الجدول في إعراب القرآن
الجدول في إعراب القرآن
ناشر
دار الرشيد،دمشق - مؤسسة الإيمان
شماره نسخه
الثالثة
سال انتشار
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
محل انتشار
بيروت
ژانرها
المقدمة
بسم الله الذي أقسم بالقلم رمز العلم - فقال جل شأنه ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١)﴾.
باسم الله الذي اختار لكتابه الكريم أن تكون لغته عربية ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ فجعل لغته لا أفصح منها ولا أبلغ ولا أسلم، بل جعل لغته لغة أعجزت العرب أمة الفصاحة والبلاغة أن تأتي بمثله أو بسورة واحدة مثله.
والحمد لله الذي منَّ على هذه الأمة بحفظ لغتها وصانها من كل تحريف أو تغيير، وذلك عندما تجلت إرادته ﷾ بحفظ هذا الكتاب العزيز ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ وكان حفظ هذا الكتاب الكريم حفظًا لهذه اللغة العربية من أي تحريف أو تغيير.
والصلاة والسلام على رسول الهدى- أفصح من نطق الضاد- الذي بلّغ هذا الكتاب السماوي الكريم، وجهد نفسه بحفظه مما قد يطرأ عليه من آثار النسيان والسهو، فكان يسارع إلى تكراره رغبة في ترسيخ في نفسه، فأتعب بذلك نفسه، فأنزل الله ﷿ عليه ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾.
وبعد:
رحم الله مؤلف هذا الكتاب الأستاذ محمود صافي الذي بذل السنوات الطوال جادًا مكافحًا، ساهرًا مغالبًا النوم، حتى استطاع أن يقدم لقراء اللغة العربية ما يخدم لغتهم، ولطلبة العلم الشريف ما يوطئ لهم سبل الطلب
1 / 7
ويسهلها عليهم، فقدم لهم هذا السفر الضخم من إعراب القرآن الكريم إعرابًا كاملًا، واختار له الأسلوب المدرسي الميس ر، فخدم بذلك العلم والعلماء، وسهل الدرس على طلبة العلم، وأضاف جديدًا على ما قدمه سلفنا الصالح من خدمات جلّى للقرآن الكريم.
ويكفي مؤلف هذا الكتاب فخرًا أن كتابه هذا هو أول كتاب كامل صدر في اعراب القرآن، بالإضافة الى ما تحلى به من دقة في البحث وتنسيق في السرد، ودرس في أبحاث الصرف.
ولئن كان بداية العمل على إصدار هذا المؤلف الضخم متوافقة مع ساعة انتقال المؤلف إلى العالم الآخر، ليتلقى هناك- في عالم الخلود- جزاء ما قدمت يداه من خير وفير... فإننا نعلم حقيقة العلم أن المؤلف ﵀ لو أمهله القدر حتى يخرج كتابه هذا في طبعتين متلاحقتين، ويسمع إلى ملاحظات القراء الذين رغبوا في أن يضاف إلى هذا السفر العظيم دراسة بلاغية وملاحظات تفيد القارئ في مجالها المناسب، لما تباطأ عن تلبية هذه الرغبة، ولسارع إلى امتشاق القلم، ومكابدة الليالي الطوال، تحقيقًا لهذه الرغبة وإتمامًا للفائدة المطلوبة لذلك.
وتمشيًا مع ما نتوقعه من رغبته -طيب الله ثراه- في تلبية طلب القراء، وتتميمًا للفائدة المتوخاة، عمدت دار الرشيد إلى تكليف بعض الأساتذة المتخصصين بتصنيف هذه الزيادات المطلوبة، رأينا أن دمجها مع الكتاب يحقق الفائدة للقارئ ويوافق ما نتوقعه من رغبة كل مؤلف في تكميل ما قدمه.
لذلك وتحقيقًا للأمانة العلمية لا بد من التأكيد في مطلع هذا الكتاب على أن كل ما ذكر فيه تحت عنوان (البلاغة) أو (الفوائد) إنما قد أضيف على ما كان خطه المؤلف ﵀.
