Al-Mufeed Fi Muhimat Al-Tawheed
المفيد في مهمات التوحيد
ناشر
دار الاعلام
شماره نسخه
الأولى ١٤٢٢هـ
سال انتشار
١٤٢٣هـ
ژانرها
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ﷺ عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١] .
"أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" ١، "وكل ضلالة في النار"٢.
ثم أما بعد: فإن الله ﷿ بعث نبينا محمدا ﷺ بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. أرسله ربه ﷿ على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، وقلة من العلم؛ حين حرف الكلم، وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى أهوائهم وآرائهم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. فأشرقت الأرض برسالته ﷺ بعد ظلمتها، وتألفت بها القلوب بعد شتاتها وتفرقها، وفتح الله بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والصدق والكذب، والمعروف والمنكر، وطريق أولياء الله السعداء، وأعداء الله الأشقياء.
_________
١ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة.
٢ هذه الزيادة أخرجها البيهقي في السنن الكبرى ٣/ ٢١٤.
1 / 5
ولم يمت رسولنا ﷺ حتى بين للناس جميع ما يحتاجون إليه، فتركهم على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ بعده عنها إلا هالك.
وقد اعتصم أصحابه من بعده بكتاب ربهم ﷾، وسنة نبيهم ﷺ، ودعوا الناس إليهما بالحكمة والموعظة الحسنة. ومن بعدهم قام علماء أمته ﷺ بمهمة الدعوة إلى الله ﷿ خير قيام؛ فوضحوا للناس أمور دينهم، وكان من أجل ما وضحوه العقيدة، التي أولوها قدرا كبيرا من جهودهم، وجهادهم، وتعليمهم، وتأليفهم. ورغبة مني في التشبه بهم -رغم قصر الباع، وقلة البضاعة- كتبت هذه الورقات المقتبسة من كتبهم١، سائلا الله ﷿ أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وفي ميزان حسناتي يوم الدين، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أبها في ٢٩/ ٩/ ١٤٢٢هـ
_________
١ أصل هذا الكتاب: محاضرات ألقيتها على طلبة كلية المعلمين، في مادة العقيدة الإسلامية "١٠١س" "الإعداد العام".
1 / 6
تمهيد
المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات
المسألة الأولى: في بيان معنى العقيدة
...
المبحث الأول: تعريف بعض المصطلحات
المسألة الأولى: في بيان معنى العقيدة في اللغة والاصطلاح
قبل الحديث عن مصادر العقيدة، وذكر بعض خصائصها، لا بد من وقفتين:
الوقفة الأولى: في معنى العقيدة لغة
مادة "عقد" تدور بين عدة معان، منها: الربط والشد، والعهد، والملامة، والتأكيد١.
١- الربط والشد بقوة. يقال: عقد الحبل، يعقده عقدا، إذا ربطه وشده بقوة.
٢- العهد. يقال: بين هذه القبيلة وتلك عقد أي: عهد. وجمعه عقود. ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾ [المائدة: من الآية ١]؛ أي: أوفوا بالعهود التي أكدتموها.
٣- الملازمة. يقال: عقد قلبه على الشيء، أو عقد قلبه الشيء، إذا لزمه. ومن هذا الباب قوله ﷺ: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" ٢؛ فمعقود في نواصيها أي: ملازم لها، حتى لكأنه عقد عليها.
٤- التأكيد. يقال: عقد البيع، إذا أكده. ومنه العقد المكتوب في البيع؛ إذ هو لم يكتب إلا بعد إيقاع البيع وتأكيده.
الوقفة الثانية: في بيان معنى العقيدة اصطلاحا
بعد أن عرفنا بعض معاني العقيدة في اللغة، لنا أن نتساءل: ما هو معنى العقيدة الذي تعارف عليه أهل العلم؛ إذ من المعلوم أن لكل علم مصطلحاته الخاصة به، والتي تعد جزءا من منهجيته؟.
_________
١ انظر من كتب اللغة: الصحاح للجوهري ٢/ ٥١٠. والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص٣٨٣.
وأساس البلاغة للزمخشري ٢/ ١٣١-١٣٢. والكشاف له ١/ ٤٦٦. ولسان العرب لابن منظور ٣/ ٢٩٥-٣٠٠.
٢ صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.
1 / 8
فنجيب: العقيدة اصطلاحا هي:
١- التصديق الجازم فيما يجب لله ﷿ من الوحدانية، والربوبية، والإفراد بالعبادة، والإيمان بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا١.
٢- تصميم القلب، والاعتقاد الجازم الذي لا يخالطه شك في المطالب الإلهية، والنبوات، وأمور المعاد، وغيرها مما يجب الإيمان به٢. والمطالب الإلهية: الإيمان بالله في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
٣- ما عقد الإنسان قلبه عليه، ودان لله ﷿ به٣.
