Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
ژانرها
إيجابية الصديق وتركه السلبية
وهناك أناس كثيرون جدًا فهموا حقيقة هذا الدين، لكن افتقروا إلى الإيجابية، وأناس كثيرون جدًا غرقوا في السلبية وعاشوا على كلمة: وأنا ما لي؟ فكانت هذه الكلمة سببًا في هلاكه وهلاك المجتمع.
من أجل أن نفهم قيمة إيجابية الصديق تعالوا نقارنه برجل من حكماء قريش وعقلائهم كما يقولون، لكنه كان يتسم بسلبية قاتلة فهلك وأهلك من حوله، إنه عتبة بن ربيعة، لما سمع كلام الله ﷿ على لسان الرسول ﷺ، وأثرت فيه الآيات المعجزات من صدر سورة فصلت، عاد إلى قومه مسرعًا يتحدث عن القرآن، وكأنه داعية من دعاة الإسلام فقال: سمعت قولًا والله! ما سمعت مثله قط، والله! ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة.
لكن ماذا كانت النتيجة بعد هذا اليقين بصدق ما جاء به محمد ﷺ؟ استمع إليه وهو يعرض رأيه: يقول عتبة بن ربيعة: يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله! ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله! يا أبا الوليد! بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
لكن الرجل عتبة بن ربيعة سلبي إلى أبعد درجات السلبية، فهو على يقين من صدق محمد ﷺ، ويعلم أن هذا الكلام ليس بكلام البشر، ومع هذا فرأيه الذي يظنه حكيمًا أن تخلي قريش بين الرسول ﷺ وبين العرب، فإن انتصر العرب على رسول الله ﷺ فهم مع العرب، وقد أراحوا أهل قريش من محمد ﷺ ولم يصبهم أذى الحروب، وإن انتصر محمد ﷺ على العرب سارعوا بالانضمام إلى محمد ﷺ.
وهذه سلبية مطلقة، فلما اعترض القوم على كلامه وقالوا: سحرك والله! يا أبا الوليد! بلسانه، ماذا فعل أبو الوليد الرجل العاقل الحكيم الذي أدرك صدق الرسالة؟ قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم، والقوم صنعوا السيئ والقبيح، فإذا به يصنع السيئ والقبيح معهم، بل إنهم خرجوا يقاتلون النبي ﷺ في بدر فإذا بـ عتبة بن ربيعة يحمل سيفه ويخرج مع الكافرين يقاتل رجلًا تيقن أنه نبي.
فأي سلبية هذه؟ وأي إمعية هذه؟ هذا الطراز الفاشل من الرجال لا يصلح للدعوات المصلحة.
وإذا نظرنا إلى الصديق ﵁ وأرضاه فليس في الإسلام رجل بعد النبي ﷺ أبعد عن السلبية من أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه، ظهرت إيجابيته في كل مواقف حياته ﵁، ظهرت في إسلامه، وظهرت في إعتاقه للعبيد، وفي دفاعه عن رسول الله ﷺ سواءً في مكة أو في المدينة، وظهرت في إعداده للهجرة، وظهرت في ثباته في كل غزوات الرسول ﷺ، وظهرت كذلك إيجابيته عند وفاة رسول الله ﷺ، وظهرت في حروب الردة، وظهرت في فتوح فارس والروم، وظهرت في جمعه للقرآن، وظهرت إيجابيته في كل نقطة من نقاط حياته، وفي مساعدته للفقراء والمحتاجين وكبار السن، وفي معاملاته مع صحابة رسول الله ﷺ؛ فقد كان ﵁ وأرضاه نبراسًا لكل مصلح، ودليلًا لكل محسن، ما رأى معروفًا إلا وأمر به، وما رأى منكرًا إلا وحاول تغييره بكل طاقته بيده ولسانه وقلبه، لذلك شق عليه كثيرًا أن يرى بعض المؤمنين يتركون النهي عن المنكر؛ لأنهم فهموا آية من آيات الله ﷿ على غير معناها الصحيح.
سمع بعض المؤمنين الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:١٠٥]، فظن بعض المؤمنين أن هذه دعوة إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وظنوا أن الله يقول لهم: ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ [المائدة:١٠٥] أي: اهتموا بأنفسكم فقط، ولا يضركم ضلال غيركم، فلا تهتموا بهم، والأمر على خلاف ذلك تمامًا، فوقف أبو بكر ﵁ ليصحح لهم الفهم، وليصلح لهم الطريق، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:١٠٥] وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله ﷿ أن يعمهم بعقابه) روى ذلك أصحاب السنن والإمام أحمد ﵏ جميعًا، وهكذا فإن هذا الرجل الإيجابي كان ولابد أن يسعى للتغيير والإصلاح، وإذا وجد المنهج القويم المعين
3 / 10