وهنالك قطعة أخرى من هذا اللغز يجدها المؤلف، وهي في رأيه واحدة من أكثر القصص غرابة في الإنجيل، أوردها لنا مؤلف إنجيل مرقس الذي دعا يسوع بابن مريم ولم يذكر يوسف النجار قط. فهو يحدثنا عن رحلة خفية قام بها يسوع من شواطئ بحيرة طبريا حيث كان يكرز في نواحي صور وصيدا: «ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء، ودخل بيتا وهو لا يريد أن يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي لأن امرأة كان بابنها روح نجس سمعت به فأتت وخرت عند قدميه ... إلخ» (مرقس، 7: 24-25) وهذا الخبر لم يرد عند متى ولوقا لأنهما لم يرغبا في أن يطرح أحد السؤال البديهي، وهو لماذا ترك يسوع الجليل وسافر إلى منطقة صور وصيدا؟ وبيت من كان يعرفه يسوع ودخله بشكل سري؟ هذا السؤال لا يجيب عليه مؤلف كتاب «سلالة يسوع» تاركا الجواب لفهم القارئ الذي لا بد أن يكتشف بقليل من التروي أن يسوع قد جاء لزيارة والده الفينيقي!
لم يكن يسوع ابن زنا فقط بالنسبة للمؤلف، ولكنه تسلسل أيضا من سلالة كان عدد من أفرادها أولاد زنا. فسلسلة النسب التي قدمها لنا متى في مطلع إنجيله تحتوي على أربع نساء كان لهن علاقات خارج إطار الزوجية. وبما أن متى قد سماهن بأسمائهن ولم يأت على ذكر غيرهن من النساء، فإن المؤلف يرى أن متى كان يقدم ضمنيا علاجا لوضع مريم ويربطها بأولئك النسوة. وعلى الرغم من أن مؤلفنا لم يذكر أسماء النسوة ولم يتعرض لقصصهن، إلا أنني سأقدم فيما يلي نبذة مختصرة عنهن، لأوضح كيف نقل المؤلف فضائح التوراة الجنسية إلى كتاب العهد الجديد: (1)
تامار:
كانت تامار زوجة الابن يهوذا الذي ينتسب إليه سبط يهوذا المعروف. وعندما مات زوجها أعطاها يهوذا لابنه الثاني الذي ما لبث أن مات أيضا، فوعدها بتزويجها من الابن الثالث ولكنه ماطل في الوفاء بوعده. وعندما عرفت تامار أن حماها مسافر إلى مدينة تمنة لبعض أشغاله خلعت عنها ثياب ترملها، ولبست مما تلبسه العاهرات وتغطت ببرقع، وجلست على جانب الطريق. فلما مر بها يهوذا طلب أن يدخل عليها دون أن يعرفها. فقالت له: ماذا تعطيني إذا دخلت علي؟ فقال: أعطيك جديا من الماعز. فقالت: هل تعطيني رهنا ريثما ترسل الجدي؟ فأعطاها خاتمه وعصابة رأسه وعصاه ودخل عليها. وبعد ثلاثة أشهر قيل ليهوذا إن تامار كنته قد زنت وهي الآن حامل. فقال يهوذا: أخرجوها واحرقوها، فأرسلت إليه تامار أشياءه التي رهنها عندها قائلة: إني حامل من صاحب هذه الأشياء، فعرف يهوذا أشياءه وبرأها ثم تزوجها فولدت له ابنين هما فارص وزارح (التكوين: 38). ومن فارص تسلسل سلمون الذي تزوج بعد عدة أجيال من عاهرة تدعى راحاب. (2)
راحاب:
وهي عاهرة كانت تستقبل الرجال في بيتها بمدينة أريحا. وعندما اقترب يشوع بن نون خليفة موسى من المدينة لحصارها، أرسل أمامه جاسوسين أضافتهما راحاب وخبأتهما لدى البحث عنهما، وكان بيتها ملاصقا لسور المدينة فأنزلتهما بحبل من الكوة، وأخذت عليهما عهدا ليتوسطا في إنقاذ حياتها إذا ما دخل العبرانيون المدينة، وقالت إنها ستربط على الكوة حبلا من خيوط القرمز (وهو راية العاهرات منذ القدم) على كوتها التي أنزلتهما منها ليعرف المقتحمون بيتها ويتركوها بسلام. وعندما أخذ يشوع المدينة نجت راحاب بخيانتها، وتزوجها سلمون سليل العاهرة الأولى تامار، فولدت له بوعز (يشوع: 2-4). وقد تزوج بوعز هذا فيما بعد من الفتاة السيئة السمعة راعوث. (3)
راعوث:
وهي فتاة مؤابية تزوجت رجلا من سبط يهوذا كان متغربا في مؤاب. ولما مات زوجها لصقت بحماتها نعمي ورافقتها إلى بيت لحم في أرض يهوذا. وكانت مجاعة في الأرض فمضت راعوث إلى حقل رجل غني من أقرباء حماتها يدعى بوعز، وراحت تلتقط بقايا الحصاد من التراب. فلما رآها بوعز أكرمها وأطعمها وأمر غلمانه ألا ينهروها. فعادت إلى حماتها وأخبرتها بكرم صاحب الحقل. فقالت لها: اغتسلي وتدهني والبسي ثيابك وانزلي إلى البيدر، ولا تدعي الرجل يعرفك حتى يفرغ من الأكل والشرب. ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه وادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي. ففعلت راعوث كما قالت لها حماتها. وفي الصباح قال بوعز لغلمانه ألا يقولوا لأحد أن راعوث قد باتت عنده. ثم تنتهي القصة بزواج بوعز من راعوث التي أنجبت له عوبيد جد داود (سفر راعوث). (4)
بتشبع:
بينما كان الملك داود يتمشى على سطح بيته في إحدى أمسيات الصيف، لمح امرأة عارية تستحم في منزلها القريب، فشغف بها وأرسل في اليوم التالي يسأل عن هويتها فقالوا له إنها زوجة الجندي الشجاع أوريا الحثي وهو يقاتل الآن في جيش الملك وراء نهر الأردن. فأرسل داود غلمانه وأتوا بها عنوة إليه فدخل عليها ثم أعادها إلى بيتها. وبعد مدة أرسلت إليه تقول إنها حبلى منه. فكتب داود إلى قائد جيشه يقول: اجعلوا أوريا في مقدمة الحرب ثم ارجعوا من ورائه فيضرب ويموت. وهكذا كان، وعندما علم داود بموت أوريا أرسل إلى بتشبع من يأتي بها وتزوجها فأنجبت له سليمان (صموئيل الثاني: 11)، وكان آخر المتسلسلين من سليمان هو يوسف «رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح» (متى، 1: 1-11).
صفحه نامشخص