هزار و یک شب در ادبیات جهان و مطالعات مقایسهای ادبی
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
ژانرها
أثر ألف ليلة وليلة في الأدب الأمريكي
وقد انتقلت الترجمات الإنجليزية الأولى لألف ليلة وليلة إلى العالم الجديد أيضا، إلى الولايات المتحدة التي كانت في دور التكوين والامتداد، وحيث سادت اللغة والثقافة الأنجلو سكسونية. فقد قضى الأمريكيون القرون الأولى بعد استيطانهم العالم الجديد في ظروف طبيعية وسياسية صعبة جعلتهم يعتمدون ثقافيا على دول المنشأ التي جاءوا منها. ومنذ القرن الثامن عشر، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الاستقلال عام 1776م، بدأت طلائع الشعب الأمريكي المتميز تخط السطور الأولى في تاريخ الأمة الأمريكية الجديدة.
ولذلك نجد أن بدايات القصة والرواية في أمريكا قد بدأت متأخرة، فأول روائي أمريكي نبغ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو «جيمس فينيمور كوب» (1789-1851م). أما من تميز بنشر الولع بالشرق والعرب فهو الكاتب «واشنطون إرفنج» (1783-1859م). وقد ولد إرفنج في نيويورك، وتوفي بها، ولكنه قضى معظم حياته متنقلا مرتحلا في الكثير من البلدان. وقد قادته رحلاته إلى إسبانيا، حيث هام بالآثار والجو العربي والإسلامي هناك، خاصة في الأندلس بالجنوب. وزار غرناطة، وأقام في قصر الحمراء فيها بإذن من السلطات في الفترة من مايو إلى يوليو 1829م. وهناك، استمع إلى قصص «الحكائين» الأندلسيين، ويذكر منهم اسم «ماتيو خيميني»، الذي قص عليه حكايات استمع إليها من جده الذي ولد قبل ذلك بمائة عام، فحكى له عن أسرار السحر العربي والكنوز المخبوءة وقصص الحب العذري، وغيرها من التراث العربي الأندلسي. وكل هذه الموضوعات قد تدوولت منذ أيام الوجود العربي في إسبانيا، وفي قصص ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والأساطير والملاحم العربية، التي تسللت كلها إلى الرومانسات وكتب الأمثولات والقصص الشعرية في إسبانيا وجنوب فرنسا إبان ظهور اللغات القومية التي تفرعت عن اللغة اللاتينية.
وقد كتب إرفنج كثيرا عن العرب والإسلام، وله كتاب ضخم عن سيرة النبي محمد
صلى الله عليه وسلم ، وكتاب آخر عن سقوط غرناطة. ولكن ما يعنينا هنا هو كتابه الذي جمع فيه القصص والحكايات والأساطير العربية التي جاد بها خياله القصصي، تحت عنوان «حكايات قصر الحمراء» الذي صدر في طبعته النهائية عام 1851م، وتشتمل حكاياته على الكثير من القصص والحبكات الموجودة في ألف ليلة وليلة، ومثال ذلك قصة «المنجم العربي»، ويقص فيها إرفنج عن ملك عربي في غرناطة يدعى ابن حافظ، كان في حروب دائمة مع الملوك المنافسين المجاورين له. ويأتيه يوما طبيب فيلسوف ساحر من مصر يدعى إبراهيم بن أبي أيوب، ويزعم أنه كان يعيش في الجزيرة العربية عند مهبط الإسلام، وأنه قد صاحب الجيش العربي الذي فتح مصر، وبقي فيها بعد ذلك حيث تعلم فنون السحر والعلوم الخفية على يد الكهنة المصريين، مما مكنه من اكتشاف إكسير الحياة! ويتخذ الساحر العربي لنفسه كهفا رحيبا على التل الذي أقيم فيه بعد ذلك قصر الحمراء وجنة العريف، به صالات غطاها بكتابات فرعونية ورسوم الأفلاك والنجوم. وأصبح لتوه من مستشاري ملك غرناطة وخلصائه، ويخترع له شيئا مماثلا لما رآه مرة في مصر ليحمي البلاد من الأعداء. فيشيد، بمعونة كتاب فرعوني سحري استقدمته له الجن، برجا عاليا فوق قصر الملك من حجارة مجلوبة من أهرامات مصر! وكان في البرج فتحات تطل على جميع الجهات المحيطة به، وعليه تمثال من البرونز لفارس عربي على جواده، وفي يده درع، وفي اليد الأخرى رمح. فإذا كان ثمة خطر ينذر البلاد بغزو وشيك، اتجه التمثال ناحية الجهة المتوقع أن يأتي الغزو منها، وأرخى رمحه في ذلك الاتجاه. ووضع الساحر موائد في البرج، خصص لكل مائدة بلدا من البلاد المحيطة بغرناطة والتي كانت في عداء وحروب مع ملكها، وعلى كل مائدة تماثيل خشبية تمثل جيش كل بلدة من تلك البلدان.