آملين أن نكون بذلك العمل قد أتممنا الفائدة المرجوة من هذا الكتاب، وحققنا عملًا نرجو أن يكون في ميزان مؤلفه عند الله والله ولي التوفيق.
دمشق ٣/ ٦/ ١٩٩٠
الدكتور محمد حسن الحمصي
1 / 8
تقديم الطبعة السابقة والتي كانت بعنوان الجدول في إِعراب القران وصرفه
بقلم الأستاذ نور الدين شمس باشا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للُه الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على صفوته من خلقه محمد سيد الكائنات، وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين.. أما بعد..
فما عرفت الإنسانية في تاريخها العريق كتابًا كان له من التكريم والتعظيم ما كان لقرآن الله العظيم، فقد تنافس الناس في فهمه ودرسه وحفظه والعناية به، منذ أن نزل على قلب الهادي الأمين، وكانت لهم في خدمته صولات وجولات: شرحوا آياته، وفسروا كلماته، وكتبوا في إعجازه وبلاغته، وألّفوا في صرفه ونحوه، واستنبطوا أحكامه، وبوَّبُوا موضوعاته وأبانوا ناسخه ومنسوخه، وميَّزوا بين مكيّه ومدنيّه، وتحدثوا عما كان من أسباب نزوله، وأحصوا قراءاته، ووضعوا الأدلة والفهارس والمعاجم لألفاظه وآياته، وقعَّدوا القواعد لضبط قراءته وتجويد تلاوته.. وما تزال أقلام العلماء منهم تدفع إلى المطابع كل صباح بما ينمّي هذا الرصيد المبارك، وبما يكون له شرف الإسهام في جلاء المزيد من علوّ قدره ورفعة شأنه.. حتى لقد ازداد الذين آمنوا إيمانًا بأن منزّل الذكر، سبحانه، هو الموكّل بحفظه وصونه..
وما كتاب "إعراب القرآن الكريم" بأجزائه الثلاثين لمؤلفه الأستاذ المرحوم محمود عبد الرحيم صافي، طيب الله ثراه، إلا حلقة في هذه السلسلة الخالدة، وخيط نور باهر الألق في حزمة الضياء المنبعثة أبدًا من كتاب الله، والممتدة سرمدًا بين السماء والأرض، تهدي السالكين إلى
1 / 9
جادة الحق، ضالة الراشدين وبغية المهديين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
لقد بذل الأستاذ محمود صافي ﵀ في إعداد هذا الكتاب الكريم من الجهد ما يتناسب مع جلال المهمة التي استعد لها وندب نفسه للقيام بها. فكان لا يُرى إلا قارئًا أو كاتبًا.. نظر في أوثق التفاسير، واطلع على مختلف معاجم اللغة، وتناول أمهات كتب النحو بالدرس والمقارنة والتحليل وصبر نفسه الليالي ذوات العدد، حتى اختلطت عليه دلجة الليل بغسق الفجر، وهو مكبٌّ على آيات الله، موجِّهٌ عنايته إلى ناحية بعينها من كلماتها وجملها، وهي ناحية الإعراب والنحو، حتى كان له ما أراد فأنجز إعراب الكتاب الكريم في نحو سنواتٍ ست، وأسعد الله قلبه بأمل طالما تمنى تحقيقه، وبعمل طالما تاقت نفسه إلى النهوض به.