س: ما هو الرابط بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي؟
ج: الارتباط بينهما ظاهر؛ لأن هذا الذي جزم بالشيء، وصمم عليه، قد ألزمه قلبه، وربطه عليه، وشده بقوة، بحيث لا يتفلت منه أبدا.
_________
١ انظر الأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم ص٧.
٢ انظر العقيدة الإسلامية وتاريخها للدكتور محمد أمان الجامي ص٥.
٣ انظر الأسئلة والأجوبة الأصولية للسلمان ص٢٣.
المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التى أطلقت على العقيدة الإسلامية مدخل ... المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على العقيدة الإسلامية الملاحظ أن العقيدة لم ترد بلفظها في الكتاب والسنة، وإن كانت قد وردت مادتها، كما في قول الله ﷾: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: من الآية٨٩]؛ أي: يؤاخذكم إذا حنثتم في الأيمان التي وثقتموها وأكدتموها. وكما في قوله ﷺ: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" ١؛ أي: ملازم لها إلى يوم القيامة. _________ ١ تقدم تخريجه ص٨.
المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التى أطلقت على العقيدة الإسلامية مدخل ... المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على العقيدة الإسلامية الملاحظ أن العقيدة لم ترد بلفظها في الكتاب والسنة، وإن كانت قد وردت مادتها، كما في قول الله ﷾: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: من الآية٨٩]؛ أي: يؤاخذكم إذا حنثتم في الأيمان التي وثقتموها وأكدتموها. وكما في قوله ﷺ: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" ١؛ أي: ملازم لها إلى يوم القيامة. _________ ١ تقدم تخريجه ص٨.
1 / 9
كذلك، لم يستخدم علماء الأمة في القرون المفضلة مصطلح "عقيدة"، وإنما استخدموا مصطلحات أخرى. وأول من استخدم هذا المصطلح -فيما أعلم- هو الإمام أبو حاتم الرازي "ت٣٢٧هـ" فقي كتابه الذي وسمع بـ"أصل السنة واعتقاد الدين"، وتلاه الإمام أبو بكر الإسماعيلي "ت٣٧١هـ" الذي وسم كتابه بـ"اعتقاد أئمة الحديث"، وتبعه الأئمة؛ كأبي القاسم اللالكائي "ت٤١٨هـ" في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، وأبي عثمان الصابوني "ت٤٤٩هـ" في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث"، وأبي بكر البيهقي "ت٤٥٨هـ" في كتابه "الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة"، وقوام السنة الأصبهاني "ت٥٣٥هـ" في كتابه "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، وغيرهم.
ولنا وقفات مع المصطلحات الأخرى التي استخدما العلماء بدلا من مصطلح "العقيدة"، "ومن ثمرة الوقوف على أسماء هذا العلم: معرفة مصادره الأصيلة"١.
_________
١ أصول الدين عند الأئمة الأربعة للدكتور ناصر القفاري ص١٤.
الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد" تعريف التوحيد لغة واصطلاحا: هو في اللغة مصدر من: وحد يوحد توحيدا؛ إذا أفرده وجعله واحدا١. وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات؛ نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له. فنقول مثلا في توحيد الألوهية: لا يتم للإنسان التوحيد، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله، ويثبتها لله وحده٢. _________ ١ انظر لسان العرب لابن منظور ٣/ ٤٤٨. ٢ انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ٢/ ٧.
الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد" تعريف التوحيد لغة واصطلاحا: هو في اللغة مصدر من: وحد يوحد توحيدا؛ إذا أفرده وجعله واحدا١. وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات؛ نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له. فنقول مثلا في توحيد الألوهية: لا يتم للإنسان التوحيد، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله، ويثبتها لله وحده٢. _________ ١ انظر لسان العرب لابن منظور ٣/ ٤٤٨. ٢ انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ٢/ ٧.
1 / 10
فعلى هذا: يطلق الواحد على المنفرد بخصائصه عما سواه. يقول ابن فارس: "وحد: الواو والحاء والدال: أصل واحد يدل على الانفراد. من ذلك: الوحدة، وهو واحد قبيلته: إذا لم يكن فيهم مثله. قال الشاعر:
يا واحد العرب الذي ... ما في الأنام له نظير
ولقيت القوم موحد موحد، ولقيت الرجل وحده. ولا يضاف إلا في قوله: نسيج وحده"١.
والتوحيد في الاصطلاح: إفراد الله بما تفرد به، وبما أمر أن يفرد به؛ فنفرده في ملكه وأفعاله فلا رب سواه ولا شريك له، ونفرده في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو، ونفرده في أسمائه وصفاته فلا مثيل له في كماله ولا نظير له٢.
