38

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۳۹۸ ه.ق

لازمة للمناظر الأريب الذي يريد أن يجذب خصمه إليه ، كما هي لازمة للأستاذ الذي يلقي على تلاميذه القدر الذي يطيقونه من المعرفة، فيوائم بين طاقتهم في الفهم وطاقته في التعيين والحقائق العلمية المناسبة، وكان بصر الشافعي بهذا مع قوة بيانه سبباً في أن التف حوله أكبر عدد من الصحاب والتلاميذ.

يروى أنه عندما دخل بغداد كان يلتف به ستة من الصحاب، ولكن ما أن دخل في المسجد الجامع، حتى اتسعت حلقة درسه، فما بقيت في المسجد حلقة لغيره، وكانت قبله يقارب عددها الخمسين، كما جاء في تاريخ بغداد.

وقد كان لخبرته بنفوس الناس لا يعطي سامعيه من العلم إلا بمقدار ما يألفون، ويجتهد في ألا يعرفهم من نفسه إلا بما يطيقون، جاء في معجم ياقوت: أنه كان يتناشد مع بعض معاصريه شعر هزيل، فأتى عليه الشافعي حفظاً، وقال لمن كان يتناشد معه: لا تعلم بهذا أحداً من أهل الحديث، فإنهم لا يحتملون ذلك. وهكذا تجد الشافعي لا يجيء الناس إلا بمقدار ما يطيقون، ولا يحب أن يعلم عنه أصحابه إلا ما يستسيغون، وإن كان ما يخفيه عنهم هو علم مطلوب، وأمر يعرفه الشرع ولا ينكره.

(٤) كان الشافعي صافي النفس من أدران الدنيا وشوائبها ، ولذلك كان مخلصاً في طلب الحق والمعرفة، صادق النظر في الاتجاه إلى الحقائق، يطلب العلم لله ويتجه في طلبه إلى الطريق المستقيم، وفي الحكمة المشرقية أن الاتجاه المخلص في طلب الحقائق يقذف في القلب بنور من المعرفة، ويوجد في النفس صفاء تجعل الحقائق تتضح والعقل يدرك، والفكر يستقيم، ثم تجعل العبارات صادقة التعبير عن المعاني الصحيحة، وبذلك يكون الرأي قويماً والتعبير سليماً.

وإن إخلاص الشافعي في طلب الحقائق لازمة في كل أدوار طلبه للعلم،

38