Al-Qisas Al-Qurani - Yasser Burhami
القصص القرآني - ياسر برهامي
ژانرها
معجزات موسى وتكبر فرعون وملئه عن قبولها
إن أكثر القصص تكرارًا في القرآن العظيم قصة موسى ﷺ، وقد ذكرت في مواضع متعددة من كتاب الله؛ لما فيها من العبر والفوائد التي تجعل المتأمل والمتدبر فيها يعلم عظمة القرآن، وبلاغة الإعجاز فيه؛ بالإضافة إلى ما فيه من بيان الحق، وإزهاق الباطل، وسنة الله ﷾ الماضية في الصراع الذي يجري بين الحق والباطل دائمًا، وسوف نتلوها من سورة يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم نذكر ما فيها من الفوائد والعظات والله المستعان.
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس:٧٥ - ٩٢].
نعوذ بالله من الغفلة عن آياته البينات المحكمات الواضحات المنيرات.
لقد أخبر الله ﷿ أنه بعد إهلاك الأمم والقرون المكذبة للرسل أرسل وبعث موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام إلى فرعون وملئه -والملأ هم: السادة والكبراء- بآياته، فما كان من فرعون وملئه في مقابلة الآيات العقلية والحجج السمعية والحسية والآيات المعجزات إلا أن قابلوا ذلك بالكبر، ولقد كانت الآيات في بداية الأمر هي آيات دلائل القدرة والتوحيد الذي تقر به فطر الناس جميعًا، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء:٢٤]، وقال: ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء:٢٦]، وقال: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء:٢٨].
ثم جاء بعد ذلك دور الآيات والمعجزات الحسية، وهي: العصا، واليد، والجدب والقحط والسنين، ونقص الثمرات، والجراد، والقمل، والضفادع، والطوفان، والدم آيات مفصلات، وكل ذلك قوبل بالكبر والعياذ بالله! ذلك المرض العضال الذي إذا وجد في مخلوق كان سببًا لارتكاسه وانتكاسه أعظم انتكاسة، بل مقدار ذرة منه -والعياذ بالله- تؤدي بالعبد إلى الحرمان من الجنة، قال النبي ﷺ: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فالكبر هو مرض إبليس والمتكبرين على أمر الله، وسبب كفر الكافرين في الأغلب كما قال ﷿ عن إبليس: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٣٤]، فبالكبر والإباء يرد الإنسان الحق، وينظر إلى نفسه نظرة الكمال وإلى غيره نظرة الاحتقار، وربما ازداد غروره حتى ينظر إلى شرع الله ﷿ -الذي لا يرضى أن يخضع له- نظرة الاستكبار، ويتكبر على شرع الله، ويرد أمره؛ فيكون إبليسيَّ الطريقة هالكًا مع الهالكين، فقد كان فرعون وهامان وجنودهما متكبرين هذا الكبر، وكانوا قومًا مجرمين، كما قال الله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس:٧٦].
3 / 3