مدى المطابقة بين التوحيد والعقيدة:
حين المقارنة بين "العقيدة"، و"التوحيد" كمصطلحين، نجد أن العقيدة ليست مقصورة على توحيد الله تعالى فحسب، بل هي تشمل التوحيد وزيادة، فيدخل فيها مباحث شتى؛ كالرسل ورسالاتهم، والملائكة وأعمالهم، والكتب السماوية، واليوم الآخر وما فيه، والقضاء والقدر وما يتعلق به، والإمامة، والصحابة. بل يدخل فيها أيضا: موقف المسلمين من الفرق الضالة، وغير ذلك.
فهذا العلم الواسع بما يتضمنه من مباحث، وما يحويه من جزئيات يسمى "التوحيد"
أيضا، كما سماه بذلك علماء المسلمين. ولو تأملنا مدى المطابقة بين كلمة "توحيد"، وبين مفردات العقيدة، لوجدناها جزئية. وهذا يثير تساؤلا مفاده: إذاكانت المطابقة بين كلمة "توحيد" ومصطلح "عقيدة" بما يحويه من مباحث جزئية، فلماذا سمي علم العقيدة بـ"التوحيد"؟ ولم أطلق العلماء في القرون الماضية على ما صنفوه من كتب في علم العقيدة اسم "التوحيد"؟
_________
١ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٦/ ٩٠-٩١.
٢ انظر: الدين الخالص لصديق حسن خان ١/ ٥٦. والأسئلة والأجوبة الأصولية للسلمان ص٤١.
1 / 11
والجواب: إن تسمية العقيدة بالتوحيد من باب تسمية الشيء بأشرف أجزائه؛ لأن توحيد الله ﷿ هو أشرف مباحث علم العقيدة. أما المباحث الأخرى؛ من إيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ومباحث الإمامة، والصحابة، وغيرها، فهي تعتمد عليه، وتستند إليه؛ إذ هو أساسها وجوهرها، فهي تدخل فيه بالاستلزام.
الفرق بين العقيدة والتوحيد:
والآن، وقد فرغنا من بيان معنى العقيدة والتوحيد، نتساءل: ما الفرق بين المعنيين؟ فنقول: العقيدة أعم من جهة موضوعها؛ إذ هي تشمل التوحيد، وغيره من المباحث؛ فيدخل فيها أركان الإيمان الستة، ويدخل فيها ردود علماء الإسلام على الديانات الأخرى، والفرق، والتيارات المعاصرة، وغيرها. بخلاف التوحيد الذي يقتصر على توحيد الله ﷿، وهو أشرف أجزاء العقيدة. ويلاحظ أيضا أن مباحث الإيمان بالكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر يدخل في إطار العقيدة بالمطابقة. أما في التوحيد فيدخل فيه بالاستلزام؛ إذ يلزم من إيمانك بالله ﷿ أن تؤمن بملائكته، وكتبه، ورسله، والمغيبات التي أخبر الله عنها، وأخبرت عنها رسله، وبالقدر الذي يجريه الله في عباده وفق إرادته ومشيئته.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى التوحيد:
١- استخدم الإمام البخاري؛ محمد بن إسماعيل "ت٢٥٦هـ" هذا المصطلح، حين سمى الكتاب الذي خرج فيه أحاديث العقيدة -في الجامع الصحيح- بـ"كتاب التوحيد".
٢- وأبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي "ت٣٠٦هـ" سمى الكتاب الذي صنفه في العقيدة بـ"كتاب التوحيد".
٣- وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري "ت٣١١هـ" ألف كتابا في العقيدة وسمه بـ"كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب ﷿".
٤- وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده "ت٣٩٥هـ" ألف كتابه الموسوم بـ"كتاب التوحيد ومعرفة اسماء الله ﷿ وصفاته على الاتفاق والتفرد".
ثم تتابعت الكتب المؤلفة تحت هذا الاسم.
1 / 12
الوقفة الثانية: مع مسمى "أصول الدين"
من مسميات هذا العلم: أصول الدين.
المراد بأصول الدين:
نلاحظ أن مصطلح "أصول الدين" مركب من مضاف، ومضاف إليه. فهو إذًا مركب إضافي.
ولا يمكن التوصل إلى معنى المركب إلا بتحليل أجزائه المركب منها، وهي "أصول"، و"دين".
أما الأصول: فمفردها أصل. ومعناه لغة: أساس الشيء١. أو ما يبتنى عليه غيره؛ كأساس المنزل، وأصل الشجرة، ونحو ذلك٢. والأصل اصطلاحا: ما له فرع؛ لأن الفرع لا ينشأ إلا عن أصل٣.
والدين في اللغة: الذل والخضوع. والمراد به دين الإسلام، وطاعة الله، وعبادته وتوحيده، وامتثال المأمور، واجتناب المحظور، وكل ما يتعبد الله ﷿ به٤.
