وانقلب سخطي عليه إلى سخرية، ونحن لا نترك فرصة للتنكيت إلا انتهزناها، فقلت: إيه، إنت بتقرا لي قفايا ولا إيه؟
ولم يضحك، وحسبت السبب أن النكتة لم تعجبه؛ لأني أنا شخصيا حين أعدت النظر فيها وجدتها نص نص، حسبت هذا لولا أنه قال: بالظبط، بالضبط كده، أهي دي الفلهوة بقى.
وخربت بيته في سري، وتركت عملية الحلاقة كلية، والتفت إلى هذا المخلوق القصير ذي الوجه الأحمر، إن لحسته قد زادت عن حدها كثيرا، وقلت له وأنا أهز رأسي كمن يهزه إلى مخرف كبير: يعني سيادتك بقى بتقرا القفوات؟
فقال: لا، مش قوي كده، يعني إلا دي، هي القفوات لا مؤاخذة فناجين ولا كوتشينة، الحكاية بالويم يعني.
فسألته ضاحكا: هيه، طيب، وإيه تاني في قفايا؟
فابتسم في تواضع وقال: يو هوه، حاجات كتير. مثلا يعني سيادتك مثلا عليك أعصابك، يعني لا مؤاخذة عصبي شوية، ومع كده ابن حلال يتكتم.
وخربت بيته مرة أخرى في سري؛ فقد كان ما قال صحيحا بعض الشيء.
وهنا التفت للصبي وقال: المراية يا ولد.
وحين عاد الولد بالمرآة تناولها منه بعد أن شتمه لتلكئه، ومسحها أولا بالفوطة، ثم أمسكها في وضع يسمح لي بأن أرى قفاي. وحركها وهو يقول: شوف سيادتك بقى، تعجبك التدريجة، كويسة؟ كويس كده؟
كان يقول هذا بصوت جاد وملامح متأملة، وهو يتطلع إلى رقبتي، ويرقب نتيجة عمله، كما لو يتأمل الفنان لوحة انتهى منها.
صفحه نامشخص