Al-Istidh'af wa Ahkamuhu fi al-Fiqh al-Islami

Ziyad bin Abid Al-Mashwakhi d. Unknown

Al-Istidh'af wa Ahkamuhu fi al-Fiqh al-Islami

الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

ناشر

دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م

محل انتشار

الرياض - المملكة العربية السعودية

ژانرها

الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي تأليف د. زياد بن عابد المشوخي عضو هيئة التدريس بجامعة الأمير سلطان - الرياض إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الشؤون الإسلامية بتمويل الإدارة العامة للأوقاف دولة قطر

صفحه نامشخص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة تقدم بها الباحث إلى كلية الشريعة والقانون ضمن تخصص الفقه المقارن لنيل درجة الدكتوراه، في جامعة أم درمان الإِسلامية، السودان، بتاريخ ٢٢/ ٩ / ١٤٣٢ هـ الموافق ٢٢/ ٨ / ٢٠١١ م. وقد تشكلت لجنة المناقشة من: ١) فضيلة الأستاذ الدكتور/ حسن محمد الأمين (عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة أم درمان الإِسلامية سابقا، ومدير معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية) .... (مشرفًا). ٢) فضيلة الأستاذ الدكتور/ موسى محمد عثمان (رئيس قسم الفقه المقارن) .... (مناقشًا). ٣) فضيلة الأستاذ الدكتور/ الطاهر عبد الكريم ساتي - عميد كلية الشريعة بجامعة القرآن الكريم .... (مناقشًا).

1 / 2

مقدمة كتاب الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بدولة قطر -وقد وفقها اللَّه لأن تضرب بسهم في نشر الكتب النافعة للأمة- لَتحمد اللَّه ﷾ على أن ما أصدرته قد نال الرضا والقبول من أهل العلم. والمتابع لحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة العلوم الشرعية، ورفد المكتبة الإِسلامية بنفائس الكتب القديمة والمعاصرة؛ وذلك منذ تسعة عقود، عندما وجَّه الشيخ عبد اللَّه بن قاسم آل ثاني -حاكم قطر آنذاك- بطباعة كتابي (الفروع) و(تصحيح الفروع)، سنة ١٣٤٥ هـ، وكان المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني -رحمه اللَّه تعالى- قد سنَّ تلك السنة من قبل. وقد جاء مشروع إحياء التراث الإِسلامي والنشر العلمي الذي بدأته الوزارة في السنوات الأخيرة امتدادًا لتلك الجهود، وسيرًا على تلك المحجة التي عُرفت بها دولة قطر. ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسَّر اللَّه جلَّ وعلا للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم والدراسات المعاصرة المتميزة في فنون مختلفة، تُطبع لأول مرة، نذكر منها: في التفسير وعلوم القرآن: - أصدرت الوزارة عدة كتب منها: (فتح الرحمن في تفسير القرآن) للعُليمي، و(المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لابن عطية في طبعته الثانية. - وفي علم رسم المصحف أصدرت الوزارة: كتاب (مرسوم المصحف) للعُقيلي، و(الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة) لأبي بكر اللبيب.