فتكون أصول الدين -على هذا: القواعد والأسس التي تصح بها العبادة، وتتحقق بها طاعة الله ورسوله بامتثال المأمور، واجتناب المحظور؛ لأن الاعتقاد هو الأصل الذي ينبني عليه قبول الأعمال وصحتها.
فأصول الدين: هي ما يقوم وينبني عليه الدين. والدين الإسلامي يقوم على عقيدة التوحيد. ومن هنا سمي علم التوحيد أو علم العقيدة بـ"علم أصول الدين".
_________
١ انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ١٠٩. والمعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين ص٢٠.
٢ انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي ١/ ١٢٢-١٢٣.
٣ انظر شرح الكوكب المنير لابن النجار ١/ ٣٨.
٤ انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ص١٥٤٦.
1 / 13
الحقيقة الشرعية لأصول الدين:
المفهوم الحق لمصطلح أصول الدين، هو أصول الإيمان الستة المذكورة في قوله ﷾: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: من الآية ١٧٧]، وفي قوله ﷿: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]، وهي التي أجاب بها رسول الله ﷺ جبريل حين سأله عن الإيمان، فقال: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" ١. فهذه الأصول الستة هي التي يقوم عليها إيمان العبد، وتصح بها عبادته.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى "أصول الدين":
لعل أول من استخدم هذا المصطلح لعلم العقيدة -وإن لم يشتهر وقتها- هو الإمام الشافعي ﵀ "ت٢٠٤هـ"؛ حيث قال في مفتتح كتابه "الفقه الأكبر": "هذا كتاب ذكرنا فيه ظواهر المسائل في أصول الدين، التي لا بد للمكلف من معرفتها، والوقوف عليها.
١- وهذه التسمية استخدمها أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري "ت٣٢٩هـ"، حين وسم كتابه الذي أبان فيه عن عقيدة أهل السنة والجماعة بـ"الإبانة عن أصول الديانة".
٢- وكذا استخدمها أبو حاتم الرازي "ت٣٢٧هـ" في كتابه "أصل السنة والاعتقاد الدين".
٣- ومن بعدهما عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري "ت٣٨٧هـ" في كتابه: "الشرح والإبانة عن أصول الديانة"، وهو الكتاب الذي يعرف بـ"الإبانة الصغرى".
٤- وعبد القاهر البغدادي "ت٤٢٩هـ" في كتابه "أصول الدين". وغيرهم.
ملاحظة: يلاحظ أن العقيدة -ههنا- سميت بـ"أصول الدين" تمييزا لها عن الفروع.
وينبغي أن لا يرد على بالك أن الأصول هي التي تؤخذ ويعمل بها فحسب، ويمكن الاستغناء عن الفروع. فهذا الفهم خطأ؛ لأن الدين كل لا يتجزأ. وقد عاب الله على أهل الكتاب أنهم يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعضه الآخر، فقال: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: من الآية ٨٥] .
_________
١ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان.
1 / 14
الوقفة الثالثة: مع مسمى "السنة"
من مسميات العقيدة: السنة.
تعريف السنة لغة واصطلاحا:
السنة لغة من سن يسن ويسن سنا، فهو مسنون. وسن الأمر: بينه. وهي تأني لعدة معان١، منها:
١- الطريقة المسلوكة، سواء أكانت محمود أم مذمومة. ومنه قوله ﷺ: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" ٢.
٢- السيرة، وسنة رسول الله ﷺ: سيرته التي كان يتحراها. فما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو وصف، أو تقرير، قيل له سنة. يقول ابن الأثير: "وقد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها. والأصل منها: السيرة والطريقة"٣.
_________
١ انظر من كتب اللغة: الصحاح للجوهري ٥/ ١٢٣٨-١٢٤٠. ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ٣/ ٦٠-٦١. ولسان العرب لابن منظور ١٣/ ٢٢٠-٢٢٨. والتعريفات للجرجاني ص١٦١. ومختار الصحاح للرازي ص٣١٧.
٢ صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة.
٣ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٢/ ٤٠٩.
1 / 15
٣- العادة. ومنه قوله ﷿: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٧]؛ أي: هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم، بخروج الرسول من بين أظهرهم، يأتيهم العذاب١.
أما السنة عند الأصوليين: فهي ما قاله رسول الله ﷺ، أو فعله، أو قرر عليه٢.
المناسبة بين مسمى السنة، ومسمى العقيدة:
لأهمية وخطورة مسائل الاعتقاد التي هي أصل الدين، وعليها يبنى غيرها من أعمال الإسلام، أطلق العلماء لفظ "السنة" على ما وافق الكتاب والسنة من قضايا الاعتقاد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات، وفي الاعتقادات. وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات"٣.
