آلبر کامو: مقدمهای خیلی کوتاه
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
وفي فقرة محورية في مقال «العالم يتحرك بسرعة»، يتحدث كامو عن «صدام الحضارات» القادم. يزعم كامو أن تفوق الحضارة الغربية سيكون في خطر عن قريب «في غضون عشر سنوات أو خمسين سنة». فالوقت من ذهب، ويطالب بافتتاح البرلمان العالمي، الذي وصفه في المقال السابق، في أقرب وقت ممكن «لتكون الحضارة الغربية ونظامها العالمي كونيين حقا». باختصار، يريد كامو الحفاظ على تفوق الغرب، ويقترح إنشاء برلمان عالمي ليتحقق ذلك. ولا يذكر كامو كيف سيحدث ذلك بالضبط، لكنه بتأييده حلا كهذا وبدعمه لهذا الهدف، يرسخ لحماية تفوق قوى الغرب في قلب برنامج إجراءاته. وهذا هو أقرب ما يمكنه الوصول إليه لغرض الدفاع علانية عن نظام عالمي استعماري.
في نهاية المقال، يؤيد كامو «اليوتوبيا الجزئية»، التي ستستلزم على سبيل المثال تأميم الموارد الطبيعية (كاليورانيوم، والبترول، والفحم) لكن لا شيء آخر. باختصار، هدف كامو قريب من مبادئ الديمقراطية الاشتراكية: حل وسط بين تأميم وخصخصة كل شيء. وفي مقاله قبل الأخير، «العقد الاجتماعي الجديد»، يريد كامو أن ينشئ نظاما دوليا للعدالة. هذا أيضا أول مقال يقترح فيه تحريم عقوبة الإعدام. رغم ذلك، لا يؤيد كامو التغييرات الأيديولوجية. فهو يطلب من البشر أن يتحلوا بشجاعة التخلي عن بعض أحلامهم (أي الشيوعية) والتركيز على الحفاظ على الأرواح (أي السلام). ولتلك المقالات نبرة تقريرية، كما أنها عاطفية تماما، وكأن كامو يعلن عن القواعد وليس يقترحها.
لم يكن مقاله الأخير استثناء بغض النظر عن عنوانه «نحو الحوار». هنا يتخذ كامو مرة أخرى موقفا معاديا ل «المنطق التاريخي»؛ إذ يصف فكرة التقدم، فكرة التحرر كمنطق، بقوله «صنعنا من العدم» أفكارا «ستئول بنا عقدها إلى الاختناق».
ما الذي يشغل كامو هنا؟ تحتاج النزعة المعادية للتاريخ والمنتشرة في أعمال كامو تفسيرا. يأتي ذلك المفهوم عن التاريخ من فهم كامو لهيجل، الذي عرف عنه إعلانه أنه رأى التاريخ على حصان عندما رأى نابليون قادما إلى مدينته - ومن ثم إسقاط النظام الأرستقراطي. ولذا، أصبح نابليون تجسيدا للتاريخ التقدمي. ورغم أن هذا كان يمثل إشكالية بأساليب شتى (بالنظر إلى أفعاله في هايتي وإسبانيا وغيرهما)، فقد كانت تلك هي النظرة الفرنسية لنابليون - محرر الشعب، والمطيح بالأنظمة المستبدة. كانت الفكرة هي أن كل الأنظمة القمعية ستواجه ب «التقدم» نهايتها العنيفة لا محالة على أيدي شعبها.
