Al Quran Yataddha
القرآن يتحدى
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
السنة السادسة عشرة،العدد الثاني والستون
سال انتشار
ربيع الآخر- جمادى الآخرة ١٤٠٤هـ
ژانرها
المؤثر مقام الأثر. وجعل قوله: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ﴾ قائمًا مقام قوله فاتركوا العناد. وهذا هو الإيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة، وفيه تهويل لشأن العناد، لإنابة اتقاء النار منابه متبعًا ذَلك بتهويل صفة النار١.
ومعنى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ هيِّئت لهم؛ لأنهم الذين يخلدون فيها، أو أنهم خصوا بها وإن كانت معدة للفاسقين -أيضا- لأنه يريد بذلك نارًا مخصوصة لا يدخلها غيرهم كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار﴾ .
وفي هذه الآية الكريمة معجزة من نوع الإخبار بالغيب، إذ لم تقع المعارضة من أحد في أيام النبوة وفيما بعدها إلى هذا العصر.
قال صاحب الكشاف: "فإن قلت: من أين لك أنه إخبار بالغيب على ما هو حتى يكون معجزة؟ قلت: لأنهم لو عارضوه بشيء لم يمتنع أن يتواصفه الناس ويتناقلوه، إذ خفاء مثله فيما عليه مبنى العادة محال، لاسيما والطاعنون فيه أكثف عددًا من الذابين عنه، فحين لم ينقل عُلِمَ أنه إخبار بالغيب على ما هو به، فكان معجزة"٢.
وقال بعض العلماء: هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدي الكافرين بالتنزيل الكريم. وقد تحداهم الله في غير موضع منه فقال في سورة القصص: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، وقال في سورة الأسراء: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، وقال في سورة يونس: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ .
وكل هذه الآيات مكية. ثم تحداهم أيضًا في المدينة بهذه الآية: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ...﴾ الآية.
فعجزوا عن آخرهم، وهم فرسان الكلام، وأرباب البيان، وقد خصوا من البلاغة والحكم بما لم يخص به غيرهم من الأمم، جعل الله لهم ذلك طبعًا وخلقة وفيهم غريزة وقوة. يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به إلى كل سبب، فيخطبون، ويمدحون، ويتوسلون، ويتوصلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال... ومع هذا فلم يتصد لمعارضة
_________
١ تفسير الفخر الرازي: ج ١ ص٢٢٤.
٢ تفسير الكشاف: ج اص ١٠١.
1 / 24