الفوائد الأصولية - ضمن «آثار المعلمي»
الفوائد الأصولية - ضمن «آثار المعلمي»
پژوهشگر
علي بن محمد العمران - نبيل بن نصار السندي
ناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٤ هـ
ژانرها
الفوائد الأصولية
24 / 297
حديث يتعلَّق بالعمل بالمفهوم
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله ﵌ عن نبيذ الجرّ الأخضر. قلت: أنشرب في الأبيض؟ قال: لا.
رواه البخاري (^١). «مشكاة» (^٢) ــ آخر باب النقيع والأنبذة.
* * * *
[المراد بالواجب في كلام الشارع]
يستدل بقوله: «فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة» (^٣) على أن الوجوب حقيقة شرعية في الفرض لمقابلته بالتحريم.
وبهذا تتبيّن فرضية غسل الجمعة.
* * * *
[مما يستدل به على أن دلالة الاقتران معتبرة]
مما يستدل به على اعتبار دلالة الاقتران حديث: «عُدلت شهادة الزور بالإشراك بالله» (^٤)، وحديث: «أعوذ بالله من الكفر والدَّين»، فقال رجل:
_________
(^١) (٥٥٩٦).
(^٢) (٢/ ٤٧٦).
(^٣) أخرجه مسلم (١٣٧) من حديث أبي أمامة وأوله: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب ...».
(^٤) بقية الحديث: ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ أخرجه أحمد (١٨٨٩٨)، وأبو داود (٣٥٩٩)، والترمذي (٢٣٠٠)، وابن ماجه (٢٣٧٢) وغيرهم من حديث خُريم بن فاتك ﵁ بإسناد ضعيف. ورُوي موقوفًا على ابن مسعود في «مصنف عبد الرزاق»: (٨/ ٣٢٧) و«مصنف ابن أبي شيبة»: (٧/ ٢٥٦).
24 / 299
يا رسول الله أيعدل الكفر بالدَّين؟ قال: «نعم» (^١).
* * * *
[اعتراض على قاعدة «لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة»]
حديث البخاري (^٢) عن سهل بن سعد قال: أنزلت ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]. ولم ينزل: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى تتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعدُ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أنما يعني الليل والنهار. اهـ
انظر هذا مع قولهم: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (^٣) (^٤).
* * * *
[نسخ المتواتر بخبر الواحد]
فائدة: في تحوّل أهل القبلة إلى الكعبة دليل على أن خبر الواحد كافٍ في نسخ المتواتر.
_________
(^١) أخرجه أحمد (١١٣٣٣)، والنسائي (٥٤٧٣)، والحاكم: (١/ ٥٣٢) من حديث أبي سعيد الخدري ﵁. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وصححه ابن حبان (١٠٢٥).
(^٢) (١٩١٧).
(^٣) وقد نظر الشيخ في الآية وحقَّق القول فيها في «إرشاد العامِه» ضمن مجموع رسائل أصول الفقه (ص ٢٣١ وما بعدها).
(^٤) ما سبق من الفوائد من مجموع [٤٦٥٧].
24 / 300
[الاستدلال بتروك النبي ﵌ -]
من الاستدلال بترك النبي ﵌: حديث عائشة في الصحيح: «قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله ﵌ ثم لا تؤمر بقضاء» (^١).
وفي رواية: «كان يصيبنا ذلك (الحيض) فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة».
* * * *
[تعليق على كتاب الموافقات]
المسألة الرابعة عشرة (^٢)
«الأمر بالشيء على القصد الأول ليس أمرًا بالتوابع ... والدليل على ذلك ما تقدم من أن الأمر بالمطلقات لا يستلزم الأمر بالمقيدات ...»
[ثم نقل الشيخ فقرات ببعض الاختصار إلى قوله:]
«والأحاديث في هذا والأخبار كثيرة جميعها تدل على أن التزام الخصوصات في الأوامر المطلقة مفتقر إلى دليل، وإلّا كان قولًا بالرأي واستنانًا بغير مشروع، وهذه الفائدة انبنت على هذه المسألة مع مسألة أن الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد» اهـ.
أقول: أنكر الإمام الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ في «الأم» (^٣) كراهة
_________
(^١) أخرجه مسلم (٣٣٥). والرواية الأخرى عند مسلم أيضًا.
(^٢) موافقات ج ٣ ص ١٢١. [المؤلف].
(^٣) (٣/ ٦٢٢).
24 / 301
الإمام مالك ــ ﵀ ــ الصلاة على النبي ﵌ عند الذبح، وعلَّل ذلك بأن الصلاة على النبي ﵌ مطلوبة مطلقًا.
وإنكاره في محلِّه إن كان مالك ــ ﵀ ــ كرهها مُطلقًا.
فأما إذا كان إنما كرهها إذا التُزمت أو اعتقد الذابح أنها مطلوبة على الخصوص حينئذ، أو خشي أن يظنَّ من بحضرته ذلك = فلا معنى للإنكار، والكراهة ظاهرة.
والشافعيُّ ــ رحمه الله تعالى ــ لا يخالف في هذا ــ إن شاء الله تعالى ــ بل إن في كلامه إشارةً إليه.
* * * *
[مما يقدح في حجيَّة عمل أهل المدينة]
الحمد لله.