كان كامو من أكثر العارفين بأن فرنسا احتلت الجزائر، وأن الجزائر كانت مقموعة بالفعل وتتوق إلى التحرر. إحدى الطرق للتفكير في عداء كامو للتاريخ والحكم عليه هي النظر إليه باعتباره خوفا من سردية تنتهي بتحرير الجزائر. وعي كامو بتلك النظرية القائلة بحتمية التقدم - ومن جانب آخر إيمانه بها - جعله غير مرتاح إلى الوضع في الجزائر. كان ذلك مصدر مناشدة كامو لقرائه علنيا أن يتخلوا عن مثلهم، عن مثاليتهم حول التحرر الكامل، لصالح «تغيير في أسلوب الحياة» أكثر تواضعا أو «يوتوبيا جزئية». أراد كامو إصلاحات يسيرة وليس تغييرات جذرية، خاصة فيما يتعلق بالجزائر. وعلى الرغم من أن هذا الموقف الإصلاحي وجد قليلا من الحلفاء خلال حرب الاستقلال الجزائرية لأن كلا الفريقين لم يفضل التسوية، فإنه أدى في النهاية إلى شعبية متجددة بعد سقوط سور برلين عام 1989 وسقوط الاتحاد السوفييتي، حينها جرى الاحتفاء بكامو باعتباره كان محقا منذ البداية. «القتلة المنصفون» و«الإنسان المتمرد»
معارضة كامو للعنف السياسي، أو كما يقول إدانة «أحقية القتل باسم التاريخ»، كانت وسيلة لرفض التغيير الثوري الكاسح ولمعارضته الحركات المناهضة للاستعمار. ولذا، فإن مسألة العنف لسبب وجيه - سواء إذا كان القتل مبررا بأي شكل أم لا - تقع في لب ثاني أشهر مسرحيات كامو، وعنوانها «القتلة المنصفون»، المنشورة عام 1949. وبما أنها تنبني على مذكرات الإرهابي الروسي السابق بوريس سافنكوف الذي حاول قتل القيصر عام 1905، يقدم كامو معضلة العنف السياسي عبر نقاش بين مناضلي الخلية الإرهابية الذين يخططون لاغتيال القيصر.
الشخصيات الرئيسية الثلاث في المسرحية هي إيفان كاليايف وستيبان فيدوروف ودورا دوليبوف. في البداية تبدو الشخصيات ذات عقيدة لا تتزعزع في مشروعية أفعالهم. من ناحية، يقدم كامو كاليايف بوصفه البطل الحقيقي الذي يعاني من وسواس. في البداية، لم يستطع أن يلقي بالقنبلة؛ لأن ابنة أخ القيصر وابن أخيه كانا موجودين. بعد محاولة ثانية، يتمكن من قتل الدوق الأكبر وحده. ثم يلقى القبض عليه، ويرفض عرض السلطات بالعفو عنه شريطة أن يخون رفاقه. ويجري إعدامه بيد الدولة في المشهد الأخير. كاليايف هو بطل المسرحية؛ لأن أفعاله تتوافق مع الحالات المحددة التي تجعل من العنف أمرا جائزا بالنسبة إلى كامو: كان ينوي المخاطرة بحياته. يطرح كامو أن تلك النية هي الضمان على ألا يكون العنف على نطاق واسع، وعلى أنه سيكون محدود المدة؛ ومن ثم لن يؤدي إلى نظام استبدادي.
يبدو ستيبان على الجانب الآخر مغالى فيه؛ إذ يؤيد قتل الأبرياء بحماس. ويمثل ستيبان المقاتلين الشيوعيين الذين يكرههم كامو بشدة؛ فهو يؤيد العقاب الجماعي، بل القتل الجماعي. إنه عنيف، ومتعصب، ومتلهف للقتل. في رأيه أن الغاية تبرر الوسيلة. ولكنه رغم ذلك ضعيف؛ حيث يعترف في النهاية أنه كان يحسد كاليايف. وتنقاد دورا بحبها لكاليايف، على الرغم من أنها مناضلة أيضا. وبمجرد أن يموت، تقرر أن تواصل النضال علها تلقاه بالموت.
لم تلق المسرحية استقبالا جيدا؛ إذ وجد النقاد أن من الغريب أن تدرج قصة حب في مسرحية سياسية كتلك. لكن على الأرجح كان ذلك أحد أهداف كامو؛ إذ يبدو الحب في نهاية المطاف ساميا على الالتزامات السياسية، وهو ما يعلي المشاعر البشرية فوق التاريخ البشري، وفوق الأفعال السياسية.
على الرغم من أن الإرهابيين يبدون متصدعين، يبدو أن كامو يقدرهم فقط إن كانوا مستعدين للموت خدمة لأفكارهم بقدر ما هم مستعدون للقتل خدمة لها. يقارن كامو بين هذا الموقف وبين موقف الفلاسفة والمفكرين عندما كتب عن «سلالتين من الرجال. إحداهما تقتل مرة وتدفع الثمن حياتها. والأخرى تبرر آلاف الجرائم وتقبل كل أشكال التكريم». تعاود مناهضة كامو للفكر الظهور مرة أخرى هنا؛ إنه يؤيد اتخاذ الإجراءات، خاصة العنيف منها، لكن على المدى القصير فقط: فموت القائم بالعنف هو أفضل ضمان لمحدودية مدى التمرد.
صفحه نامشخص