1 / 3

- وفي علم القراءات أصدرت الوزارة كتاب: (البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة) لأبي حفص النشار، و(معاني الأحرف السبعة) لأبي الفضل الرازي. وفي السنة النبوية وشروحها: أصدرت الوزارة عدة كتب، منها: (التقاسيم والأنواع) لابن حبان، و(مطالع الأنوار) لابن قرقول، و(التوضيح شرح الجامع الصحيح) لابن الملقن، و(حاشية مسند الإِمام أحمد) للسندي، وشرحان لموطأ الإمام مالك؛ لكُلٍّ من (القنازعي)، و(البوني)، و(المخلصيات) لأبي طاهر المخلص، و(شرح مسند الإِمام الشافعي) للرافعي، و(نخب الأفكار شرح معاني الآثار) للعيني، و(مصابيح الجامع) للدَّمَاميني. ومما تشرفت الوزارة باصداره في تحقيق جديد متقن: (صحيح ابن خزيمة)، و(السنن الكبرى) للإمام النسائي، والمحقَّقان على عدة نسخ خطية، و(جامع الأصول في أحاديث الرسول)، و(النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير. وفي الفقه وما يتصل به: أصدرت الوزارة عدة كتب في المذاهب الأربعة، منها: كتاب: (الأصل) لمحمد بن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ هـ) كاملًا محققًا على أصول عدة، و(التبصرة) للخمي، و(نهاية المطلب في دراية المذهب) للإمام الجويني بتحقيقه المتقن للأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب -رحمه اللَّه تعالى- عضو لجنة إحياء التراث الإِسلامي، و(حاشية الخلوتي). كما أصدرت الوزارة: (الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف) للإمام ابن المنذر بمراجعة دقيقة للشيخ الدكتور عبد اللَّه الفقيه عضو لجنة إحياء التراث الإِسلامي، و(بغية المتتبع لحل ألفاظ روض المربع) للعوفي الصالحي، و(منحة السلوك في شرح تحفة الملوك) للعيني.

1 / 4

وفي السيرة النبوية: أصدرت الوزارة الموسوعة الإسنادية: (جامع الآثار في السير ومولد المختار) لابن ناصر الدين الدمشقي، وغيرها. وفي العقيدة والتوحيد: أصدرت الوزارة كتابًا نفيسًا لطيفًا هو: (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد) لابن العطار تلميذ الإِمام النووي رحمهما اللَّه تعالى، كما أعادت نشر كتاب (الرد على الجهمية) للإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى، وغيرها من كتب عقيدة أهل السنة والجماعة. وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة: أصدرت: (القيمة الاقتصادية للزمن)، و(نوازل الإنجاب)، و(مجموعة القره داغي الاقتصادية)، و(التعامل مع غير المسلمين في العهد النبوي)، و(صكوك الإجارة)، و(الأحكام الفقهية المتعلقة بالتدخين)، و(التورق المصرفي)، و(حاجة العلوم الإِسلامية إلى اللغة العربية)، و(روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية)، وغيرها. كما قامت الوزارة بشراء وتوزيع أجود الطبعات من بعض الكتب المطبوعة لما لها من أهمية، مثل: (مسند الإِمام أحمد)، و(صحيح الإِمام مسلم)، و(الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي، و(الجامع لشعب الإيمان) للبيهقي، و(تاريخ الخلفاء) للسيوطي، و(التاريخ الأندلسي) لعبد الرحمن علي الحجي، و(الإقناع في مسائل الإجماع) لابن القطان الفاسي، و(شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز الحنفي، و(قواعد الأحكام في إصلاح الأنام) للعز بن عبد السلام. ومثل (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، و(الرسالة المحمدية) لسليمان الندوي، وغيرها. واليوم يسرنا أن تقدم لإصدار جديد هو كتاب: (الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإِسلامي) لمؤلفه د. زياد بن عابد المشوخي، وهو أطروحة نال بها الباحث درجة

1 / 5

الدكتوراه، تناول فيها حالات الاستضعاف التي مرَّت بالأمة عبر عصورها، وكيفية تعامل علماء الأمة معها، وتأتي أهمية الكتاب في محاولة تتبع حالات الاستضعاف ومظاهره، ودراسة مسائله دراسة فقهية، وبيان أحكامها. وقد قام الباحث بتعريف الاستضعاف ومظاهره، والفرق بينه وبين المصطلحات المشابهة، ثم ذكر الأحكام الخاصة به وضوابطها، ثم تعرض للموقف الشرعي تجاه ما يعرض للأمة في مرحلة الاستضعاف، متبعًا في ذلك المنهج الاستقرائي الوصفي، ومستعينًا بالمنهج التحليلي الاستنباطي. ونرى أن هذا الكتاب مما تحتاجه الأمة في هذا الزمن الذي يحاول فيه مخلصوها النهوض بها من الكبوة، والخروج بها من الأزمة. والحمد للَّه على توفيقه ونسأله المزيد من فضله. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إدارة الشؤون الإِسلامية

