الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية
الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية
ناشر
دار الفكر العربي
ژانرها
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ... أما بعد:
فإن الفوز في السباق المعاصر بين الأمم يعتمد على قدرتها على تربية أبنائها تربية تنبع من عقيدتها وقيمها وتقي أبناءها من التلوث الفكري، وتتيح لهم حرية التفكير والتعبير والتطبيق في حدود النظم والقيم المرعية، وتستثمر أساليب العصر وتقانته في إطلاق طاقاتهم الإبداعية، وتكون أجيالا لا تقنع باستعياب المعاصر فقط، ولكنها تتطلع أيضًا إلى المستقبل لتسهم في صنعه.
ولقد آن الأوان لأن ننهل نحن المسلمين من تراثنا، ونكف عن اعتبار الفكر الأجنبي المصدر الأفضل لمسيرتنا التربوية؛ لأن هذا فيه ظلم للنفس شديد. فالأولى لنا أن ندرس تراثنا التربوي دراسة علمية ننطلق منها إلى إيجاد سياسة تعليمية خاصة بنا، ومناهج تستجيب لطموحاتنا وتحقق أهدافنا وتستجيب لآمالنا.
نحن في حاجة -أيضًا- إلى وقفة مع مناهجنا الدراسية بعد أن وصل الحال في أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف. وقفة نتجه فيها بصدق وعزم إلى المحافظة على هويتنا مع الأخذ بأسباب التقدم المعاصر. فنربي أبناءنا تربية إسلامية ونعلم أبناءنا لغتنا وتاريخنا وتراثنا وإسهامنا في الحضارة الإنسانية، وقفة نستعد فيها بالعلم والتقانة للإنطلاق الحضاري. فلم يحدث في التاريخ أن انطلق طير بأجنحة طير آخر، ولا نهضت أمة تجاهلت جذورها وتعلقت بفروع أمم أخرى.
ونقطة الانطلاق إلى هذه الوقفة، من وجهة نظر المؤلف، أن نخطط مناهجنا بناء على عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية مع الأخذ بالمعاصر النافع مهما كان مصدره، والعمل الجاد على مواكبة التقدم العلمي والثقافي المعاصر. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يوجه كل متخصص في مجال معين -وبخاصة العلوم الاجتماعية- هذا المجال، توجيهًا إسلاميا، وإذا كان بعضنا غير مؤهل التأهيل الكافي لهذه المهمة، فلا بأس من الاستعانة -بعد الله- بالزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية على إنجازها.
فهم ونحن جنود في ميدان تنشئة أجيال الأمة الإسلامية، ولا بأس من أن نتشاور بل نتتلمذ على بعضنا البعض. وكم طلب المؤلف من إخوته المتخصصين في العلوم الشرعية قراءة ما كان يكتب، فقرءوا -جزاهم الله خيرًا- برحابة
صدر وطيب خاطر، وشاورهم فأشاروا بسعادة، وناقشهم فكانوا سعداء بالاتفاق سعادتهم بالاختلاف. ولذلك فإن لهم من المؤلف جزيل الشكر والامتنان.
1 / 5
ويعتبر المؤلف كتابه هذا -إضافة إلى كتابيه: "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته" و"تطوير المناهج الدراسية"، محاولة صادقة على طريق توجيه المناهج الدراسية توجيهًا إسلاميا. فقد حاول المؤلف بناء ما ورد في هذه الكتب على تعاليم الدين الحنيف.
وبالنسبة لهذا الكتاب: قدم المؤلف في الباب الأول تعريفًا جديدًا لكل من التخطيط التربوي وتخطيط المناهج الدراسية، مراعيًا فيهما التوجيه الإسلامي للمناهج الدراسية، إضافة إلى أهم تطبيقات التخطيط التربوي المتعلقة بالمناهج.
وقدم في الباب الثاني اقتراحًا غير مسبوق بالأسس العامة لتخطيط المناهج، فتناول التربية الإسلامية في الفصل الثالث، وخصائص العلم وفق التصور الإسلامي في الفصل الرابع، والتوجيه الإسلامي للعلوم في الفصل الخامس والاتجاهات التربوية الحديثة في المناهج الدراسية في الفصل السادس، باعتبارها جميعًا أسسا عامة لتخطيط المناهج الدراسية.
وقدم المؤلف في الباب الثالث مصادر المنهج الدراسي وفق التوجيه الإسلامي:
فاستخلص من القرآن الكريم والسنة المطهرة خصائص المتعلم، ووظيفته في الحياة الدنيا في الفصل السابع، كما استخلص خصائص المجتمع في الفصل الثامن. وفي الفصل التاسع قدم الثقافة العلمية والتقانية باعتبارها من مصادر خبرات المنهج الدراسي، إضافة إلى المجال الدراسي نفسه.
وعالج في الباب الرابع الخطوات الإجرائية لتخطيط المنهج الدراسي على أساس المفهوم والأسس العامة والمصادر التي سبق تحديدها في الأبواب الثلاثة السابقة، كما حدد معوقات هذا التخطيط. ففي الفصل العاشر، تناول إعداد المنهج الدراسي، وفي الفصل الحادي عشر تناول تطبيق هذا المنهج. وفي الفصل الثاني عشر تناول المعوقات التي يمكن أن تواجه تخطيط المناهج الدراسية.
