ألفية العراقي
ألفية العراقي
پژوهشگر
عبد اللطيف الهميم وماهر ياسين فحل
ناشر
دار الكتب العلمية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
۱۴۲۳ ه.ق
محل انتشار
بيروت
ژانرها
علوم حدیث
ـ[شرح ألفية العراقي]ـ
المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: ٨٠٦هـ)
المحقق: عبد اللطيف الهميم - ماهر ياسين فحل
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحه نامشخص
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ .
أما بعد:
الحمد لله ثُمَّ الحمد لله الذي مَنَّ علينا بتحقيق كتاب " شرح التبصرة والتذكرة " للإمام العلاّمة الحافظ العراقي، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بالصحة والتمكين حتَّى أنهينا هذا السفر العظيم المبارك، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بمعرفة السُّنَّة النبوية وخدمتها، والله وحده عليم بالجهد الذي بذلناه في خدمة هذا الكتاب النفيس، الذي نعدّه موسوعة في مصطلح الحديث؛إذ أن لهذا الكِتَاب أهمية بالغة بَيْنَ بقية كتب مصطلح الْحَدِيْث؛ لِمَا فِيْهِ من دراسات قلَّ نظيرها، ولِمَا فِيْهِ من استدراكات وإضافات عَلَى أعظم إمام كَتَبَ في المصطلح ألاَ وَهُوَ ابن الصَّلاَح، إذ يعدّ عمل ابن الصَّلاَح في كتابه " مَعْرِفَة أنواع علم الحديث " نواة لكتاب الحافظ العراقي هذا، إذ قام الحافظ بإضافات واستدراكات، وأوضح ما خفي وشرح ما كان يستحق الشرح، حتَّى أصبح هذا الكتاب أنفس كتاب في مصطلح الحديث وأحسنها.
ومن العجب أنّ كُتُبًا أقلّ شأنًا منه قد عني بها المحقّقون، غير أن أحدًا منهم لم يأخذ على عاتقه خدمة هذا السفر العظيم، من هنا شمّرنا عن ساعد الجدّ وأخذنا على
1 / 5
أنفسنا تحقيق هذا الكتاب الفريد، وقطعنا دونه جميع الأعمال والأشغال حتَّى خرج بهذه الحُلّة التي بين يديك.
طبعات الكتاب
طبع الكتاب عدة طبعات، بلغت - حسب علمنا - ثلاثًا، فيما يأتي وصف موجز لكلّ منها:
أ. الطبعة المصرية القديمة: طبعة خطأً باسم " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث "، صحّحها رجال جمعية النشر والتأليف الأزهرية، وعلَّق عليها محمود ربيع، سنة ١٣٥٥ هـ- ١٩٣٧ م. ولم يتيسر لنا الاطلاع عليها.
ب. الطبعة الفاسية: وهي الطبعة التي حقّقها الأستاذ محمد بن الحسين العراقي الحسيني، في سنة ١٣٥٥ هـ- ١٩٣٧ م، وطبعت بالمطبعة الجديدة بفاس في المغرب.
وهي طبعة تكاد تخلو من علامات الترقيم والشكل سواء لمتن الألفية أو لشرحها، علاوة على ما فيها من التصحيف والتحريف والخطأ والذهول، والخلط في تعيين الرجل المقصود بالكلام، ومن غير تخريج للأحاديث والآثار، ولا مراجعة لموارد العراقي في شرحه، ... إلى غير ذلك مما لا يخفى على لبيب.
جـ. طبعة دار الكتب العلمية: وهي طبعة مُخْرَجَةٌ عن الطبعة الفاسية، لم يكن فيها جديد إلاّ إعادة تنضيد حروفها.
فلمّا رأينا الأمر زاد عن حدّه، حتّى انقلب الصواب إلى ضدّه، مع حاجة الناس إليه، وكثرة تعويلهم عليه، استخرنا الله تعالى في إعادة العمل في خدمته بما ييسره لنا جلّ ذكره، فكان هذا الذي يراه القرّاء الكرام أمام أنظارهم وبين أياديهم الكريمة، محتسبين لله ما صرفناه فيه من الجهد والمال ابتغاء للمثوبة ورجاء الفوز يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.