لم تكن الخطة التي انتهجها الأستاذ محمود صافي عملًا في الإعراب لقصد الإعراب وحده وإن كان الإعراب واحدًا من أبرز مقاصده، بل لقد كان المقصد الأساس في عمله كله - وإنما كانت، وقبل كل شيء، سعيًا وراء الملاءمة بين التفسير والقاعدة النحوية، فالإعراب لا يمكن أن يأتي دقيقًا صائبًا في منأى عن الفهم الصحيح للعبارة القرآنية الكريمة.. ومن هنا كانت الصعوبة، فمع كتابٍ ككتاب الله العظيم تشعبت فيه مذاهب المفسرين وتباينت مواقفهم من الكلمة ومدلولها وإيحائها، في كثير من الأحيان، كانت عملية الملاءمة هذه تبدو أمرًا في غاية الصعوبة.. إضافةً إلى أن الفهم البلاغي وتوجيه التعبير نحو هذا المقصد أو ذاك كان هو الآخر مصدر صعوبة لا يُستهان بها.. ومع ذلك فقد كان الأستاذ محمود، ﵀ وأجزل له الأجر، يتخير من الأوجه المتعددة ما يرى أنه أدناها إلى أصالة اللغة، مع حرص ظاهر في كثير من الأحيان
1 / 10
على إيراد الأوجه، الأخرى، محاولةً منه أن يترك لأولي البصر والتخصص مجالًا لقول أو مندوحة لرأي..
لقد أضاف الأستاذ محمود رحمه الله تعالى إلى المكتبة الإسلامية سفرًا سيكون لقارئيه نورًا يهديهم إلى مزيد من الفهم لكتاب الله العظيم، كما سيكون للأستاذ محمود نفسه نورًا على الصراط، وظلًا ظليلًا يوم لا ظل إلا ظل رحمته وعفوه..
وبعد.. فإنها ولا شك مشيئةٌ من الله تعالى أن يتوافق في هذا العمل مفارقتان اثنتان: ففي أصيل يوم بارد من أيام شباط عام ١٩٨٥ اختار الله إلى جواره مؤلف الكتاب الأستاذ محمود صافي بعد ساعةٍ واحدة من تسليم مسودته إلى دار الرشيد للطباعة والنشر لتتولى مشكورة طباعته وتوزيعه في العالم الِإسلامي.. لقد مات الرجل الكبير في ذات الساعة التي تمَّت فيها الولادة لعمل من أكثر الأعمال إرضاء لله تعالى!
رحم الله الأستاذ محمود صافي وأثابه على عمله المبرور رضوانًا منه وكرامة، وأجزل الله الأجر للأستاذ محمد حسن الحمصي الذي ما فتئ منذ أسس دار الرشيد للطباعة والنشر يتخيّر نفائس الكتب للنشر والتوزيع، مؤثرًا دائمًا ما يتعلق بكتاب اللُه الكريم وشرعه القويم شرحًا وتفسيرًا وفهرسة وطباعة، ومعطيًا عمله من العناية والإِتقان ما جعله موضع تقدير الجميع وإعجابهم وثنائهم..
أسأل الله أن يتقبل جهد العاملين المخلصين، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به أمة الأشلام إن ربنا سميع مجيب..
والحمد لله رب العالمين
٢١/ ١٢/ ١٤٠٥ هـ
٦/ ٩/ ١٩٨٥ م
نور الدين شمسي باشا
الموجه الفني للتربية الإسلامية، في دولة الكويت.
1 / 11
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ﷺ وعلى آله وصحبه، ومن عمل بسنته.
وبعد:
فهذا (الجدول في إعراب القرآن وصرفه) قد جعلته جدولًا في إعراب القرآن بعد أن أخرج محمد بن يوسف بن علي (أبو حيّان) الأندلسي كتابه الأشهر (البحر المحيط) في تفسير القرآن الكريم واعرابه، فهذا الكتاب جدول صغير في إعراب القرآن وصرفه، اقتصرت فيه على قراءة واحدة من القراءات السبع، وهي قراءة حفص بن سليمان الذي أخذ عن عاصم بن أبي النجود الأسدي.. فعلت ذلك حتى لا يضيع المبتدئ في متاهات الإعراب المتعلقة بالقراءات الأخرى، ولأن القارئ العادي لآيات القرآن الكريم لا يقرأ إلا هذه القراءة التي اُثرت عن حفص. ولكن قد يكون للكلمة المعربة بحسب هذه القراءة أكثر من وجه للإعراب فأختار، والحالة هذه، الإعراب المتعلق بالمعنى الأوضح والأظهر، ثم أحيل القارئ إلى أوجه الإعراب الأخرى في الحاشية إن كان ثمّة ضرورة لذلك.
