ويطربُ ويبكي، ورأيتُ منهم من إذا قرأَ قسَّى القلوبَ وأبرمَ النفوسَ وبدل كلام اللهِ، وأسوأُهم حالًا "الجنائزية". (^١)
وأما القراءة بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيءٍ على التلاوة بما يُخرِج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات، اقرأ يا رجل وأعفنا من التغليظ والترقيق، وفرط الإمالة والمدود، ووقوف حمزة، فإلى كم هذا؟!
وآخر منهم: إن حضر في ختم أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا "أبو … اعرفوني، فإني عارف بالسبع"، إيش نعمل بك؟! لا وصبحك الله بخير، إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة. (^٢).
[وعلى هذا المعنى جاء كلامُ غيرهم من أهل العلم، فهذا الإمام ابن القيم ﵀ يقول وهو يذكر مكائد الشيطان على الإنسان: ومنْ ذلك: الوسوسةُ في مخارج الحروفِ، والتنطع فيها … ومنْ تأملَ هديَ رسولِ اللهِ ﷺ وإقرارَه أهلِ كلِّ لسانٍ على قراءتِهم؛ تبيَّنَ له أن التنطعَ والتشدقَ والسوسةَ في إخراجِ الحروفِ ليس من سنته (^٣)] [¬*].
المطلب الثالث: مرعاة صحة الأداء
وخاتمة هذا المبحث لريحانة الأداء الشيخ محمود خليل الحصري (ت: ١٤٠٠ هـ) حيث يقول ﵀ عن صحة الترتيل:
الترتيل: وهو تجويد كلماته، وتقويم حروفه، وتحسين أدائه، بإعطاء كل حرفٍ حقَّه، ومنحه مستحقَّه من الإجادة والإتقان، والتحقيق والإحسان.
ولا يكون ذلك إلا بتصحيح إخراج كلِّ حرفٍ من مخرجه الأصلي المختصِّ به، تصحيحًا يمتاز به عن مُقارِبِه، وتَوْفِيَة كلِّ حرفٍ صفته المعروفة به توفيةً تُخرجه عن مجانِسه، مع تيسير النطق به على صفته الحقيقية، وهيئته القرآنية.
ومع العناية بإبانة الحروف، وتمييز بعضها من بعض، وإظهار التَّشديدات، وتحقيق الهَمَزات، وتوفية الغُنَّات، وإتمام الحركات، والإتيان بكلٍّ من الإظهار والإدغام والقَلْب والإخفاء على حقيقته التي وردت عن أئمَّة القرآن.
ومع تفخيم ما يجب تفخيمه من الحروف، وترقيق ما يجب ترقيقه منها، وقَصْر ما ينبغي قَصْرُه، ومَدِّ ما يتعين مدُّه، ومع ملاحظة الجائز من الوقوف، والممنوع منه؛ ليوقَفَ على ما يصحُّ الوَقْف عليه، ويوصَلَ ما لا يصحُّ الوَقْف عليه.
ثم هو يحذر من التعسف والتشدق فيقول: على أن يكون ذلك كله من غير تشدُّق ولا إسراف، ولا تصنُّع ولا اعتساف، ولا خروج عن الجادَّة إلى حدِّ الإفراط الذي قد