آلبر کامو: مقدمه‌ای خیلی کوتاه

مؤمن محمود رمضان أحمد d. 1450 AH
33

آلبر کامو: مقدمه‌ای خیلی کوتاه

ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا

ژانرها

كان سارتر قاسيا في رده؛ إذ أسهب في ذكر النقائص القديمة الخاصة بنقده الأول لرواية «الغريب» التي كتبها قبل ذلك بعشر سنوات. وبحيوية شديدة، كتب يتساءل إن لم يكن كتاب «الإنسان المتمرد» دليلا كافيا على عدم جدارة كامو كفيلسوف، وعاب عليه «كرهه الجهود الفكرية» ودأبه على عدم قراءة المصادر الرئيسية. كما ذكر سارتر كامو كيف أنه انتقد الستالينية، واستشهد بمقالات افتتاحية من مجلة «لي تمب مودرن» تدين الاتحاد السوفييتي دليلا على ذلك. وأبرز سارتر أيضا استخدام وسائل الإعلام الرئيسية والسائدة الإدانات ضد الاتحاد السوفييتي كوسيلة لتقليل محنة المستعمرين، مكررا ما خلص إليه جانسون ومسهبا فيه. وصرح سارتر أن بإمكانه انتقاد الغرب والشرق كليهما، وسأل كامو مجازا، لم لا يمكنك أنت ذلك؟ ولفت سارتر بعد ذلك الانتباه إلى موقف كامو الغامض في مسألة الهند الصينية، واختتم بأن نشر رد كامو النهائي، وأعلن في الوقت نفسه أن الأخذ والرد قد انتهى من جانبه.

كان هذا الصدع الثاني نهاية صداقتهما الغريبة. إذ لن يتحادثا بعدها أبدا. ولكنهما ظلا يتواصلان تواصلا غير مباشر عبر أعمالهما، وذلك طوال حياتهما. وبعد أزمتهما العلنية، أصبح الانتقاد الموجه إلى المثقف اليساري البرجوازي أحد أركان أعمال كامو المكتوبة، بالإضافة إلى الهجوم على سارتر والوجودية في يومياته.

نتيجة لتلك المخاطبات العلنية بخصوص كتاب «الإنسان المتمرد»، كان سارتر يعد هو المنتصر، وذلك على نطاق واسع؛ إذ تفوق كتابة ودهاء على كامو الذي ترك معزولا. حتى إن كامو فكر مليا - على طريقة الأقدام البيضاء الذكورية - أن يوسع سارتر ضربا، لكنه تخلى عن فعل ذلك؛ لأن سارتر كان شديد النحافة. وتجنب كامو الحي اللاتيني والمقاهي التي يجتمع فيها سارتر ودي بوفوار مع الأصدقاء، بل إنه عزل نفسه عن المجتمع بصفة عامة . وعلى الرغم من أنه توقف أيضا عن الاشتراك في الجدال علنا، فقد تطرق إلى جميع الانتقادات في رد مستفيض بعنوان «دفاع عن الإنسان المتمرد»، الذي لم ينشر خلال حياته.

السقطة

رواية «السقطة» هي العمل الذي شكل أكبر مساحة لخلاف كامو، ليس فقط مع سارتر، بل مع معاصريه أيضا. قصة شخص وحيد يدعى كليمنس، وهو محام سابق عاش في فرنسا، لكنه الآن في منفى فرضه على نفسه طواعية في أمستردام. في حانة متهالكة، تدعى مكسيكو سيتي، يتحدث بلا انقطاع إلى رجل فرنسي آخر، يظل هذا الآخر مجهولا حتى الصفحات الأخيرة من الرواية، حتى يكتشف أنه محام هو الآخر. وإليك كيف التقيا:

هل لي، يا سيدي، أن أعرض عليك العون دون أن يزعجك هذا؟ أخشى أنك قد لا تستطيع أن تعبر عما تريد للفظ الذي يشرف على هذا المكان. الواقع أنه لا يتحدث غير الهولندية. وإذا لم تخولني بعرض مسألتك، فإنه لن يعرف أنك تريد شراب الجن. والآن، يسعني أن أرجو أن يكون قد فهمني؛ فهزة رأسه لا بد أنها تعني أنه أذعن لطلبي.

يلتقي الرجلان خمس مرات، وفي كل لقاء يسترسل كليمنس في الحديث (وكليمنس هو مزيج من اسم كامو، والكلمة الفرنسية «كليمنسي» بمعنى الرحمة)؛ فيستطرد، ويمزح، ويتندر، ويستغرق في التفكير، ويدلي بإفادات عامة عن فرنسا، وعن العالم، وعن النساء، والسياسة، والدين ...

يطلق كليمنس على نفسه لقب «قاض تائب» متخصص في القضايا النبيلة. والقضاة التائبون (كما يجري تعريفهم في الرواية) يشعرون بالذنب بسبب خلفيتهم الاجتماعية وما يتمتعون به من امتياز؛ ولذا يتبنون قضايا المحرومين من حقوقهم كأحد أشكال التوبة، لكنهم ينهمكون في دورهم إلى حد أنهم يصدرون الأحكام على الآخرين. (كتب كامو في يومياته ذات مرة أن القضاة التائبين وجوديون.)

يصف كليمنس نفسه بأنه مدافع عن الأرملة وابنها اليتيم، ويبين أن ممارسته القانونية تتمحور حول مساعدة المظلومين والمساكين والمجني عليهم. مع ذلك، وباعتراف كليمنس نفسه، فإن شفقته تلك أنانية. فيعترف أنه يهرع إلى مساعدة رجل أعمى لمجرد أن يحس بالرضا النابع عن مساعدته. مساعدة الآخرين في رأي كليمنس هي أحد مظاهر نرجسيته، وليست نابعة من كرم حقيقي وأصيل. وخلف هذا الإيثار يكمن زهو وتفاخر: على سبيل المثال، يرفض كليمنس أعلى الأوسمة الفرنسية؛ لأن في رفضه إشباعا أكبر من قبوله للميدالية.

في كل صفحة من صفحات «السقطة» نجد كليمنس يتأمل العديد من الموضوعات. بل إن ثمة انتقادا لفرنسا، حيث يقول إن البذاءة تعد من التسلية على الصعيد الوطني. وفي خضم هذا القدر من «الحكايات والتعليقات الخيالية»، يبرز أحد الأحداث. فبينما يتجول كليمنس في باريس في إحدى الليالي، يسمع صرخة امرأة ألقت بنفسها في نهر السين. تلك هي «السقطة». لكن على الرغم من شخصيته العامة وطريقة تفكيره الإنسانية المزعومة، يبتعد كليمنس عن المكان دون أن يساعد المرأة. يفترض أن المرأة ماتت. وبعد سنتين أو ثلاث، وبينما هو في رحلة بحرية، يرى كليمنس بقعة سوداء في المحيط، ويتذكر المرأة مباشرة؛ ويعي أن عليه أن يواجه ذنبه ويسقط تظاهره بأنه ذو نزعة إنسانية؛ يجب عليه أن يكون نفسه. (ربط بعض المعلقين ذلك بتناقضات كامو فيما يخص الجزائر، حيث عرف عنه توقفه عن نشر كتاباته عنها بعد عام 1954؛ فعوضا عن أن يواجه كامو مشكلة مستعصية، يبتعد عنها رمزيا.)

صفحه نامشخص