحرية الكاملة لمدارس الكاثوليك والجماعات الدينية الكاثوليكية ما دامت لا تهدف إلى أغراض سياسية، ثم تعهدوا بعدم تدخل الدولة في عقائد الأفراد وكل ما كان متصلا بشئون حياتهم الدينية، وألا يتعرضوا للأطفال الكاثوليك بشيء.

غير أن النازيين الذين كانوا قد وصلوا إلى الحكم قبل هذا الاتفاق بشهور معدودة، كانوا يبيتون النية على نقض التزاماتهم عند أول بادرة، وفضلا عن ذلك فإن مضيهم في تنفيذ برنامجهم الداخلي لتأليف تلك الكتلة الصلبة المتماسكة التي أرادوا إنشاءها في قلب الريخ الألماني ما لبث حتى أثار ضدهم احتجاج الكنيسة الكاثوليكية، وكان سببا في استحكام العداء بين النازيين والكاثوليك في الريخ الثالث. فقد أصدر النازيون بعد مضي ستة أيام من توقيعهم الكونكردات قانون التعقيم، الذي سبق الحديث عنه، فأثاروا بذلك شعور الكاثوليك؛ لأن التعقيم يتعارض مع عقائدهم الدينية ولا يمكن أن يوافقوا عليه بحال من الأحوال، وعدوا إصدار هذا القانون تحديا صريحا لهم. وتوقع النازيون أن يمتنع الكاثوليك عن تنفيذه وأن ينقد القساوسة هذا القانون نقدا مرا، وتحقق ما توقعوه؛ إذ ألقى الكاردينال «فولهابر

Faulhaber » عظة في آخر عام 1933 يبين فيها موقف الكنيسة الكاثوليكية رسميا من مسألة النسل والتعقيم، وكأنما كان إفصاح الكنيسة الكاثوليكية عن موقفها من هذا القانون كل ما يبتغيه النازيون حتى يعلنوا على الملأ أن رجال الدين الكاثوليك امتهنوا الكونكردات ونقضوا يمين الولاء الذي أقسموه للدولة الألمانية وأنهم مصرون على المضي في عدائهم للوطنية الاشتراكية. وعلى ذلك شرع النازيون يكممون الصحف الكاثوليكية في غير توان. وفي بداية العام التالي «1934» بدأ «ألفريد روزنبرج» يعد حملته لانتزاع الشباب الألماني من أحضان الكنيسة. ولما كان هتلر يأخذ أهبته في تلك الآونة لضمان نجاح الاستفتاء في أقليم السار وانضمامه إلى ألمانيا، وكان النفوذ الكاثوليكي في هذا الإقليم قويا، فقد رأى هتلر عدم الظهور بمظر العداء الصريح للكاثوليكية، ووعد بصون حقوق الكنيسة الكاثوليكية وتنفيذ مواد الكونكردات بكل أمانة، غير أن هذه الوعود لم تكف لإقناع رجال الدين الكاثوليك بأن النازية لا تريد شرا بكنيستهم. فأعد أساقفتهم في اجتماعهم السنوي وقتذاك في بلدة «فولدا» «خطابا رعويا» أظهروا فيه انزعاجهم من سير الأمور وعدم اطمئنانهم إليه، ولكن أحدا من الأفراد لم يقرأ هذا الخطاب؛ لأن الجستابو سرعان ما صادروه وأتلفوا كل أثر له. واشتد عداء النازيين للكاثوليكية، فأعلن زعيم الشباب الهتلري «بلدورفون شيراش» الحرب السافرة ضد المنظمات الكاثوليكية «مارس 1934»، وأسيئت معاملة فتيان الكشافة الكاثوليك في كل ظرف ومناسبة، وانتهز الهتلريون عودة فريق من هؤلاء الفتيان بعد زيارة قاموا بها إلى رومة في غضون عام 1935، ففاجأهم رجال البوليس السري في أثناء عودتهم واغتصبوا منهم آلات التصوير والمسابح والصلبان ومزقوا ملابسهم. وفي العام التالي نشط عداء النازيين للكاثوليكية فأتموا خنق الصحافة الكاثوليكية، وكانوا قد بدءوا يكممون أفواهها منذ وصولهم إلى الحكم رويدا رويدا. وفي عام 1938 كانت قد حلت كل منظمات الشباب الكاثوليكي تقريبا، ولم يبق في الميدان سوى «الشباب الهتلري».