ويشير المؤلف إلى أنه قد يبدو تشابه بين ما جاء في الفصلين السابع والثامن في هذا الكتاب، والفصلين الثالث والرابع -على الترتيب- من كتابه "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته". إلا أن هذا التشابه في العناوين المعبرة عن الخصائص فقط. إذ إن التركيز في هذا الكتاب على اشتقاق خصائص كل من المتعلم والمجتمع من المصادر الأساسية للدين الحنيف، أما التركيز في الكتاب الآخر فعلى مهمات المناهج الدراسية في إيجاد هذه الخصائص وترسيخها لدى المتعلم.
1 / 6
كما يشير المؤلف إلى وجود تشابه بين الفصلين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الكتاب، والفصلين السادس والسابع على الترتيب من كتابه "تطوير المناهج الدراسية". ويرجع هذا التشابه إلى التقارب الكبير بين خطوات تطبيق المنهج المطور وخطوات تطبيق المنهج الجديد، وأن معوقات عملية التطوير هي نفسها -تقريبًا- معوقات عملية تخطيط المنهج الجديد.
والمؤلف يتوقع من إخوانه أن يعينوه -بعد الله ﷾ على تصويب ما هو في حاجة إلى تصويب، وتحسين ما هو في حاجة إلى ذلك في هذا الكتاب. ولهم منه -سلفًا- جزيل الشكر وخالص الدعاء.
والشكر والتقدير لكل من أعطاني من وقته وجهده أثناء إعداد مادة هذا الكتاب، وأخص بالذكر والشكر والامتنان زوجتي -أطال الله في عمرها- فقد قرأت مرارًا ونقدت وصوبت في إخلاص ودأب وحرص، أسهم في تجويد هذا الكتاب شكلًا ومضمونًا. أما ولداي فقد جادا بالوقت الذي ينبغي أن أخصصه لهما ليمكناني من الانتهاء من تأليف هذا الكتاب. فلهما مني جزيل شكري وخالص دعواتي بتوفيق الله.
كما أشكر وأقدر زملائي المتخصصين في العلوم الشرعية الذين لم يبخلوا بآرائهم ومشورتهم، والشكر والتقدير ممدود لكل من أعانني -بعد الله- على إنجاز هذا الكتاب.
وأولًا وآخرًا، الحمد لله والثناء عليه، ﷾، أن هداني إلى فكرة هذا الكتاب، ومنحني الصبر والجلد على تنفيذها، في أكثر من عشر سنين دأبًا، متتلمذا على القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومطلعًا على آراء الكاتبين المنشورة، ومشاورا للزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية وغيرهم، والكتابة -تراكميا- حتى وصلت إلى الإحساس بإمكان نشر ما كتبت.
وأسأله ﷾ أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه، وأن يثقل به ميزان حسناتي يوم القيامة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
تحريرا في ١٤١٧هـ-١٩٩٧م.
المؤلف
1 / 7
الفهرس العام:
٥ المقدمة
الباب الأول:
١٥ مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته
١٧ مقدمة الباب الأول
الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية
٢٣ مقدمة الفصل الأول
٢٤ أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم
٢٤ ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين
٢٩ ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي
٤٢ خاتمة الفصل الأول
٤٣ أهم مصادر الفصل الأول
الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية
٤٧ مقدمة الفصل الثاني
٤٨ أولًا: التخطيط للتربية الميدانية
٥٣ ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس
٥٥ ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا أو عاما دراسيا
٥٦ رابعًا: التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع
٥٧ خامسًا: التخطيط للعمل اليومي
٥٨ سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس
٧٦ سابعًا: التخطيط لحسن استثمار الفروق الفردية بين المتعلمين
1 / 9
٨٩ خاتمة الفصل الثاني
٩٠ أهم مصادر الفصل الثاني
٩٢ خاتمة الباب الأول
الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي
٩٧ مقدمة الباب الثاني
الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية
١٠١ مقدمة الفصل الثالث
١٠٢ أولًا: ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر
١٠٧ ثانيًا: ثابتة أصولها مرنة تطبيقاتها
١١٣ ثالثًا: تستهدف الحياتين: الدنيا والآخرة، في توازن واعتدال
١٢٠ رابعًا: تحث المسلم على العمل بقدر طاقته
١٣٤ خاتمة الفصل الثالث
١٢٥ أهم مصادر الفصل الثالث
الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي
١٢٩ مقدمة الفصل الرابع
١٣١ أولًا: العلم فريضة على كل مسلم
١٣٥ ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفذ
١٣٨ ثالثًا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة
١٤١ رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة
١٤٦ خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي
١٥٠ سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله، ﷾
١٥٣ خاتمة الفصل الرابع
١٥٤ أهم مصادر الفصل الرابع
1 / 10
الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم
١٥٧ مقدمة الفصل الخامس
١٥٩ أولًا: دوافع التوجيه الإسلامي للعلوم
١٦٢ ثانيًا: مفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم والمصطلح المناسب للتعبير عنه
١٦٨ ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه
١٧٥ خاتمة الفصل الخامس
١٧٦ أهم مصادر الفصل الخامس
الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة
