المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية
المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية
ناشر
مكتبة الرشد
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۲۹ ه.ق
محل انتشار
الرياض
ژانرها
المعايير الجليَّة
في التّمييز بَين
الأَحكَامِ والقَواعدِ والضوابط الفِقْهيَّة
للدكتور
يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
المعهد العالي للقضاء
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكتبة الرشد
ناشرون
صفحه نامشخص
المعَايِيرُ الجَليَّة
فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ
الأَحْكَامِ وَالقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ الفِقْهِيَّةِ
1
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الثانية
١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م
مكتبة الرشد - ناشرون
المملكة العربية السعودية - الرياض
شارع الأمير عبد الله بن عبد الرحمن (طريق الحجاز)
ص.ب.: ١٧٥٢٢ الرياض ١١٤٩٤ - هاتف: ٤٥٩٣٤٥١ - فاكس: ٤٥٧٣٣٨١
E-mail: alrushd@alrushdyh.com
Website: www.rushd.com
فروع المكتبة داخل المملكة
الرياض: فرع طريق الملك فهد: هاتف: ٢٠٥١٥٠٠ - فاكس: ٢٠٥٢٣٠١
فرع مكة المكرمة: شارع الطائف: هاتف: ٥٥٨٥٤٠١ - فاكس: ٥٥٨٣٥٠٦
فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري: هاتف: ٨٣٤٠٦٠٠ - فاكس: ٨٣٨٣٤٢٧
فرع جدة: ميدان الطائرة: هاتف: ٦٧٧٦٣٣١ - فاكس: ٦٧٧٦٣٥٤
فرع القصيم: بريدة- طريق المدينة: هاتف: ٣٢٤٢٢١٤ - فاكس: ٣٢٤١٣٥٨
فـرع أبـهـا: شارع المـلــك فـيـصـل: تلفاكس: ٢٣١٧٣٠٧
فرع الدمام: شارع الخزان: هاتف: ٨١٥٠٥٦٦ - فاكس: ٨٤١٨٤٧٣
فرع حائل: هاتف: ٥٣٢٢٢٤٦ - فاكس: ٥٦٦٢٢٤٦
فرع تبوك: هاتف: ٤٢٤١٦٤٠ - فاكس: ٤٢٣٨٩٢٧
فـرع الإحسـاء: هاتف: ٥٨١٣٠٢٨ - فاكس: ٥٨١٣١١٥
مكاتبنا بالخارج
القاهرة: مدينة نصر: هاتف: ٢٧٤٤٦٠٥ - موبايل: ٠١٠١٦٢٢٦٥٣
بيروت: بئر حسن: هاتف: ٠١/٨٥٨٥٠١ - موبايل: ٠٣/٥٥٤٣٥٣ - فاكس: ٠١/٨٥٨٥٠٢
2
المعايير الجلية
في التمييز بين
الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية
للدكتور
يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
المعهد العالي للقضاء
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكتبة الرشد
ناشرون
3
بسم الله الرحمن الرحيم
4
مقدّمة
الحمد لله المتفضّل علينا بنعمه وآلائه، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد خاتم رسله وأنبيائه وبعد :
فلم يكن يدور في خلدي أنّنا في حاجة إلى وضع معايير أو ضوابط، لتمييز القواعد والضوابط الفقهيّة عن الأحكام. فقد كنّا نتلقّى القواعد مسطورة في كتب العلماء، فنسلّم لهم بذلك، ونحمل ما قابلها على أنها من الأحكام الفرعيّة. غير أنّ النشاط العلمي في مجال القواعد الفقهيّة جعلنا نكتشف أنّنا في حاجة إلى طائفة من الأمور لم يتناولها العلماء فيما كتبوه في هذا المجال. وقد أسهمت في كتابي عن القواعد الفقهية، بإدخال مبحث في علم القواعد الفقهية، يحدّد لنا مقوّمات القاعدة، ببيان أركانها، وشروطها، وشروط تطبيقها. وقد لقي هذا قبولاً حسناً عند كثير من المهتمين بهذا الموضوع.
والآن أجد حاجة إلى أمر آخر، هو وضع معايير تتميّز بها القاعدة أو الضابط الفقهي، عن الأحكام الفرعيّة، وهذه الحاجة دعا إليها توجّه كثير من الباحثين إلى استخراج القواعد الفقهيّة من بعض الكتب الفقهيّة ،
5
أو لبعض الأئمة؛ إذ وجدت أنّ هناك خلطاً بين القواعد والضوابط الفقهيّة من جهة، والأحكام الفرعية من جهة أخرى، وقد ولَّد ذلك حيرة حتى في مجالس الأقسام العلميّة، حينما يعرض عليها تسجيل لبحث من هذا القبيل.