وطلب المنجم العربي من الملك أن يحضر إلى البرج ليشاهد الاختراع العجيب. ويلمس الملك الغرناطي الأعجوبة بنفسه، فقد كان ثمة جيش من الأعداء على أهبة غزو بلاده، فإذا بالفارس البرونزي يتجه ويصوب رمحه تجاه منطقة تدعى «لوبي» كانت في عداء مع غرناطة، فيعلم الملك أن جيشا منها يغزو بلاده. ويرشد ابن أبي أيوب الملك إلى ما يجب عمله، إذ يذهب به إلى المائدة التي تمثل لوبي، فيجد التماثيل الخشبية الصغيرة تصطخب عليها كأنها في معمعة القتال، وما كان على الملك إلا أن يتناول الرمح ويعمل الضرب في تلك التماثيل حتى تصيب الضربات الجبش الحقيقي في مقتل، وتنزل به الهزيمة حتى قبل أن يدخل إلى حدود غرناطة. ويوفر هذا الاختراع الأمن والطمأنينة للملك أبي حافظ ، وأصبح أعداؤه في خشية منه بعد أن تكررت هزيمة الجيوش التي وجهوها إلى بلاده دون أن يعلموا السر في ذلك. وطلب الملك من الساحر العربي أن يطلب ما يشاء، فيتصنع الزهد ولا يطلب سوى المزيد من التوسع في غرف كهفه، وإنما يزودها بجميع وسائل الراحة والرفاهية، ويعلق في أبهائها قناديل البلور وصحائف الفضة، حتى أصبحت «الصومعة» كما كانت تسمى كهوف الساحر، تضارع قصور الملك بل وتفوقها.
وذات مرة، يعود جيش الملك الغرناطي بأسيرة إسبانية ذات جمال خارق، فيتنازع عليها الملك نفسه وقائد جيوشه «رادوفان»؛ ولكن الملك يستحوذ عليها ولا يستطيع لها فراقا. ويحذره الساحر العربي منها، وأنها قد تكون مكيدة من جيرانه الإسبان للإيقاع به، ويطلب إلى الملك أن يهديها له! ويرفض الملك غاضبا، ويهب كل وقته للاستمتاع بصحبة الفتاة الإسبانية والاستماع إلى الموسيقى التي تعزفها. ويقيم الملك الاحتفالات والمهرجانات من أجل تسلية حبيبته، وينفق في ذلك الأموال الطائلة . وينتهي غضب قائد الجيش على ملكه بأن يدبر القائد تمردا لطرد الملك والاستيلاء على الحكم، ولكن الملك يتمكن بعد جهد جهيد من إخماد التمرد والقضاء على الخارجين عليه. وبعدها يطلب إلى الساحر أن يخترع له شيئا يتمكن بموجبه من إحباط الفتن الداخلية أيضا قبل وقوعها. فيحكي له ابن أبي أيوب قصة مملكة «إرم» ذات العماد والجنان التي كانت فيها والكنوز التي احتوت عليها، ويقول للملك إنه سيشيد له مدينة مماثلة بالسحر الذي بين يديه، وله مطلب وحيد: هو أن يحوز أول دابة تدخل المدينة الجديدة بكل ما عليها.
وعند افتتاح المدينة السحرية الجديدة، يفاجأ الملك بأن أول الداخلين إليها هو حصان يحمل الفتاة الإسبانية التي يعشقها. ويطالب الساحر العربي بالحصان وما يحمله، تنفيذا لوعد الملك له. ولكن الملك يثور ويدرك أن الساحر قد خدعه ويرفض أن يعطيه الأميرة الإسبانية، التي كانت ترقب كل ذلك وعلى شفتيها ابتسامة ماكرة. ويقبض الساحر العربي على يد الأميرة، ويضرب الأرض بعصا سحرية في يده، فتنشق ويختفي هو والأميرة في باطنها، كما تختفي المدينة الجديدة التي أقامها الساحر، وسط دهشة الملك ورعبه. ومع اختفاء المنجم، يزول التمثال البرونزي الذي كان ينذر بقدوم العدو، ويروح كل أثر للموائد التي عليها التماثيل الخشبية التي كانت تمكن ابن حافظ من هزيمة أعدائه بسهولة. ويعود الأمر إلى سابق عهده بعد أن شعر أعداء مملكة غرناطة أن قوة ابن حافظ قد زالت، ويضطر إلى منازلتهم في ميادين القتال كما كان يفعل في الماضي. أما كهوف الساحر العربي فقد اختفت أيضا باختفائه، ولم يبق منها غير المدخل الظاهري، الذي شيد مكانه فيما بعد قصر الحمراء وحدائقه الغناء.
وكما يرى القارئ، عمد إرفنج إلى خليط من القصص الشعبية وقصص ألف ليلة وليلة لإخراج مثل قصته هذه. ونحن نرى أحدوثة التمثال الذي ينبئ بقدوم الأعداء في قصة «حكاية الحكماء الثلاثة» بألف ليلة وليلة، كما ورد ذكره أيضا في القصص العربية التي قيلت عن الإسكندر ذي القرنين، وتسربت إلى القصص الرومانسي الغربي.
وهناك أيضا «إدجار ألان بو» (1809-1849م) الذي تأثر بحكايات ألف ليلة، وأشعلت خياله في ابتكار القصص الخيالية وقصص الأشباح والجريمة. وله قصة بعنوان «الليلة الثانية بعد الألف» سنتناولها بالتفصيل في فصل آخر من هذا الكتاب.
صفحه نامشخص