اللهم فأحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
1 / 6
القسم الأول: الدراسة
الباب الأول: ابن الصلاح ومقدمته
الباب الثاني: العراقي وكتابه " شرح التبصرة والتذكرة "
1 / 7
الباب الأول: ابن الصلاح ومقدمته
ويشمل:
الفصل الأول: دراسة تحليلية لسيرة ابن الصَّلاَح.
الفصل الثاني: دراسة عن مقدمة ابن الصَّلاَح.
1 / 9
الفصل الأول:
دراسة تحليلية لسيرة ابن الصلاح
المبحث الأول:
اسمه ونسبه وولادته:
هو تقي الدين، أبو عَمْرو، عثمان بن صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر النصري الكردي الأهل الشرخاني الشهرزوري الأصل، الموصلي النشأة، الدمشقي الموطن والوفاة، الشافعي المذهب. ولد سنة (٥٧٧) هـ، بشهرزور.
المبحث الثاني
أسرته ونشأته وطلبه للعلم:
نشأ ابنُ الصلاح في بيت عِلم وورع ورئاسة في الفقه، إذ كان والده إمامًا مُفتيًا رأسًا في الفقه على مذهب الإمام الشافعي ﵀، وولي فيما بعد التدريس في إحدى المدارس بحلب، فكان والده أوّل مشايخه وأبرزهم.
كما تلقّى ابن الصلاح علومه على مشايخه في مسقط رأسه، والذين كان أغلبهم من الأكراد، ومما يدلّ على نباهته وعلو همته ونشاطه في طلب العلم-وَهُوَ لم يزل في مقتبل العمر- ما يذكر من أنّه أعاد على والده قراءة كتاب " المهذب " أكثر من مرة، ولم يختطّ شاربه بعدُ. ومن ثَمَّ انتقل به والده إلى مدينة الموصل، فاشتغل بها مدة وسمع بها.
1 / 11
ولم تقرّ عين أبي عمرو بأن يأخذ العلم عن شيوخ بلده فقط، فارتحل في طلب بغيته، وسافر إلى بغداد، وإلى قزوين، فلازم بها الإمام الرافعي، حتى أتقن عليه جملة من العلوم، وإلى بلاد خراسان وأقام هناك زمنًا، وأكثر فيها من سماع الحديث وتحصيله.
ومن ثَمَّ ألقى ابن الصلاح عصا ترحاله في بلاد الشام، وكان أوّل مقامه في مدينة القدس، ثُمَّ ورد دمشق بصحبة أبيه وأسرته فاتخذها سكنًا، وذلك في سنة٦٣٠هـ.
ولا يفوتنا أنْ نذكر أنّه سافر إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحجّ.
المبحث الثالث
شيوخه:
... تتلمذَ ابنُ الصلاح على عدّة من الشيوخ، سواء كانوا من مسقط رأسه، أو من البلد التي استوطنها، أو من البلاد الأخرى خلال أسفاره ورحلاته، وكانت السمة المميزة لمشايخه أن أكثرهم كانوا من أهل الحديث، وأبرزهم:
١ - أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن السمين.
٢ - ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي المعروف ابن سكينة، ت ٦٠٧ هـ.
٣ - عماد الدين أبو حامد محمد بن يونس بن محمد الموصلي الفقيه ت ٦٠٨ هـ.
٤ - أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني الرافعي ت ٦٢٤ هـ، وغيرهم.
1 / 12
المبحث الرابع
تلامذته
... رُزِق أبو عمرو القبول بين الناس، فتسابق طلاب العلم على التتلمذ عليه، والانتهال من معين ما أوتيه من العلوم، ومن أبرز تلامذته:
١ - شمس الدين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي. ت ٦٥٤ هـ.
٢ - شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلّكان الإربليت (٦٨١) هـ.
٣ - الحَافِظ أمين الدين عَبْد الصمد بن عَبْد الوهاب بن الحسن بن عساكر الدمشقي، ثُمَّ المكي. ت (٦٨٦) هـ.
