وفوجئوا بالمدرس ينقبض وجهه ويقول: أنا لا أحب الكذب أبدا، وغير معقول أن كلكم عايزين تلعبوا. أنا أحب العلاقة بيننا يكون أساسها الصدق. اللي عايز يلعب من فضلكم يرفع إيده.
بدا الأمر جدا لا هزل فيه، إن المدرس يريد حقيقة أن يعرف رأيهم، وكان هذا غريبا؛ فهم لم يعتادوا أبدا أن يؤخذ رأيهم في شيء. إنهم منذ ولدوا وثمة قوى تدفعهم دفعا لا يعرفون إلى أين، ولا يسألهم أحد ماذا يحبون أو ماذا يكرهون. كل الناس تقول: هذا لمصلحتهم، ولا أحد يخطر له أن يسألهم عن رأيهم في مصلحتهم.
ونظر الطلبة بعضهم إلى بعض، وتولاهم شيء غير قليل من الاستهتار، ماذا يحدث؟ لقد سألهم رأيهم، فلماذا لا يقولون الحقيقة؟
وأنزل الطلبة كلهم أيديهم، كلهم ما عدا واحدا أو اثنين من هؤلاء الطلبة، الذين يقضون العمر خائفين من العقاب ومن احتمالاته، ولكنهم وجدوا الكل لا يريدون، أنزلوا أيديهم هم الآخرون خوفا من العقاب الطلبة لهم هذه المرة.
وعادت الابتسامة إلى وجه المدرس وقال: برافو! أهو كده، أنا أحب الصراحة.
برافو! لا بد أن ذلك المدرس مجنون أو به هفة. قال الطلبة هذا لأنفسهم وهم يحسون بفرحة غامرة وعيونهم تكاد تدمع. والحقيقة أن فرحتهم كان لها سبب آخر، كانوا وهم يتبادلون النظرات وينزلون أيديهم يرتعشون من الخوف؛ فقد كان كل منهم يعبر عن رغبته، وكان يحس أنه يرتكب إثما عظيما، فإذا بالمسألة لا جريمة فيها، وإذا بالارتباك يزول، وإذا بالفرح يعصف بهم؛ فقد استطاعوا آخر الأمر أن يقولوا شيئا، يقولوا لا ولا يشنقون، فلا بد أن المدرس مجنون ولا بد أن به لوثة.
وسكت المدرس قليلا، ثم عاد يقول: غريبة! إجماع رهيب على كره الرياضة. ليه؟ أمال بقية العلوم بتكرهوها ازاي؟
وتطوع أكثر من طالب بالإجابة والتفسير. وكانوا يتحدثون بنبرات لا اضطراب فيها ولا وجل. كانت ثمة ثقة قد ملأت صدورهم، وأحسوا ربما لأول مرة أنهم آدميون لهم الحق في الكلام.
واندفع ثلاثة طلبة أو أربعة يطلبون اللعب، كان ما يدفعهم في الحقيقة هو حماسهم للمدرس الشاب ذي الابتسامة، وليس رغبة في مزاولة اللعب.
وقال المدرس لبقية الطلبة وهو يضحك: افرنقعوا.
صفحه نامشخص