١٨١ مقدمة الفصل السادس
١٨٢ أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة
١٨٣ ثانيًا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة
١٨٤ أ- في سياسة التعليم
١٨٧ ب- في تربية المعلم
٢٠٠ جـ- في المناهج الدراسية
٢١٢ خاتمة الفصل السادس
٢١٣ أهم مصادر الفصل السادس
٢١٥ خاتمة الباب الثاني
الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي
٢٢١ مقدمة الباب الثالث
الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم
٢٢٥ مقدمة الفصل السابع
٢٢٦ أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم
1 / 11
٢٣٤ ثالثا: أهم جوانب شخصية المتعلم
٢٤٩ ثالثًا: وظيفة المتعلم
٢٥٨ رابعًا: أهم خصائص نمو المتعلم
٢٦٧ خاتمة الفصل السابع
٢٦٨ أهم مصادر الفصل السابع
الفص الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم
٢٧٣ مقدمة الفصل الثامن
٢٧٤ أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد
٢٧٦ ثانيًا: الحكم بما أنزل الله على أساس الأخذ بالشورى، والالتزام بالعدل
٢٨١ ثالثًا: الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
٢٨٦ رابعًا: تكوين الأسرة المسلمة
٢٩٧ خامسًا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين
٣٠٧ سادسًا: متابعة الاجتهاد لتقديم حلول لما لم يرد فيه نص
٣١٠ سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله
٣١٤ ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع، والعمل على الارتقاء بالحياة فيه
٣١٩ خاتمة الفصل الثامن
٣٢٠ أهم مصادر الفصل الثامن
الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة العلمية والتقنية
٣٢٥ مقدمة الفصل التاسع
٣٢٥ أولًا: المجال الدراسي
٣٢٥ أ- أساسياته وتسلسله
٣٣١ ب- التطورات الحديثة فيه
٣٣٣ جـ- تطبيقاته
1 / 12
٣٣٦ د- التوجيه الإسلامي له
٣٣٨ هـ- إسهامات العلماء المسلمين فيه
٣٤٠ ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية
٣٤٨ خاتمة الفصل التاسع
٣٤٩ أهم مصادر الفصل التاسع
٣٥٠ خاتمة الباب الثالث
الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسي ومعوقاته
٣٥٥ مقدمة الباب الرابع
الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي
٣٦١ مقدمة الفصل العاشر
٣٦٢ أولًا: الإعداد للمهمة
٣٧٠ ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي
٣٧٦ ثالثًا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي
٤٠٢ رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس
٤٠٤ خامسًا: أهم أسس إعداد تقانة التعليم
٤٠٦ سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط
٤٠٨ سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي وأدواته
٤٠٩ ثامنًا: تقوم المنهج الذي تم إعداده
٤١٠ خاتمة الفصل العاشر
٤١١ أهم مصادر الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي
٤١٧ مقدمة الفصل الحادي عشر
٤١٧ أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني
1 / 13
٤٢٢ ثانيًا: إعداد متطلبات تطبيق المنهج الدراسي الجديد
٤٢٦ ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الدراسي الجديد
٤٢٨ رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى إعداد منهج دراسي جديد والتوعية بمتطلباته ومشكلاته
٤٣٠ خامسًا: تجريب المنهج الدراسي الجديد
٤٣٣ سادسًا: تعميم المنهج الدارسي الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير
٤٣٧ خاتمة الفصل الحادي عشر
٤٣٨ أهم مصادر الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي
٤٤٣ مقدمة الفصل الثاني عشر
٤٤٤ أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي
٤٤٥ ثانيًا: معوقات خاصة بالقصور في الجوانب الفنية لعملية تخطيط المنهج الدراسي
٤٤٨ ثالثًا: معقوقات خاصة بالقائمين بعملية التخطيط
٤٥١ رابعًا: معوقات خاصة بالنواحي الإدارية
٤٥٥ خامسًا: معوقات خاصة بالمجتمع
٤٥٨ سادسًا: معوقات سياسية
٤٥٩ سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة
٤٦٠ ثامنًا: معوقات في الاعتمادات المالية
٤٦٢ خاتمة الفصل الثاني عشر
٤٦٣ أهم مصادر الفصل الثاني عشر
٤٦٥ خاتمة الباب الرابع
٤٦٧ خاتمة الكتاب
1 / 14
الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها
مقدمة الباب الأول:
التخطيط على اختلاف أنواعه ومجالاته سمة عصرية بحيث صار يغشي حياتنا كلها، بل أصبح مفتاح التقدم والرفاه، ولم يعد ممكنا تحقيق أي هدف دون تخطيط مسبق لذلك.
كما أصبح الوفاء بحاجات المجتمعات والارتقاء بالحياة فيها، واستشراف مسيرتها المستقبلية يعقد -بالدرجة الأولى- على الاستقصاء والتخطيط. فالزيادة في أعداد السكان وما يتطلبه هذا من مواكبة في خدمات التعليم والصحة، وزيادة فرص العمل في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، والوفاء بمتطلبات العصر من حيث سرعة الاتصال والانتقال والعمل على الاقتصاد في الجهد والترشيد في الإنفاق، والتنافس بين مختلف الدول للفوز في حلبة السباق العلمي والتقني، وفي الإنتاج الكمي والتحكم في نوعيته، وفي غزو الفضاء واستثماره. كل هذا وغيره لا يمكن أن يتم بالكفاية المطلوبة، دون تخطيط مسبق على أسس علمية.