٤- تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري المشهور بالفركاح. ت (٦٩٠) هـوغيرهم
المبحث الخامس
تدريسه
كان أبو عمرو ملمًا بجوانب متعددة من فنون العلوم المختلفة، زيادةً إلى طيب خلقه وكرم أصله، مع الزهد والتواضع وحب الخير، فوقع عليه الاختيار ليتولى التدريس في العديد من المدارس آنذاك، منها:
١ - المدرسة الناصرية بالقدس.
٢ - المدرسة الرواحية بدمشق.
٣ - دار الحديث الأشرفية، وهو أول من وليها ودرّس فيها من أهل الحديث، وبقي في مشيختها ثلاث عشرة سنة، وفيها أملى كتابه " علوم
1 / 13
الحديث ".
٤ - مدرسة ست الشام (زمرد خاتون بنت أيوب) ت ٦١٦ هـ.
... ولقد أدّى ما أسند إليه حقّ القيام، وكان يتحمل أعباء المدارس ثلاثتها (الرواحية، وست الشام، ودار الحديث الأشرفية) من غير إخلال أو تقصير.
المبحث السادس
آثاره العلمية
لَمَّا كان ابن الصلاح متضلِّعًا من تلك العلوم، استطاع بفضل الله أولًا، ثُمَّ بما تمتع به من ذكاء وحافظة وجودة فَهْم، أنْ يصنف العديد من المؤلفات، منها:
١ - أدب المفتي والمستفتي.
٢ - شرح الورقات لإمام الحرمين في أصول الفقه.
٣ - صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته عن الإسقاط والسقط.
٤ - فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه.
٥ - علوم الحديث، أو مقدمة ابن الصلاح. وغيرها.
المبحث السابع
وفاته
... بعد عمر مِلْؤُهُ العلم والخير والصلاح، انتقل الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح إلى جوار ربه الكريم، وذلك صباح يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ٦٤٣ هـبدمشق، ودُفن في مقابر الصوفية خارج دمشق - تغمده الله برحمته -.
1 / 14
الفصل الثاني
دراسة عن مقدمة ابن الصلاح
المبحث الأول
آراء العلماء في الكتاب
لقد كتب الله ﷾ لهذا الكتاب - أعني علوم الحديث لابن الصلاح - القبول لدى الناس، ولابد لمصنَّف ألّفه مثل هذا الإمام أن يصبح مَدْرَسَ أهل العلم وطلبته وفلكهم الذي لا يجاوزوه، ومنهلهم الذي لا يصدرون إلا عنه ولا يردون إلا منه، فهو الحَكَم لمشكلاتهم، والفصل لمعضلاتهم أبان لهم عن جوهر معانيه، واستزادهم فائدة عما فيه، فأقبل الناس عليه، وأصبح أحد دعائم مسلماتهم، وانتهى إليه المتعلِّمون، وبه استنار المستبصرون. وليس أدلّ على ما قدّمناه ممّا سطّرته أياديهم، إشادة بهذا المصنَّف والمصنِّف، فقد قال الإمام النووي (ت ٦٧٦ هـ): «هو كتاب كثير الفوائد، عظيم العوائد، قد نبَّه المصنِّف ﵀ في مواضع من الكتاب وغيره، على عظم شأنه، وزيادة حسنه وبيانه، وكفى بالمشاهدة دليلًا قاطعًا، وبرهانًا صادعًا» .
وقال الخويي (ت ٦٩٣ هـ) في منظومته:
وخير ما صنف فيها واشتهر ... كتاب شيخنا الإمام المعتبر
وهو الذي بابن الصلاح يعرف ... فليس من مثله مصنف
وقال ابن رشيد (ت ٧٢١ هـ): «الذي وقفت عليه وتحصل عندي من تصانيف هذا الإمام الأوحد أبي عمرو ابن الصلاح ﵀ كتابه البارع في معرفة أنواع علم الحديث وإنّه كلّما كتبت عليه متمثلًا:
لكل أناس جوهر متنافس ... وأنت طراز الآنسات الملائح»
وقال ابن جماعة (ت٧٣٣هـ): «واقتفى آثارهم الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح بكتابه الذي أوعى فيه الفوائد وجمع، وأتقن في حسن تأليفه ما صنع» .