1 / 13
وقد توخيت أن يكون الإعراب مدرسيًا من حيث الشكل، معتمدًا على الاصطلاحات الإعرابية الحديثة المألوفة في مدارسنا وجامعاتنا، لم أترك أيّة كلمة، اسمًا كانت أم فعلًا أم حرفًا من غير إعراب. ثم أعقب بعد إعراب الكلمة بإعراب الجمل، حتى ما كان منها خبرًا لمبتدأ أو لأحد النواسخ، وذلك كي أبتعد عن التكرار غير المفيد.. فإذا جاء خبر الكلمة جملة فليطلبه القارئ في إعراب الجمل آخر الآية.
كما أنني اقتصرت في الإِعراب على القواعد العامة حين يتقدم الجار والمجرور أو الظرف في الجملة، وقد اعتمدا على النفي أو الاستفهام... فهذا الجار والمجرور أو الظرف هو خبر مقدّم والاسم الذي يتلوه مبتدأ مؤخّر. ولم أعتمد الوجه الثاني الصحيح في الإعراب وهو أن يكون الاسم بعدهما معمولًا لهما أو لفعل الاستقرار المحذوف، بأن يكون هذا الاسم فاعلًا أو نائب فاعل للظرف أو الجار والمجرور.
وحين يتعارض الإعراب القرآنى مع القواعد النحوية أوثر تخاريج الإعراب على المعنى القرآني وإن خالف الصناعة النحوية لأننا كما يقول الدكتور صبحي الصالح (^١): "نجعل القرآن حكما على قواعد اللغة والنحو، ولا نجعل تلك القواعد حكمًا على القرآن، فما استمد النحاة قواعدهم إلا من القرآن بالدرجة الأولى... ".
وقد رأيت إتماما للفائدة أن أذيّل كل آية بدراسة صرفية اشتقاقية للكلمات الواردة فيها حتى تكون هذه الدراسة عونًا لكل طالب علم أو متعلم يبغي تعرف علم الصرف، وإدراك أساليبه في الإعلال والِإبدال والحذف والوزن، والإلمام بقواعده. ثم أحيل القارئ إلى الآية ورقمها حين يتكرر ورود الكلمات المدروسة مثنى وثلاث ورباع.
_________
(^١) مباحث في علوم القرآن. ص ١٦٣.
1 / 14
وفي الختام أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كلّ من قرأه واطّلع عليه، وأسأله تعالى أن يعفو عنِّي بكل خطأ غير متعمّد وقعت فيه، وبكل سهو غير مقصود فاتني استدراكه..
والله الموفق إلى كل خير، نعم المولى ونعم النصير.
حمص في ٨ شوال سنة ١٣٩٩
و٣٠ آب سنة ١٩٧٩
المصنف
محمود صافي
1 / 15
كلمة المراجع
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
لقد كلفتني دار الرشيد بإلقاء نظرة تصحيحية أخيرة على كتاب (الجدول في اعراب القرآن وصرفه)، فتقبلت العمل بكل سرور، لما رأيت فيه من خدمة لكتاب الله ﷿.
غير أنني ما كدت أسير شوطًا في المراجعة، حتى تبدى لي وجود بعض ملاحظات تقتضي العودة الى المراجع، ذلك أن الأصل المخطوط لم يسلم من بعض هفوات وقع فيها المؤلف.
لذلك وبعد العودة الى الدار الناشرة (دار الرشيد) قمت بمراجعة كل ما قد يلاحظ على المخطوط، فوجدت أن معظم هذه الملاحظات أقرب الى أن تكون هفوات قلم، سها عنها المؤلف ﵀، لأنه- والحق يقال- كان مشغول الفكر دائمًا بالأمور التي قتلها بحثًا وتمحيصًا، فاختار الأفصح والأكثر تساوقًا مع المعنى.
