60

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

ویراست

الثانية

سال انتشار

۱۳۹۸ ه.ق

والفسطاط تقوم المناظرات بين أصحاب الاتجاهات المختلفة من الفقهاء، وحيثما سار الفقيه وجد من يناظره.

ولم تقتصر المناظرات على المشافهات بينهم بل تجاوزتها إلى المكاتبات والرسائل، فمالك يبلغه أن الليث بن سعد في مصر يفتى بغير ما عليه أهل المدينة التي إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن الكريم، فيكتب إليه ويرد عليه الليث رداً يفيض بالإخلاص، ونفاذ الفكرة في فهم الفقه، وتتبع الأثر.

ولنثبت رسالة الليث(١)، لأنها تكشف عن الاتجاه الفقهي في ذلك العصر، وهي جامعة بين فقه الرأي والحديث جمعاً متناسباً، وها هي ذي، كما جاءت في إعلام الموقعين لابن القيم(٢):

سلام عليك. فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد عافانا الله وإياك، وحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة.

قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني، فأدام الله ذلك لكم، وأتمه بالعون على شكره، والزيادة من إحسانه، وذكرت نظرك في الكتب التي بعثت بها إليك. وإقامتك إياها، وختمك عليها بخاتمك وقد أتتنا فجزاك الله عما قدمت منها خيراً، فإنها كتب انتهت إلينا عنك، فأحببت أن أبلغ حقيقتها بنظرك فيها، وذكرت أنه قد أنشطك ما كتبت إليك فيه من تقديم ما آتاني عنك، إلى ابتدائي بالنصيحة، ورجوت أن يكون لها عندي موضع، وإنه لم يمنعك من ذلك فيما خلا إلا أن يكون رأيك فينا جميلاً، وإلا لأني لم أذاكرك مثل هذا، وأنه بلغك أني أفتى الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم، وأني يحق علي الخوف على نفسي، لاعتماده من قبلي على ما أفتيتهم به، وإن الناس تبع لأهل المدينة.

(١) الليث بن سعد توفي بمصر سنة ١٧٥، أي قبل أن يجيء إليها الشافعي بسنين. ولعله التقى به في مجلس مالك.

(٢) الجزء الثالث ص ٧٢ (طبعة منير الدمشقي). وقد شرحنا ما في الرسالة من فقه في كتاب مالك كما نقلنا فيه رسالة مالك إلى الليث. فارجع إليه.

60