وكذلك الحال بالنسبة للأفراد. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يوجه رب الأسرة ميزانيته توجيها سليما دون أن يعتمد على التخطيط، ولا يمكن أن يدخل طبيب إلى حجرة العمليات دون إعداد صورة كاملة عن المريض، من حيث حالة قلبه وفصيلة دمه، والأمراض التي أصيب بها وغير ذلك ما يمكن أن يؤثر على مجريات العملية بصورة أو بأخرى، ودون استحضار خطوات العملية في ذهنه وفق أسس الجراحة السليمة، ودون تحضير الأجهزة والأدوات والآلات التي سوف يستخدمها. ولا يمكن أن يبني مهندس جسرًا دون دراسة الأحمال التي سوف تمر من فوقه، وتحمل التربة التي سوف ترتكز قواعده عليها، وأنسب المواد التي سوف تستخدم في بنائه، إضافة إلى تخطيط كامل لتنفيذ عملية البناء وفق الأسس المرعية.
هكذا الأمر بالنسبة لزملائنا الموجهين التربويين والمختصين في المناهج والمدرسين، وأبنائنا الطلاب وغيرهم من العاملين في ميدان التدريس. فلا يمكن أن ينجح أحدهما في عمله دون التزود بمعلومات كافية عن أساليب التخطيط التي تساعده على تنفيذ عمله بصورة سليمة، وعلى تجويده بصورة كفية.
وعلى وجه العموم، لم يعش الإنسان على هذه الأرض قط بدون هدف. فعندما كانت تنحصر أهدافه يومًا في الوفاء بحاجاته الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس فإنه كان يتخذ من التدابير ما يساعده على الوفاء بهذه الحاجات، وعندما كان يفكر في اختيار التدابير، ويفاضل بينها كان يقوم بعملية تخطيط، وحين كان ينفذ التدابير فإنه ينفذ الخطة التي أعدها.
1 / 17
ولنا في قصة يوسف ﵇ مثل آخر في التخطيط: فحين أشار بأن يزرعوا سبع سنين دأبًا، وأن يدعوا القمح في سنبله، فإنه كان -بذلك- يخطط لدرء أخطار المجاعة القادمة بعد سنين عدة. وقد استخدم علمه وخبرته اللذين وهبهما الله له حين فسر السبع بقرات السمان؛ بأنها ترمز إلى السبع سنوات الراغدات، وحين فسر السبع بقرات العجاف بأنها ترمز إلى السبع سنوات الجادبات. كما استخدم علمه وخبرته بأساليب تخزين القمح حين أشار بأن يدعوا القمح في سنبله؛ لأن ذلك أدعى إلى سلامة حبوب القمح في المخازن.
ولنا في الإعداد لغزوات رسول الله ﷺ وهجرته أمثله أخرى. فإذا نظرنا إلى هجرة الرسول ﵊، نجد الآتي:
أن الهدف هو خروج الرسول ﵊ من مكة ووصوله إلى المدينة بسلام بإذن الله. وكانت السرية، وقلة عدد المصاحبين للرسول، والتمويه بعدم خروجه من بيته، وعدم حمل ما يثقل الكاهل ويوحي بالسفر، وتنظيم وصول الطعام، وشغل منام الرسول بشخص آخر، جزءا من السياسة التي اتبعت لتحقيق الهدف.
وكان اختيار شخص آخر لينام في مكان الرسول ﷺ وتنظيم وصول الطعام إلى الرسول وصاحبه بواسطة شخص موثوق فيه، واختيار دليل بذاته وسبقه بالراحلتين، من الإجراءات التي اتخذت لبلوغ الهدف.
وكان اختيار علي لينام مكان رسول الله ﷺ وابنة الصديق لتحمل الطعام إلى الرسول وصاحبه، واختيار دليل ماهر، واللجوء إلى غار ثور في الوقت المناسب، استثمارًا جيدا للإمكانات البشرية والمادية المتاحة.
وبتقويم هذا الموقف نجد أن السياسية الحكيمة التي رسمت، والإجراءات السليمة التي نفذت، والاختيار الموفق للعناصر البشري والمادية، قد أدت إلى الوصول إلى الهدف، وهو هجرة الرسول وصاحبه بسلام من مكة إلى المدينة في أمان.
أما الغزوات فكانت تعتمد على سياسات: السرية والشورى واختيار المكان المناسب، وإعداد المجاهدين معنويا وماديا، واستطلاع قوة المشركين، وغير ذلك مما يحقق هذا الانتصار لدين الله.
وكان من بين الإجراءات اختيار القادة، وتوزيع المجاهدين على المواقع، وتنظيم طرق إخلاء الجرحى، وغير ذلك مما يساعد على تحقق الهدف.
1 / 18
وكان من بين أساليب توفير الإمكانات إعداد الخيول، وتجهيز الأسلحة من سيوف ودروع وحراب وخلافه، وتوفير التغذية، وتحضير الأدوية لعلاج الجرحى وإخلاء الموتى من أرض المعركة، وغير ذلك مما يسهم في تحقيق الانتصار على المشركين.