ولئن كنت وقعت على بعض ملاحظات سها عنها القلم، مما لا يحتاج الى كد للذهن وغوص في المراجع، فإنني فيما عدا ذلك كنت - في كل مرة أميل فيها إلى رأي مخالف للرأي الذي تبناه المؤلف- أجد بعد البحث والتمحيص أن الرأي رأيه والموقف موقفه.
1 / 17
لذلك فقد اكتفيت من متابعة هذا المخطوط بتتبع الأخطاء التي يلحظها القارئ ويسهو عنها قلم المؤلف المشغول الفكر، ذلك أنه ﵀ أغنانا عن البحث والتنقيب.. ولم أشا أن أنوه بما قمت بتصحيحه، كلٍّ في مكانه، لاعتقادي الجازم بأن ما صوبته هو نفسه ما رمى اليه المؤلف حقيقة.
ختامًا لا يسعنى الا أن أقف وقفة إجلال وإكبار، أمام روح المؤلف، التي تبدت لنا من خلال هذا المؤلف الضخم، فأسفرت لنا عن عالم جليل خدم العلم، وقدم للمشتغلين في علوم القرآن واللغة العربية سفرًا يسهّل عليهم العمل ويغنيهم عن العودة إلى المراجع المطولة.
فإلى روح المؤلف الفقيد أبعث بأطيب دعاء.. مع رجاء أن ينزل الله عليه من عنده من شآبيب الرحمة ما يتناسب مع جلال العمل في هذا السفر الضخم.
وفق الله الجميع... وسدد الخطا الى ما فيه الخير والصلاح.
دمشق / ٢٢/ جمادى الثانية/ ١٤٠٦ هـ
الموافق ٣/ ٣/ ١٩٨٦ م
لينة الحمصي
أستاذة محاضرة في كلية الدعوة الإِسلامية بدمشق
1 / 18
تنبيه
لقد احتوى هذ الإعراب بين طياته شرحًا مفصلًا لأبحاث الصرف لكلمات القرآن، وإذا ما بينا في موضع من المواضع ميزان الكلمة وما طرأ عليها من إعلال أو إبدالٍ فإننا لن نعود إلى البحث فيها إذ اما وردت مرة أخرى في موطن آخر.
لذلك إذ أردتَ البحث الصرفي لكلمة من كلمات القرآن فارجع إلى الفهرس الصرفي الخاص الموجود في الجزء الحادي والثلاثين لتعرف موطن ذاك البحث المطلوب.
* * *
1 / 19
سورة الفاتحة
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)﴾
الإعراب:
(بسم) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. والمبتدأ محذوف تقديره: ابتدائي (^١) (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. (الرحمن) نعت للفظ الجلالة تبعه في الجر. (الرحيم) نعت ثان للفظ الجلالة تبعه في الجر.
الصرف:
(اسم) فيه إبدال، أصله سمو، حذف حرف العلة وهو لام الكلمة وأبدل عنه همزة الوصل. ودليل الواو جمعه على أسماء وأسامي، وتصغيره سمىّ. والأصل أسماو وأسامو وسموي، فجرى فيها الإعلال بالقلب.
(الله) .. أصله الإلاه، نقلت حركة الهمزة إلى لام التعريف ثم سكنت وحذفت الألف الأولى لالتقاء الساكنين وأدغمت اللام في اللام الثانية..
وحذفت الألف بعد اللام الثانية لكثرة الاستعمال. فالإله مصدر من أله يأله إذا عبد، والمصدر في موضع المفعول أي المعبود.
_________
(^١) يجوز أن يكون التعليق بفعل محذوف تقديره أبدأ على رأي الكوفيين.. وقد حذفت الألف في البسملة لكثرة الاستعمال، ولا تحذف في غيرها: باسمك اللهم أبدأ..
1 / 27
(الرحمن) صفة مشتقة من صيغ المبالغة، وزنه فعلان من فعل رحم يرحم باب فرح.
(الرحيم) صفة مشتقة من صيغ المبالغة، أو صفة مشبهة باسم الفاعل وزنه فعيل من فعل رحم يرحم.
