إن في قول مؤلف إنجيل يوحنا: «وكانت أم يسوع هناك» دلالة واضحة على أن مريم كانت من ذوي قربى العريس، ويبدو أنها كانت على درجة من القرابة تدعوها لأن تكون موجودة قبل وقت من ابتداء الحفل لكي تساعد في الترتيبات، على ما هو سائد في الحفلات الشرقية حتى يومنا هذا. أما يسوع فقد كان مدعوا مع تلامذته وجاء بهم مع بقية المدعوين. وبسبب وضعها كقريبة وكمساهمة في ترتيبات الحفل، فقد حاولت تفادي الموقف المحرج الناجم عن نفاد الخمر وطلبت من ابنها أن يتصرف.
وفي الحقيقة، فإن من يعيد قراءة قصة عرس قانا مرارا وتكرارا، لن يجد فيها ما وجده المؤلفون الذين يبدون له وكأنهم يبنون استنتاجاتهم على قصة أخرى غير قصة عرس قانا. (4) المجدلية كمرشحة أولى
يقول المؤلفون: إذا كان يسوع متزوجا فهل تسعفنا روايات الأناجيل بإشارات غامضة تدل على هوية زوجته؟ في المقام الأول يبدو لنا وجود مرشحتين لتكون إحداهما زوجة يسوع وكلتاهما كانتا من بطانته المقربين. أولى هاتين المرشحتين هي مريم المجدلية التي يدل اسمها على أنها من بلدة مجدلة في الجليل (وهي اليوم بلدة المجدل على الشاطئ الغربي من بحر الجليل). إن دور هذه المرأة في الأناجيل الأربعة غامض إلى حد كبير، ويبدو أنها قد حجبت عن عمد. ففي إنجيل لوقا تظهر في وقت مبكر من حياة يسوع التبشيرية في الجليل، عندما أخرج منها سبعة شياطين، ورافقته بعد ذلك من الجليل إلى اليهودية حيث نراها في مشهد الصلب وما تلا ذلك من أحداث. أما في بقية الأناجيل فلا تظهر إلا في المراحل الأخيرة من حياة يسوع. وعلى عكس الموروثات السائدة التي تطابق بينها وبين المرأة الخاطئة (= المومس) التي دخلت على يسوع وراحت تبكي وتقبل قدميه وتمسحهما بشعرها وتدهنهما بالطيب (لوقا، 7: 36-50)، فإن صورتها في الأناجيل تدل على انتمائها إلى الطبقة الأرستقراطية، وكان من بين صديقاتها زوجة مسئول كبير في إدارة الملك هيرود أنتيباس حاكم الجليل. ولا أدل على مكانتها المميزة في بطانة يسوع من أن اسمها في الأناجيل الأربعة يتصدر قائمة أسماء النساء اللواتي تبعن يسوع من الجليل وخدمنه من أموالهن. وقد تلقت المجدلية من يسوع معاملة تفضيلية، الأمر الذي أثار غيرة بقية التلاميذ وقاد في النهاية إلى محاولة تشويه صورتها. وبما أنها التحقت بيسوع عندما كان في الجليل وتبعته في جولاته التبشيرية وصولا إلى أورشليم، فإن في ذلك دليلا على أنها كانت متزوجة وتسير في صحبة زوجها؛ لأن النساء في أيام يسوع لم يكن يسافرن إلا بصحبة أزواجهن. ويبدو هذا الشرط أكثر إلحاحا إذا كانت المرأة تسافر في صحبة معلم روحي وتختلط مع بطانته من الذكور. وبما أنه من غير المتصور أن تكون المجدلية متزوجة من أحد تلاميذ يسوع؛ لأن علاقتها المميزة مع المعلم ستجعلهما عرضة للأقاويل ولتهمة الزنا، فإن المجدلية لا بد وأنها كانت زوجة يسوع نفسه.
الرد
لم تكن المجدلية وحدها هي التي ترتحل دون زوج في ركب يسوع، بل إن كل من رافقنه من النساء كن يرتحلن بلا أزواج. فمرقس يذكر جماعة من النساء كن في بطانة يسوع منهن: المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وسالومة. ومتى يقول: إن كثيرا من النساء تبعن يسوع من الجليل، ويذكر من أسمائهن، المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي. ولوقا يذكر من أسماء الكثيرات: المجدلية وحنة امرأة خوزي وكيل (أو خازن) الملك هيرودوس، وسوسنة. ويوحنا يذكر: المجدلية ومريم زوجة كلوبا. ونحن نعرف من أزواج هؤلاء النسوة زبدي الصياد أبا يعقوب ويوحنا، وخازن الملك هيرود أنتيباس، وكلوبا أخا يوسف النجار، وهؤلاء لم يكونوا في بطانة يسوع مع زوجاتهم، وكذلك بقية النسوة اللواتي ربما كن عازبات وبلا أزواج. فلماذا يكون وجود المجدلية بلا زوج في صحبة يسوع أمرا مستهجنا؟ وبأي شطحة خيال غير منضبط استنتج المؤلفون أنها لا بد وأن تكون زوجة ليسوع؟ (5) مريم بيت عنيا كمرشحة ثانية
يقول المؤلفون: هنالك امرأة أخرى ذات دور بارز في الإنجيل الرابع مرشحة أيضا لأن تكون زوجة يسوع. إنها مريم من بيت عنيا أخت مرتا ولعازر الذي أقامه يسوع من بين الأموات، وكان لهؤلاء الثلاثة بيت كبير فاره في ضاحية عنيا على جبل الزيتون المشرف على مدينة أورشليم، كان من السعة بحيث يتسع لإقامة يسوع وتلاميذه المرتحلين في صحبته. وقد أحب يسوع هذه الأسرة وغالبا ما كان يلجأ إلى بيتهم للراحة أو النوم. وفي إحدى المرات غادر يسوع بيت عنيا ونزل مع تلاميذه إلى عبر الأردن حيث أقام مدة. فأرسلت إليه الأختان مريم ومرتا تقولان إن أخاهما لعازر مريض. ولكن يسوع تلكأ أربعة أيام قبل أن يتوجه إلى بيت عنيا، وعندما وصل خرجت مرتا لاستقباله أما مريم فمكثت في البيت. فقالت له مرتا: «لو كنت هنا يا سيد لما مات أخي» وبعد حوار قصير بين الطرفين ترجع مرتا إلى البيت وتقول لأختها: «المعلم هنا وهو يدعوك». فقامت مريم وخفت إليه. وهنا يفسر المؤلفون عدم خروج مريم لملاقاة يسوع بأنها كانت في فترة الحداد السبعية التي تلتزم النساء خلالها بيوتهن ويمارسن طقوس الحداد على القريب الميت، ولا يخرجن من البيت إلا بأمر أزواجهن، وهذا ما حدث بين يسوع مريم، فلقد تصرفا وفق العائدة السائدة كزوج وزوجة يهوديين.
