هزار و یک شب در ادبیات جهان و مطالعات مقایسهای ادبی
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
ژانرها
ففي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شكلت حكايات ألف ليلة وليلة مصدر إلهام للأدباء والفنانين العالميين. واستمر ذلك التأثير في العقود الأولى للقرن العشرين، كما رأينا عند بروست وجويس وبورخيس. ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، خف تواجد الليالي وأثرها، وإن لم ينعدم، بل وجدناها لدى الكثير من المحدثين. وحتى اليوم الذي أسطر فيه هذا الفصل، يناير 2005م، قرأت لتوي عن صدور رواية أمريكية تتخذ من ألف ليلة وليلة إلهاما لها، وهو ما يدل على «لازمنية» الكتاب وعلى لانهائيته!
ومن الروايات الأساسية الألف ليلية المحدثة، الرواية القصيرة التي كتبها الأمريكي «جون بارت» بعنوان «دنيازادياد» عام 1972م وصدرت ضمن مجموعة قصص بعنوان
CHIMERA . والقصة غريبة في نوعها، وهي تنويع على القصة الإطارية المحورية في كتاب ألف ليلة؛ ويضفي عليها بارت عمقا في الشكل والمحتوى على السواء، رغم أنه لم ينج من المواقف والألفاظ «المستملحة» التي ينتظرها القارئ الغربي في كل رواية الآن، ويبدو أن الناشرين يطلبون من المؤلفين وجودها في كتبهم، كما اعترف «بول بولز» مرة بذلك!
وتدور الرواية القصيرة (النوفيلا) على لسان دنيازاد أخت شهرزاد، كحديث موجه إلى شاه زمان أخي شهريار الذي شاركه الفجيعة في خيانة زوجتيهما. وهي تسرد في البداية ما حدث في القصة الإطارية، ثم ينتقل حديثها المونولوجي إلى زمان قبل أن تفكر شهرزاد في حيلة القصص من أجل إنقاذ عذارى المملكة من فتك السلطان بهن. وهي تتحاور مع دنيازاد في الوسيلة التي يمكن أن تقوم بها، فتفكر في مجال دراساتها: العلوم السياسية، كتغيير نظام الحكم في المملكة، أو القيام بانقلاب، أو اغتيال شهريار، ولكن ذلك ليس ممكنا. ثم تفكر في الحلول السيكلوجية، وتثبت عدم صلاحيتها كذلك. ولم يبق أمامها غير الحل القصصي. ويرى القارئ أن المؤلف بارت يقدم قصة تناصية؛ إذ يخلع على جميع الشخصيات فيها صورة حديثة، وهو أسلوب من أساليب التهكم الساخر والتورية الذي ساد الرواية الغربية الحديثة ؛ فشهرزاد هي شيري، ودنيازاد: «دودي»، وشهرزاد تدعو أباها «دادي»، وهكذا .. وشهرزاد مرآة للفتاة المثقفة، فهي قد قرأت ألف كتاب في التاريخ والأدب والعلوم ، وهي متفوقة في دراستها إلى الحد الذي تتسابق فيه جامعات الشرق على تقديم المنح الدراسية لها كي تلتحق بها. بيد أن شهرزاد تترك دراستها من أجل التفرغ لحل مشكلة إنقاذ بنات جنسها من طغيان السلطان.
وبينما شهرزاد تفكر مع أختها فيما يجب عمله، يتجسد أمامهما فجأة جني آدمي، آتيا من القرن العشرين، ونفهم أنه أحد الكتاب المشهورين في زمانه، وقد جفت ينابيع إلهامه بعد أن كسد عالم الكتاب والقراءة أمام زحف الإعلام السمعي والمرئي. ويتناقش الجني - وهو صورة من المؤلف ذاته بالطبع - مع شهرزاد في أصول الفن القصصي والإلهام، ويحكي كيف أنه من أشد المعجبين بها وبحكاياتها والكتاب الذي خلفته للقراء في كل زمان ومكان. وتندهش شهرزاد من حديث الجني، فهي لم تقص بعد أي حكاية، ولم تبدأ خطتها بعد. بيد أن الجني الآدمي المؤلف يحكي لها كيف أنه اكتشف كتابها العظيم ألف ليلة وليلة حين كان يعمل في مكتبة الجامعة، وكيف أنه عشقها من طول قراءته لقصصها وبحث عنها في كل من عرفهم من النساء في حياته. وأخيرا، حين تدرك شهرزاد ويدرك الجني حقيقة موقف كل منهما ومكانه وزمانه، من أنها ما تزال تعيش في الزمن السابق على زواجها من شهريار، بينما الجني يعيش بعد قرون من صدور الحكايات وتداولها في شتى البلدان واللغات، يتفقان على أن يقوم الجني بمساعدة شهرزاد بأن يزودها بالحكايات كما يعرفها كي تقوم هي بدورها بقصها على السلطان!