البلاغة
١ - التكرير: لقد كرّر الله ﷾ ذكر الرحمن الرحيم لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج وقد ذكر المنعم دون المنعم عليهم فأعادها مع ذكرهم وقال: «ربّ العالمين الرحمن» بهم أجمعين.
٢ - قدم سبحانه الرحمن على الرحيم مع أن الرحمن أبلغ من الرحيم، ومن عادة العرب في صفات المدح الترقي في الأدنى الى الأعلى كقولهم: فلان عالم نحرير. وذلك لأنه اسم خاص بالله تعالى كلفظ «الله» ولأنه لما قال «الرحمن» تناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها، وأردفه «الرحيم» كتتمة والرديف ليتناول ما دقّ منها ولطف. وما هو من جلائل النعم وعظائمها وأصولها أحق بالتقديم مما يدل على دقائقها وفروعها. وافراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة.
فباسم الله تعالى تتم معاني الأشياء ومن مشكاة ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ تشرق على صفحات الأكوان أنوار البهاء.
الفوائد
البسملة:
عني العلماء ببحث البسملة من سائر وجوهها، نخص منها بالذكر:
١ - اختلفوا حول كونها آية من كتاب الله أم لا، فابن مسعود ومالك والأحناف وقراء المدينة والبصرة والشام لا يرونها آية.
1 / 28
وابن عباس وابن عمر والشافعي وقراء مكة والكوفة يرون أنها آية من كل سورة.
٢ - نزلت البسملة مجزّأة: الجزء الأول في قوله تعالى: «بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها» الثاني: في قوله: «ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ» الثالث في قوله: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)﴾
الإعراب:
(الحمد) مبتدأ مرفوع. (لله) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره ثابت أو واجب. (ربّ) نعت (^١) للفظ الجلالة تبعه في الجر وعلامة الجر الكسرة. (العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
وجملة: «الحمد لله..» لا محل لها ابتدائية.
الصرف:
(الحمد) مصدر سماعي لفعل حمد يحمد باب نصر وزنه فعل بفتح فسكون.
(ربّ) مصدر يرب باب نصر، ثم استعمل صفة كعدل وخصم، وزنه فعل بفتح فسكون.
(العالمين) جمع العالم، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو مشتق إما من العلم بكسر العين أو من العلامة، وزنه فاعل بفتح العين، وكذلك جمعه.
_________
(^١) أو بدل من لفظ الجلالة.
1 / 29
البلاغة
١ - إن جملة ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾ خبر، لكنها استعملت لإنشاء الحمد وفائدة الجملة الاسمية ديمومة الحمد واستمراره وثباته. وفي قوله «لله» فن الاختصاص للدلالة على أن جميع المحامد مختصة به ﷾.
٢ - لما افتتح ﷾ كتابه بالبسملة وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال.
٣ - أما حمد الله تعالى نفسه فإنه إخبار باستحقاق الحمد وأمر به أو أنه مقول على ألسنة العباد، أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية القصوى من الحمد.
وقد قدم الحمد على الاسم الجليل لاقتضاء المقام فريد اهتمام به، وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه والأهمية تقتضي التقديم.
الفوائد
الفاتحة:
لا تكاد تحصى فوائدها نختار منها:
١ - نزل بها الوحي مرتين. الأولى في مكة عند ما فرضت الصلاة.
الثانية في المدينة عند ما تحولت القبلة.
٢ - للفاتحة أسماء عدة: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، وأم الكتاب، وسورة الكنز، وسورة الحمد والشكر والدعاء، وسورة الصلاة وسورة الشفاء، والسبع المثاني.
٣ - وقع أسلوب الالتفات خلال هذه السورة فقد بدأت بالحديث عن الغائب ثم تحولت الى أسلوب الخطاب، وهذا ضرب من أضرب البلاغة الشائعة في كلام العرب.
