هزار و یک شب در ادبیات جهان و مطالعات مقایسهای ادبی
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
ژانرها
وقد امتلأت حكايات ألف ليلة بعلاقة الجن بالملك سليمان، وهذا له أصله أيضا في القرآن الكريم. وتنبني حكاية «مدينة النحاس» على سليمان والجن وحبسه إياهم في القماقم. ففي تلك الحكاية، يتذاكر مجلس الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أخبار «سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام وما أعطاه الله تعالى من الملك والحكم في الإنس والجن والطير والوحش وغير ذلك .. وأنه وصل إلى شيء لم يصل إليه أحد حتى أنه كان يسجن الجن والمردة والشياطين في قماقم من النحاس ويسبك عليهم بالرصاص ويختم عليهم بخاتمه.» ويحكي أحدهم في المجلس قصصا عن وجود مثل تلك القماقم وعن الغرائب التي تحدث عند فض أختامها وخروج العفاريت منها طالبين التوبة من النبي سليمان. ويتعجب الخليفة الأموي من تلك الأحاديث، ويبدي شوقه إلى رؤية شيء من هذه القماقم، فينصحه أحد أصحابه بأن يبعث في طلب ذلك من موسى بن نصير عامله في الغرب. فيستحسن الخليفة ذلك ويرسل صاحب ذلك الاقتراح في بعثة إلى موسى بن نصير طلبا لأحد تلك القماقم السليمانية. وهناك في صعيد مصر (؟)، يتخذ مطلب الخليفة دروبا قصصية أسطورية، كعادة حكايات ألف ليلة وليلة، إذ يلجأ القوم إلى «الشيخ عبد الصمد بن عبد القدوس الصمودي» العارف بالأسرار، كيما يدلهم على حاجتهم. ويخرج القوم في بعثة جاء في أحد مخطوطات القصة أنها كانت من ألفي رجل، وعبروا صحراء القيروان (؟)، حيث قادهم الشيخ عبد الصمد إلى بلاد قصية يرون فيها العجائب، ومنها قصر معطل به لوحات مكتوبة بألسنة مختلفة تزهد في أمور الدنيا، ويجد موسى بن نصير مائدة من المرمر فلم يأخذ من كنوز القصر المهجور غيرها (قارن أخبار مائدة الملك سليمان في أخبار فتح العرب للأندلس). ويصل القوم إلى تمثال لفارس من النحاس تدلهم كتابة على رمحه إلى «مدينة النحاس» فيسيرون إليها. وفي الطريق يصادفون عمودا من الحجر الأسود «فيه شخص غائص في الأرض إلى إبطيه وله جناحان عظيمان وأربع أياد؛ يدان منها كأيدى الآدميين ويدان كأيدي السباع فيهما مخالب وله شعر في رأسه كأنه أذناب الخيل وله عينان كأنهما جمرتان وله عين ثالثة في جبهته كعين الفهد يلوح منها شرار النار وهو أسود طويل وينادي سبحان رب حكم علي بهذا البلاء العظيم والعذاب الأليم إلى يوم القيامة.» ويقص عليهم هذا المارد قصته وأنه عفريت من الجن اسمه داهش بن الأعمش، ويحكي لهم قصة غلبة الملك سليمان للملك الذي كان داهش في خدمته، ويدلهم إلى طريق مدينة النحاس.
وحين يصل الرهط إلى المدينة بحثا عن القماقم السليمانية، يجدونها محاطة بسور مهول لا يستطيعون النفاذ منه، فيصنعون سلما هائلا، يصعد عليه واحد تلو الآخر للاستطلاع، إلا أنهم بعد أن يصلوا إلى القمة، يلقون بأنفسهم من حالق فيلقون حتفهم. ويصعد الشيخ عبد الصمد بنفسه بعد أن تسلح بالآيات التي تحفظه من الشر، ويرى ما تراءى لمن صعدوا قبله من الغيد الحسان اللاتي يدعونه إلى القفز إليهن فيما تراءى أنه بحيرة، فيستعصم إلى أن يزول عنه السحر، فيهبط ويفتح أبواب المدينة لرفاقه الباقين. وتجد بعثة الخليفة المدينة يسكنها أناس كلهم موتى من جراء ما ضرب بلادهم من قحط وجدب في قديم الزمن، وإنما كانوا جميعا يرفلون في الذهب والحرير والأحجار الكريمة وأنواع العاج واللؤلؤ والياقوت. وفي أحد قصور المدينة، يرون «على السرير جارية كأنها الشمس الضاحية لم ير الراءون أحسن منها وعليها ثوب من اللؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر وعصابة من الجوهر، وفي عنقها عقد من الجوهر وفي وسطه جواهر مشرقة، وعلى جوانبها جوهرتان نورهما كنور الشمس وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم.» ويرون أن تلك الجارية ميتة أيضا وإن كانت عيناها تبدو فيهما الحياة. وكان إلى جانبي الجارية عبدان يحرسانها، وبين يديهما لوح من ذهب فيه كتابة على لسان الجارية تقول فيها إنها «ترمزين» بنت أحد الملوك العماليق الأقدمين، وتحكي قصة المدينة التي كانت تحكم عليها ، وما بها من كنوز وجواهر ومعادن ثمينة، ثم ما أصابها من قحط وجدب بعد أن تواتر عليها سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت ثم عطفنا على المواشي من الدواب فأكلناها ولم يبق شيء، فحينئذ أحضرت المال واكتلته بمكيال وبعثته مع الثقات من الرجال فطافوا به جميع الأقطار ولم يتركوا مصرا من الأمصار في طلب شيء من القوت فلم يجدوه ثم عادوا إلينا بالمال بعد طول غيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعا كما ترانا وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا فهذا هو الخير وما بعد العين إلا الأثر.»