1 / 15
وقال الزركشي (ت ٧٩٤ هـ): «وجاء بعدهم الإمام أبو عمرو بن الصلاح فجمع مفرّقهم، وحقّق طرقهم، وأجلب بكتابه بدائع العجب، وأتى بالنكت والنخب، حتى استوجب أن يكتب بذوب الذهب» .
وقال الأبناسي (ت ٨٠٢ هـ): «وأحسن تصنيف فيه وأبدع، وأكثر فائدة
وأنفع: "علوم الحديث" للشيخ العلاّمة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنّه فتح مغلق كنوزه، وحلّ مشكل رموزه» .
وقال ابن الملقن (ت ٨٠٤ هـ): «ومن أجمعها: كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح - سقى الله ثراه، وجعل الجنة مأواه - فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها» .
وقال العراقي (ت ٨٠٦ هـ): «أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعًا» .
وقال ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ): «فجمع شتات مقاصدها، وضمَّ إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر» .
وقال السيوطي (ت ٩١١ هـ): «عكف الناس عليه، واتخذوه أصلًا يرجع إليه» .
وبهذا نكاد أن ننقل إجماع الأئمة، منذ أن رأى كتاب " علوم الحديث " النور إلى يوم الناس هذا، دليلًا على مكانته، وغزارة علمه وفوائده شاهدًا على علوِّ كعبه ونصرة حزبه، فرحم الله مؤلفه وجامعه، وأسبل عليه نعمه وفضائله، إنّه سميع مجيب.
1 / 16
المبحث الثاني
توظيف العلماء جهودهم خدمة لكتاب ابن الصلاح:
لعلّ كتابًا في مصطلح الحديث لم يخدم كما خدم كتاب ابن الصلاح؛ إذ كَانَ هُوَ المحرك الفعلي الَّذِي تولدت عَنْهُ عشرات، بل مئات المؤلفات التي أغنت المكتبة الإسلامية، وساهمت بمجموعها في إكمال حلقات هذا العلم المبارك.
وقد اختلفت اتجاهات المؤلفين في طبيعة بحوثهم لتطوير وتعزيز القيمة العلمية لهذا الكتاب فمنهم الناظم، ومنهم الشارح، ومنهم المختصر، ومنهم المنكت توضيحًا واستدراكًا فلهذا ارتأينا - خدمة لتقسيمات البحث العلمي المنظم - أن نوزعها على النحو الآتي، وبالله التوفيق.
أ. المختصرات:
لعلّ هذا الطابع من التصنيف الذي كان كتاب ابن الصلاح المحفِّز لها هو الأكثر نظرًا إلى أن من ألّف في هذا اللون يبغي تقليص حجم الكتاب الأصلي؛ وذلك باختزال الألفاظ وتكثيف الفكر والمعاني، وحذف الأمثلة التي لا حاجة لها والابتعاد عن المناقشات غير الضرورية، وزيادة الفوائد والآراء، مع مخالفة ترتيب الأصل أحيانًا، تسهيلًا لطلبة العلم وغيرهم.
ومن أبرز تلك المختصرات:
١- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، للإمام النووي (ت ٦٧٦ هـ) .
٢- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للإمام النووي أيضًا وهو اختصار لكتابه السابق.
٣- المنهج المبهج عند الاستماع لمن رغب في علوم الحديث على الاطلاع، لقطب الدين القسطلاني (ت ٦٨٦ هـ) .
1 / 17
٤- أصول علم الحديث، لعلي بن أبي الحزم القرشي الطبيب المشهور بابن النفيس
(ت ٦٨٩ هـ) .
٥- الاقتراح، للإمام ابن دقيق العيد (ت ٧٠٢ هـ) .
٦- الملخص، لرضي الدين الطبري (ت ٧٢٢ هـ) .
٧- رسوم التحديث، للجعبري (ت ٧٣٢هـ) .
٨- المنهل الروي، لبدر الدين بن جماعة (ت ٧٣٣ هـ) .
٩- مشكاة الأنوار، للبارزي (ت ٧٣٨ هـ) .
١٠- الخلاصة في علوم الحديث، للطيبي (ت ٧٤٣ هـ) .
١١ - الكافي، لتاج الدين التبريزي (ت ٧٤٦ هـ) .
١٢ - الموقظة، للإمام الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) .