1 / 30
٤ - تشتمل الفاتحة على الكليات الأساسية في التصور الإسلامي، ولذلك فرض الله تكرارها في كل صلاة بل في كل ركعة،
وقد ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله «ﷺ» قوله:
«يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل: إذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، قال الله: أثنى عليّ عبدي.
فإذا قال: ﴿مالِكِ يَوْمِ﴾. قال الله مجدني عبدي. وإذا قال: ﴿اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ﴾. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)﴾
الإعراب:
(الرحمن) نعت للفظ الجلالة (^١). (الرحيم) نعت ثان للفظ الجلالة.
﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾
الإعراب:
(مالك) نعت للفظ الجلالة (^٢) مجرور مثله. (يوم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(الدين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
الصرف:
(مالك) اسم فاعل من ملك يملك على معنى الصفة المشبهة لدوام الملكية، باب ضرب وزنه فاعل جمعه ملاّك ومالكون.
(يوم) اسم بمعنى الوقت المحدد من طلوع الشمس إلى غروبها أو
_________
(^١) أو بدل من لفظ الجلالة ومثله الرحيم.
(^٢) أو بدل من لفظ الجلالة.
1 / 31
غير المحدد. وهنا جاء بمعنى يوم القيامة. وجمعه أيّام، وجمع الجمع أياويم.
(الدين) مصدر دان يدين باب ضرب بمعنى جزى وأطاع أو خضع، وزنه فعل بكسر الفاء وسكون العين، وثمّة مصدر آخر للفعل هو ديانة بكسر الدال. والدين معناه الجزاء أو الطاعة، وقد يكون بمعنى الملّة أو العادة.
﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾
الإعراب:
(إيّاك) ضمير بارز منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدّم، أو (إيّا) ضمير مبني في محل نصب مفعول به، و(الكاف) حرف خطاب. (نعبد) فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن و(الواو) عاطفة. (إياك نستعين) تعرب كالسابق.
وجملة: «إياك نعبد..» لا محل لها استئنافية.
وجملة: «إياك نستعين..» لا محل لها معطوفة على جملة إياك نعبد.
الصرف:
(نستعين)، فيه إعلال أصله نستعون من العون، بكسر الواو، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين وسكنت الواو-وهو إعلال بالتسكين-ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها-وهو إعلال بالقلب-.
البلاغة
١ - كرّر الله ﷾ «إيّاك» لأنه لو حذفه في الثاني لفاتت فائدة التقديم وهي قطع الاشتراك بين العاملين إذ لو قال: «إِيّاكَ نَعْبُدُ﴾ ونستعين» لم يظهر أن التقدير إيّاك نعبد وإيّاك نستعين أو إيّاك نعبد ونستعينك، وإنه لم يقل
1 / 32
نستعينك مع أنه مفيد لقطع الاشتراك بين العاملين وذلك لكي يفيد الحصر بين العاملين.
وقدم العبادة على الاستعانة مع أن الاستعانة مقدمة، لأن العبد يستعين الله على العبادة ليعينه عليها، وذلك لأن الواو لا تقتضي الترتيب، والاستعانة هي ثمرة العبادة، ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الاجابة إليها.
٢ - الالتفات في هذه الآية الكريمة التفات من الغيبة الى الخطاب وتلوين للنظم من باب الى باب جار على نهج البلاغة في افتنان الكلام ومسلك البراعة حسبما يقتضي المقام. لما أن التنقل من أسلوب الى أسلوب أدخل في استجلاب النفوس واستمالة القلوب يقع من كل واحد من التكلم والخطاب والغيبة الى كل واحد من الآخرين. كما في قوله تعالى «اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا».
٣ - وإيثار صيغة المتكلم مع الغير في الفعلين للإيذان بقصور نفسه وعدم لياقته بالوقوف في مواقف الكبرياء منفردا وعرض العبادة واستدعاء المعونة والهداية مستقلا وأن ذلك إنما يتصور من عصابة هو من جملتهم وجماعة هو من زمرتهم كما هو ديدن الملوك، أو للإشعار باشتراك سائر الموحدين له في الحال العارضة له بناء على تعاضد الأدلة الملجئة الى ذلك.
