آلبر کامو: مقدمهای خیلی کوتاه
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
كانت الحرب في الجزائر - التي بدأت يوم عيد جميع القديسين عام 1954 - تؤثر على كامو ليس بوصفه كاتبا، ومواطنا فرنسيا، ومنتميا إلى الأقدام السوداء وحسب، بل بوصفه شخصية عامة أيضا. فبعد عامين من بدء الحرب، سافر كامو إلى الجزائر ليلقي خطابا، مناشدة جياشة طلبا للسلام. وهذا هو ما يعرف ب «الدعوة إلى هدنة المدنية في الجزائر».
لم يكن كامو أسير وهم إيقاف الحرب؛ إذ كان هدفه هو التوصل إلى اتفاق بين المجموعتين المتحاربتين لوقف قتل الأبرياء. كان المناخ المحيط بتدخل كامو مناخا عدائيا من جماعات غير متوقعة؛ إذ كان عمدة الأقدام السوداء في الجزائر قد رفض أن يستضيف المؤتمر، وعندما وجد المكان لاستضافته - بفضل مؤسسات جزائرية متهاودة، تولت أيضا تنظيم التأمين - كان بإمكانه سماع صرخات عدائية من الشارع لحشد من الأقدام السوداء: «الموت لكامو! الموت لمنديس-فرانس (وهو رئيس وزراء فرنسا بين عامي 1954-1955، الذي كان مؤيدا لإنهاء الحروب الاستعمارية)! تحيا الجزائر الفرنسية!» في نهاية المطاف، جرى تقصير وقت المؤتمر خوفا من اندلاع أعمال عنف من جانب جماعات الأقدام السوداء.
استهل كامو خطبته بإدانته الفورية للمتظاهرين الراغبين في إسكاته. كانت خطبته إعادة سرد يحرك المشاعر لدافعه ومحنته: «فعلت ما بوسعي طيلة عشرين عاما للمساعدة في التوفيق بين شعبينا». كما أنها كانت أيضا اعترافا بالفشل: «يمكنكم أن تقاطعوني كثيرا، بل أن تسخروا مني»، ثم استتبع كامو، «لكن الحاجة الملحة في هذه المرحلة هي أن نمنع المعاناة التي لا داعي لها».
حاول أن يفصل ما بين قتال الجزائريين من أجل العدالة وبين قتالهم من أجل الاستقلال، الذي وصفه ب «المطامح الأجنبية» التي ستخرب فرنسا بلا شك. فهل كانت تلك إشارة إلى الاتحاد السوفييتي؟ في سياق الحرب الباردة، كان شبح الاتحاد السوفييتي المسيطر حجة كلاسيكية صاغها مؤيدو القوى الاستعمارية للاستمرار في السيطرة على مستعمراتهم. وقد وقع ما يلي محل القلب من حديث كامو: بالنسبة إليه، لا يمكن أن يسمح للقومية الجزائرية بالتعبير عن نفسها رسميا على حساب فرنسا؛ إذ لم يكن الاستقلال الجزائري مطروحا. استمروا في فعل ذلك، وستكون الحرب دائمة؛ هكذا قال كامو لجمهوره الذي يكثر فيه الجزائريون. كما تضمنت رسالته السلمية أيضا تهديدا غير مباشر: إذا لم تلجئوا إلى المفاوضات، فسيستمر القتال إلى ما لا نهاية.
واختتم كامو بمدح أعضاء المجتمع الإسلامي لتنظيمهم المؤتمر، وأخبر مزيج الحضور أن الباعث الذي حشدهم جميعا هو الإنسانية، لا السياسة. يكشف كامو هنا عن سذاجة تكاد تكون محببة إلى النفس؛ في الواقع، كانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية هي القوة المنظمة للمؤتمر. وكان عمار أوزقان - وهو صديق كامو وزميله في الحزب الشيوعي في ثلاثينيات القرن العشرين - أحد منظمي المؤتمر. كما أنه كان عضوا في جبهة التحرير الوطنية، وهو ما كان يجهله كامو. وكان هدفه هو ضم كامو إليها، وإقناعه بأن الثورة لها مبرراتها.
بعدها بسنوات عديدة سيوضح أوزقان قائلا: «كانت الهدنة المدنية وسيلتنا [جبهة التحرير الوطنية] إلى مساعدة الصادقين، أعداء الظلم المعادين للعنف، لتفتيح عيونهم، ولكي يدركوا مع الوقت أن جبهة التحرير كانت على صواب». فهل حازت جبهة التحرير فرصة إقناع كامو؟ هذا الأمر كان مستبعدا بشدة، لكن لا شك أن إلقاء كامو خطبته الداعية إلى السلام، وهو محاط بمئات من الأقدام السوداء يهتفون بموته، كان يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح بقدر ما يعني لجبهة التحرير؛ إذ كان بالنسبة إليهم بمثابة ضربة مفاجئة على مستوى العلاقات العامة.
تعد تلك اللحظة علامة على موقف كامو الإشكالي والمبهم، النابع من مزيج من رغبته الصادقة في السلام وعجزه عن إدراك مدى الظلم الذي يعانيه الجزائريون طوال فترة الاحتلال الفرنسي. يتذبذب كامو بين القومية والإنسانية، محاولا على نحو يائس أن يشكل المزج المستحيل بينهما.
وفي خطاب إلى صديق مقرب له بعد المؤتمر، كتب كامو: «رجعت من الجزائر مكتئبا بشدة. ما يحدث يثبت قناعاتي. الأمر كله بالنسبة إلي «محنة شخصية».» والمحنة هي مقابل المنحة والغبطة ؛ إذ كان هذا بمثابة مأساة وفاجعة شخصية في نظر كامو (شكل
6-1 ).
شكل 6-1: كامو مكتئبا.
صفحه نامشخص