آلبر کامو: تلاشی برای مطالعهی اندیشهی فلسفیاش
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
ژانرها
141 (ج) إستطيقا الخلق بلا صباح
عالج كامي نظريته الإستيطيقية (أو الجمالية) في فصلين إضافيين؛ أحدهما في كتابة أسطورة سيزيف تحت عنوان «الخلق المحال» والأخرى في كتابه «المتمرد» تحت عنوان «التمرد والفن»؛ هذا إلى كثير من أحاديثه ومقالاته وخطبه، وبخاصة في الجزأين الأول والثاني من كتابه «حقائق معاصرة» وفي «حديث السويد» الذي ألقاه في العاشر من ديسمبر عام 1957م، في استكهولم، بمناسبة الإنعام عليه بجائزة نوبل. ولما كنا قد قصرنا أنفسنا في هذا الكتاب على المشكلات الفلسفية وحدها، ولم نتناول المسائل الأدبية والفنية إلا بقدر دلالاتها على الموقف الفلسفي، فإننا لن نستطيع في هذا المقام أن نفصل القول في منزلة الفن من أعمال كامي الأدبية، تاركين ذلك لغيرنا من أصحاب النقد والتحليل الأدبي.
ومع ذلك فلا بد من القول بأن أفكار كامي الفلسفية تجد التعبير المباشر عنها والتطبيق الحي الخصب لها في مجال الفن، بل إن في استطاعتنا أن نقول إن إستطيقا كامي تفيدنا في الكشف عن موقفه الفلسفي خيرا من أية مجال من مجالاته الفكرية الأخرى.
142
لقد بين لنا التأمل في المحال كيف يتحتم على الإنسان أن يتشبث به، حتى يحافظ على اليقين الأوحد الذي يملكه عن هذا العالم وعن نفسه. ولم يكن المحال في نهاية المطاف سوى يقظة الوعي الباهر، تلك اليقظة العنيدة التي ليس بعدها نعاس. وكان الرفض المستمر للعالم (هذا الرفض الذي لا يعني، كما رأينا، نفي العالم ولا العزوف عنه، بل كل ما يعنيه هو التحدي) هو الوسيلة الوحيدة التي يحافظ بها الإنسان على كرامته. ثم عرفنا نماذج أربعة للإنسان الذي يعيش في المحال، ويرى فيه حقيقته الوحيدة التي لا يعرف من حقيقة سواها، ويحس بالنتائج المترتبة عليها، وهي الحياة والتمرد والحرية، أشد ما يكون الإحساس؛ أعني أن يحيا كأعمق ما تكون الحياة وأشدها خصوبة وامتلاء.
143
هذه النماذج التي يقدمها لنا كامي ليس المقصود منها أن تكون نماذج للاحتذاء والمحاكاة. إنها مجرد تعبير عن هذا الرأي الذي يقول إن الحياة يمكن أن تعاش بما يطابق مطالب المحال ونتائجه؛ أعني بالحياة والتمرد والحرية. ولقد رأينا أن أهم هذه النماذج هو آخرها، ونعني به الإنسان المبدع الخلاق،
144
الذي يبلغ الإحساس بالمحال لديه ذروته، ويجد التعبير عنه في أوضح صوره.
وإذا كان «الفنان» في شخصية كامي يظهر في جميع أعماله، وإذا كنا نجده يخصص للفن في كتابيه الفلسفيين فصلين من أهم فصولهما، ويهيب بنيتشه (الذي كان الفن بالنسبة إليه هو الوسيلة الوحيدة التي تعصم الإنسان من الموت ضحية للحقيقة، لا بل إن الفن في رأيه يزيد في قيمته عن الحقيقة نفسها)،
صفحه نامشخص