1 / 6

تقريظ الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول اللَّه، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد أطلعني الأخ الدكتور/ زياد بن عابد المَشوخي/ على مسودة كتابه: (الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإِسلامي)، الذي أصله رسالة علمية، نال بها درجة الدكتوراه في الفقه الإِسلامي، فسررتُ لذلك العنوان والموضوع؛ لما أعهده في المؤلف الفاضل أثناء تدريسي له من همة عالية، وفكر متفتح، وثقافة واسعة، وجدية ظاهرة في استيعاب ما يقوم به من جهد علمي، واعتدال في المنهج. وقد اشتمل هذا الكتاب على جهد واضح، ومنهج علمي سليم، وعناوين رئيسة وجانبية، واضحة ومعبِّرة، ومسائل وقضايا وموضوعات كثيرة قديمة ومعاصرة، تكرر حدوثها في حياة المسلمين، في الديار الإِسلامية، وفي خارجها، على صعيد الأفراد، والجماعات، والدول، وكثر السؤال عن أحكامها الشرعية. فجاء هذا الكتاب القَيِّم ليُفردها بالجمع، والبحث، والتحليل، والدراسة، والمقارنة مع حالات الاستضعاف التي مرت بالمسلمين السابقين في العهد المكي، وفي غيره من الفترات، لاستثنائية التي مرت بالمسلمين، أفرادًا، وجماعات، ودولًا. فبين أحكام ذلك كله، استنادًا إلى نصوص الكتاب والسنة، واجتهادات الفقهاء الأثبات الأتقياء من سلف هذه الأمة، ومن تبعهم بإحسان، ووازن بين تلك الأقوال، واختار ما هو الأنسب لحال المسلمين المستضعفين، من غير شذوذ ولا إغراب في الاختيار، ولا خضوع للمؤثرات والضغوط التي حلت بالمسلمين، ولا خروج على نصوص الشريعة ومقاصدها.

1 / 7

كما جاء هذا الكتاب بأسلوب علمي رصين، وعبارات واضحة سهلة، وتوثيق ممتاز، لا تخلو فيه كل صفحة من مراجع عديدة معتبرة، بلغ عددها في الفهرس المخصص لها حوالي (٤٠٠) مرجع، من شتى أصناف العلوم والفنون والمعارف والثقافات. يضاف إلى هذا شيء آخر على جانب من الأهمية، وهو ما اتصف به المؤلف من وعي وتبصُّر في فهم النصوص الشرعية ومقاصدها، وفي أحوال المسلمين المستضعفين، مع صدق في السريرة، وحماس ظاهر لهذا الدين الحق، وإيمان مطلق، بأن الاستضعاف في حياة المسلمين هو حالة استثنائية، لا ينبغي أن تؤثِّر فيهم، أو توهن من عزائمهم، بل عليهم أن يشخِّصوا أسباب الاستضعاف الداخلية والخارجية، ويعالجوها بموضوعية، وصدق، وجدية؛ لينهضوا من كبوتهم، كما نهض المسلمون السابقون في حالات الاستضعاف التي نزلت بهم، فالمستقبل للإسلام كما وعد بذلك ربنا سبحانه في قوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]، وفي قوله أيضًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: ١١]. وأخيرًا: لا بد من القول: إن هذا الكتاب يستحق القراءة بإمعان وتدبر، من بدايته إلى نهايته، وسيكون -إن شاء اللَّه- مرجعًا في بابه. . . أسأل اللَّه تعالى أن ينفع بهذا الجهد، ويثيب المؤلف على ما بذل، ويوفقه إلى مزيد من العطاء العلمي. والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات. . . أ. د. حسن عبد الغني أبو غدة أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية كلية التربية. جامعه الملك سعود

