منه نبي أو رسول ولم يسلم منه شيء من كلامهم أو حديثهم او تلاوتهم على ما يزعمون «ما هكذا تورد يا سعد الإبل» أفلا صدهم من ذلك اقلا ان سورة الحج مدنية امر فيها بالأذان بالحج 27 واذن فيها بالقتال 40 وأمر فيها بالجهاد 77 ولم يكن هذا الأمر وهذا الاذن إلا بعد الهجرة بأعوام. وإن الذي بين ذلك وبين الوقت الذي يجعلونه لخرافة الغرانيق وخرافة نزول الآية هذه في ليلتها يكون اكثر من عشرة أعوام وقد ذكر شيء من الكلام في ذلك في الجزء الأول من كتاب الهدى صفحة 123 129 فلا بأس بمراجعته
ومن ذلك ان جملة من المفسرين والقراء يترددون في الوقف على بعض الكلمات لترددهم في ارتباطها بما بعدها أو بما قبلها. فلم يراعوا في ذلك مناسبات الكلام وجودته والحاجة إلى التقدير او حسنه ... ومن ذلك كلمة «فيه» من قوله تعالى في أول سورة البقرة ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) زعما منهم انها تكون خبرا مقدما لقوله تعالى ( هدى للمتقين ) ويقدرون مثلها لقوله تعالى ( لا ريب ) مع ان الوقف على لا ريب يجعل الكلام قلقا مبتورا بنحو لا يجدي فيه التقدير. ومع انه لا حاجة لجعل الظرف خبرا مقدما لهدى وجملته تكون خبرا ثانيا لذلك الكتاب. فإن كلمة هدى هي بنفسها تكون خبرا ... وهذا هو الأنسب بكرامة الكتاب المجيد فقد قال الله انه ( هدى ورحمة ) كما في الأعراف 50 والنحل 66 و91 وغير ذلك وإن القرآن ( هدى وبشرى للمؤمنين ) و ( هدى للناس ) و ( هدى ورحمة للمؤمنين ) و ( للذين آمنوا هدى وشفاء ) كما في سورة البقرة 91 و181 والنمل 29 وحم السجدة 44
ومن ذلك كلمة «هذا» من قوله تعالى في سورة (يس) من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن. فكأنهم لا يلتفتون إلى أن المقام غني عن وصف المرقد باسم الإشارة حتى للإيضاح لأنهم يقولون ذلك عند خروجهم من الأجداث ومراقد القبور. وان إخراج اسم الإشارة عن كونه مبتدءا وما وعدنا خبره ليخرج الكلام عن الانتظام ويجعل صورته الحسنى مشوشة هي للنفي اقرب منها للاثبات وهو ضد المعنى الذي سيقت لبيانه الآية. هذا وأما الذين تهاجموا بآرائهم على تفسير القرآن بما يسمونه تفسير الباطن ركونا بآرائهم إلى مزاعم المكاشفة والوصول ونزعات التفلسف أو التجدد أو حب الانفراد والشهرة بالقول الجديد وإن كان فيها ما فيها فقد آثروا متاهة الرأي على النهج السوي عن أصول العلم وفارقوه من أول خطوة
صفحه ۴۷