وتمضي القصة قدما، فتتزوج شهرزاد من شهريار، وتبدأ في قص حكاياتها بالاتفاق مع أختها دنيازاد، ويقع السلطان في أسر التشويق القصصي فيؤجل نهاية شهرزاد يوما وراء يوم. وتقضي شهرزاد الليل مع السلطان، يمارسون الحب أولا، ثم تحكي حكاياتها؛ وفي النهار، تقابل الجني - المؤلف الذي يمدها كل يوم بحكايات الليلة. وتدخل شهرزاد مع الجني في مناقشات مطولة متعمقة عن الفن القصصي والأساليب السردية، وعلاقة البناء القصصي بفعل ممارسة الحب، من المقدمة، والتعقيد، فالانفراج والخاتمة. وهما يقيمان صلة هكذا بين الفن والجنس. وتذكر شهرزاد للجني كتاب «محيط من القصص» وهي أطول رواية في الوجود، التي يحكيها الإله «سيفا» لزوجته «بارفاتي»؛ ويحكي لها الجني عن كتب مماثلة، كالأوديسة، والديكاميرون (التي يقول لها إن بعض قصصه مأخوذ عنها هي، شهرزاد!) وتمضي الأحوال كما نعرفها في حكايات ألف ليلة التي بين أيدينا الآن، فتسرد قصة بارت الواردة على لسان دنيازاد، أنه في الليلة 308 من الألف ليلة وليلة، أنجبت شهرزاد ابنها «علي شار»، وفي الليلة 624 «غريب» وأخيرا «جميلة» في الليلة 959. وفي تلك الأثناء أيضا، تنحل عقدة الجني المؤلف، ويجد إلهاما جديدا من لقاءاته اليومية بشهرزاد وأختها دنيازاد، ويخبرهما أنه بصدد كتابة قصة بعنوان دنيازاد، تحكي فيها وقائع ما حدث من وجهة نظرها، ويغير فيها المؤلف من الخاتمة التقليدية للكتاب. ويقص الجني تنويعاته على القصة الأصلية على مسامع الفتاتين، فهو يجعل شاه زمان - أخا شهريار - يسير نفس سيرة أخيه في سمرقند، فيتزوج بكرا كل ليلة كيما يقتلها في الصباح. بيد أنه لا يجد أحدا مثل شهرزاد، فيواصل مسيرة الزواج والقتل طوال الألف ليلة وليلة التي كان شهريار يستمع فيها إلى حكايات شهرزاد. وحين تختتم شهرزاد حكاياتها على النحو الذي يلقنها إياه الجني، بعد الانتهاء من حكاية معروف الإسكافي، تعرض أولادها على السلطان، الذي يعفو عنها وتقام الأفراح في المملكة لهذه الخاتمة السعيدة. بيد أن الجني يزيد في نهاية القصة، فيجعل شهريار يزوج أخاه شاه زمان من دنيازاد، كي يسير سيرته.
وتنقلب تتمة الرواية على يد الجني - المؤلف - بارت إلى شيء أشبه بالقضايا النسوية، فنعرف أن شهرزاد قد اتفقت مع أختها دنيازاد أن ينتقما من كل ذلك الإذلال الذي لاقته فتيات المملكتين على يدي شهريار وشاه زمان، بأن يقوما بقتل الملكين في ليلة العرس. وتنهي دنيازاد مونولوجها الموجه منذ بداية القصة إلى شاه زمان، بأن تخبره بما تنتوي فعله بعد أن قيدته كنوع من الألعاب الإيروسية، وتشهر في وجهه شفرة حادة كيما تذبحه بها، وتقول له إن شهرزاد تفعل الآن نفس الشيء مع شهريار.