﴿اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾
الإعراب:
(اهد) فعل أمر دعائي مبني على حذف حرف العلة، و(نا) ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. (الصراط) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الفتحة (^١).
_________
(^١) الفعل (هدى) يتعدى إلى المفعول الثاني من غير حرف جر أو بحرف الجر اللام أو بحرف الجر إلى. جاء في المحيط: هداه الله الطريق وله وإليه.
1 / 33
(المستقيم) نعت للصراط منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة.
والجملة: لا محل لها استئنافية.
الصرف:
(اهدنا) فيه إعلال بالحذف لمناسبة البناء، أصله في المضارع المرفوع تهدينا، وزن اهدنا افعنا (الصراط)، هو بالسين والصاد، وفي قراءة الصاد إبدال حيث قلبت السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق.
(المستقيم)، اسم فاعل من استقام، فهو على وزن مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل آخره.. وفيه إعلال، أصله مستقوم-بكسر الواو-لأن مجرد فعله قام يقوم، ثم جرى فيه ما جرى في نستعين.
البلاغة
١ - «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» والمستقيم المستوي والمراد به طريق الحق وهي الملة الحنيفية السمحة المتوسطة بين الإفراط والتفريط. فقد شبه الدين الحق بالصراط المستقيم، ووجه الشبه بينهما أن الله سبحانه وإن كان متعاليا عن الأمكنة لكن العبد الطالب الوصول لا بد له من قطع المسافات، ليكرم الوصول والموافاة وهذا من قبيل الاستعارة التصريحية.
٢ - لقد كرّر ﷾ ذكر «الصراط» لأنه المكان المهيّأ للسلوك، فذكر في الأول المكان دون السّالك فأعاده مع ذكره بقوله «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» المصرح فيه ما يخرج اليهود وهم المغضوب عليهم والنصارى وهم الضالون.
﴿صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ (٧)﴾
الإعراب:
(صراط) بدل من صراط الأول تبعه في النصب، وعلامة
1 / 34
نصبه الفتحة. (الذين) اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف اليه. (أنعمت) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع، و(التاء) ضمير متصل في محل رفع فاعل. (عليهم)، (على) حرف جر و(الهاء) ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر ب (على) متعلق ب (أنعمت)، و(الميم) حرف لجمع الذكور (غير) بدل من اسم الموصول (الذين) تبعه في الجر (^١). (المغضوب) مضاف إليه مجرور (عليهم) كالأول في محل رفع نائب فاعل للمغضوب، (الواو) عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (الضالّين) معطوف على (غير) مجرور مثله وعلامة الجر الياء لأنه جمع مذكر سالم.
وجملة: أنعمت عليهم... لا محل لها صلة الموصول.
الصرف:
(المغضوب)، اسم مفعول من غضب باب فرح، وزنه مفعول.
(الضالّين)، جمع الضال وهو اسم فاعل من ضلّ يضلّ باب ضرب وزنه فاعل، وأدغمت عين الكلمة في لامه لأنهما الحرف ذاته.
(غير) اسم مفرد مذكّر دائما، قد يكون نعتا وقد يكون أداة استثناء..
فاذا أريد به مؤنث جاز تأنيث فعله المسند إليه. تقول: قامت غير هند
_________
(^١) أو بدل من الضمير في (عليهم)، أو نعت لاسم الموصول. وهذا الأخير مردود عند المبرد لأن (غير) عنده لا يكون إلا نكرة وإن أضيفت، والاضافة فيه لفظية و(الذين) معرفة.. وقد أجيب عن هذا الاعتراض بجوابين: الأول: أن (غير) يكون نكرة إذا لم يقع بين ضدين، فاذا وقع-كما في الآية السابقة-فقد انحصرت الغيرية، فيتعرف حينئذ بالإضافة. الثاني: أن الموصول أشبه النكرات بالإبهام الذي فيه، فعومل معاملة النكرات.
1 / 35