هزار و یک شب در ادبیات جهان و مطالعات مقایسهای ادبی
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
ژانرها
ليس أقرب إلى الحدث القصصي من الأحلام، فمادة الحلم لا يمكن أن تكون مجردة؛ فكما قال سلامة موسى في كتابه أسرار النفس «ومما يلاحظ في الأحلام أن العقل الكامن يعبر فيها عن المعاني المجردة بأشياء مجسمة، فنحن لا نرى في الحلم الطول أو الجمال، ولكننا نرى رجلا طويلا أو امرأة جميلة أو قصرا شاهقا أو سارية عالية.» وقد تطورت القصة من تجسيد الأحداث إلى تجسيد الشخصيات، ثم تطور السرد بعد ذلك إلى وصف الأفكار والتهويمات المجردة المطلقة.
وفي بداية الفيلم الذي أعده المخرج الإيطالي بازوليني عن ألف ليلة وليلة، نرى على الشاشة اقتباسا يقول «العمل الفني يتكون لا من حلم واحد فحسب، بل من أحلام عديدة.» وهو لم يفعل ذلك عبثا، فالواقع أن الأحلام والرؤى تلعب دورا هاما في حكايات ألف ليلة وليلة، ويستبين ذلك من الاقتباسات العديدة التي أوردناها هنا من الحكايات التي تزخر بالأحلام في الكتاب. والواقع أن الكتاب ذاته، بحكم طبيعته وظروفه - باعتبار أن قصصه وحكاياته تسرد كلها ليلا - يشكل حلما طويلا متصلا، يزخر بكل أنواع النشاط الإنساني، ويمتلئ بالرغبات والشطحات والأماني والكوابيس المزعجة ومواقف الفرح والبهجة.
وإذا ألقينا نظرة فاحصة على شكل الأحلام في ألف ليلة ومضمونها، لتبدى لنا أن لها دورا سطحيا إلى حد ما، إذ هي رموز واضحة لما سيتلو بعدها من أحداث، أو هي دليل يهدي صاحب الحلم إلى حل لمشاكل يصادفها. ومن أمثال ذلك، حلم الأب ذي السبع بنات بطير غريب يخطف منه أحلى جوهرة يجدها في الكنز، وكذلك حكاية المتوكل مع محبوبة وحلمها، بيد أن هناك أحلاما «مركبة»، إن صح هذا التعبير، يلعب فيها الحلم دورا في حبكة القصة وسرديتها، مثل حكاية صاحب الكنز المدفون، الذي يدفعه حلمه إلى الترحال ثم العودة لاكتشاف الكنز، فهنا يلعب الحلم دورا أساسيا في تطور أحداث القصة. ومن الغريب أن استخدام الأحلام في التوصل إلى كنوز دفينة ما يزال مستمرا إلى عصرنا هذا. وقد تحدثت الصحف عن المصري الذي استخدم أحلامه في سبيل البحث عن مقبرة ابنة الملك خوفو؛ كما قام آخرون بالبحث عن قبر الإسكندر الأكبر في الإسكندرية وفي واحة سيوة بناء على أحلام ورؤى.
وهناك أيضا حكاية جعفر البرمكي والفوال، ونعرف من القصة الكاملة أن ذلك الفوال كان يشكو الفقر حين رآه جعفر البرمكي أيام عزه، فدعاه إليه واشترى ما كان معه من الفول بوزنه ذهبا، ولم يبق معه إلا فولة واحدة، فأخذها جعفر وفلقها نصفين وجعل جارية له تشتري نصفها بضعف الذهب المتجمع، واشترى جعفر الفلقة الثانية بقدر الجميع مرتين ذهبا. وهي قصة جميلة لا بد أنها انتشرت للإشادة بالبرامكة بعد نكبتهم.