ومجالات التخطيط كثيرة، منها: التخطيط للتنمية الاقتصادية، والتخطيط للتنمية الاجتماعية، والتخطيط للتنمية الثقافية، والتخطيط للتنمية السياحية، والتخطيط التربوي، وغير ذلمك من المجالات.
ولكن سوف تقتصر معالجتنا للتخطيط في هذا الباب على تخطيط المناهج ومجالاته المتعلقة بها، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية.
الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية.
1 / 19
الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية
مقدمة الفصل الأول
...
مقدمة الفصل الأول:
يمكن التعبير عن النموذج العام لعناصر عملية التخطيط في الشكل التالي:
الشكل رقم ١ أهم عناصر عملية التخطيط
وكما هو موضح بالشكل رقم ١ فإن من أهم عناصر الخطة ما يلي:
- تحديد الأهداف التي يرجى تحقيقها.
- وضع السياسات والنظم والإجراءات التي سوف توجه الأعمال بالخطة، وتحديد المراحل والعلاقات بين العناصر المشتركة في عملية التخطيط.
- حصر الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف سواء كانت هذه الإمكانات مادية أو بشرية، وإعدادها للتنفيذ.
- تحديد الخطوات الإجرائية للتنفيذ والمتابعة والتقويم وإعداد ما يتعلق بها.
ويتضح -أيضًا- من الشكل أن عناصر الخطة ليست منفصلة، ولكنها تشكل نظامًا عناصره متكاملة ومتفاعلة فيما بينها، ويؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به.
والآن ننتقل إلى تحديد مفهوم التخطيط -عمومًا- وأهميته ثم نحدد مفهوم تخطيط المنهج الدراسي وذلك، على النحو التالي:
أولًا: مفهوم التخطيط على وجه العموم.
ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين.
ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي.
1 / 23
أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم
تعني كلمة "التخطيط" لغة "التسطير" أو "التهذيب".
نقول: خططت عليه ذنوبه أي: سطرت عليه ذنوبه.
و"خط القلم" تعني "كتب القلم" و"خط الشيء" تعني "كتبه بقلم أو غيره".
و"الخط" يعني "الطريق" ويقال: الزم ذلك الخط ولا تظلم عنه شيئًا.
مما سبق، يمكن أن نستنتج أن "عملية التخطيط تعني تحرير وتهذيب طريق العمل" "١١، ١١٩٨"*.
هذا المعنى اللغوي يعبر باختصار وعمومية عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط إذ يمكن التعبير عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط بأنه:
إعداد خبرات وسياسات ونظم وأدوات وإجراءات محددة لتحقيق أهداف معينة بأفضل ما يمكن، أو أنه مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ لإنفاذ هدف معين "٣، ١٨" أو أنه هندسة التنفيذ لبلوغ هدف محدد.
_________
* يعبر العدد الأول من هذا الزوج المرتب عن رقم المصدر في قائمة مصادر هذا الفصل، أما العدد الثاني فيعبر عن رقم الصفحة في المصدر نفسه.
ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين أ- مفهوم التخطيط للتدريس: لا يخرج مفهوم التخطيط للتدريس عن مفهوم التخطيط بوجه عام، إلا أنه يتعلق بالنشاط التدريسي سواء من جانب المعلم أو غيره من الأطراف المعنية بعملية التدريس، مثل الموجه ومدير المدرسة وغيرها. ويمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "مقترحات لبلوغ أهداف تربويه مرغوب فيها"، وأن الخطة هي: "إطار للموقف التدريسي التعليمي" أي: إنها عملية تدريس مقترحة، تشمل الهدف المراد تحقيقه والأشياء المقترح فعلها لتحقيقه، ومتطلبات اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. "١٢، ١٩٧". ويرى المؤلف أنه يمكن النظر إلى "التخطيط للتدريس" بأنه:
ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين أ- مفهوم التخطيط للتدريس: لا يخرج مفهوم التخطيط للتدريس عن مفهوم التخطيط بوجه عام، إلا أنه يتعلق بالنشاط التدريسي سواء من جانب المعلم أو غيره من الأطراف المعنية بعملية التدريس، مثل الموجه ومدير المدرسة وغيرها. ويمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "مقترحات لبلوغ أهداف تربويه مرغوب فيها"، وأن الخطة هي: "إطار للموقف التدريسي التعليمي" أي: إنها عملية تدريس مقترحة، تشمل الهدف المراد تحقيقه والأشياء المقترح فعلها لتحقيقه، ومتطلبات اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. "١٢، ١٩٧". ويرى المؤلف أنه يمكن النظر إلى "التخطيط للتدريس" بأنه:
1 / 24
وصف إجرائي لأفضل الفعاليات والوسائل والأدوات والمواد والأنشطة التي سوف تستخدم لتحقيق أهداف تدريسية وكيفية توظيفها وإعدادها.
كما يمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "إعداد مرشد لتنفيذ أمر تعليمي" أو "تحديد مقترحات لتحقيق هدف تعليمي". ومن ثم فإن التخطيط يعطي فرصة للتفكير في أفضل الطرق والأساليب التي يمكن توظيفها لمساعدة التلاميذ في تحقيق أهداف محددة، مستثمرا في ذلك مختلف الإمكانات المتاحة.