1 / 8

المقدمة إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١). وقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢). وقال ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣). . . أما بعد: لقد شاء اللَّه ﷿ وقدر أن يكون الصراع بين الحق والباطل قائمًا، وأن تكون الغلبة للباطل أحيانًا وإن كانت العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (٤)، وقال سبحانه: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (٥). والمتأمل في السيرة النبوية يجد الفرق واضحًا بين الأحكام في المرحلة المكية والأحكام في المرحلة المدنية، ولقد شاءت حكمة اللَّه ﷿ أن تمر الدولة الإِسلامية الأولى

(١) سورة آل عمران، الآية [١٠٢]. (٢) سورة النساء، الآية [١]. (٣) سورة الأحزاب، الآيتان [٧٠ - ٧١]. (٤) سورة آل عمران، الآية [١٤٠]. (٥) سورة المجادلة، الآية [٢١].

1 / 9

بظروف متنوعة لتستلهم الأجيال منها العبر والدروس وكذلك الأحكام، بحسب اختلاف تلك الظروف والأحوال. ولم يغفل الفقهاء ﵏ في كتبهم دراسة أحكام مرحلة الاستضعاف، وإن كان بحثهم لمسائل وأحكام استضعاف الأفراد أكثر استفاضة من أحكام استضعاف الأمة والدولة الإِسلامية، وذلك تحت مباحث عوارض الأهلية ومنها: الإكراه والإلجاء. والأمة الإِسلامية تمر بمرحلة الاستضعاف، وقد تكون أسباب الاستضعاف من الخارج أو الداخل، وربما تجتمع عليها لتكون من الخارج ومن الداخل، لذا فإن هذا الموضوع بحاجة إلى الدراسة وجمع مسائله وأقوال الفقهاء فيه مع بيان أدلتها وتحليلها وموازنتها والتخريج عليها، مع يقيننا بتغير الأحوال مستقبلًا وعودة الأمة الإِسلامية لقيادة البشرية وانقاذها من جحيم وويلات البعد عن شريعة اللَّه ﷿. والبشائر بعودة المسلمين للريادة والقيادة ظاهرة ولله الحمد، ولكن التمكين لهذه الأمة لن يكون دون ثمن وتضحية وتمحيص في مرحلة الاستضعاف، قال تعالى: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (١). فمن رحم الظلام يولد الصباح، وتكون مرحلة التمكين بإذن اللَّه ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (٢)، فمرحلة الاستضعاف هي مقدمة لمرحلة التمكين للأمة بإذن اللَّه.

(١) سورة العنكبوت، الآيات [١ - ٣]. (٢) سورة الروم، الآيتان [٤ - ٥].

1 / 10

أهمية البحث: تظهر أهمية البحث من خلال النقاط التالية: ١ - إيضاح مفهوم الاستضعاف ومظاهره وكيفية التعامل معه. ٢ - الحاجة إلى جمع المسائل وبيان الأحكام المتصلة بهذا الموضوع. ٣ - ارتباط الموضوع بالحياة العملية للشعوب الإِسلامية في مناطق شتى. ٤ - ارتباط هذا الموضع بالعلاقات الدولية بين الدولة الإِسلامية والدول غير الإسلامية. ٥ - وجود نوازل معاصرة مرتبطة بالموضوع مما يتطلب بحثها ودراستها. أهداف البحث: يهدف هذا البحث إلى أمور منها: ١ - محاولة حصر حالات الاستضعاف ومظاهرها. ٢ - دراسة مسائل استضعاف الأمة الإِسلامية دراسة فقهية مفردة وبيان أحكامها. ٣ - وضع الضوابط التي تحدد مواقف وتصرفات الأمة الإِسلامية وولاة أمرها في مرحلة الاستضعاف. ٤ - الاستفادة من تجربة الدولة الإِسلامية الأولى وتنزيل أحكامها على بعض القضايا المعاصرة، مع مراعاة المتغيرات. ٥ - الاستفادة من مبادىء سد الذرائع والمصالح المرسلة ونحوها تجاه ما يمر به المسلمون حاليًا. أسئلة البحث: يجيب البحث عن عدد من الأسئلة ومنها: ١. ما مفهوم الاستضعاف؟ وما مظاهره؟