ولما كانت السنة مصدرا من مصادر العقيدة -كما سيأتي، وطريقة من طرق إثبات العقيدة الصحيحة، اعتبر العلماء معنى السنة: اتباع العقيدة الصحيحة، وأطلقوا على عقيدة السلف الصالح اسم السنة، بسبب اتباعهم لطريقة رسول الله ﷺ وأصحابه ﵃ في ذلك.
يقول ابن رجب الحنبلي ﵀: "السنة: طريقة النبي ﷺ التي كان عليها هو وأصحابه، وغيرهم، السنة: عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وكذلك مسائل القدر، وفضائل الصحابة.
وصنفوا في هذا العلم تصانيف، وسموها كتب السنة"٤.
_________
١ انظر تفسير ابن كثير ٣/ ٥٤.
٢ انظر مذكرة في أصول الفقه للشيخ الشنقيطي ص٩٥.
٣ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية ص٧٧.
٤ كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة ص١١-١٢. وانظر السنة لابن أبي عاصم ٢/ ٦٤٥-٦٤٧.
1 / 16
فإطلاق اسم السنة على مباحث الاعتقاد، يشعر بأهمية العقيدة؛ إذ هي أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم١.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى "السنة":
ساد اصطلاح السنة في القرن الثالث الهجري، في عصر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، حين ظهرت الفرق، وراجت عقائد المبتدعة. فأخذ العلماء يطلقون على أصول الدين ومسائل العقيدة اسم "السنة" تمييزا لها عن مقولات الفرق. وأذكر فيما يلي بعضا من المصنفات التي كتبوها تحت مسمى السنة:
١- السنة لابن أبي شيبة "ت٢٣٥هـ".
٢- السنة لأحمد بن حنبل "ت٢٤١هـ".
٣- السنة للأثرم؛ أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ البغدادي "ت٢٧٣هـ".
٤- السنة لأبي علي حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال "ت٢٧٣هـ".
٥- السنة لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني "ت٢٧٥هـ".
_________
١ انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب ص٢٤٩. والوصية الكبرى لابن تيمية ص٦٠.
الوقفة الرابعة: مع مسمى "الفقه الأكبر" من المسميات التي أطلقت على العقيدة: الفقه الأكبر. تعريف الفقه لغة واصطلاحا: الفقه في اللغة: الفهم. يقول ابن فارس: "فقه: الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح، يدل على إدراك الشيء والعلم به. تقول: فقهت الحديث أفقهه. وكل علم بشيء فهو فقه. ثم اختص بذلك علم الشريعة، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام: فقيه"١. _________ ١ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٤/ ٢٤٢. وانظر: لسان العرب لابن منظور ١٣/ ٥٢٢. والمفردات للراغب الأصفهاني ٣٨٤.
الوقفة الرابعة: مع مسمى "الفقه الأكبر" من المسميات التي أطلقت على العقيدة: الفقه الأكبر. تعريف الفقه لغة واصطلاحا: الفقه في اللغة: الفهم. يقول ابن فارس: "فقه: الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح، يدل على إدراك الشيء والعلم به. تقول: فقهت الحديث أفقهه. وكل علم بشيء فهو فقه. ثم اختص بذلك علم الشريعة، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام: فقيه"١. _________ ١ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٤/ ٢٤٢. وانظر: لسان العرب لابن منظور ١٣/ ٥٢٢. والمفردات للراغب الأصفهاني ٣٨٤.
1 / 17
ولقد كان الفقه يطلق في القرون الأولى على العلم بأحكام الشريعة كلها. ومنه قوله ﷺ: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" ١. وكذا دعاؤه ﷺ لابن عمه ابن عباس ﵄ كان عاما في الدين كله، لا في مسائل الحلال والحرام فحسب، في قوله: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"٢.
والملاحظ أن المتأخرين خصوا اسم "الفقه" بمعرفة مسائل الحلال والحرام، وغيرها.
سبب تسمية العقيدة بالفقه الأكبر:
سمى العلماء العقيدة بالفقه الأكبر مقارنة بفقه الفروع. فقولنا "الفقه الأكبر" يشعر بأن هناك فقها آخر ليس بأكبر، وهو فقه ما أطلق عليه اسم الفروع.
مؤلفات في القعيدة تحت مسمى "الفقه الأكبر":
أول من استخدم مصطلح "الفقه الأكبر" هو الإمام أبو حنيفة؛ النعمان بن ثابت "ت١٥٠هـ"؛ فقد روي عنه كتاب بهذا الاسم، وهو مشهور عند أصحابه٣، بحث فيه ﵀ بعض مسائل الاعتقاد.
وكذلك ينسب للإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس "ت٢٠٤هـ" كتاب باسم "الفقه الأكبر"، عرض فيه مسائل الاعتقاد بالتفصيل٤.