ودأب النازيون على إظهار الكاثوليك بمظهر أولئك الذين يضمرون العداء للدولة دائما ولا يحترمون القوانين ويلطخون سمعة الريخ الألماني، فأصدروا قوانين لمنع تصدير النقد الألماني إلى الخارج، وكان معنى هذا تعذر سداد الديون المتراكمة على كل تلك الهيئات والمؤسسات الدينية التي اضطرت أيام تدهور المارك الألماني في عهد «جمهورية ويمار» إلى استدانتها من الخارج إلا إذا لجأت إلى التهريب؛ لأن هذه الهيئات والمؤسسات الدينية لم تكن بطبيعة الحال تشتغل بالتجارة حتى يمكنها أن تسدد ديونها بفضل ما تصدره من سلع، فلم تكن ثم وسيلة لتسديد الديون غير تهريب النقد ومخالفة أوامر الحكومة. وفضلا عن ذلك فقد بدأ النازيون في أوائل عام 1937 حملة واسعة الغرض منها اتهام القساوسة والرهبان والراهبات بسوء الخلق، ونشرت الصحف النازية بعناوين كبيرة حوادث هذه الاتهامات المخزية، ووعدت بتقديم ما لا يقل عن ألف من هؤلاء القساوسة والراهبات إلى المحاكمة، وشجعت السلطات أفراد الشعب على البحث عن مرتكبي الموبقات من رجال الدين الكاثوليك، ولكن هذه الحملة الواسعة أسفرت عن إدانة خمسة وثمانين قسيسا من بين خمسة وعشرين ألفا في الريخ، ولم يثبت على راهبة ما أية تهمة من تلك التهم الشنعاء. على أن هذا الفشل لم يمنع النازيين من الإمعان في اضطهاد رجال الدين الكاثوليك من أجل سلامة الدولة على حد قولهم، لعدة أسباب من أهمها: أن الكنيسة الكاثوليكية ذات ثقافة أجنبية، فضلا عن أنها لم تكن مؤسسة وطنية؛ لأن اتجاهاتها وميولها مصطبغة بصبغة دولية، ولا يمكن أن يعد أعضاؤها مواطنين بمعنى الكلمة لما كان لهم من علاقات مع سائر الكاثوليك في الخارج. وهكذا استطاع النازيون في غضون ثمانية أعوام من بدء سيطرتهم أن يلقوا في السجون حوالي خمسة آلاف قسيس.

وعظمت محنة الكاثوليكية بعد نشوب الحرب الهتلرية، وكان من وسائل إرهاقها مصادرة أملاك الكنائس والجماعات الدينية، فصادر الجستابو في عام 1941 مراكز «جماعة يسوع» وبيت الراهبات في مونستر بوستفاليا، ومراكز جماعة القديس أوغسطين بالقرب من «بون» في الراين، وبلغ عدد مراكز هذه الجماعة التي صادرها الجستابو حتى أواخر عام 1941 ثلاثة عشر مركزا. وفي مارس 1942 أعلن أسقف برلين أن النازيين صادروا كثيرا من أملاك الكنيسة الكاثوليكية. وفي أبريل من العام نفسه أغلق النازيون أديرة البندكتين في شتى نواحي ألمانيا. ولكن في عام 1942 كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت الحرب ضد ألمانيا واشتدت غارات قوات الطيران البريطانية على المناطق الغربية، لا سيما وأن الجيش الألماني كان يزحف على روسيا، وأخذت أركان الجبهة الداخلية في التصدع على الرغم من قسوة النازيين وبطش رجال الجستابو، وفي هذه الظروف رفع رجال الكاثوليك أصواتهم فجأة يتحدون فلسفة النظام الهتلري ويهددون بتقويض أركانه، وصحيح أن قادة الكاثوليك قالوا إن الامتثال لأوامر الدولة والخضوع لقوانينها واجب على كل فرد، ولكنهم صاروا يطالبون في الوقت نفسه بتغيير النظم القائمة وإنشاء نظام آخر بدلا من نظام الزعامة المسئولة، فكان معنى ذلك تسديد ضربات المعارضة ضد النظام النازي بأجمعه، وألقى أسقف مونستر الكونت «جالن