وهذا لا يعني أننا نستبعد أي تغيير فوري يرى إجراؤه أثناء التدريس. فمع قناعتنا بالأهمية البالغة للتخطيط للتدريس، فإننا ندرك أن مواقف التدريس ليست من البساطة واليسر بحيث لا يستطيع المعني بها -مهما أوتي من علم وخبرة- أن يستقرئ جميع أحداثها التي سوف تقع أثناء التنفيذ. لذلك فإن القدرة على تكييف التدريس لاستيعاب المتغيرات التي قد تظهر أثناء تطبيق الخطة، من أهم المهارات التخطيطية التي ينبغي أن يكتسبها القائمون على تنفيذ عملية التدريس، ومنهم المعلم.
ولكن المهارة في مواجهة المتغيرات آنفة الذكر تذكيها الدربة على التخطيط للتدريس. فالتخطيط يساعد على اكتساب المرونة اللازمة للتفاعل مع هذه المتغيرات، والإحساس بموقعها النسبي في الموقف التدريسي، والاستثمار الأمثل لوجودها. ومن أجل هذه المتغيرات ينبغي أن تتسم خطط التدريس بالمرونة.
وتتفق معاني "التخطيط للتدريس" -السابق ذكرها- في أنه ينبغي تحديد ما يلي:
١- أهداف معينة لكل موقف تدريسي.
٢- الإمكانات البشرية والمادية والمعرفية التي سوف يتم توظيفها لتحقيق هذه الأهداف مثل خصائص التلاميذ، ومتطلبات الأنشطة التعليمية، وتقنيات التربية ووسائلها، والمعرفة ومصادرها.
٣- الطرائق التي سوف تتبع في عملية التدريس.
٤- الأساليب التي سوف تستخدم في تقويم مخرجات الخطة بناء على أهدافها.
٥- الوقت الذي يمكن أن تستغرقه مختلف الأنشطة التدريسية.
ب- أهمية دراسة التخطيط بالنسبة للمعلمين:
ترجع أهمية "دراسة التخطيط للتدريس"، بالنسبة للمعلمين في مرحلة إعدادهم وأثناء ممارستهم للمهنة إلى عوامل كثيرة، أهمها:
1 / 25
١- يساعد التخطيط المعلمين في مرحلتي الإعداد والممارسة على الوعي بالأهداف التربوية المراد تحقيقها، وعلى اكتساب المهارة في اشتقاق أهداف أخرى وتحليلها تحليلا إجرائيا. ورسم الصورة السلوكية المطلوبة لتحقيق كل هدف. كما يساعدهم على اكتساب المهارة في صياغة الأهداف بلغة دقيقة تجيد تحديد هذه الصورة.
٢- يساعد التخطيط المعلم عل الإلمام بمكونات الموقف التعليمي، والعوامل المؤثرة فيه، ورسم خطة لتوظيف كل منها التوظيف الأمثل، والتنسيق بينها للوصول إلى التناغم المطلوب وإلى ترشيد الجهد المبذول، وتحقيق الكفاءة في الأداء.
٣- يساعد التخطيط المعلم على اكتساب المهارة في وضع النظم والسياسات، وتحديد الإجراءات التي سوف تتبع في تنفيذ الموقف التعليمي، بما يحقق أهدافه الخاصة، إضافة إلى تحقيق الأهداف التربوية العامة. كما يساعد على إحداث التناسق بين جوانب العملية التعليمية والتناغم بين عناصرها.
٤- يمكن التخطيط المعلم من اختيار الخبرات المناسبة وإعدادها، واستحضار الإمكانات المادية اللازمة وتجهيزها للتنفيذ. وذلك بناء على حاجات الموقف التعليمي ومتطلبات تحقيق أهدافه بكفاية. والتدريب على استخدام الأجهزة والأدوات التي سوف تستخدم في عملية التنفيذ.
٥- تساعد عملية التخطيط المعلم على رسم سياسة التقويم والمتابعة، وإعداد المواقف والأدوات اللازمة لها، والتدرب على تطبيقها واستخراج النتائج منها، ومن ثم إعداد أساليب وطرائق التدريس الوقائي، والعلاجي التي تتبين الحاجة إليها.
٦- قد يصعب على كل من طالب التربية الميدانية أو المعلم الجديد تذكر بعض المعلومات التي يرغب تقديمها للتلاميذ، أو الطرق التي هيأ نفسه لاستخدامها أو غير ذلك من عناصر خطة الدرس. في هذا الحال يستطيع الاستعانة بالخطة التي أعدها في استعادة ما نسيه إلى الذاكرة.
كما يلاحظ أن كثيرًا من الطلاب، يرتبكون في الدروس الأولى من التربية الميدانية نتيجة لجدة الموقف والتوتر الذي يعتريهم. وقد يحدث هذا نتيجة لمشكلة سلوكية بسيطة يحدثها أحد تلاميذ الفصل، وقد ينسى الطالب المتدرب أو المعلم الجديد ترتيب بعض المعلومات أو إجابة سؤال أحد
1 / 26
التلاميذ؛ لأنه لم يأت في موضعه المناسب من سير الدرس. في مثل هذه الحالات تكون خطة الدرس هي صمام الأمان.
