166

وصواب الأمر أن وجود إلهين سرمديين مستحيل، وأن بلوغ الكمال المطلق في صفة من الصفات يمنع بلوغ كمال مطلق آخر في تلك الصفة، وأن الاثنينية تتحقق في موجودين كلاهما يطابق الآخر ولا يتمايز منه في شيء من الأشياء، وكلاهما بلا بداية ولا نهاية ولا حدود ولا فروق، وكلاهما يريد ما يريده، ويقدر ما يقدره ويعمل ما يعمله في كل حال وفي كل صغير وكبير، فهذان وجود واحد وليسا بوجودين، فإذا كانا اثنين لم يكونا إلا متمايزين متغايرين، فلا ينتظم على هذا التمايز والتغاير نظام واحد، وإذا كانا هما كاملين فالمخلوقات ناقصة ولا يكون تدبير المخلوق الناقص على وجه واحد بل على وجوه.

وعلى هذا فبرهان القرآن الكريم على الوحدانية برهان قاطع وليس ببرهان خطاب أو إقناع.

وشأن القرآن في عالم الدين والعقيدة معروف، وهذا شأنه في عالم الحكمة الإلهية إذ يتناول وجود الله ووحدانية الله.

آراء الفلاسفة المعاصرين في الحقيقة الإلهية

كان الأقدمون يقولون بالإله «المقيد» لأنهم يؤمنون بتعدد الآلهة أو بوجود إلهين اثنين يتناظران ويتغالبان، وهما إله الخير وإله الشر، أو إله النور وإله الظلام.

ولما شاع الإيمان بالتوحيد بطل القول بالإله المقيد؛ لأن الإله الواحد لا يحده شيء ولا تحيط به القيود والنهايات، وكل ما قبلته العقول الفلسفية في حقه أن قدرته جل وعلا لا تتعلق بالمستحيل، ولم يقبل بعض المتكلمين حتى هذا القول؛ لأنهم رأوا أن الاستحالة نوع من التقييد الذي تتنزه عنه قدرة الله.

ثم عرف الناس أن الأرض كرة سيارة تدور في الفضاء كما يدور غيرها من السيارات.

وعرفوا مذهب النشوء والتطور، فقال لهم دعاته إن الإنسان حي كسائر الأحياء التي نشأت على الأرض وتحولت بها أحوال البيئة من طور إلى طور ومن طبقة إلى طبقة في مراتب المخلوقات.

فتواتر القول بما كان لهذين الكشفين من الأثر الخطير في نظرة الإنسان إلى الكون، ونظرته إلى نفسه، ونظرته إلى حقيقة الحياة.

كان يحسب أن الأرض مركز الوجود، وأنه هو مركز الأرض أو غاية الخلق كله في الأرضين والسماوات.

صفحه نامشخص