ملاحظة: يرد على هذه التسمية ما ورد على تسمية "أصول الدين"؛ فقد يظن البعض أن تسمية العقيدة بالفقه الأكبر، يعني إهمال الفقه الآخر -مسائل الأحكام، والحلال والحرام-؛ لأنه أصغر مقارنة بالأكبر. وهذا الفهم غير صحيح؛ لأن تسمية العقيدة بالفقه الأكبر يعني الاهتمام بها، والبدء بتصحيحها قبل القيام بأداء الأعمال، ولا يعني -بحال- إهمال أداء الأعمال، ومعرفة أدلتها التفصيلية؛ لأن دين الإسلام كل لا يتجزأ، ولا يمكن الاستغناء عن بعضه، والاكتفاء بالبعض الآخر.
_________
١ صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
٢ ذكره ابن حجر في الإصابة ٢/ ٣٣١، وعزاه إلى معجم البغوي.
٣ انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٥/ ٤٦.
٤ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة ٢/ ١٢٧٨.
1 / 18
المسألة الثالثة: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الإسلامية
الوقفة الأولى: أهل السنة والجماعة
...
المسألة الثالثة: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الإسلامية:
عرفنا بعض المسميات التي أطلقت على علم العقيدة الإسلامية.
وثمة مسميات أطلقت على أهل العقيدة الصحيحة وحملتها. سأذكر بعضها في الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: أهل السنة والجماعة
من المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الصحيحة: أهل السنة والجماعة.
التعريف بأهل السنة والجماعة:
هذا المسمى يجمع وصفين اثنين لأصحابه، وهما السنة، والجماعة.
والسنة قد تقدم معناها اللغوي، وذكرنا أن العلماء يعرفونها اصطلاحا بأنها: ما نقل عن رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو وصف أو تقرير١.
والسنة قد تطلق على ما يقابل البدعة، كقولهم: طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا، وفلان على سنة -إذا وافق التنزيل والأثر في القول والفعل-، وفلان على بدعة -إذا عمل خلاف ذلك-٢. وهاتان الكلمتان -السنة والبدعة- تستعملان دائما ككلمتين متضادتين؛ لأن السنة هي الطريق التي كان عليها رسول الله ﷺ وأصحابه ﵃، والبدعة هي ترك تلك الطريق والانحراف عنها.
وقد ورد في الأثر ذكر السنة مقابل البدعة؛ من ذلك ما قاله رسول الله ﷺ: "ما أحدث قوم بدعة، إلا رفع مثلها من السنة" ٣. وما قاله ابن عباس ﵄:
_________
١ انظر ص١٥، ١٦.
٢ انظر مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل ص٢٩.
٣ مسند أحمد ٤/ ١٠٥، وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١٣/ ٢٥٣.
1 / 19
"ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيى البدع، وتموت السنن"١.
فالسنة بهذا المعنى، تشمل ما كان عليه رسول الله ﷺ، وخلفاؤه الراشدون ﵃، وصحابته الكرام ﵃ من الاعتقادات، والأعمال، والأقوال.
أما الجماعة في اللغة: فهي مأخوذة من الجمع؛ وهو ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض؛ يقال: جمعته فاجتمع. قال ابن فارس: "الجيم والميم والعين أصل واحد، يدل على تضام الشيء"٢. والجماعة: العدد الكثير من الناس، أو القوم المجتمعون على أمر ما، أو طائفة يجمعهم غرض واحد٣.
والجماعة شرعا هم: الرسول ﷺ، وأصحابه ﵃، والتابعون، وتابعوهم بإحسان٤.
وأهل الشيء هم: أخص الناس به. يقول أهل اللغة: أهل الرجل: أخص الناس به، وأهل البيت: سكانه، وأهل الإسلام: من يدين به، وأهل المذهب: من يدين به٥.
وبإمكاننا بعدما علمنا معنى أهل، والسنة، والجماعة، أن نعرف أهل السنة والجماعة بأنهم المتبعون لمنهج الرسول ﷺ وأصحابه في الأصول والفروع٦.
وقيل: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه اعتقادا وقولا وفعلا؛ لأن رسول الله ﷺ سئل عن الفرقة الناجية، فأجاب مرة بأنها ما كان عليه هو وأصحابه، وأخرى قال: هي الجماعة٧.
_________
١ أخرجه ابن وضاح القرطبي في كتابه: البدع والنهي عنها ص٤٥.
٢ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ٤٧٩.
٣ انظر لسان العرب لابن نظور ٨/ ٥٣-٦٠.
٤ انظر مفهوم أهل السنة والجماعة للعقل ص٥٤.
٥ انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ١٥٠.
٦ انظر: الاعتصام للشاطبي ١/ ٢٨. وشرح العقيدة الواسطية للهراس ص١٦-١٧.