وفي حكاية الملك جليعاد والشماس، يقوم الأساس على حلم يراه الملك جليعاد ويقصه على كبير وزرائه الشماس: «إني رأيت في ليلتي هذه مناما أهالني، وهو كأني أصب ماء في أصل شجرة، وحول تلك الشجرة أشجار كثيرة. فبينما أنا في هذه الحالة وإذا بنار قد خرجت من أصل تلك الشجرة وأحرقت جميع ما حولها من الأشجار، ففزعت من ذلك وأخذني الرعب. فانتبهت عند ذلك وأرسلت في دعوتك لكثرة معرفتك واتساع علمك وغزارة فكرك.» وينتهي تفسير الحلم بأن الملك سينجب غلاما لا يسير سيرة أبيه العادلة الحكيمة في الرعية. وينجب الملك غلاما بالفعل، ويعمل الجميع، خاصة الشماس ومعاونيه، على تنشئته تنشئة صالحة عليمة، وبالفعل حين يموت أبوه ويتولى الحكم، يسير في بداية الأمر على نحو عادل حكيم. ولكن الأحلام وتفسيرها في ألف ليلة وليلة كالقدر المرصود، إذ يستسلم الملك الابن لنصيحة إحدى نسائه ويفتك بكبير الوزراء ومستشاريه بزعم أنهم يتآمرون عليه، وتسوء سيرته بعد ذلك من دونهم، مما يحقق الحلم الذي رآه أبوه الملك من قبل، وذلك قبل أن تأخذ القصة مسارا آخر.
ومن أمثلة الأحلام السيكولوجية المعقدة، حلم حياة النفوس في حكايتها، وقد أوردنا تفصيلا لها في فصل «لمحات فرويدية»، حيث يتعلق الأمر بعقدة نفسية ترسبت لدى الأميرة حياة النفوس لدى رؤيتها حلما من الأحلام، ولا يشفيها إلا الطريقة الفرويدية الحديثة (راجع الفصل المذكور).
وقد نشأ الاهتمام بالأحلام منذ نشأة البشرية، ويرجع الأنثروبولوجيون إلى الأحلام بداية تقديس البشر للموتى، إذ يرونهم يعيشون ثانية في أحلامهم، وأدى ذلك أيضا إلى نشوء الأديان الوضعية والسحر والكهانة. وتمتلئ الأساطير الأولى للشعوب بالأحلام والرؤى، وكذلك الكتب المقدسة والملاحم القديمة. وقد وردت الأحلام في أقدم الآداب المعروفة، في ملحمة جلجامش، وفي القصص الفرعوني، وكذلك عند هوميروس، في كل من الإلياذة والأوديسة.
وقد وردت الأحلام على العرب منذ القدم، وتحدث عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع، موحيا أن هناك ما هو أضغاث أحلام، ومنها ما هو رؤى. فقد رأى سيدنا إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه، وهي رؤيا بعثها الله سبحانه وتعالى إليه في صورة حلم، وقام بتنفيذها بما أدى إلى الشعيرة المعروفة وهي الهدف من وراء الرؤيا. وهناك بالطبع حلم حاكم مصر أيام النبي يوسف عليه السلام، وهي أكثر الآيات تفصيلا للأحلام والرؤى. واستمر الاهتمام العربي بالأحلام وطبيعتها ومادتها، وتمثل ذلك في تفسيرات آيات الأحلام والرؤى في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، والتعليق عليها. وقام «ابن سيرين» (توفي عام 728م) بوضع أول محاولة عربية لتفسير الأحلام. ويعكس دور الأحلام في ألف ليلة وليلة والقصص العربية الأخرى قدر الاهتمام الذي أولاه الأدب الشعبي والفولكلور للحلم والرؤى.
واستمر تناول الأحلام في كتب الأدب العربي. فرسالة الغفران لأبي العلاء المعري (937-1057م) تقدم على أنها رؤيا ترحالية في الفردوس والجحيم، تتابع فيها المشاهد والأشخاص في سرد حلمي مجسد. ومن قبلها، كتب ابن شهيد الأندلسي (922-1034م) رؤيا مشابهة في كتابه «رسالة التوابع والزوابع»، حيث يقتاده جني من بني عبقر اسمه زهير بن نمير إلى لقاء من أحب من نوابغ شعراء العرب السابقين عهده.
ثم ازدهرت كتابات الرؤى والأحلام الرؤيوية في مؤلفات علماء الصوفية، وعلى رأسهم ابن عربي، الذي تزخر كتبه برؤى لا يدرك مداها أو معناها إلا النفوس التي جربت تلك اللمحات النورانية بنفسها. وقد تركت تلك المؤلفات الصوفية أثرا بالغا في التصوف الغربي المسيحي وفي الكتابات القصصية الروحية الأخرى.
صفحه نامشخص