١٣ - المختصر، لعلاء الدين المارديني المشهور بابن التركماني (ت ٧٥٠ هـ) .
١٤ - مختصر، لشهاب الدين الأندرشي الأندلسي (ت ٧٥٠ هـ) .
١٥ - مختصر، للحافظ العلائي (ت ٧٦١ هـ) .
1 / 18
١٦ - الإقناع، لعز الدين بن جماعة (ت ٧٦٧ هـ) .
١٧ - اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) .
١٨ - التذكرة في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن (ت ٨٠٤ هـ) .
١٩ - المقنع في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن أيضًا.
٢٠ - نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ) .
٢١ - المختصر، للكافيجي (ت ٨٧٩ هـ) .
٢٢ - مختصر بهاء الدين الأندلسي (...؟) .
ب. المنظومات:
ظهر منذ عهد مبكر نسبيًا، تيّار في الشعر العربي، انتقل إلى علماء الفنون المختلفة يسمى: الشعر التعليمي، خصّص نطاق عمله في نظم الكتب المهمة في مجالات العلم تسهيلًا لطالبي العلوم في حفظها، ومن ثَمَّ الغوص في معانيها. وعلى أي حال فقد كان نصيب كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح عددًا من المنظومات التي لا يستهان بها، وسواء أكانت تلك المنظومات ذات جدة وحداثة أم لا؟ فإنّها مثّلت جانبًا من جوانب اهتمام العلماء واعتنائهم بهذا السفر العظيم. والذي يهمنا هنا أن نسلِّط الضوء عليها كوَصَلاَتٍ في تاريخ هذا العلم المبارك، وليس من شرطنا أن تكون هذه المنظومة قد احتوت كل المادة العلمية لكتاب ابن الصلاح، بل يكفي أن يكون هذا الكتاب هو المرجع الأول بالنسبة لها، وعلى هذا نجد أن بعض هذه المنظومات مطوّلة، وبعضها مختصرة، وبعضها متوسطة، ولعلّ من أبرز من نظمه:
١. شمس الدين الخُوَيي (ت ٦٩٣ هـ)، وسمّى منظومته باسم " أقصى الأمل والسول في علوم حديث الرسول "، توجد منه عدة نسخ خطية.
1 / 19
٢. أبو عثمان سعد بن أحمد بن ليون التجيبي (ت ٧٥٠ هـ) .
٣. زين الدين العراقي (ت ٨٠٦ هـ) المسمّى: التبصرة والتذكرة.
٤. محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق المصري البرشنسي (ت ٨٠٨ هـ) وسمّى منظومته: " المورد الأصفى في علم حديث المصطفى ".
٥. شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الدمشقي المعروف بابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) وسمّى منظومته " الهداية في علم الرواية ".
٦. جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي (ت ٩١١ هـ) ومنظومته مشهورة باسم " الألفية ".
٧. رضي الدين محمد بن محمد الغزي (ت ٩٣٥ هـ)، وسمّى نظمه " سلك الدرر في مصطلح أهل الأثر ".
٨. منصور سبط الناصر الطبلاوي (ت ١٠١٤ هـ) .
ج. الشروح:
قد كان للجانب الشمولي في كتاب ابن الصلاح أثره الواضح في أن أحدًا لم يتصدَّ لشرح الكتاب نفسه، وإنما انعكس هذا الجانب على شرح مختصراته ومنظوماته، لذا سنتناول أبرزها على اعتبار أن أصلها الأصيل هو كتاب ابن الصلاح، ومن ذلك:
١- شروح ألفية العراقي.
٢- نزهة النظر، للحافظ ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) وما يتعلق بها.
1 / 20
٣- تدريب الراوي للسيوطي (ت ٩١١ هـ) .
٤- البحر الذي زخر، للسيوطي (ت ٩١١ هـ) شرح فيه ألفيته.
د. التنكيت:
النُّكَت: جمع نُكْتَةٍ، وهي مشتقة من الفعل الثلاثي الصحيح (نَكَت)، وهو ذو اشتقاقات مختلفة، أجملها ابن فارس فقال: «النون والكاف والتاء أصل واحد يدلّ على تأثير يسير في الشيء كالنكتة ونحوها، ونكت في الأرض بقضيبه ينكت: إذا أثر فيها»
أما في الاصطلاح فالنكتة: مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه بأرض إذا أثر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتةً؛ لتأثير الخواطر في استنباطها.