ولعلّ معلمة القواعد الفقهية المنبثقة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أوّل من فكّر في وضع معايير لتمييز القواعد والضوابط الفقهيّة، لمن يطلب منه استخراجها من الكتب الفقهيّة.
وحيث إني وجدت أنّ المعايير المذكورة غير كافية في هذا المجال، فقد اجتهدت، بقدر ما استطعت، لوضع معايير نميّز بها القواعد والضوابط الفقهية عن الأحكام.
وقد شغل هذا الأمر تفكيري حقبة غير قصيرة من الزمان، فقد كنت أفترض ثم ألغي، ثم أفترض ثم ألغي، حتى استقرّ رأيي على جملة من المعايير في هذا الشأن. وإنّي لحريص جداً على أن تكون هذه المعايير خاضعة للتمحيص، والاستدراك، لأن المقصود من ذلك هو الوصول إلى طريقة صحيحة، ومقنعة، ومرضية من قبل الباحثين.
وقد جعلت افتراضي لهذه المعايير بعد مقدّمتي هذه، وفق الخطّة الآتية:
التمهيد: وهو في مطلبين
المطلب الأول:
استخلاص القواعد من كتب الفقه.
المطلب الثاني:
رصد القواعد الفقهية وإحصاؤها.
المبحث الأوّل:
محاولات وضع معايير لتمييز القواعد والضوابط الفقهيّة
6
عن الأحكام وهو في مطلبين:
المطلب الأوّل: معايير معلمة القواعد الفقهيّة.
المطلب الثاني: ما نراه من معايير.
المبحث الثاني:
تطبيق ما نراه من المعايير على طائفة من القواعد والضوابط الفقهية وهو في ثلاثة مطالب:
المطلب الأوّل: تطبيق المعايير على القواعد الخمس الكبرى.
المطلب الثاني: تطبيق المعايير على قواعد أخرى غير الخمس الكبرى.
المطلب الثالث: تطبيق المعايير على بعض الضوابط الفقهية.
المبحث الثالث:
بعض مشكلات التطبيق وهو في مطلبين:
المطلب الأوّل: صلاحية موضوع القضية للانطباق على الأفراد، وعلى القضايا الكليّة.
المطلب الثاني: تساهل العلماء في إدخال ما ليس من القواعد والضوابط الفقهيّة فيها.
المبحث الرابع:
السمات الاستئناسية للقواعد الفقهيّة والأحكام الفرعية وهو في مطلبين:
المطلب الأوّل: السمات الاستئناسية للقواعد والضوابط الفقهيّة.
المطلب الثاني: السمات الاستئناسية للأحكام.
المبحث الخامس:
تطبيق المعايير على القواعد الأصولية.
الخاتمة: في بيان بعض نتائج البحث.
هذا وإني لأرجو أن يكون لهذا فائدة عملية لمن يعمل في
7
مجال القواعد والضوابط الفقهيّة، وهو ما قصدته منه، وأرجو أن تكون هناك إضافات، أو استدراكات، تؤدي إلى إنضاج هذا الموضوع، واستقامة معايير التمييز، والله سبحانه الموفق وصلى الله وسلم على نبيّنا محمّد.
المعهد العالي للقضاء
8
التمهيد
وهو يتضمّن مطلبين.
المطلب الأول : استخلاص القواعد الفقهية من كتب الفقه.
الفرع الأول : الاتجاه إلى استخراج القواعد الفقهية من كتب الفقه.
الفرع الثاني: الاتجاه إلى استخراج القواعد والضوابط الفقهيّة عند إمام معيّن.
المطلب الثاني : رصد القواعد الفقهية، وإحصاؤها وترتيبها.
9
صفحه نامشخص
تمهيد
شهد حقل القواعد والضوابط الفقهية نشاطاً ملحوظاً منذ أخريات القرن الماضي. وقد ذكرنا في كتابنا (القواعد الفقهية - المبادىء - المقوّمات - المصادر - الدليليّة - التطوّر) أنّ الدراسات المعاصرة في مجال القواعد الفقهيّة، اتخذت مسارات عدّة، حدّدناها بما يأتي:
تحقيق طائفة من كتب التراث المتعلّقة بذلك.