٧- التوازن المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس وفي تغطية جوانبه، لا يمكن أن يتحقق دون تخطيط مسبق، وخاصة بالنسبة للطالب المتدرب والمعلم الجديد. ففي درس عن الزكاة. قد يحتاج توضيح معنى الزكاة والحكمة منها، وأثرها في التكافل الاجتماعي بين المسلمين وقتا أطول من الوقت المطلوب عن ذكر أحكامها، ومع ذلك فإن الخطأ الشائع بين المعلمين هو المرور العابر على الجزء الأول لحساب الجزء الثاني. هذا التوازن والتكافؤ المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس، أساسه التخطيط الجيد لتدريس الدرس، وبالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن أن يؤتي التدريس ثماره ما لم يتهيأ التلاميذ للاشتراك فيه، وما لم يستقطبوا بطريقة العرض، وما لم يندمجوا في أنشطته، وما لم يوزع المعلم الوقت توزيعًا متوازنًا بين مختلف النشاطات التدريسة. مثل المقدمة والعرض والتقويم. وكل هذا لا يتحقق بدون إعداد خطة جيدة لتدريس الدرس.
٨- التخطيط للتدريس يساعد المعلم على اكتساب المهارات التدريسية المختلفة، فمواقف التدريس داخل حجرة الدراسة تحتاج من المعلم إلى قدرات خاصة ومهارات متعددة. فضبط النظام داخل الفصل، والاحتفاظ بانتباه كل تلميذ، ومنحه فرصة لتحقيق ذاته بغض النظر عن مستوى تحصيله، وتنمية قدرات التلاميذ وميولهم، وجعلهم يقدرون المعلم ويحبون المادة التي يقوم بتدريسها، والمهارة في عرض الوسيلة التعليمية، واختيار الوقت المناسب لاستخدامها أثناء سير الدرس، جميع هذه المهارات التدريسية وغيرها كثير مما ينبغي أن يكتسبه المعلم، يساعد "التخطيط للتدريس" المعلم على اكتسابها.
٩- الثقة في النفس من أهم معطيات "التخطيط للتدريس"، هي -أيضًا- من أهم عوامل نجاح المعلم، وخاصة المعلم الجديد، فضلًا عن الطالب المتدرب. فكل من الطالب المتدرب والمعلم الجديد قد يقدم رجلًا ويؤخر أخرى وهو يتجه إلى تدريس الدروس الأولى في برامج التربية الميدانية بالنسبة للطالب، وفي بداية حياته المهنية بالنسبة للمعلم. وكذلك الأمر بالنسبة للمعلم ذي الخبرة الطويلة بالتدريس حين يدرس مقررًا جديدا لم
1 / 27
يسبق له تدريسه، ولكن بدرجة أقل نسبيا. لذلك، فإن كلا من هؤلاء قد يواجه الفشل في درسه مع أول مشكلة تواجهه أثناء الدرس. وكثير منا يذكر من بين معلميه من فقد صوابه لمشكلة تافهة أحدثها أحد التلاميذ، أو من أصبح غير قادر على متابعة تدريس الدرس، أو من استقطبه تلميذ في مناقشة طويلة ربما بعيدة عن موضوع الدرس. كل هذا وغيره كثير يمكن أن يحدث ما لم يكن المعلم قد خطط للتدريس تخطيطًا جيدًا.
فالتخطيط للتدريس يبعث في المعلم الثقة في معلوماته وفي قدرته على تقديمها، ويساعده على اكتساب المهارات اللازمة لتوجيه النشاط في الدرس نحو تحقيق أهدافه، ويكون لديه الوعي الكافي بالأهداف السلوكية التي ينبغي أن يحققها تلاميذه، ومن ثم يلتزم بها في تدريسه.
باختصار، فإن "التخطيط للتدريس" يجعل المعلم مدركًا -قبل دخوله للتدريس- لما يهدف إليه من تغير يود إحداثه في تلاميذه، ولما يمكن عمله في الفصل لإحداثه. وبعد التدريس يمكن "التخطيط للتدريس" المعلم من التقويم الذاتي فيما استطاع تحقيقه وما لم يستطع، وهذا هو سنام عملية التدريس ومصدر ثقة المعلم في نفسه.
١٠- يدفع التخطيط كلا من المعلم وغيره ممن يعدون أنفسهم للإسهام في عملية التدريس إلى إثراء حصيلتهم في مادة تخصصهم. فعند التخطيط للتدريس لا بد من أن يطلع من يقوم بالتخطيط على مصادر متعددة مستوياتها، متنوعة طرائق العرض فيها، مختلفة اهتمامات مؤلفيها، كأن يكون بينها ما يعنى بالتطبيقات في الحياة اليومية، وما يعنى بالمفاهيم، وما هو في مستوى الطالب، وما هو في مستوى المعلم، وما يركز على حاجات الطالب، وما يركز على المادة الدراسية وما فيها من تطورات معاصرة، وما يعنى بالتطبيقات في المواد الدراسية الأخرى، وما يركز على تقنية التعليم، وما يركز على النشاطات التربوية، وما يركز على تقويم التحصيل، وغير ذلك مما يدعم حصيلة المعلم ويثريها.
ولا تزال هناك أسباب كثيرة -لا يتسع المجال لذكرها هنا- تدعو المعلم للاهتمام بالتخطيط للتدريس. فالتخطيط الجيد منصة انطلاق لأداء جيد.