وقد كان نصيب ابن الصلاح من كتب النكت شيئًا دلّ على مدى تعمّق الدارسين في فهم معانيه ومدلولاته، حسب اللون العلمي الذي يغلب على ذلك المنكت، فنرى الأصولي يُغَلِّب المباحث الأصولية في طريق تقرير مسائل الكتاب المهمة، وهذا ما نلمسه جليًا في نكت الزركشي، والْمُحَدِّث يجعل همّه المباحثات الحديثية، وهو منهج واضح نراه في نكت العراقي وشيخه مغلطاي، وهكذا بالنسبة إلى الفقيه كما وقع للبلقيني وابن جماعة وغيرهم.
وعلّ الفطن من القرّاء عرف من العرض السابق أسماء بعض من كتب نكتًا على كتاب ابن الصلاح، ولكننا نودّ أن نجعل الأمر استقصائيًا استقرائيًا، فجمعنا مَن وقع في علمنا أنه ساهم في هذا الجانب، سواء عن طريق الكتابة والبحث المباشر على كتاب ابن الصلاح أو العمل غير المباشر عن طريق التعليق على فروع كتاب ابن الصلاح، وأهم هذه الكتب:
١. إصلاح كتاب ابن الصلاح، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي الدمشقي ثُمَّ المصري المشهور بابن اللبان (ت ٧٤٩ هـ) .
1 / 21
٢. إصلاح كتاب ابن الصلاح، للإمام العلاّمة علاء الدين أبي عبد الله مغلطاي بن قليج ابن عبد الله البكجري الحنفي (ت ٧٦٢ هـ) .
٣. النكت على مقدمة ابن الصلاح، للإمام بدر الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت ٧٩٤ هـ) .
٤. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، للشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي (ت ٨٠٢ هـ) .
٥. محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصَّلاَح، لسراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني (ت ٨٠٥ هـ) .
٦. التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت ٨٠٦ هـ) .
٧. شرح علوم الحديث، لعز الدين محمد ابن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة الحموي (٨١٩ هـ) .
٨. النكت على كتاب ابن الصلاح، للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (٨٥٢ هـ) .
1 / 22
الباب الثاني
الحافظ العراقي
وكتابه " شرح التبصرة والتذكرة "
1 / 23
الفصل الأول
دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي
لا بد لنا وقد خضنا غمرة تحقيق كتاب شرح التبصرة والتذكرة أن نعرج على تعريف موجز بمؤلف الكتاب، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ، لا سيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحًا للولوج إلى معرفة أكثر بالمؤلف، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه، توضح مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها.
ويشتمل هذا الفصل على ثمانية مباحث نوردها تباعًا:
المبحث الأول
اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته:
هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي الرازياني العراقي الأصل المهراني المصري المولد الشافعي المذهب. كنيته: أبو الفضل، ويلقّب بـ (زين الدين) . وُلِدَ في اليوم الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة (٧٢٥ هـ) .
المبحث الثاني
أسرته:
أقام أسلاف الحافظ العراقي في قرية رازيان - من أعمال إربل - إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر، إذ استقر فيها وتزوج من امرأة
1 / 25
مصرية ولدت له الحافظ العراقي. وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة.
أمّا والدُه فقد اختصَّ - منذ قدومه مصر - بخدمة الصالحين، ولعلَّ من أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي. ومن ثَمَّ ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه: أحمد وكنَّاه: أبا زرعة، ولقَّبه: بولي الدين، وكذلك بنت تدعى: خديجة، صاهره عليها: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد، وأشارت بعض المصادر أنَّ له ابنتين أخريين: جويرية وزينب.
المبحث الثالث
نشأته:
وُلِد الحافظ العراقي - كما سبق - في مصر، وحمله والده صغيرًا إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كان الشيخ هو البشير بولادة الحافظ، وهو الذي سمَّاه أيضًا؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلًا مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْد طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه؛
1 / 26