آلبر کامو: تلاشی برای مطالعهی اندیشهی فلسفیاش
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
ژانرها
ويتزوج في العشرين من عمره زواجا لا يلبث أن يفشل بعد وقت قصير، ويدخل الحزب الشيوعي ولكنه يستقيل منه بعد صدور الأوامر إلى أعضائه بتغيير موقفهم من مسلمي الجزائر والكف عن تأييدهم، على أثر زيارة لافال رئيس الوزارة الفرنسية آنذاك لستالين.
كانت سنوات شاقة، مارس فيها مختلف الحرف الممكنة، واضطر أن يتخلى عن وظيفة صغيرة في بلدية المدينة، بعد أن كتب تقريرا عن سكان منطقة القبائل فضح فيه البؤس والتخلف والجوع الذي يعاني منه أهل هذه المنطقة من العرب. لقد رأى ذات صباح في «تيزي أوزو» كيف يتضارع أطفال عرب مع الكلاب على محتويات صندوق من القمامة، وتبين له الفارق الهائل بين أجور العمال العرب والأوروبيين، وراح يعلن أن من المخجل الزعم بأن شعب القبيلة يعرف كيف يتكيف مع البؤس، ومن الخزي الزعم بأنه لا يحس بنفس الاحتياجات التي يحس بها الأوروبيون.
2
وتردد صدى هذا النداء الإنساني في الأسماع، وأتيح للناس أن يقرءوا لرجل يطالب بالعدل والمساواة بين العرب وبين الفرنسيين، ويرفض أن يعيش أولئك على الصدقات التي ينعم بها عليهم هؤلاء، ويستنكر الظلم من بلد تعلن أنها تحارب الظلم في غيرها من البلاد. ونشر التقرير في سلسلة مقالات في صحيفة «ألجيررببليكان» التي اشترك مع باسكال بيا في تأسيسها في عام 1938م، والتي وقفت في شجاعة في وجه السياسة الفرنسية الرسمية في الجزائر، وطالبت بالمساواة العادلة بين العرب والمستوطنين. لم يكن الأمر في هذا التقرير وفي غيره من المقالات التي نشرها في هذه الجريدة أمر رثاء أو تعاطف مع المغلوبين، ولا مجرد دفاع عن المظلومين والمهانين، بل شيئا مختلفا كل الاختلاف؛ فليس في الوجود شيء أهدر للكرامة من رؤية إنسان يعامل معاملة منحطة خالية من الإنسانية، ولكن المستوطنين الذين أعماهم التعصب لم يستطيعوا أن يفهموا رسالته، أو يدركوا الأخطار التي يندفعون فيها بوحشيتهم وأنانيتهم، فراحوا يطالبون بإبعاده عن الجزائر. قال الرؤساء إن التقرير لم يكتب بأسلوب إداري صرف، ووقع الحاكم العام لمدينة الجزائر بالفعل أمرا بطرد كامي من المدينة، وهو ما يوازي حرمانه من سبل الحياة في الجزائر كلها.
واضطر كامي إلى الرحيل إلى بارس، يحمل وصية من زميله باسكال بيا إلى إدارة تحرير صحيفة «باري سوار» التي استطاع أن يعين فيها مخبرا صحفيا. كان ذلك في ربيع عام 1940م، وكانت الحرب العالمية قد اشتعلت وأوروبا قد أذهلها الزحف الألماني الذي يزرد بلدا بعد بلد. واحتل الألمان فرنسا. وانتقلت الصحف إلى داخل البلاد، وانسحب محررو «الباري سوار» إلى «كليموفيران»
Clemont-Ferran
في مقاطعة الأوفيرن
Auvergne ، ومعهم كامي الذي كان يحمل في حقيبته مخطوطة روايته الأولى «الغريب» التي كان يريد أن يطبعها في باريس. وما لبث أن تخلى عن عمله الصحفي؛ لأنه لم يرد أن يقف في صف حكومة فيشي المؤقتة الذليلة، أو يتعاون مع نظام يكرهه من أعماق قلبه. وترك صحيفة «الباري سوار» ورواح يبحث عن مأوى في مدينة ليون. وبقي في هذه المدينة ثلاثة شهور، قفل بعدها راجعا إلى الجزائر ليعيش مع أسرة زوجته في أوران. واستقبلته المدينة في غير اكتراث؛ لا عمل، ولا مال، وسخرية القدر المعتم على الكتفين. ويسافر إلى باريس، ويستمد من وحدته القوة في إتمام أعماله، وانتظار النصر الأدبي الذي يقترب منه.
كانت رواية «الغريب» قد تمت، ومسرحية «كاليجولا» تفرض نفسها عليه منذ عام 1938م، و«سوء فهم» تنضج في ضميره، والصفحات الأولى من «أسطورة سيزيف» تتزايد يوما بعد يوم، والمحال يقيم أسواره الجرداء من حوله. وامتد الاحتلال الألماني لفرنسا أربع سنوات، وكامي يتحداه ويكافحه في السر والعلن، ويواجهه بالجبهة النقية، والنظرة الهادئة، والكلمة الشجاعة.
ويستدعي الناشر جاليمار كامي إليه - وكان قد أرسل إليه روايته «الغريب» - ويعرض عليه وظيفة قارئ في دار النشر المشهورة. وينضم كامي بطبيعة الحال إلى حركة المقاومة السرية في باريس، ويرأس تحرير جريدة «كومبا» (كفاح)، التي جعلت شعارها «من المقاومة إلى الثورة». ويظل كامي يكتب مقالاتها الافتتاحية، ويظل الفرنسيون ينتظرونها كل صباح، تدعوهم إلى مكافحة الظلم، وتذكرهم بأن يحرصوا على العدل؛ فما من شيء يهدى إلى الإنسان، والقليل الذي يمكنه أن يغزوه، لا بد أن يدفع ثمنه بالموت الظالم، ولكن عظمة الإنسان لا تكمن في ذلك، بل في إرادته أن يكون أقوى من القدر البشري، وإذا كان القدر البشري ظالما، فليس أمامه غير وسيلة واحدة ليتغلب عليه، وهي أن يكون هو نفسه عادلا.
صفحه نامشخص