هزار و یک شب در ادبیات جهان و مطالعات مقایسهای ادبی
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
ژانرها
وحديثا، ذكر الأستاذ أحمد الخميسي في مقالة له بأخبار الأدب عن الواقعية السحرية، إلى جوار ألف ليلة وليلة والكتاب المذكورين سابقا، رواية الروسي العبقري ميخائيل بلجاكوف «المعلم ومرجريتا» الصادرة عام 1930م، وقصة الفرنسي جي دي موباسان القصيرة «من يدري» (1890م) في المجموعة التي نشرتها سحر سمير يوسف للمشروع القومي للترجمة، ورواية «طفل شقي اسمه عنتر» لمحمد توفيق، كأمثلة على قصص فيها لمسات الواقعية السحرية.
ويتمثل الأساس في أسلوب الواقعية السحرية في سرد أحداث ووقائع غير عادية أو خارقة للمألوف في ثنايا أحداث طبيعية مغرقة في الواقعية وفي التفاصيل العادية بحيث تبدو وكأنها جزء لا يتجزأ من الواقع اليومي المعاش للشخصيات. وقد وردت مثل تلك الوقائع في الكثير من قصص ألف ليلة وليلة، عدا الأحداث الخارقة الصرف التي ذكرناها سابقا. ومن الأمثلة الطيبة على ذلك، ما حدث في مقدمة حكايات السندباد البحري، حيث نجد شخصية حمال فقير، يتفق وصفه مع حرفته وحالته، ويتفق الحدث، الذي يمثله متعبا فيميل إلى مصطبة أمام قصر أحد التجار الأثرياء ليستريح، مع المنطق السردي. ولكن، في وسط هذا المنظر الواقعي الذي يمكن أن يراه المرء من حوله في أي زمان ومكان، يفاجأ القارئ بعبارة «وسمع أيضا أصوات طيور تتناغى وتسبح الله تعالى باختلاف الأصوات وسائر اللغات.» وذلك من حديقة القصر، ويستمر بعدها الوصف المنطقي العادي للأحداث التي تتداعى حتى دعوة صاحب الدار للسندباد الحمال للدخول إلى قصره لاستضافته. وقد تفوت القارئ في خضم القصة صورة الطيور التي تسبح لله تعالى بلغات مختلفة، ولكنها مثال على دس أشياء عجائبية وسط سرد طبيعي عقلاني، مما يخلق مشهدا من المشاهد التي يمكن أن يطلق عليها «واقعية سحرية». وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الوقائع العجيبة، كانت تلاقي تصديقا من عدد كبير من الجمهور الذي يسمعها من الحكائين في بدايات تدبيج تلك القصص، فهم متعودون على أن الحمام واليمام إنما تسبح بأصواتها بذكر الله. كما أن السندباد وهو يحكي عن رحلاته، نفهم من السياق أن سامعيه لا يشكون لحظة في صدق ما يرويه لهم، حتى من الخوارق غير الطبيعية. كما نشير أيضا إلى أن الاعتقاد في ظهور الجان وتجسد إبليس - كما سنرى فيما يلي - والعثور على الكنوز المرصودة وغير ذلك مما يرد في قصص ألف ليلة وليلة، ما زال مستمرا في الكثير من بلاد العالم الثالث، وما منا ببعيد ما يحدث في مصر اليوم من بعث لكتب تحضير الجان والعفاريت، والنصب عن طريق تحويل المعادن إلى ذهب، وتوليد الدولارات والجنيهات، والحفر في باطن البيوت بحثا عن كنوز مخفية من قديم الزمن! فإذا كان ذلك يحدث في القرن الحادي والعشرين، يمكننا تصور ما كان يعتقد فيه من يستمعون إلى أحداث القصص في الأزمان القديمة.
وتتكرر مثل هذه المشاهد الواقعية السحرية في مختلف حكايات ألف ليلة، وهي تختلف عن مشاهد الخوارق الخالصة التي يتم تقديمها بهذه الصفة حتى ممن يقصونها، كفزع الآدميين من ظهور الجان والعفاريت، أو الحيوانات التي تتكلم فيما بينها ومع الإنسان، والسحرة الذين يحولون الإنسان إلى حيوان أو طير. ونحن إذا نظرنا إلى وقائع أخرى في رحلات السندباد البحري التي يحكيها للحمال وللآخرين، نجدها مليئة بالعجائب التي تخرج عن نطاق الواقعية السحرية إلى نطاق العجائبية والخوارق، مثل جبل القرود والعملاق الأسود وشيخ البحر.