Galen » عظاته الثلاث المشهورة في غضون شهري يولية وأغسطس من عام 1941، وحمل على وثنية النازيين حملة شديدة داعيا الآباء إلى إمعان النظر في مستقبل أبنائهم، والمسيحيين إلى اتباع تعاليم الكنيسة الصحيحة؛ فلا يقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، ولا يتخذوا من دعوى تخليص المرضى من آلامهم والمجتمع من المعتوهين مسوغا لارتكاب جرائم القتل. وأطال الكونت «جالن» الحديث عن «الوصايا العشر» فوضح لمستمعيه أن مصادرة الأملاك - على غرار ما كان يفعل النازيون - سرقة صريحة، وأن الحب الطليق وإنتاج الأبناء لخدمة الريخ خارج نطاق الزوجية زنا ومعصية، وأن عدم احترام الآباء والأمهات عقوق ونكران، وأن عبادة الطبيعة والدولة والجنس زيغ وكفران. وفي آخر العام نفسه ألقى الكردينال «فولهابر» عظة في كتدرائية ميونخ عدد فيها الاتهامات التي كان يكيلها النازيون للكنيسة الكاثوليكية، ثم أخذ يدحض هذه المفتريات الواحدة بعد الأخرى، وأظهر ما كان يفعله النازيون - على حد قوله - لاقتلاع جذور الكنيسة. وفي مارس 1942 قرئ في الكنائس «خطاب رعوي» وضعه الأساقفة الكاثوليك. وفي العام التالي كان أعداء الكنيسة الكاثوليكية للنازية سافرا، فانفض كثيرون من حول الهتلرية، وزادت مقاومة المتذمرين من نظام النازيين شدة على شدتها.

