وبعد أن انصرف الجميع جاء الزوج ليرقد بجوار زوجته على السرير وقد انتهى عهد الكنبة، وبكت الزوجة وشهقت من أجل هذا المجيء. وحين جاءت أنيسة كالعادة تتلصص لترقد بجوار الطفل تشبثت بها الأم، وظلت تعوي وتبكي وتتساقط دموعها على أنيسة التي أخذت هي الأخرى تنونو نونوات خافتات.
وهدهد الزوج، وغالت الأم، ثم كفت. ودار حديث؛ الأم تقول إن ابنها مات من الكبسة؛ فقد مكث أولاد أنيسة يوما بطوله بعد الميلاد تمت أثناءه عملية الكبس وطار الولد. والأب يقول أبدا، السبب مستشفيات الحكومة والإهمال. لو كان عندنا فلوس كنا رحنا لحكيم متخصص في الأطفال، السبب الفقر، الله يلعن أبو الفقر.
وجادلت الزوجة وبكت، وحينئذ قال الزوج: قسمة ونصيب هو المكتوب، الأعمار بيد الله.
وغالت الأم وجادلت، فقال الأب وقد تروحن: هو الحي الباقي، هو المعز المذل القادر، الأطفال لهم الجنة، ونحن لنا الجحيم. أجسامنا قد صنعت من المعاصي. لنا النار والعذاب ولهم الجنات والخلد. ليتنا متنا ونحن أطفال! ليتنا متنا وكنا ترابا!
وفي الصباح كان الأب جوعان، ولو كان الود وده لأكل، ولكن الأم رفضت أن تلمس الطعام حين ألح عليها، ولم يتناول هو الآخر الإفطار؛ إذ لا يصح أن يبدو أقل منها حزنا.
وحين عاد في الظهر كانت تبكي، وفي العصر تثاءبت ونامت، وفي المغرب كان عندها صداع. •••
ومرت أيام وأكلت الأم، ولكن الحياة لم تعد كما كانت. ظل البيت يسوده الوجوم، وتهب عليه نوبات نواح ذكرى الولد في الحديث العابر.
وكان الشتاء قد مضى، وبدأ الدفء يحل، وفوجئ الأب ذات ليلة بصوت أنيسة يلعلع في ظلام الشقة: داووود، داووود.
واستمر العواء أياما.
وبعد وفاة الولد كانت الأم تشكو من الصداع الذي ينتابها بين الحين والحين.
صفحه نامشخص