1 / 28
ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي
يكتسب المنهج الدراسي أهمية كبيرة في العملية التعليمية، فهو الوعاء الخبري الذي ينهل منه المتعلمون، وهو مجال نشاط المعلمين الذي به يتواصلون مع طلابهم، وهو الميدان الذي يجمع في ساحته كلا من المتعلمين والمعلمين والمديرين والموجهين ومختلف العاملين في المدرسة. فهؤلاء جميعًا تتكامل جهودهم في تطبيق المنهج الدراسي، وتقويمه ومتابعته وتطويره لكي يظل مواكبًا لتحقيق الأهداف المرجوة في عالم سريع التغير، وهو الإطار الذي يجمع المدرسة والمجتمع.
ومع معدلات التغير المتسارعة في مختلف جوانب الحياة، ومع الخبرات الجديدة المتدفقة من مراكز البحث العلمي، ومع التقدم التقني الذي يلف أعناق عالمنا، ومع السباق المحموم بين الأمم في استثمار طاقاتها البشرية والمادية، ومع ارتفاع الطلب على الأدمفة المفكرة المبدعة المنتجة للمعرفة المنتجية للمعرفة المكتشفة للجديد، السباقة في اسشراف المستقبل، تصبح هموم المناهج الدراسية ثقالًا، وقد أصبح عليها أن تواكب هذا كله وصولا إلى تكوين الفرد المعاصر.
ويصبح الكثير من التساؤلات التي تدور في أذهان مخططي المناهج صبعة الإجابة، فماذا يأخذون من مجالات الخبرات وماذا يدعون؟ وبماذا يبدءون وبماذا ينتهون؟ وماذا يتخيرون من الخبرات وماذا يتركون؟ بل، كيف يخططون المناهج؟ هل يخططونها بناء على معطيات الماضي أم بناء على معطيات الحاضر؟ ومع هذا التسارع في التغير، أليس المستقبل أساسا من أسس هذا التخطيط؟ وما الحدود الفاصلة بين اعتبارات كل من الماضي والحاضر والمستقبل في عملية تخطيط المناهج؟ وما أسس هذا التخطيط؟ وما مصادر خبرات المناهج في هذا الخضم الهائل؟ وما مفهوم المنهج الذي على أساسه تتم عملية تخطيطه؟ وما مكوناته؟ كثيرة هي الأسئلة التي تتوارد على الخاطر -اليوم- عند التفكير في تخطيط المناهج. وكثيرة هي العوامل التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند تنفيذها.
ولكننا سوف نتناول هنا باختصار مفهوم تخطيط المنهج الدراسي تاركين للفصول التالية الإجالة على بقية الأسئلة. ولكي نتناول مفهوم تخطيط المنهج لا بد من أن نحدد سمتين من سمات المنهج الدراسي، هما منطلق تخطيطه: الأولى هي مفهوم المنهج الدراسي، والثانية هي المكونات أو العناصر التي يتكون منها هذا المنهج. فكل من المفهوم والمكونات يؤثر تأثيرًا جوهريا على تخطيطه. فإذا تصورنا أن المنهج يعني فقط المعلومات التي سوف يتعلمها التلميذ فإن تخطيطه سوف يهتم
1 / 29
بهذه المعلومات فقط، وبطبيعة الحال، فإن الأمر سوف يختلف إذا ما كان المنهج يعني غير ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لمكونات المنهج أو عناصره، فإذا تصورنا أن المنهج يتكون من عنصر واحد. فإن جهد مخططي المناهج سوف ينصرف إلى تكوين هذا العنصر، وإذا كان المنهج يتكون من عنصرين أو ثلاثة. فإن المخطط سوف يعمل على تكوين هذه العناصر جميعًا.
بناء عليه، فإننا سوف نتناول ما يلي في بقية هذا الفصل:
أ- مفهوم المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية.
ب- مكونات المنهج الدراسي، على وجه العموم.
جـ- مفهوم تخطيط المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية.
أ- مفهوم المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية:
إن من يطلع على الكتابات في المناهج يجد مفهوم المنهج الدراسي -على وجه العموم- يتأرجح بين معنيين:
الأول: يشار إليه بالمعنى الضيق أو التقليدي أو القديم.. إلى غير ذلك من الصفات التي تأتي ألفاظها بالمعنى ذاته، والثاني يشار إليه بالمعنى الواسع أو التقدمي أو الحديث إلى غير ذلك من الصفات التي تأتي أيضًا بالمعنى ذاته.
ويذكر الكاتبون مع ما قد يكون من اختلاف في الألفاظ دون اختلاف في المعنى أن المنهج الدراسي بالمعنى الضيق، يعني: المواد الدراسية أو المقررات أو المعلومات التي تقدمها المدرسة لطلابها بقصد استيعابها وصولا إلى تحقيق أهدافها.
كما يذكرون -مع ما قد يكون من اختلاف في الألفاظ دون اختلاف كبير في المعنى- أن المنهج الدراسي بالمعنى الواسع أو الحديث يعني: جميع الخبرات التي تعدها المدرسة ليكتسبها الطلاب تحت إشرافها وصولًا إلى تحقيق أهدافها.
وحيث إن مفهوم المنهج الدراسي يعتمد على مفهوم الخبرة، فإن المؤلف سوف يوضح -أولًا- مفهوم الخبرة ومصادرها قبل تحديد مفهوم المنهج الدراسي.
1 / 30