٧ الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب شرح السنة. وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم. وابن أبي عاصم في السنة ١/ ٣٢-٣٣، تحت الأرقام ٦٣، ٦٤، ٦٥. وقال الألباني في تعليقه على الحديث: "والحديث صحيح قطعا؛ لأن له ست طرق أخرى عن أنس، وشواهد عن جمع من الصحابة" "١/ ٤٢".
1 / 20
وقيل: "هم الذين اجتمعوا على الأخذ بسنة النبي ﷺ، والعمل بها ظاهرا وباطنا في القول والعمل والاعتقاد"١.
ملاحظة: لا يقصد بالجماعة هنا مجموع الناس وعامتهم، ولا أغلبهم، ولا سوادهم، ما لم يجتمعوا على الحق؛ لأن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة، ولو كنت وحدك، كما قال عبد الله بن مسعود ﵁: "إنما الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنت وحدك"٢.
يقول عبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة "ت٦٦٥هـ: "وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا، والمخالف كثيرا؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي ﷺ، وأصحابه ﵃، ولا تنظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم"٣.
_________
١ انظر: رسائل في العقيدة ص٥٣، والمجموع الثمين ٣/ ٣، وكلاهما لفضيلة الشيخ ابن عثيمين.
٢ انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ١/ ١٠٩.
٣ الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص٣٤.
الوقفة الثانية: السلف من المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الصحيحة: السلف. التعريف بهم: السلف في اللغة: جمع سالف، والسالف: المتقدم. والسلف: الجماعة المتقدمون١. قال ابن فارس: "سلف: السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق. من ذلك: السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون"٢. فالسلف -إذًا- من سلف يسلف سلفا وسلوفا أي: تقدم٣. _________ ١ انظر لسان العرب لابن منظور ٦/ ١٥٨. ٢ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٣/ ٩٥. ٣ انظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص٢٣٩. والوجوه والنظائر لألفاظ القرآن للدامغاني ص٢٤٣.
الوقفة الثانية: السلف من المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الصحيحة: السلف. التعريف بهم: السلف في اللغة: جمع سالف، والسالف: المتقدم. والسلف: الجماعة المتقدمون١. قال ابن فارس: "سلف: السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق. من ذلك: السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون"٢. فالسلف -إذًا- من سلف يسلف سلفا وسلوفا أي: تقدم٣. _________ ١ انظر لسان العرب لابن منظور ٦/ ١٥٨. ٢ معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٣/ ٩٥. ٣ انظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص٢٣٩. والوجوه والنظائر لألفاظ القرآن للدامغاني ص٢٤٣.
1 / 21
وسلف كل إنسان: من تقدمه من آبائه وذوي قرابته الذين هم فوقه في السن والفضل، وأحدهم سالف١. وقيل: من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته. ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين بالسلف الصالح٢. هذا عن السلف في اللغة.
أما السلف في الاصطلاح: فقد اختلف العلماء في تحديد المراد بهم، نتيجة اختلافهم في تحديد الزمن الذي ينسبون إليه، إلى عدة أقوال:
١- القول الأول: أنهم الصحابة ﵃ فقط، وهو قول عدد من شراح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني٣.
٢- القول الثاني: أنهم الصحابة والتابعون. وممن ذهب إلى هذا أبو حامد الغزالي، حين قال: "اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر، هو مذهب السلف؛ أعني مذهب الصحابة والتابعين"٤.
٣- القول الثالث: أنهم الصحابة، والتابعون، وتابعوا التابعين؛ أي: القرون الثلاثة التي أثبت لها رسول الله ﷺ الخيرية بقوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" ٥.
وإلى هذا القول ذهب عدد كبير من أهل العلم؛ كالإمام الشوكاني، والإمام السفاريني، وغيرهما٥.
ملاحظة:
يلاحظ على هذه الأقوال جميعها أنها تدخل من كان في القرون الأولى في مسمى السلف. ولكن ليس كل من كان في ذلك الزمن يسمى سلفيا، إذ المعروف أن الفرق ظهرت
_________
١ انظر معالم التنزيل للبغوي ٤/ ١٤٢.
٢ انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٢/ ٣٩٠.
٣ انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص٩٧، ٩٨.
٤ إلجام العوام عن علم الكلام للغزالي ص٥٣.
٥ صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب فضائل أصحاب النبي ﷺ.
1 / 22
في القرون الأولى، فـ"ليس السبق الزمني كافيا في تعيين السلف، بل لا بد أن يضاف إلى هذا السبق الزمني موافقة الرأي للكتاب والسنة نصا وروحا. فمن خالف رأيه الكتاب والسنة، فليس بسلفي، وإن عاش بين ظهراني الصحابة والتابعين"١.