ويترك القوم مدينة النحاس، ويسرون بمحاذاة الساحل إلى أن يأتوا إلى جبل عال به مغارات كثيرة فيها أناس من السودان، يدلهم الشيخ عبد الصمد إلى أنهم الذين يعرفون القماقم السليمانية. وتقدم ملك السودان (وكان يعرف العربية!) وتحدث إلى موسى بن نصير وشرح له أنهم من أولاد حام بن نوح، وقد هداهم أبو العباس الخضر إلى دين الإسلام. واستضافهم ملك السودان، وأمر الغواصين أن يخرجوا من البحر شيئا من القماقم السليمانية فأخرجوا لهم اثني عشر قمقما فرح الأمير موسى بها والشيخ عبد الصمد والعساكر لأجل قضاء حاجة أمير المؤمنين. ويعود القوم إلى دمشق ويقدمون القماقم إلى الخليفة، الذي أخذ يفتح قمقما بعد قمقم، والشياطين يخرجون منها ويقولون التوبة يا نبي الله وما نعود إلى مثل ذلك أبدا، إذ يعتقدون أنهم مازالوا في عصر النبي سليمان بن داود عليهما السلام.
ويستبين في هذه الحكاية المتكاملة عناصر عدة ظهرت في الكثير من القصص والأساطير بعد ذلك، ومدينة النحاس نفسها تماثل الجزر السوداء التي جاءت حكايتها في قصة الصياد والعفريت، كما أن عنصر الجدب الذي يصيب المدينة قد ظهر قبل ذلك في سنوات القحط التي أصابت مصر في عهد النبي يوسف، وعددها سبع سنين أيضا، كما ظهر بعد ذلك في عدد من القصص الأسطورية في قصص الملك آرثر، حيث مملكة الملك الصياد يصيبها مثل ذلك القحط.
ومن أبرز صور الخوارق العجيبة في قصص ألف ليلة: السحر؛ وهو موضوع قديم قدم أول الأنشطة التعبيرية لدى البشر، وظهر منذ ظهور الإنسان البدائي، لتفسير الظواهر الكونية ومحاولة التأثير فيها، عن طريق رجال الكهانة والدين في العصور السحيقة. وقد ظهر السحر في أوائل الأعمال الأدبية الشفوية والمكتوبة، في ثقافات بلاد بين النهرين، ولكن على وجه الخصوص في الحضارة المصرية الفرعونية.
ومعظم حكايات ألف ليلة وليلة فيها عنصر من عناصر السحر، كما هو الحال مع الجن والجنيات، وبعض ذلك السحر من عمل الجن والعفاريت بطبيعة الحال. ويلاحظ أن عددا كبيرا من أعمال السحر في القصص يتعلق بالتحولات، أو المسخ، أي تحويل إنسان إلى حيوان أو طير، ويكون ذلك عقابا أو هروبا من انتقام ذلك الشخص. وموضوع التحولات قديم أيضا ويظهر في الأدب الفرعوني، ويبرز أكثر في القصص الإغريقية، خاصة قصة «الحمار الذهبي» لأبولونيوس.
وأول أعمال السحر التي تصادف القارئ في كتاب ألف ليلة وليلة هي قصص الشيوخ الثلاثة في «حكاية التاجر والعفريت»، وكلها من نوعية سحر «التحولات». فالشيخ الأول يحكي أن ابنة عمه «تعلمت السحر والكهانة من صغرها»، فلما اتخذ لنفسه جارية عليها كي ينجب منها، سحرت ابنه عجلا وأمه بقرة، فلما علم ما فعلته جعل أخرى تسحر الزوجة غزالة كان يسحبها معه. والشيخ الثاني قامت زوجته الجنية بسحر أخويه الشريرين إلى كلبين كانا معه أيضا. أما الشيخ الثالث فكانت معه بغلة هي زوجته التي ضبطها تخونه مع عبد أسود فلما خشيت انتقامه سحرته في صورة كلب، ولكن فتاة تعلمت السحر تعيده إلى صورته الإنسانية وتعطيه ماء مسحورا يرشه على الزوجة الخائنة فتتحول إلى البغلة التي كانت معه.