1 / 11

٢. ما الفرق بين الاستضعاف وغيره من المصطلحات المشابهة له؟ ٣. هل هناك أحكام خاصة بمرحلة الاستضعاف؟ وما ضوابطها؟ ٤. ما الموقف الشرعي تجاه ما يعرض من مشكلات للأمة في مرحلة الاستضعاف؟ الدراسات السابقة: إن موضوع استضعاف الأمة لم تتم دراسته دراسة فقهية مفردة فيما اطلعت عليه في المكتبات والمراكز البحثية، وبعد عرض الفكرة على عدد من الأساتذة والباحثين واستشارتهم أشاروا إلى جدته وعدم وجوده في دراسة فقهية مستقلة وحبذوا دراسته والبحث فيه. وينبغي الإشارة هنا إلى وجود عناوين عديدة لمؤلفات أو مقالات تتعلق بمواضيع ذات صلة بمرحلة الاستضعاف، أو بدراسة بعض حالات الاستضعاف، كحالة استضعاف الفرد الذي غالبًا ما يتم علاجه وبحثه تحت مسمى الإكراه، وبعض هذه الدراسات والمقالات يغلب عليها الطابع الفكري لا الفقهي أو التأصيلي (١). وهناك العديد من الكتب والأبحاث والمقالات التي عالجت جانبًا من جوانب الاستضعاف وتطرقت لبعض حالاتة وذلك في الكتابات والدراسات التي عُنيت بفقه

(١) منها على سبيل المثال: (أ) من وسائل دفع الغربة، سلمان بن فهد العودة، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، ط ١، ١٤١٢ هـ. وهو ضمن سلسلة رسائل الغرباء. (ب) الإكراه وأثره في الأحكام الشرعية، عبد الفتاح حسيني الشيخ، د. م: د. ن، ط ١، ١٣٩٩ هـ. (جـ) نظرية الإكراه المدني بين الشريعة والقانون، هائل حزام العامري، القاهرة: المكتب الجامعي الحديث، ط ١، ٢٠٠٥ م.

1 / 12

الأقليات، وكذلك تلك التي عُنيت بأحكام الأسرى (١). لذلك عزمت على البحث في هذا الموضوع لأهميته والحاجة إليه في الحياة العملية للشعوب والدول الإِسلامية. منهج الدراسة: اتبعت في دراسة هذا الموضوع المنهج الاستقرائي الوصفي عبر الرجوع ما أمكنني إلى كتب التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية وكتب السياسة الشرعية والمقاصد مقارنًا ذلك بالمنهج التحليلي الاستنباطي، حيث أقف على النصوص وأحاول أن أسبر أغوارها وأقارن بينها واختار منها ما أرى وجاهة دليله من الأقوال. حدود الدراسة: اقتصرت هذه الدراسة على أقوال المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وربما أذكر أقوال فقهاء آخرين. كما وضعت قواعد وضوابط للأحكام من خلال دراسة أبرز الأمثلة على تلك الحالات المتنوعة للاستضعاف وخاصة المتصلة بالفقه السياسي. إجراءات الدراسة: ١ - عزوت الآيات بذكر اسم السورة ورقم الآية.

(١) منها على سبيل المثال: (أ) فقه الأقليات المسلمة، خالد عبد القادر، لبنان: دار الإيمان، ط ١، ١٤١٩ هـ. (ب) الأقليات المسلمة في العالم، مؤتمر الندوة العالمية السادس، المملكة العربية السعودية: دار الندوة العالمية، ط ١، ١٤٢٠ هـ. (ب) أحكام الأصل في الفقه الإِسلامي والقانون الوضعي، علي أحمد جواد، بيروت: دار المعرفة، ط ١، ١٤٢٦ هـ.

