ورد في كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر بأن المُتَشَابه: ما لم يُتَلَقَّ معناه من لَفْظِه، وهو على ضربين: أحدُهُما إذا رُدَّ إلى المُحْكَم عُرِف معناه، والآخر ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته. فالمُتَتَبِّع له مُبْتَغ لِلْفتنَة، لأنه لا يكادُ ينتهي إلى شيءٍ تسكن نَفْسُه إليه" (١).
وفي حديث حذيفة (٢): وذكر فتنةً فقال: "تُشَبِّهُ مُقْبِلَةً وتُبَيِّنُ مُدْبِرَةً" (٣)، قال شمر (٤): "معناه أَنَّ الفتنة إِذا أَقْبلت شَبَّهَتْ على القوم وأَرَتْهُم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويَرْكَبُوا منها ما لا يحل، فإِذا أَدْبرت وانقضت بانَ أَمرها، فعَلِمَ مَنْ دخل فيها إِنه كان على الخطأ" (٥).
وقد اختلف العلماء في وجود المتشابهات في القرآن الكريم، وفيه قولان:
أحدهما: أنه لا وجود للمتشابهات في القرآن، لأن القرآن كتاب هداية عامّة لكلّ الناس.
ودليهم قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨]، وقال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١]، فلا وجود فيه لآيٍ متشابهة بالذات، وأمّا التعبير بالتشابه في آيِ القرآن، فهو بمعنى التشابه بالنسبة إلى أُولئك الزائغين الذين يحاولون تحريف الكلِم عن مواضعه.
والثاني: القول بوجود المتشابهات في القرآن: إذ يشتمل القرآن الكريم على آيات متشابهات، كما هو مشتمل على آيات محكَمات، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧]، فيشتمل على تقسيم آيات القرآن إلى المحكم والمتشابه.
والراجح هو القول الثاني، إذ أن المراد بالإحكام في قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧]، غير الإحكام الذي وُصِفَ به جميع الكتاب في قوله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١]، وكذا المراد بالتشابه فيه غير التشابه الذي وُصِفَ به جميع الكتاب في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣]. والله أعلم.
سابعا- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم
يعد الناسخ والمنسوخ في القرآن من المسائل التي كثر فيها الجدل بين المؤيدين والمعارضين، فيعرض البحث تعريف هذا الفن ومنشأه وأدلة القائلين به وأنواعه وشروطه.
ويتناول البحث حجج المعارضين التي تدحض النسخ أساسا وشكلا ثم يعرض بعض القضايا التي ذُكرت في الآيات الشريفة وادعى البعض أنها منسوخة. ويتم تفنيدها من خلال حجج معارضي النسخ ويتبين أن كل قضية من تلك القضايا يمكن معالجتها علي حدة وان كل آية شريفة تعبر عن قضية مختلفة أو أنها متناسجة مع بعضها البعض. يستتبع ذلك تأمل في دلالات نسخ الآية بما يتعلق بقضية تطور الإنسان عندما يقرأ الإنسان آيات الله في الأفاق وفي نفسه. وبقدر صدق الإنسان في قراءته لآيات الله، يكتب بالله في نسخة كتابه ويثبت الفعل الحسن ويمحو منها السيئ ليأخذ كتابه بيمينه فيكون بذلك آية ومثل أفضل من قديمه. إن نسخ الآية لجديد أفضل هو تعبير عما هو أفضل للإنسان فلا ينبغي التشبث بالألفاظ ونسيان ما فيها من دلالات. ويعرض الباحث رؤيته في تلك القضايا التي تتعلق بما يجب أن يكون عليه الإنسان. فجميع القضايا المذكورة في القرآن ليست بمنأى عن الإنسان فجميعها وجوه للحقيقة لتشخص للإنسان داءه وتصف دواءه فمن أحصى منها شيئًا ارتقى.