وفي الحكاية الثالثة «حكاية الصياد والعفريت»، ترد قصة داخل القصة، التي أوردنا منها اقتباسا في بداية هذا الفصل، وهي قصة الملك يونان والحكيم دوبان. ودوبان هذا حكيم ماهر تفيض مهارته إلى مرتبة السحر والكهانة والأفعال العجيبة، وهو إن كان يستخدم سحره في الخير ونفع الآخرين، كشفاء الملك يونان من البرص الذي ضرب جسده، فهو يستخدمه أيضا للانتقام من نكران الجميل الذي لاقاه من الملك حين أمر بقتله، فيستعين دوبان بسحره على جعل رأسه يحيا ويتكلم بعد ضرب عنقه، ويستخدم حكمته ودهاءه للانتقام من الملك بدس السم له في ورق كتاب ملتصق الصفحات يضطر معه الملك إلى بل أصابعه ليقلب أوراقه إلى أن يسري السم في جسده ويموت. وقد ظهرت تيمة الكتب والمخطوطات المسمومة بعد ذلك في كثير من القصص والروايات الغربية، أشهرها حديثا رواية «اسم الوردة» لأمبرتو إيكو التي ذاع صيتها بعد أن استحالت فيلما شهيرا.
أما الإسهام الكبير في حكايات ألف ليلة وليلة السحرية بعد ذلك فيتمثل في «الجزر السوداء»، في نفس حكاية الصياد والعفريت. فالعفريت في نهاية الأمر يكافئ الصياد بأن يدله على مكان بحيرة مسحورة يصطاد منها سمكا مسحورا ذا ألوان مختلفة، يهديها إلى الخليفة فيجزل له العطاء. بيد أن السمك مسحور، ولا تستطيع جواري الخليفة طهوه، إذ ينشق الحائط عن صبية تخاطب السمك ويرد عليها ثم يتفحم قبل طهوه. وبعد إصرار الخليفة على معرفة السر، يقوده ذلك إلى اكتشاف بلد كامل وقد تحول إلى حجارة، وفيه بركة كبيرة فيها تلك الأسماك الملونة. ويجد الخليفة ملك ذلك البلد متحجرا نصفه الأسفل، ويحكي له كيف غدرت به زوجته حين ضبطها مع عشيقها فسحرته وبلده إلى تلك الحالة المتحجرة، وسحرت شعبه إلى تلك الأسماك، وكل لون يشير إلى ديانة صاحبه. وتنتهي القصة بأن يساعد الخليفة ملك الجزر السوداء على قتل الزوجة وعشيقها بعد أن تفك السحر عن البلدة وسكانها. وكما رأينا من قبل، كانت هذه القصة، مع قصة مدينة النحاس، صورة من الصور الأسطورية للجدب الروحي والمادي الذي يصيب الأرض والبشر، الذي تحدث عنه فريزر في «الغصن الذهبي»، والذي ترددت أصداؤه في الأساطير الكلتية عن الملك الصياد، والذي استخدمه إليوت في تصوير الأرض الخراب. وقد ترددت تيمة التحجر الذي يأتي من أو يؤدي إلى الجدب والموت في الحياة، والحياة في موت، التي وردت هنا وفي حكايات أخرى في ألف ليلة وليلة في بعض القصص العربية الحديثة، كما في مجموعة القصص القصيرة - التي يمكن أن تأخذ وضع الرواية نظرا لترابط موضوعاتها ارتباطا عضويا - المعنونة «خريف الأزهار الحجرية» لماهر شفيق فريد؛ فقصصها كلها تصور عقم وجدب العلاقات الإنسانية في العصر الحديث، والشلل «التحجري» الذي يصيب أبطال قصصه في مواجهة أي موقف يتعين عليهم فيه التحرك والعمل، وتسري تيمة «التحجر» في كل مواقف القصص. ومن الأمور ذات الدلالة أن المؤلف أكبر متخصص عربي في شعر إليوت وأدبه، وهذا مثال على تداخل المؤثرات العربية والأجنبية لدى الأدباء العرب على وجه العموم، حتى لو كان ذلك التأثر كامنا في اللاوعي ويظهر فحسب عند الموازنة بين الأعمال الأدبية والفنية، دون حاجة إلى التمسح في مقولة هارولد بلوم عن قلق التأثير!
ويرتبط السحر في قصص ألف ليلة وليلة بكلمات أو عبارات معينة تقوم مقام «التعاويذ السحرية»، فالساحر أو الساحرة ينطق بكلمات معينة - قد تكون مصحوبة برش مياه مسحورة - تقوم بالفعل السحري الذي يريده. كذلك يستبين هذا في قصة علي بابا، حيث لا ينفتح الكهف السحري إلا بالنطق بالعبارة الشهيرة «افتح يا سمسم»، أما إذا تغير حرف واحد فيها فإن الأثر المطلوب لا يتحقق. وقد استعارت قصص السحر الأوروبية تلك التيمة عن قصص ألف ليلة وليلة، وأصبحت الطلسمات والتعاويذ سمة رئيسية لقصص السحر فيها.
صفحه نامشخص