1 / 13

٢ - قمت بتخريج الأحاديث والآثار من مصادرها، وبيان درجتها من الصحة أو الضعف بحسب كلام العلماء، وما كان في الصحيحين أو أحدهما فاكتفيت بالعزو إليه. ٣ - عزوت أقوال المذاهب إلى أصحابها من المصادر الأصلية المعتمدة. ٤ - رجعت إلى كتب فقهاء المذاهب الأربعة، وجمعت أدلتهم وناقشتها، واخترت القول الراجح مع ذكر سبب الترجيح، واستفدت مما كتبه المعاصرون من حيث الأفكار والتبويب والتقسيم والترتيب. ٥ - ذكرت عنوان المرجع والموضع -الصفحة والجزء إن وجد- دون اسم المؤلف، إلا في حالة تكرار العنوان لمؤلف آخر فإني أذكر اسم المؤلف. ٦ - أتبعت قول كل فريق بأدلته من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو المعقول أو غيرها من الأدلة مع بيان وجه الاستدلال. ٧ - أتبعت أدلة كل قول بما وجه إليه من مناقشة أو اعتراض من قبل الفريق الآخر، أو من عندي إن ظهر لي ضعف الاستدلال، فإن كان ما وجه إلى الدليل منصوصًا عليه فإني أُحيل إلى المرجع. ٨ - أنهيت كل مسألة بذكر ما يترجح لدي من أقوال العلماء ذاكرًا سبب الترجيح، وخلاصة ما بعثت فيها. ٩ - رجعت إلى كتب التفسير وشروح الأحاديث ومواضع السيرة النبوية ذات الصلة بالموضوع. ١٠ - ترجمت للأعلام الواردة في البحث باختصار ما عدا المشهورين منهم. ١١ - قمت بشرح الألفاظ الغريبة والمصطلحات العلمية الواردة في البحث. ١٢ - وضعت خاتمة للبحث متضمنة أهم النتائج والتوصيات.

1 / 14

وضعت فهارس للآيات والأحاديث النبوية والتراجم والمراجع والموضوعات. وإني إذ أكتب عن أحكام الاستضعاف، فما هذا إلا للانطلاق نحو التمكين بإذن اللَّه، وليس المراد التأصيل للاستثناء بل للحث على العودة إلى الأصل. هذا، وأحمد اللَّه ﷿ على عونه وتوفيقه وتيسيره ومنه وفضله وكرمه، وأسأله التوفيق لشكره، وأن يجعل ما كتبت من العلم الذي ينتفع به، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن ينصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، وأن يمكن لهم في الأرض.

1 / 15

الشكر والتقدير: يطيب لي أن أتقدم بالشكر والتقدير لوالدي الكريمين اللذين شجعاني على طلب العلم منذ طفولتي، وزوجتي التي وقفت إلى جانبي وهيئت لي أسباب البحث، وكذلك كل من ساهم معي في هذا البحث برأي أو نصيحة أو مراجعة من مشايخي وزملائي، فجزاهم اللَّه خير الجزاء وكتب لهم الأجر والثواب. * * *

1 / 16

الباب الأول تعريف الاستضعاف وأنواعه ومظاهره وفيه فصلان الفصل الأول: تعريف الاستضعاف. الفصل الثاني: أنواع الاستضعاف ومظاهره.

1 / 17

الفصل الأول: تعريف الاستضعاف وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: تعريف الاستضعاف. المبحث الثاني: الاستضعاف في القرآن الكريم. المبحث الثالث: الاستضعاف في الأحاديث النبوية. المبحث الرابع: بيان الألفاظ ذات الصلة. المبحث الخامس: المقارنة بين الاستضعاف والألفاظ ذات الصلة.

