وقلنا: مدوا يا جماعة الوقت اتأخر.
واستجمعنا كل ما تبقى لنا من عافية وواصلنا المسير.
وفجأة لعلعت في الظلام قهقهة عالية، والتفتنا فوجدنا محمد هو الذي يضحك. ولما رآنا قد استدرنا إليه مضى يفتعل الضحك افتعالا، وينثني ويقوم ويضحك وهو يقول الجملة التي نقولها في بلدنا كثيرا حين يفلح واحد في خداع الآخرين وسبك الكذب عليهم، ويتطوع آخر الأمر بكشف نفسه: هيه، ضحكت عليكم، هيه، يا هبل ضحكت عليكم.
فسألناه: ضحكت علينا ازاي؟
قال: وانتوا صدقتوا؟
قلنا: إيه؟
قال: داني كنت بضحك عليكم؟ - تضحك علينا ازاي؟ - علشان أنتوا هبل. - يعني مش شفت المرة في المنصورة. - ولا عمري رحت المنصورة. - أنت كداب. - والنبي يا ولاد عمري ما شفت المنصورة بعيني. - أنت ابن ... - أنتوا اللي عبطا.
وهل علينا صمت ثقيل، رحنا في أثنائه نتلفت إلى أضواء المنصورة، وقد أصبحت قريبة نكاد نمد أيدينا فنقطفها، والحق أننا ما كنا نرى فيها أضواء ومدينة؛ كانت المنصورة كلها قد استحالت في نظرنا إلى امرأة مثل العجمية، تطل من بلكونة، ولها روب ولها ابتسامة، وتدعونا. ومضينا نتلفت إلى الأضواء، ونعود إلى محمد لنجده واقفا مائعا يصطنع الضحك ويسخر منا.
وقال واحد: دا بيضحك علينا يا ولاد. هو مش عايز يورينا المرة. دا بيضحك علينا يا ولاد، هو مش عايزنا نروح.
وتنبهنا. صحيح أنه يضحك علينا، وشخط محمد وقال: بضحك عليكو إيه يا حلاليف؟
صفحه نامشخص