الرد
كما هو الحال في بقية الشواهد التي يسوقها المؤلفون، فإنهم هنا يتوجهون بالخطاب إلى الشريحة الواسعة من المسيحيين التي لم تقرأ الإنجيل. إن نظرة فاحصة إلى قصة إحياء لعازر في إنجيل يوحنا كفيلة بالرد على هذا الاستنتاج الساذج. فقد بقيت مريم في البيت ولم تخرج للقاء يسوع لأن البيت كان مليئا بالمعزين الذي جاءوا لتعزية الأختين بأخيهما، وكان من عدم اللياقة الاجتماعية أن تترك الأختان معا ضيوفهما وتخرجا للقاء يسوع. وهذا بالضبط ما ورد في إنجيل يوحنا؛ حيث نقرأ: «وكان كثير من اليهود قد جاءوا إلى مرتا ومريم يعزونهما عن أخيهما. فلما سمعت مرتا بمجيء يسوع خرجت لاستقباله ولبثت مريم قاعدة في البيت» (يوحنا، 11: 19-20)، أما لماذا دعا يسوع بعد ذلك مريم فلكي يدلانه على الموضع الذي دفن فيه لعازر ويتوجه معهما إلى المكان. وعندما خرجت مريم للقاء يسوع رافقها من كان حولها من المعزين: «فلما رأى اليهود الذين كانوا في البيت مع مريم يعزونها أنها قامت وخرجت على عجل، لحقوا بها وهم يظنون أنها ذاهبة إلى القبر لتبكي ... فلما رآها يسوع تبكي ويبكي معها اليهود الذين رافقوها ارتعشت نفسه واضطرب، وقال: أين وضعتموه؟» (يوحنا، 11: 29-33).
وهنالك سؤال لم يكلف المؤلفون أنفسهم عناء الإجابة عليه، وهو: كيف يكون يسوع متزوجا من مريم بيت عنيا، مع العلم بأنه كان مقيما في بلدة كفر ناحوم قرب بحيرة طبرية في الجليل (لوقا ، 4: 31؛ ويوحنا، 2: 12)، ولم ينزل لزيارة أورشليم إلا مرة واحدة وفق الأناجيل الإزائية، وثلاثا أو أربع مرات وفق إنجيل يوحنا، أما مريم فقد كانت مقيمة في قرية بيت عنيا على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الشرق من أورشليم مع أختها مرتا وأخيها لعازر. ولكي يقطع المسافر المسافة بين هذين الموقعين، عليه أن يرتحل بصورة متواصلة مدة ثلاثة أيام على الأقل ممتطيا ظهر حمار إذا كان موسرا.
يقول المؤلفون: هناك دليل إضافي على زواج محتمل بين يسوع ومريم بيت عنيا يرد في إنجيل لوقا؛ حيث نقرأ: «وبينما هم سائرون دخل يسوع قرية فرحبت به امرأة اسمها مرتا في بيتها، وكان لها أخت اسمها مريم جلست عند قدمي يسوع تستمع إلى كلامه، وأما مرتا فكانت منهمكة في شئون الضيافة. فجاءت وقالت: يا رب أما تبالي أن تتركني أختي أخدم وحدي؟ قل لها أن تساعدني. فأجاب يسوع وقال: مرتا، مرتا، أن تهتمين وتقلقين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى شيء واحد. ومريم اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها» (لوقا، 10: 38-42). من مناشدة مرتا ليسوع أن يطلب من مريم القيام بمساعدتها نستنتج أن يسوع كان يمارس نوعا من السلطة على مريم حتى يأمرها أن تخف لمساعدة أختها. كما أن في جواب يسوع لمرتا بأن أختها قد اختارت النصيب الصالح إشارة إلى خيارها الزواج منه. على أية حال من الواضح أن مريم بيت عنيا كانت تلميذة شغوفة بيسوع شغف المجدلية نفسها.
صفحه نامشخص