استخلاص القواعد الفقهية المعلّل بها في أمّهات كتب الفقه.
رصد القواعد الفقهية وإحصاؤها وترتيبها.
تخصيص قواعد معيّنة بالدراسة.
محاولات وضع قواعد أو ضوابط في موضوعات معيّنة.
دراسة علم القواعد الفقهية، دراسة نظرية وتاريخية، مع التطبيقات في بعض الأحيان(١).
وقد تكلمنا عن كل واحد من هذه المسارات. غير أنّ الذي يتعلّق بموضوع بحثنا هذا أمران:
(١) القواعد الفقهية ص ٤١٧ ط ٢.
11
الأوّل: استخلاص القواعد الفقهية المعلّل بها في أمّهات كتب الفقه.
والثاني: رصد القواعد الفقهيّة وإحصاؤها وترتيبها.
وربما يتبع ذلك محاولات وضع قواعد وضوابط في موضوعات معيّنة.
ووجه هذا التعلّق أنّ الذي يستخرج القواعد ينبغي أن يكون على درجة تامة من العلم بمقوّمات القاعدة، وبما تتميّز به عن الأحكام، كما أن الذي يرصد القواعد ويحصيها لا يمكن له أن يقوم بذلك، على الوجه الصحيح، دون الإحاطة بما تُفَرَّق فيه القاعدة أو الضابط عن الأحكام.
وقبل الولوج إلى الموضوع نرى من المناسب أن نرصد النشاط العلمي في هذين المجالين، ونبيّن أهم ما كتب فيه، جاعلين الكلام فيهما في ضمن المطلبين الآتيين:
12
المطلب الأول :
استخلاص القواعد الفقهيّة من كتب الفقه
وهذا النوع من الدراسة من ميادين البحث المعاصر. إذ اتجه عدد من الدارسين إلى استخراج القواعد والضوابط الفقهية من كتب الفقه. تارة من كتاب معيّن، وتارة من مجموعة من كتب أحد الأئمة، وقد يكون استخراج القواعد لإمام معين من أحد كتبه، أو من مجموع كتبه، أو من أبواب معيّنة من كتبه. وسنقتصر كلامنا على اتجاهين في هذا المجال، نذكرهما ضمن الفرعين الأصليين.
الفرع الأول:
الاتجاه إلى استخراج القواعد، والضوابط الفقهية من أمهات الكتب الفقهية، ومما ساعد على هذا الاتجاه أنّ الأقسام العلمية في الجامعات جعلت مثل هذا الاتجاه طريقاً إلى الحصول على الدرجات العلمية العالية. وقسّمت بعض الكتب الكبيرة على مجموعة من الطلبة، تيسيراً لذلك، وتمكيناً من تغطية هذا العمل في مثل هذه الكتب. ومن المجهودات الحالية ما لجأت إليه معلمة القواعد الفقهية في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في التوجه إلى عدد كبير من الباحثين لاستخراج القواعد الفقهية من أمهات الكتب، موزّعة هذا العمل على العلماء من كل مكان.
13
وقد تبع هذا النوع من العمل استخلاص قواعد موضوعات معيّنة من كتب الفقه، كاستخلاص قواعد الضمان، أو قواعد الأوقاف، أو قواعد البيع أو غير ذلك ومن المؤلفات في هذا المجال:
١ - القواعد والضوابط الفقهية لنظام القضاء في الإسلام، للدكتور إبراهيم الحريري. نشر دار عمار للنشر والتوزيع في الأردن ١٤٢٠ هـ/ ١٩٩٩ م.
٢ - القواعد الفقهية من خلال كتاب المغني لابن قدامة _ للدكتور عبد الواحد الإدريسي نشر وطبع دار ابن القيم في الدمام، ودار ابن عفان في القاهرة ١٤٢٣/ ٢٠٠٢م وهو رسالة ماجستير.
٣ - القواعد الفقهية في بابي العبادات والمعاملات من خلال كتاب المغني لابن قدامة المقدسي رسالة دكتوراه _ كلية الشريعة في الرياض للدكتور عبد الله العبسي. ١٤٠٩هـ.
٤ - قواعد الفقه الإسلامي من خلال كتاب الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب للدكتور محمد الروكي _ نشر المجمع الفقهي بجدة - طبع دار القلم دمشق ١٩٩٨/١٤١٩) وأصل الكتاب بعنوان: قواعد الفقه المالكي من خلال كتاب الإشراف . . . الخ.
