al-Muḥarrir fī ʿUlūm al-Qurʾān
المحرر في علوم القرآن
ناشر
مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
ژانرها
ثالثًا: أن الاستدلال باختلاف ترتيب مصاحف الصحابة ليس بحجة على أن الترتيب ليس بتوقيفي، وههنا قاعدة عامة فيما يتعلق بأمر القراءة والمصحف، وهي أنه قبل إجماع الصحابة على إلزام عثمان بما أرسله للأمصار لم يكن هناك اتفاق في ما يتعلق بأمر القراءة ولا المصحف؛ لذا تجد أن بعضهم كان يقرئ بكل ما سمع من النبي ﷺ؛ لأنه لم يبلغه أنها مما تُرِك في العرضة الأخيرة، وقد مرَّ ذكر قراءة أبي الدرداء وابن مسعود ﵄ لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى﴾ بإسقاط ﴿وَمَا خَلَقَ﴾، وهي قراءة صحيحة، لكنها مما لم يقرئه جبريل النبي ﷺ في العرضة الأخيرة، ولو قيل غير ذلك، لزُعِم أن في القرآن نقصًا، وذلك مذهب أهل السوء والرداءة الذين ينقمون على الصحابة الكرام.
بل لقد صحَّ عن ابن مسعود ﵁ ما هو أكثر من مخالفة ترتيب مصحف عثمان ﵁، فإنه كان لا يرى المعوذتين من القرآن، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن زر بن حبيش، قال: «قلت لأُبي بن كعب: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال أشهد أن رسول الله ﷺ أخبرني أن جبريل ﵇ قال له: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ فقلتها، فقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فقلتها. فنحن نقول ما قال النبي ﷺ» (١).
وهذا المذهب الذي ذهب إليه ابن مسعود ﵁ (ت٣٢هـ) لم يوافقه عليه الصحابة، ولا كان من المرضي عنه فيه، وإن كان يراهما وحيًا لكن لم يجعلهما من القرآن، وإنما كان يقول: «إنما أمر النبي ﷺ أن يتعوذ بهما» (٢).
والذي يظهر من أمر القرآن أن الأصل فيه النقل في كل أموره، في
(١) المسند (٥:١٢٩)؛ وصححه ابن حبان (٧٩٧)؛ وقوّاه الحافظ في الفتح (٨:٧٤٢)؛ وهو في صحيح البخاري (٤٩٧٦) دون ذكر ابن مسعود ﵁، وينظر كتاب: «المقدمات الأساسية في علوم القرآن»، لعبد الله الجديع، ففيه كلام عما ورد في شأن المعوذتين عند ابن مسعود (ص١١٢ - ١١٩).
(٢) أخرجه البزار في مسنده برقم (١٥٨٦)؛ والطبراني في الكبير برقم (٩:٢٦٩).
1 / 203