ويصح أن يضاف إلى أهل القرون المفضلة الموافقين للكتاب والسنة، من وافق الكتاب والسنة، ونهج نهج أولئك الكرام، واتبع آثارهم ومروياتهم الصحيحة التي أبانوا بها الحق.
فلا شك أنه داخل في مفهوم هذه الكلمة "السلف". ولقد وفق الإمام السفاريني ﵀ حين حدد مذهب السلف بأنه "ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة، وعرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي؛ مثل: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة، والكرامية، ونحو هؤلاء"٢.
إذًا: ليس المراد بالسلف أهل القرون المفضلة فحسب، بل يدخل فيهم كل من وافق الكتاب والسنة، ونهج منهج الصحابة ﵃.
مفهوم الخلف عند علماء السلف:
الخلف في اللغة هو من جاء خلف المتقدم، سواء أكان تأخره في الزمن، أو في الرتبة٣.
وإذا أطلقت كلمة "الخلف" في مقابل كلمة "السلف" يراد بها: "من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي"١، كما تقدمت عبارة الإمام السفاريني في ذلك. فمن انحرف عن الكتاب والسنة، ومال عن طريقة الصحابة ﵃، فلم يتخذها منهجا له، فهو خلفي، وإن عاش بين ظهراني الصحابة.
_________
١ بتصرف من كتاب: الإمام ابن تيمية وقضية التأويل للدكتور الجليند ص٥٢.
٢ لوامع الأنوار للسفاريني ١/ ٢٠.
٣ انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ص١٠٤٢-١٠٤٣.
1 / 23
الوقفة الثالثة: أهل الحديث
من المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الصحيحة: أهل الحديث.
التعريف بهم:
الحديث في اللغة: ضد القديم. ويستعمل في كثير الكلام وقليله١.
وهو في الاصطلاح: ما أثر عن النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة٢.
وأهل الحديث: هم المنسوبون إليه بسبب اتباعهم له؛ فهم كل من جعل كلام رسول الله ﷺ مصدرا من مصادر التلقي، يستفيدون منه عقائد الإسلام الصحيحة، ويبنون عليه، سواء أكانوا علماء حديث، أو فقه، أو أصول، أو سوى ذلك.
يقول الإمام الصابوني "ت٤٤٩هـ": "إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة، حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم"٣.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية "ت٧٢٨هـ": "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته، أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه، ومعرفته، وفهمه ظاهرا وباطنا، واتباعه باطنا وظاهرا. وكذا أهل القرآن"٤.
فأهل الحديث هم الذين اتبعوا آثار الصحابة ﵃، والتابعين لهم بإحسان، وكان لهم عناية خاصة بأحاديث رسول الله ﷺ: جمعا، وحفظا، ورواية، وفهما، وعملا في الظاهر والباطن.
_________
١ انظر المصدر نفسه ص٢١٤.
٢ انظر الحديث النبوي للدكتور محمد الصباغ ص١٤٠.
٣ عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص٣-٤.
٤ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٩٥.
1 / 24
المبحث الثاني: مصادر العقيدة الإسلامية
العقيدة الإسلامية لها مصدران فقط، هما: كتاب الله ﷿، وما صح من سنة رسول الله ﷺ.
وليس للعقيدة مصدر ثالث؛ لأن إجماع السلف الصالح لا يكون إلا على الكتاب والسنة١.
يقول الإمام البيهقي "ت٤٥٨هـ": "فأما أهل السنة، فمعولهم فيما يعتقدون: الكتاب والسنة"٢.
ويقول العلامة صديق حسن خان ﵀: "للإسلام أصلان فقط؛ القرآن، والسنة الصحيحة"٣. ويعقب على ذلك بقوله: "وإنما حصرنا الأصول في كتاب الله تعالى، وسنة الرسول ﷺ؛ لأن الأمة مأمورة بهما"٣.
وما على الأمة إلا الاعتصام بما أمرت بالاعتصام به؛ كتاب ربها، وسنة نبيها ﷺ؛ إذ الاعتصام بهما سبب للعصمة من الوقوع في الخطأ والانحراف والزلل، وسبب للعصمة من الوقوع في الاضطراب في فهم العقيدة، ولأنه يجمع الأمة ولا يفرقها. يقول الله ﷾: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طه من آية ١٢٣] .
ولا ريب أن الاعتصام بالكتاب والسنة من أعظم ما من الله به على هذه الأمة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في معرض حديثه عن السلف الصالح: "وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم: اعتصامهم بالكتاب والسنة"٤.
_________
١ انظر الاعتصام للشاطبي ٢/ ٢٥٢.
٢ مناقب الإمام الشافعي للبيهقي ص٤٦٢.
٣ الدين الخالص لصديق حسن خان ٣/ ٣٦.
٤ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ١٣/ ٢٨.
1 / 25