ومن الغريب أن بعض المؤلفين الأوروبيين قد ساروا شوطا في تأصيل بعض خوارق حكايات ألف ليلة وليلة الخرافية الصرف، مثل طائر الرخ الهائل الحجم، وجبل قاف الذي يحيط بالأرض، وبلاد واق الواق، ودبجوا فيها الأبحاث والاستنتاجات شبه العلمية!
ومن الوسائل التي تجمع الواقعية بالخيال في الكتاب العربي، التفاصيل الدقيقة والأشعار وذكر الشخصيات التاريخية المعروفة. ويستبين هذا في حكاية إبراهيم الموصلي وإبليس؛ وفيها نرى المغني والموسيقار البغدادي الشهير وقد اعتكف في منزله وأغلق على نفسه الأبواب، «فإذا بشيخ ذي هيبة وجمال وعليه ثياب بيض وقميص ناعم وعلى رأسه طيلسان وفي يده عكاز من فضة وروايح الطيب تفوح منه حتى ملأت الدار والرواق.» يظهر أمامه ويطلب سماع أغانيه، فاستجاب له الموصلي على غيظ منه. ثم طلب الغريب أن يسمعه الموسيقار، وغنى له ثلاثة أدوار في شعر عربي فصيح. فذكر الموصلي «فوالله لقد ظننت أن الأبواب والحيطان وكل ما في البيت تجيبه وتغني معه من حسن صوته، حتى خلت والله أني أسمع أعضائى وثيابي تجيبه. وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبي.» وبعد ذلك يختفي الغريب كما جاء، فيفزع الموصلي ويسأل أهل الدار فيقولون إنهم سمعوا غناء لم يسمعوا بمثله من قبل، ويسأل البوابين فيقولون إنه ما دخل الدار أحد؛ وعندها يناديه الغريب صائحا أنه «أبو مرة»، وهو من ألقاب إبليس. فهنا، نجد حدثا خارقا للطبيعة، هو ظهور الشيطان وتلبسه بمظهر بشري ومنافسته لإمام مغني عصره. وهو يدخل ويرحل دون أن يراه الموصلي، مما يؤكد صفة الخوارق فيه. ولكن الحكاية تروى في سياق من تفاصيل واقعية، وبطلها إسحاق الموصلي المغني المعروف، والشعر الذي يتغنى به إبليس فيه أبيات معروفة مألوفة للقارئ. وتنتهي الحكاية بأن يهرع الموصلي إلى الخليفة هارون الرشيد ليقص له تلك النادرة الغريبة، فيطلب منه الرشيد غناء ما سمعه، «فأخذت العود وضربت فإذا هي راسخة في صدري، فطرب بها الرشيد .. وقال: ليته متعنا بنفسه يوما واحدا كما متعك. ثم أمر لي بصلة فأخذتها وانصرفت.» وهذه الحكاية على النحو الذي تجيء به هكذا، تدخل في باب القصص التي يصدق القارئ حدوثها ما دامت قد تم توثيقها على ذلك النحو الواقعي!
ومن وسائل الإيهام الواقعي في حكايات ألف ليلة وليلة، تحديد الأماكن والأزمنة، وإيراد شخصيات وأحداث تاريخية مألوفة، فهارون الرشيد يظهر دائما ومعه جعفر البرمكي ومسرور السياف، وتظهر أحيانا زوجته السيدة زبيدة. وفيها أيضا المأمون وزيارته لمصر وحكايته مع أهرامات الجيزة. وثمة أوصاف دقيقة لأسواق بغداد والبصرة والقاهرة. ويظهر أيضا العشاق المشهورون، والمغنون المعروفون، وكل هذا يضفي على أكثر القصص خيالا وأحداثا عجائبية، مسحة من التصديق والإقناع، ولكنه تصديق وإقناع وهمي في آخر الأمر.
حكايات حيل النساء ومكرهن
«... وأخرجت لهما من جيبها كيسا أخرجت منه عقدا فيه خمسمائة وسبعون خاتما، فقالت لهما: أتدرون ما هذه؟ فقالا لها لا ندري. فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا العفريت، فأعطياني خاتميكما أنتما الاثنان الآخران. فأعطياها من يديهما خاتمين. فقالت لهما إن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي، ثم إنه وضعني في علبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، ولم يعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمرا لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:
لا تأمنن إلى النساء
ولا تثق بعهودهن
صفحه نامشخص