وكان مما قوى حركة المقاومة «الدينية» موقف النازيين من البروتستنتية في ألمانيا، فقد بدءوا بإحكام رقابة الدولة على الكنيسة البروتستنتية منذ استتب لهم الأمر في الريخ؛ فعينوا «قومسيريين» للإشراف على شئون الكنائس البروتستنتية في بروسيا وسكسونيا وغيرها عام 1933، ومنعوا نشر كل ما كان يتناول المسائل الكنسية 1934، وارتكبوا غير ذلك من الأعمال التي أثارت المقاومة ضدهم، وألقى النازيون القبض على كبار رجال الدين البروتستنت في ورتمبرج وبافاريا 1934، وأرسلوا القساوسة البروتستنت خصوصا في سكسونيا ونساو-هس إلى معسكرات الاعتقال، وقبضوا على سبعمائة منهم في أنحاء بروسيا؛ لأنهم قرءوا من فوق المنابر احتجاجا ضد تلك «الوثنية الجديدة» التي أراد النازيون أن يستعيضوا بها عن الأديان جميعها 1935، ونفوا عددا عظيما من القساوسة البروتستنت في «بروسيا» وغيرها. وعندما ألف المعارضون البروتستنت كنيسة جديدة أسموها الكنيسة الاعترافية، حتى يتحرروا من القيود التي فرضها النازيون على الكنيسة البروتستنتية، عطلت السلطات الحكومية إقامة الشعائر بالكنائس الاعترافية وصادرت أموالها وفرضت رقابة شديدة على مطبوعاتها. غير أن التدابير النازية لم تخضد من شوكة الاعترافيين، وظهر زعماء أمثال مارتن نيمولر وغيره قادوا المعارضة ضد الهتلرية بشجاعة فائقة، وضحى كثيرون بأنفسهم في سبيل تعزيز العقائد المسيحية الصحيحة، فقدم «نيمولر» وإخوانه مذكرة إلى الفوهرر، يتساءلون فيها عن نوايا النازية تجاه الديانة المسيحية 1936. ثم تكررت احتجاجاتهم في العام التالي. وفي يولية ألقى النازيون القبض على نيمولر، وفي فبراير 1938 قدموه للمحاكمة، ثم أرسلوه إلى معسكرات الاعتقال. وعندما بدأ الحرب اشتد الضيق على الكنائس الاعترافية «1939»، فلم يسعها إزاء انتصارات النازيين الباهرة في مراحل الحرب الأولى وانتشار رجال الجستابو في طول البلاد وعرضها سوى أن تطأطئ الرأس انتظارا لساعة الخلاص، وكانت الحرب التي شنها هتلر على روسيا مؤذنة بأن هذه الساعة لا بد آتية. ذلك بأن الحرب الروسية كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى ازدياد المقاومة ضد النظام الهتلري وتصدع الجبهة الرابعة نهائيا، فضلا عن أنها كانت بمثابة المعول الذي هدم ذلك البنيان الشامخ: آلة الحرب النازية. فإنه بمجرد أن سرى التذمر في الجيش بين صفوف الجند وضباطهم وكبار قوادهم، بات انهيار ألمانيا أمرا لا مفر من حدوثه.

فقد عرف عن الألمان من قديم الزمن أنهم يعنون بتنظيم الجيش عناية كبيرة، ومع ذلك قد يخفى على الكثيرين أن الجيش الألماني كان يعد أعظم الجيوش الديمقراطية إطلاقا بعد الجيش الأحمر، وسبب ذلك أن الألمان حين خسروا الحرب العالمية الأولى، رغبوا في الانتفاع من دروس الهزيمة القاسية، وقد وجدوا أن النظام القيصري القديم كان من عوامل تلك الهزيمة؛ إذ كان القواد والضباط والجنود يؤلفون طبقات منفصلة جعلت من المتعذر قيام الألفة والتفاهم بين الرتب العسكرية المختلفة؛ ولذلك حرص الألمان منذ أيام جمهورية ويمار، على أن يزيلوا هذه الفوارق على الأقل بين الضباط وضباط الصف وبقية الجند. وعندما وصل النازيون إلى الحكم درجوا على ذلك حتى خرج إلى عالم الوجود في النهاية جيش «ديمقراطي» شديد التماسك دقيق النظام، يشعر أفراده شعورا قويا بأنهم إنما يؤلفون مجموعة واحدة تربط بينهم جميعا أواصر التفاني في خدمة الوطن. وعلى ذلك ظل الجيش الألماني في مراحل الحرب العالمية الثانية قوة متماسكة لا يمكن أن يجد الوهن إليها سبيلا، وكان من أسباب ذلك أن جميع الانتصارات التي أحرزها النازيون حتى منتصف عام 1941، كانت انتصارات سهلة لم تكلفهم جهودا كبيرة بل كانت كل القوة التي اعتمد عليها الألمان في كسب معاركهم لا تزيد على ربع مليون رجل وحوالي اثنتي عشرة فرقة من فرق الهجوم المصفحة، وبضعة آلاف من رجال الطيران والغواصات، أي إن النازيين - بعبارة أخرى - اعتمدوا في إحراز انتصاراتهم على الجيش المحترف، وعماده الجند المدربون الذين خدموا زمنا طويلا وتغلغلت فيهم روح التنظيم العسكري الألماني، وعرفوا تقاليد الجيش الألماني وحرصوا على الذود عنها. ولكن الأحوال لم تلبث أن تغيرت عندما اضطر النازيون منذ أن بدأت الحرب الروسية في يونية 1941 إلى تجنيد كل شاب في سن الخدمة العسكرية صالح لحمل السلاح، فضموا إلى الجيش الألماني فرقا جديدة جمعوا جنودها من بين أعضاء تلك «الجبهة الرابعة» التي كان يخافها «هيملر» كل الخوف منذ عام 1937، ويرى فيها عوامل انحلال عاجل أو آجل إذا تركت وشأنها، ولم يفرض عليها «الجستابو» نطاقا من المراقبة الشديدة، ولم يكن «هيملر» في مخاوفه هذه مخطئا أو مغاليا.