٥ - القواعد والضوابط الفقهية المستخلصة من التحرير للإمام جمال الدين الحصيري المتوفى سنة ٦٣٦هـ،
للدكتور علي أحمد الندوي _ وقد حصل بموجبه على شهادة الدكتوراه من جامعة أم القرى.
وطبع في مطبعة المدني بمصر ١٤١١ هـ/ ١٩٩١م).
٦ - القواعد الفقهيّة المستنبطة من المدوّنة الكبرى للإمام مالك بن أنس
14
الأصبحي. نشر دار التراث في الجزائر، ودار ابن حزم في بيروت. سنة ١٤٢٦ هـ / ٢٠٠٥م. للدكتور أحمد زقّور _ وهي رسالة دكتوراه من جامعة وهران في الجزائر.
الفرع الثاني: الاتجاه إلى استخراج القواعد والضوابط الفقهية عند إمام معين، في مجالات فقهية معينة. ومن هذه المؤلفات.
القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة للدكتور ناصر بن عبدالله الميمان / رسالة ماجستير من جامعة أم القرى. وقد طبع ونشر من قبل مركز البحوث والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى سنة ١٤١٦ هـ/ ١٩٩٧م.
القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في فقه الأسرة لمحمد بن عبدالله بن عابد الصواط وهو رسالة ماجستير من جامعة أم القرى / نشر دار البيان الحديثة في مكة في المملكة العربية السعودية سنة ١٤٢٢ هـ / ٢٠٠١م.
القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية جمعاً ودراسة لعبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصيّن - وهو رسالة ماجستير/ نشر دار التأصيل في القاهرة سنة ١٤٢٢ هـ / ٢٠٠١ م.
القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في المعاملات المالية لإبراهيم بن علي أحمد محمد الشال. وهو بحث تكميلي لمتطلبات الماجستير في الجامعة الأردنية / نشر دار النفائس في الأردن / ١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠٢م.
غير أنّ أغلب هؤلاء العلماء، لم يذكروا معايير يميّزون بها القواعد والضوابط الفقهية عن غيرها فالتبست لدى بعضهم القواعد بالأحكام،
15
وعدّ ما هو من قبيل الأحكام الفرعية أو الجزئية، قواعد، أو ضوابط فقهية، بناءً على أنّه من القضايا الكليّة، وأنّه يشمل جزئيات كثيرة، وأنه يتميّز بالتجريد والعموم. مع أنّ مثل هذه الصفات لا يجعل من قضية ما قاعدة فقهيّة، ولا ضابطاً على وجه محتّم.
ولعل الدكتور محمد الرّوكَي كان الباحث الوحيد الذي اجتهد في تعيين معايير للقواعد الفقهية من بين من تقدّم ذكره، في كتابه (قواعد الفقه الإسلامي من خلال كتابه الإشراف على مسائل الخلاف) للقاضي عبد الوهاب (ت ٤٢٢ هـ). فقد ذكر بعد عرضه لطائفة من تعريفات القاعدة، أنّه يؤخذ من هذه التعريفات معالم القاعدة الفقهيّة، وهي:
مجموعة من فروع وجزئيات تحتكم إلى أصل واحد، وتنضبط بأساس واحد، يشملها جميعاً، أو يشمل أغلبها.
إنها تصاغ بأوجز العبارات، ويختار لها أقلّ الكلمات وأجمعها(١).
وفي كتابه (نظرية التقعيد الفقهي) ذكر من مقوّمات القاعدة الفقهية: التجريد والعموم، والإيجاز في العبارة(٢).
لكنّ ما ذكره د. الرّوكَي _ على أهميّته، ليس كافياً في تحديد وتمييز القواعد والضوابط، عن الأحكام الجزئية والفرعية، كما أنّ بعض ما ذكره من مقوّمات، ليست في حقيقتها من أركان، أو شروط القواعد الفقهية.
وما ذكره من أنّها مجموعة من فروع وجزئيات تحتكم إلى أصل
(١) ص ١٠٩ و١١٠.
(٢) نظرية التقعيد الفقهي ص ٦٧.
16
واحد، وتنضبط بأساس واحد، يشملها جميعاً، أو يشمل أغلبها، هو من أوصاف الأحكام الفرعية والجزئية، أيضاً. فقولنا من مسّ امرأة بشهوة انتقض وضوؤه، أصل واحد يدخل فيه جزئيات وفروع كثيرة، كزيد وعمرو وبكر وخالد وغيرهم، كما أنّ إيجاز العبارة ليس ركناً، ولا شرطاً، في القاعدة، لأنّ هناك قواعد كثيرة تمتاز بالطول والإطناب، كما هو في قواعد ابن رجب (ت ٧٩٥هـ)، وقواعد المقّري (ت ٧٥٨هـ)(١).
