البواكير
البواكير
ناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
محل انتشار
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرها
ورغبت عن ورود مناهله، ولم أعد أؤمل إلا أن أرى مرة ثانية هذه الصخورَ الخالدة من رَبْوَة دمشق.
ما لي ولآثار أيدي البشر؟ ما لي وللحضارة والعمران؟ إنني أبيع هذا كله بشَعَفة من تلك الشُّعوف (١)، أجلس عليها فأرى الجمال الذي خطته يد الله على صحائف الكون، وإنها لسعادة لا تُشترى بملء الأرض ذهبًا ولا بملء الصحف علمًا.
أما الآن فقد تغير عليّ كل شيء. لقد انتقلت إلى عالم آخر أقيم فيه وحيدًا، بعيدًا عن ذلك البلد الذي نشأت به فعشقت أرضه وسماءه، وهِمْتُ بجباله ورُباه، بعيدًا عن تلك الغرفة الصغيرة الخالية من كل شيء إلا من رفوف الكتب ومقاعد الدرس، والتي كنت أغلق بابها عليّ وعلى إخوان لي يفهمون الحياة كما أفهمها، نقطع فيها هذه المراحل من عمرنا على مطيّة الكتب تارة والحديث أخرى، نحيا في عالم أسمى من عالم الناس، ذلك هو عالم الخيال ... في تلك البقاع خلّفت نفسي وسعادتي، وحييت هنا شقيًا مسلوبَ الفؤاد.
* * *
هبطت مصر لأدرس وأعمل، والأفق واسع والمكان رحب،
_________
(١) تتكرر هذه المفردة كثيرًا في كتابات علي الطنطاوي المبكرة، وهي اليوم قليلة الدوران على الألسنة والأقلام. والشَّعَفَة أعلى الجبل أو رأسه (وهي أيضًا الخصلة في أعلى الرأس وأعلى القلب، فكأنها من كل شيء أعلاه)، وجمع الشعفة شِعاف وشَعَفات وشُعوف، وسوف نمر بهذه الجموع كلها في مقالات الكتاب (مجاهد).
1 / 16