1 / 19

المبحث الأول: تعريف الاستضعاف وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الاستضعاف لغة الضعف مصدر ضعف: (الضاد والعين والفاء) أصلان متباينان، يدل أحدُهما على خلاف القوة وهو المراد هنا، ويدل الآخر على أن يزاد الشيءُ مثله. فالأول: الضَّعف والضُّعف، وهو خلاف القوة، يقال: ضَعُفَ يضعُف، ورجل ضعيف وقوم ضُعفاءُ وضِعافٌ (١). ويُقال: أضعفت فلانًا، أي: وجدته ضعيفًا، وضعفته، أي: صيرته ضعيفًا، واسْتَضْعَفَه وتَضَعَّفَه: وجده ضعيفًا فركبه بسُوء، واسْتَضْعَفَهُ: أي عدَّه ضعيفًا (٢). ونخلص مما سبق أن كلمة الاستضعاف مأخوذة من الضَّعف وهو ضد القوة، إلا أن الاستضعاف نتيجة فعل واقع من الغير على الشخص الضعيف أو الذي اعتبر ضعيفًا، وهو يقع على الفرد كما يقع على الجماعة. * * * المطلب الثاني: تعريف الاستضعاف اصطلاحًا لم يتطرق الفقهاء للاستضعاف بشكل خاص، وإنما بحثوا مسائله في أبواب متفرقة، كما اعتنوا بوضع القواعد العامة والضوابط التي تحكم مرحلة الاستضعاف عند تطرقهم لمسائل الضرورة والحاجة والإكراه.

(١) انظر: معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة: اتحاد الكتاب العرب، ط ١، ١٤٢٣ هـ، مادة: (ضعف). (٢) انظر: تهذيب اللغة، محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: إبراهيم الأبياري، القاهرة: دار الكتاب العربي، ط ١، ١٩٦٧ م، ولسان العرب، أبو الفضل محمد الإفريقي، بيروت، ط ١، ١٩٧٨ م، ومختار الصحاح، محمد الرازي، بيروت: دار القلم، ط ١، ١٩٧٩ م، مادة: (ضعف).

1 / 21

وقد أشار بعض الباحثين لمراحل تأسيس الدولة الإِسلامية على عهد النبي ﷺ وذكر أنها مرت بمرحلتين: الأولى: الاستضعاف. والثانية: التمكين، والتي كانت وفق مراحل زمنية متعددة (١). كما عبر عنها البعض بحالة الضعف، ووصفها بأنها: الحالة التي لا يقدر المسلمون فيها على إظهار دينهم وإقامة شعائرهم خوفًا من بطش عدوهم (٢). ولم أعثر على تعريف للاستضعاف فيما اطلعت عليه من الكتب الفقهية والأصولية، وقد عرَّفت مرحلة الاستضعاف عند بعض المعاصرين بأنها: "المرحلة التي تمرُّ بها الدعوة الإِسلامية في ظل صراع مع منهج غير إسلامي، يقوم على الظلم والعدوان ومصادرة الحقوق، يتزامن -مع ذلك- عمل المسلمين الجاد للخُروج من قيد الاستضعاف إلى التمكين" (٣). والتعريف السابق اقتصر على الدعوة الإِسلامية، كما أنه لم يشر إلى استضعاف الأفراد، ولعله ومن خلال ما مضى يمكننا القول بأن الاستضعاف هو: "الحالة التي يكون فيها الفرد المسلم أو الجماعة المسلمة ضعفاء، بحيث لا يقدرون على إظهار الإِسلام وشعائره أو تطبيقها كلها أو بعضها بسبب عدو أو سطان جائر". * * *

(١) انظر: الفقه السياسي للوثائق النبوية، خالد سليمان الفهداوي، الأردن: دار عمار، ط ١، ١٤١٩ هـ، ص ٣٢ - ٣٣. (٢) انظر: التعامل مع غير المسلمين في العهد النبوي، ناصر محمدي جاد، الرياض - القاهرة: دار الميمان للنشر والتوزيع، ط ١، ١٤٣٠ هـ، ص ١٠٥. (٣) الفقه السياسي، د. خالد سليمان الفهداوي، دار الأوائل: دمشق، ط ١، ٢٠٠٥ م، ص ٢١١.

1 / 22