ولذلك فإنّ حجر الزاوية في هذا المجال، هو وضع ضوابط تميّز القواعد والضوابط عن الأحكام، وهذا ما لم نجده في أيّة دراسة سابقة.
(١) انظر: كتابنا (القواعد الفقهية) ص ١٨٣ و١٨٤ ط١.
17
المطلب الثاني:
رصد القواعد الفقهية وإحصاؤها وترتيبها
وهذا النوع من العمل يحتاج إلى استقراء واسع، وإلى انتباه ودقة ملاحظة، لا في كتب القواعد وحدها، بل في كل الكتب الفقهية، وذلك؛ لأنّ القواعد الموجودة في كتب القواعد الفقهية، لا تنفي وجود قواعد أخرى لم تدرج فيها. وربما كان للعمل في الاتجاه السابق أثر كبير في إثراء هذا الجانب، ومدّه بالقواعد والضوابط التي لم يرد ذكرها في كتبها الخاصة، ويبدو لنا أنّ هذا العمل يحتاج إلى جهود كثيرة تبذل من الجماعات، لا من الأفراد. ولذا فإنّ مجمع الفقه الإسلامي بجدّة اتجه إلى هذا النوع من العمل. ونذكر فيما يأتي بعض هذه الأعمال.
أوّلاً: قواعد الفقه للشيخ السيد محمد عميم الإحسان المجدّدي البركتي من علماء بنغلادش. وهو كتاب يحتوي على خمس رسائل، هي قواعد الكرخي (ت ٣٤٠هـ) وتأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي (ت ٤٣٠ هـ)، والتعريفات الفقهية، وآداب المفتي، والقواعد الفقهية. والذي يخصّ موضوعنا هو ما جمعه المؤلّف من القواعد والضوابط الفقهية. وقد جمع (٤٢٦) قاعدة، هي في أكثرها ضوابط (من ص ٥٠ - ص١٤٤). وكان يذيّل كلّ قاعدة أو ضابط
18
بالمصدر الذي استقى منه ذلك، ويمثّل لها بالهامش. رتّبها بحسب الأحرف الهجائية. وقد قامت بنشره وطبعه لجنة النقابة والنشر والتأليف في كراتشي في الباكستان سنة ١٤٠٧ هـ/ ١٩٨٦م. ولم يذكر معياراً لما هو قاعدة أو ضابط عنده.
ثانياً: موسوعة القواعد الفقهية: جمع وترتيب وبيان الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو. وكان منهج الباحث أن يذكر لفظ القاعدة، أو الألفاظ التي وردت بها أوّلاً، ثم يبيّن معناها بإيجاز ثانياً، ثم يمثّل لها بما تنطبق عليه ثالثاً، وكان يذكر مظان وجود تلك.
وقد رتّبها بحسب الترتيب الأبجدي، وبحسب الحرف الأوّل من القاعدة، ثم ما بعده. كما أنّه أعطى لقواعده رقماً متسلسلاً. وذكر أنّه استبعد الضوابط الفقهية واقتصر على ذكر القواعد. وأنه اعتمد على الصيغ التي آلت إليها القاعدة عند المتأخرين، بعدما جرى عليها من حذف وتعديل وصقل.
وذكر قبل البدء بذكر القواعد عدداً من المقدّمات، بيّن في مقدّمة منها معنى القاعدة في اللغة والاصطلاح، وفي مقدمة أخرى الفرق بين القواعد الفقهيّة والقواعد الأصولية، ومقدّمة في ميزة القواعد الفقهيّة ومكانتها في الشريعة، وفوائد دراستها. ومقدمة في أنواع القواعد الفقهية ومراتبها ومصادرها، ومقدمة في حكم الاستدلال بها على الأحكام. ومقدّمة في نشأة القواعد الفقهية وتدوينها وتطوّرها، ومقدمة في بيان أسلوب القاعدة وعلاقتها بالنظرية الفقهيّة، ومقدمة تاسعة بالتعريف بأشهر المؤلفات في القواعد الفقهيّة. ولم يذكر معياراً لما هو قاعدة عنده، لكنّه ذكر
19