آلبر کامو: مقدمهای خیلی کوتاه
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
كتب العديد من المعلقين، أمثال كونور كروز أوبراين وإدوارد سعيد، عن غياب العرب في الرواية باعتبارهم كائنات بشرية لها أسماء وتستطيع التحدث. وغياب العرب وحياة البربر في الرواية أمر غريب؛ لأن من الواضح أن كامو كان واعيا بالوضع الاستعماري ومهتما به، وكتب بإسهاب عن محنة سكان منطقة القبائل. يبدو أن هناك تكتما ظاهريا - لم يرد كامو أن تكون روايته عن الاستعمار بشكل صريح (الأمر الذي كفل كونها كذلك في أعين بعض القراء ، وهذه إحدى المفارقات). كتبها كوسيلة لإخفاء موقع الجزائر من التاريخ، كاستراتيجية للتمسك بالمسائل الميتافيزيقية المرتبطة بالعبث عوضا عن الاستعمار. يرمز إلى ذلك بقتل العربي، والذي يبدو كذريعة لمناقشة مسائل فلسفية يرتأى أنها أعلى جانب أكبر من الأهمية من جريمة القتل وضحيتها الذي لا اسم له.
يعارض أوبراين معلقين آخرين مثل روبرت زارتسكي وديفيد كارول، ويعتبرون أن إقصاء ميرسو عن المجتمع يجعله في منزلة عربي؛ ولذا بتجريده من إنسانيته يصبح ميرسو في النهاية هو ذلك الآخر، المقصى.
رغم ذلك، وصف كامو الفعلي للعرب في روايته هذه - وهي الأكثر شهرة له - وصف مشوش. لعل بإمكاننا الرجوع إلى خيبة أمله الشديدة من رفض فرنسا مشاركة قوتها وسلطتها مع عدد قليل من النخبة الجزائرية. قبل أن ينهي كامو روايته، أخفق مشروع قانون بلوم-فيوليت إخفاقا تاما، وإن صدر لحقق ذلك الهدف الشديد التواضع. يكمن خلف هذا الوصف الفاتر والمغفل للعرب حلم كامو المحطم، المتمثل في وضع مسار يقود نحو وجود فرنسي بالجزائر أكثر عدالة وإنصافا. في رواية «الغريب»، يقمع كامو أي مشكلة قد تكون لديه مع الاستعمار. وينتقد بعنف عددا كبيرا من القيم المجتمعية - الحب، والصداقة، والعمل، والعدالة - لكن ليس قمع العرب. الأمر كما لو أن كامو فقد الأمل في تلك المشكلة المحورية وقرر أن يقمعها. وفي أثناء ذلك يقر إقرارا غير مباشر بالنظام الاستعماري بإبقائه في الخلفية.
أسطورة سيزيف «أسطورة سيزيف» لكامو هي رسالة يتغير أسلوبها وموضوعها بتقدمك فيها. إنها نقاش لأفكار فلسفية، ووصف لأحاسيس؛ وأحيانا تقرأ كرثاء، وأحيانا كقصيدة غنائية. إنها وصف مفصل لطريقة عيش حياة عبثية، إنها هجوم ذكي على الذكاء. ولذا من الصعب تحديد ماهيتها على نحو قاطع.
يحذرنا كامو في ملاحظة استهلالية قصيرة: هذا النص لن يكون عن فلسفة العبث، بل عن شعور العبث. رغم ذلك، في العبارة الافتتاحية في المقال يكتب: «ثمة مشكلة فلسفية واحدة فقط هي المهمة بحق: إنها الانتحار»، واضعا نفسه مباشرة في ملكوت الفلسفة. يستعمل كامو تلك الافتتاحية ليعرفنا إحساسه بالعبث، الذي سيسود الجزء الأول من المقال. تنظر العبارة الافتتاحية إلى شخص يواجه إدراك أن الحياة تخلو من المعنى، اللهم إلا فيما يخص حتمية الموت. ألا يكون الانتحار - وهو قرار المرء في النهاية - هو التصرف الوحيد الذي في إمكان القدرة البشرية؟ يجيب كامو بالنفي؛ فالعبث هو نتيجة للمواجهة المزعجة بين بحث المرء عن المعنى وغياب المعنى في الحياة، وينصح قراءه بتقبل ذلك. وينبغي للمرء بإدراكه محدودية الحياة أن يعيش حياته إلى أقصاها؛ ومن ثم، يشكل الموت السابق لأوانه عن طريق الانتحار عائقا وليس حلا. ويقر كامو أنه لا يستطيع أن يعرف العبث في كلمات، لكن ينبغي له بالأحرى أن يحصي الأحاسيس التي تنطوي على العبث والمواقف التي تثيره: على سبيل المثال، عندما يحدق في صخرة، هذه «الغلظة، غرابة هذا العالم، ذاك هو العبث».
