آلبر کامو: مقدمهای خیلی کوتاه
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
ومع ذلك، ليست أفكار كامو والتزاماته وحدها هي ما تجعله اليوم عرضة لكثير من التأويلات المختلفة، لكن شعبيته العريضة أيضا. فكامو لا يساء فهمه بقدر ما يستشهد به. وقد صرح المنظر المحافظ نورمان بودهوريتز علنا بأن كامو «يستحق أن يستشهد به». وتمثل حقيقة أن الوسط السياسي كله يستشهد بكامو دليلا على الفرص التي تقدمها كتاباته لكثير من المتشوقين إلى إقران اسمه بقضيتهم، وذلك ليس فقط من جانب الأحزاب السياسية الكبرى، بل أيضا من جانب المثقفين العرب الراديكاليين، وكذلك اللاسلطويون الفرنسيون. ينشر عدو كامو القديم - وهو الحزب الشيوعي الفرنسي - جريدة يومية كثيرا ما تقتبس منه في صفحتها الأولى.
للسياسيين الفرنسيين دور رئيسي في هذه الممارسة كما قد يتوقع المرء، حيث استهلت مارين لوبان زعيمة الجبهة القومية المنتمية إلى اليمين المتطرف في يناير 2015 مقال رأي افتتاحيا في صحيفة «نيويورك تايمز» بالاقتباس من كامو. ويحاكي إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي المنتمي إلى حزب الوسط، تعبيرات كامو المجازية، كما تظهر طبعة فاخرة لأعمال كامو الكاملة في صورته الرسمية كرئيس، والتي تظهر في كل مكتب لرئاسة البلديات في فرنسا. وكان كاتب خطب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عادة ما يقتبس من كامو. وفي عام 2009، اقترح ساركوزي أن ينقل رفات كامو إلى مقبرة العظماء «البانثيون»، مثوى رجال الجمهورية الفرنسية العظام. وقد نشأ خلاف رفض خلاله جين بن كامو المقترح؛ الأمر الذي منع نقل الرفات.
يزخر الوسط السياسي بسياسيين من جميع الأطياف ممن يستشهدون بكامو: يصر اللاسلطويون الفرنسيون، على وجه التحديد، على تصوير كامو واحدا منهم؛ على سبيل المثال، ثمة موجز لمجموعة مقالات أعدها زعماء اتحاد اللاسلطويين الفرنسي بعنوان «كتابات ليبرالية»، الذي يشير بالفرنسية إلى جديلة من اللاسلطوية، ويحوي مقالات قصيرة لكامو. وقد امتدح الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي كامو علنا باعتباره نصيرا للثورة. في الوقت نفسه، سمح الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن يعرف عنه أنه قرأ رواية «الغريب» في صيف عام 2006 (في خضم حرب العراق).
هكذا، يقدم الساسة الغربيون نسخة مبسطة لكامو، التي هي الوجه الآخر لرؤية كامو ثوريا، والتي قدمها المثقفون العرب ومجموعات اللاسلطويين الفرنسيين في الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين. ويشكل كامو دعما نافعا للإنسانية التي تسهب بالتصريحات الكبرى لكنها تفتقر إلى التفاصيل؛ لأن كامو عندما كتب عن السياسة كان معظم الوقت عازفا عن تبني مواقف واضحة.
رفض كامو أن يختار علنا بين مناصري الجزائر الفرنسية وبين مناصري جبهة التحرير المؤيدة للاستقلال. ويفسر موقفه الساعي إلى التسوية ولو جزئيا سبب شعبيته عند القادة الغربيين، الذين تدخلوا عسكريا واقتصاديا في شئون المستعمرات السابقة بينما يستشهدون بالإنسانية والديمقراطية تبريرا لهم. هذا في الأصل هو تناقض كامو باختصار؛ يمثل كامو لكثيرين تجسيدا لحل يخلق توليفة مستحيلة بين التنوير والاضطهاد الاستعماري. هذا أيضا السبب الذي يجعله شخصية بهذه الأهمية في العالم الغربي، إنه الرؤية المثالية لماضي فرنسا الاستعماري، ومن ثم أوروبا، وحاضرها الاستعماري الجديد.
التسوية سمة من سمات كامو، رغم أنه هو نفسه لم يستطع في النهاية التمسك بالتوجه الوسطي. ففي نهاية المطاف أيد جانب الاستعمار، مصرحا في مقابلة أن مطالبته باستقلال الجزائر كانت نابعة من «العاطفة»، وأعلن بقوة أنه ضدها. يجري تجاهل تلك العبارات والكتابات عادة؛ لأنها لا تتناسب مع النظرة الشائعة لكامو كإنساني مهموم يترفع عن الشئون والشواغل السياسية. إلا أن هذا التناقض بين الإنسانية والاستعمار كان حاضرا في كثير من أعماله منذ بداياتها، وذلك بدرجات متفاوتة الحدة.
كامو الأيقونة الثقافية
يستشهد بكامو أيضا في المجال الثقافي. ففي وسائل الثقافة الشائعة، خاصة التليفزيون، استشهادك بكامو هو أقصر طريق لإضفاء الطابع المثقف على شخصيتك، وبالتبعية على العرض التلفزيوني نفسه. وعادة ما يكون الاقتباس نفسه غير ملائم للسياق؛ المهم هو ذكر اسم كامو.
وفي السينما، ألهمت أعمال كامو على مر العقود نجوم السينما (آلان ديولن، ويليام هارت، فيجو مورتنسن، مارسيلو ماستروياني) إلى تقديم التقدير اللائق به كمؤلف. ونزعت المعالجات السينمائية الرئيسية إلى معاملة أعماله كآثار تجمدت في الزمن. مثال آخر على ذلك هو فرقة البوب «ذا كيور»، التي كانت أول أغنية لها حققت نجاحا واسعا باسم «قتل عربي» أشبه بأنشودة لقطاعات من الشباب الأوروبي في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. لكن وإن كانت الأغنية ملخصا قصيرا للمشهد الرئيسي في رواية «الغريب»، فإنها تعكس عدم الاكتراث بحياة العرب الذي تنطوي عليه الرواية بالفعل وتعززه. يمثل قتل العربي ذريعة، حدثا يؤدي إلى انعكاسات وجودية مهمة عند الجمهور الغربي.
وما يتجلى بوضوح في الأغنية والرواية على حد سواء هو أن ثمة أشياء أهم بكثير من قتل إنسان عربي. ليست الفظاعة في الرواية أن ميرسو قتل عربيا، بل أنه سيق إلى الإعدام لعدم حداده على أمه. تضخم أغنية البوب من هذه الفظاعة بقوة، ولم يصدق البعض في فرنسا أن الأغنية كانت عن رواية «الغريب»، هكذا كان حجم الإنكار في حق الحدث الرئيسي في الرواية. في النهاية، التغير على الساحة السياسية والنجاح العالمي الذي حققته فرقة «ذا كيور» دفعا الفرقة إلى تعديل الكلمات والعنوان ليصبح «تقبيل عربي». المفارقة هنا هو أن هذا التغيير يعكس ما حاول كثير من النقاد فعله مع أعمال كامو ككل، وهو تهذيب الحواف الحادة وصقلها لأغراض سياسية أو تجارية محددة.
صفحه نامشخص