فإن هذه «الجبهة الرابعة» التي قام أعضاؤها - من الصناع والعمال والزراع والموظفين المدنيين - بجميع أنواع المقاومة الإيجابية والسلبية في داخل الريخ الألماني، على النحو الذي تقدم ذكره لم يلبث أن ظهر نشاطها في ميادين القتال أيضا، وبخاصة في الميدان الروسي الكبير الذي كان يتطلب من الألمان حشد الألوف من شبان الريخ لمنازلة الجحافل الروسية، ولا جدال في أن تلك المقاومة كانت مقصودة، فضلا عن أنها كانت نتيجة حتمية لما حل بالجنود من التعب والملل والشكوى من سوء التموين، والتذمر من قلة الملابس والتعرض لبرد الروسيا القارص، واليأس من إحراز النصر السريع، على نحو ما كان يعدهم به الهر هتلر من جانب، ويغرر بهم الهر جوبلز بدعايته الواسعة العريضة من جانب آخر. وقد ظهرت المقاومة في أشكال متنوعة، كان منها هروب المقاتلة الألمان وتسليمهم من غير قتال وامتناعهم عن تنفيذ أوامر الهجوم وتفضيلهم التقهقر في الميدان على مواجهة العدو، ثم التذرع بشتى الوسائل عقب وقوعهم في الأسر واطمئنانهم إلى أنهم قد أصبحوا بعيدين عن مخالب الجستابو؛ لإظهار كراهيتهم وبغضهم للنظام النازي وللزعيم، وعصابته. وما لبثت حوادث هذه المقاومة أن استرعت أنظار الروس عقب نشوب الحرب بينهم وبين النازيين، وذلك على الرغم من أن انتصارات الألمان كانت قد جعلتهم في الشهور الأولى من عام 1942 على مقربة من ليننجراد وتجاوزت بهم «سمولنسك» ومكنتهم من التوغل في الأوكرين، فبدأ الروس يدرسون أحوال الهاربين والأسرى الألمان دراسة منظمة تلقي ضوءا كبيرا على حقيقة هذا النوع من المقاومة. وسواء كانت هذه المقاومة ذات أثر فعال في اندحار النازيين في النهاية أو تضافرت عوامل أخرى أشد خطرا على تقويض دعائم الريخ الثالث؛ فإن وجود هذه المقاومة في مراحل الحرب الأولى دليل على أن الهتلريين قد أخفقوا في استمالة سواد الأمة الألمانية إلى تأييد ذلك النظام، الذي فرضوه على ألمانيا فرضا ثم أرادوا تطبيقه على بقية أوروبا النازية، وأسطع برهان على هذا الإخفاق أن الجندي الألماني الذي عمد إلى الفرار من الخطوط الأمامية أو التسليم أو عصيان الأوامر أو عدم الثبات أمام العدو في بداية الحرب مع روسيا كان - من غير شك - لا يجد في تلك الفلسفة التي قامت عليها دعائم النظام النازي أية مثل عليا خليقة بتضحية النفس، وبذلها رخيصة في سبيل تحقيقها.

صفحه نامشخص