ويحاول شاه زمان أن يقنعها بالعدول عما انتوته، وأنه يحبها ويريد أن يقضي بقية عمره معها، ولكنها ترفض في عناد. وعندها يخبرها شاه زمان أن بوسعه نداء حراسه في غمضة عين؛ ويصدر صفيرا بفمه فيدخل عدد من الحرس ويمسكون بدنيازاد موثقين إياها. ويقول الزوج إنه صادق فيما قاله لها عن حبه، ولذلك يأمر الحرس بالخروج فيخرجون ويدعونهما وحدهما، وما يزال شاه زمان مقيدا وزوجته تشهر الموسى في وجهه. ويعيد الزوج على مسامعها حبه لها وثقته فيها، فتنهار دنيازاد باكية وهي لا تدري ما تصنع. ويطلب منها شاه زمان أن تستمع لما سيقصه عليها كما استمع هو من قبل لما قالته. ويحكي لها عن حياته وما حدث من خيانة زوجته الأولى له، واتفاقه مع أخيه شهريار على الانتقام بقتل العذارى كل يوم. ويعترف لها شاه زمان أنه لم يكن يقتل أيا من العذارى اللاتي كان يتزوج منهن كل ليلة في سمرقند، فبعد أن تزوج من أول عذراء - وكانت ابنة وزيره أيضا - أشفق عليها من القتل، ووجد أن الحل الأمثل أن يبعث بها إلى مكان قريب من سمرقند أخبرته هي بوجوده، حيث مملكة تعيش فيها النساء وحدهن. ويقوم بذلك سرا بعلم وزيره، بينما الجميع يعتقدون أنه يقتل العذارى صبيحة الزواج. ومضى على هذا المنوال إلى أن وصله إخطار أخيه شهريار بنبأ الإبقاء على حياة شهرزاد ودعوته إلى حضور الاحتفالات المقامة بمناسبة العفو عنها. ويقول شاه زمان لدنيازاد: «عندها تمنيت أن يكون لشهرزاد أخت، وعندها لن أطلب شيئا منها، لا حكايات، لا اشتراطات، بل سأضع حياتي بين يديها، وأحكي لها قصة الألفي ليلة وليلتين التي قادتني إليها، وأطلب منها أن تضع نهاية لها حسبما يتراءى لها: إما مساء خير أخيرة، وإما صباح خير واضحة منعشة.»
وكانت دنيازاد تستمع إليه في دهشة وهي لا تصدق ما يقول، بينما هو يحاول إقناعها بصحة حكايته. ويضيف أن أخاه شهريار لا بد وأنه قد أنقذ نفسه من خطة شهرزاد بنفس الحب والصراحة، ويهتف بها: «فلننه تلك الليلة المظلمة، وكل ذلك العداء بين الرجل والمرأة، وكل تلك الفوضى عن عدم المساواة والاختلافات بين الجنسين. فلننعم بالحب والعناق يا دنيازاد.» ويتطاول النقاش بينهما، ولا ندري كيف ينتهي الموقف معهما، إلا أنه حين تقول دنيازاد: «لقد تكلمنا طوال الليل؛ إني أرى الصبح يطلع.» يرد شاه زمان: صباح الخير إذن، صباح الخير! وهي إشارة تفاؤل بالنظر إلى ما سبق ذكره من مساء الخير أو صباح الخير.
ورواية بارت القصيرة ساخرة، تستخدم أساليب القص الحديث من تناص وتداخل الزمن والمكان، كما أنها زاخرة بالعناصر الإيروسية التي لا تخلو منها رواية غربية اليوم، وهي تصور النزعات النسوية الحديثة، والصراع بين الجنسين طلبا للمساواة الكاملة في كل شيء، وقد لقيت نجاحا كبيرا من القراء عند صدورها. (1) ليالي ألف ليلة
صفحه نامشخص