لا يفترض بأحاسيس العبث تلك أن تتبدد أو تتجاوز، ولا حتى أن تفسر. يهاجم كامو في «أسطورة سيزيف» فكرة المعرفة، والعلم، والتفسيرات من أي نوع. بعض أهم العبارات المعبرة في هذا المقال عبارة عن تأكيدات من جانب كامو: «المنطق أعمى»، «المنطق الكلي والشامل مثير للضحك». ويذهب كامو إلى التصريح بأنه ضد النظريات المفسرة لكل شيء، وأنه يعتنق ما يراه طلاقا غير قابل للصلح (بمنصوص كلامه) بين اللامعقول وبين رغبته في الجلاء والفهم. إن إرادة العبث الخاصة به هي قبول لإحساس العبث باعتباره نقطة بدء لعيش حياة عبثية. وفي الجزء الثاني من المقال، يستعرض كامو أمثلة على الحيوات العبثية الجديرة بالملاحظة ويمدحها.
الوعي بالعبث معتق؛ تلك هي أحد معتقدات كامو الرئيسية في «أسطورة سيزيف». وبرفضه إرساء نظام فكري، يعلن كامو عن أسلوب للحياة يتبعه الرجل العبثي (لا يوجد مثال واحد على امرأة عبثية)، يقدم وجهة النظر، والمثل العليا، والمهن المثلى المطلوبة. يكتب كامو الآن عن نفسه بصيغة المتكلم، باعتباره مثالا على الرجل العبثي: «العقائد التي تفسر كل شيء تجعلني غير مسئول، تجعلني أضعف: يجب على المرء أن يموت راضيا بفكرة الموت، لا بإرادته الحرة.» في الوقت نفسه، يقترح كامو أن تعيش الحياة لأقصاها لكن بصفتك فردا، لا بصفتك جزءا من جماعة: «لا أستطيع أن أعايش إلا حريتي.»
الرجل العبثي «يستمتع بالتحرر من القواعد العامة». كيف ذلك؟ في البداية، رجل العبث لا يبالي بالمستقبل، يعيش للحظة. لديه ولع بأن يأخذ كل ما يستطيع أخذه، وليس لديه إحساس راسخ بالقيم؛ لأن امتلاكه لها سيعطي معنى للحياة التي يعرف أنها بلا معنى. وبناء على ذلك، فإن حياة العبث تدور حول العيش أطول في مقابل العيش أفضل. يمثل كامو هذا التصريح بشخصية دون خوان: «إذا ما ترك دون خوان امرأة، فلا يعني هذا بالتأكيد أنه لم يعد يرغب فيها. فالمرأة الجميلة مرغوبة دائما. لكن كل ما هنالك أنه يرغب في أخرى. وشتان بين هذا وذاك ...» هنا يقدم كامو نفسه بوصفه شاهدا خبيرا ليبين بثقة شديدة دوافع دون خوان. هل كان كامو على شاكلة دون خوان يوما؟ تميل حياته الخاصة إلى تأكيد ذلك. فقد كانت له علاقات كثيرة، بعضها كان خلال زواجه الثاني. وبعد الحرب، عندما كان أصدقاؤه يأتون من خارج البلدة لزيارته، كانوا عادة ما يتصلون بفرانسين (زوجته) ليسألوها عن رقم عشيقته الحالية؛ لأن تلك كانت أفضل طريقة لإيجاده. كان ذلك يؤلم فرانسين بشدة، وأخبر كامو الجميع (بمن فيهم عشيقاته) كم يشعر بالذنب. ورغم ذلك ظلا معا حتى موته.
مثال آخر يخص ممثلي المسرح، الذين يصفهم بأنهم عبثيون من نوع خاص بسبب طبيعة عملهم العابرة. يطلع الممثل على دور تمثيلي، ويعيش حياة شخص آخر - عادة ما تكون بطولية - إلى أقصاها، وبعدها ينتقل إلى الحياة التالية، والدور التمثيلي التالي.
يخلع كامو على المحاربين، وأمثال دون خوان، والممثلين ثوب المثالية: كلهم يواجهون طبيعتهم، إنهم «أمراء بلا ممالك» - صدى لتشبيه بودلير للشاعر بالقطرس، «أمير السحاب». شبه كامو تلك النخبة، التي كان واحدا منها، ب «الخراف» - قطعان عادية، لا تعي العبث، ويخونها - على حد تعبيره - الرجال العبثيون.
صفحه نامشخص