مما يقدح في الاحتجاج بعمل أهل المدينة: ما جاء في التكبير في الصلاة في كلِّ خفض ورفع؛ فإن الأحاديث تدل أن هذه السنة كان قد غفل عنها الأمراء حتى استنكرها عكرمة كما في حديث البخاري (^١)، وأبو سلمة كما في حديث مسلم (^٢)، ففيه: «فقلنا: يا أبا هريرة ما هذا التكبير؟ قال: إنها لَصلاة رسول الله ﵌».
_________
(^١) (٧٨٧).
(^٢) (٣٩٢).
24 / 302
وفي «مسلم» (^١) أيضًا عن مطرِّف أنه صلَّى وعمران بن حصين خلف عليٍّ ﵇، فكان إذا سجد كبَّر وإذا رفع رأسه كبَّر وإذا رفع من الركعتين كبَّر، فقال عمران: لقد صلَّى بنا هذا صلاة محمدٍ ﵌، أو قال: قد ذكَّرني هذا صلاة محمَّدٍ ﵌.
وكذلك ما جاء في السلام من الصلاة مرَّتين؛ أنَّ ابن عمر (^٢) سمع أميرًا يفعله، فقال: أنَّى عَلِقها؟! ولقد رأيت رسول الله ﵌ يفعله. أو كما قال (^٣).
* * * *
[الفرق بين مفهوم الصفة ومفهوم اللقب]
الحمد لله.
ذكر بعضُهم أنّ احتجاج أصحابنا بحديث «وجعلت تُربتها طهورًا» (^٤) على اختصاص التيمم بالتراب دون سائر أجزاء الأرض، من باب الاحتجاج بمفهوم اللقب.
وهذا وهم، بل هو من مفهوم الصفة؛ فإن لفظ (تربة) هاهنا قَيْد للأرض المذكورة، بخلاف نحو: «عَلَى زيد زكاة»، فإن لفظ «زيد» ليس قيدًا لشيء.
_________
(^١) (٣٣). وهو في البخاري أيضًا (٧٨٦).
(^٢) كذا في الأصل، والقول إنما رُوي عن ابن مسعود كما في «صحيح مسلم» (٥٨١) وغيره.
(^٣) ما سبق من فوائد من مجموع [٤٧١١].
(^٤) أخرجه مسلم (٥٢٢) من حديث حذيفة ﵁.
24 / 303
ويوضح لك هذا: أنّ الحجة على عدم حُجيّة اللقب إنّما هي، أنّه أي الّلقب إنما يُذْكَر ليصحّ الكلام، إذ لو حُذِفَ لَمَا أمكن تصحيح الكلام المقصود، بخلاف مفهوم الصّفة، فإنّه ظاهر أنّه يصح الكلام بدونه، فإذا حذف «زيد» من قولك: «على زيد زكاة»، لم يصح الكلام بخلاف حذف «سائمة» من قوله: «في سائمة الغنم زكاة».
ولذلك شرطوا في حُجيّة مفهوم الصّفة، أن لا يظهر لذكره فائدة غير نفي حكم غيره.
ولا شكّ أنّه لو أراد حذف لفظ (تربة) من قوله: «وجعلت تربتها طهورًا» لصحَّ الكلام بقوله: وجعلت طهورًا.
فانظر أي فائدة لذكر لفظ (تربة)؟ وهل هو إلاّ عبث بحت إن لم يكن لبيان أنّ التربة هي المختصة (^١).
* * * *
[مسألة الصلاة في الدار المغصوبة]
الحمد لله.
أهم ما استدلَّ به الأصوليون على صحة الصلاة في الدار المغصوبة أمران: الإجماع والنظر.
فأما النظر فمثَّلوه بالعبد إذا أمره سيِّدُه بالخياطة ونهاه عن دخول الدار،
_________
(^١) مجموع [٤٧١٥].
24 / 304
فدخل الدار وخاط فيها. قالوا: فإنه لا خلاف أن العبد قد فعل ما أمره به سيِّده من الخياطة، وإن كان قد عصاه في دخول الدار.
وأقول: إن هذا الإلزام مغالطة لوضوح الفرق؛ فإن المأمور به في المثال ــ وهي الخياطة ــ ليست كالمأمور به في صورة المسألة، وهي الصلاة. وذلك أننا نعلم أن السيد إنما أمر عبدَه بالخياطة لتحصيل مطلوبه، وهو خياطة الثوب، وقد حصل تامًّا بلا نقص حتى لو لم يقصد العبد امتثال أمره، وإنما قصد التمرُّن على الخياطة مثلًا، أو مباهاة خائطٍ آخر أو غير ذلك.
وليس الصلاة كذلك؛ فإن حصول صورة أفعالها لا يستلزم حصولها، فلو صلَّى الرجل بنيَّة حكاية مُصلٍّ آخر على سبيل السخرية منه، أو يقصد الحركات الرياضية = لم يُعد مصلِّيًا.
والحاصل أن الخياطة مصلحة محسوسة محدودة. والمفروض في المثال أنها وقعت تامَّةً كاملة من كلِّ وجه.
وأما الصلاة فإنما هي عبادة، الغالب فيها أمر معنوي، وهو الطاعة، ولا يُحكم بتمامها إلا إذا وُجد هذا المعنى أيضًا. ووجود هذا المعنى هو المنازَع فيه.
وأما الإجماع فقالوا: إن الغصب لم يزل معروفًا في الأمَّة، ولم يُنقل عن أحد من السلف أنه كان يأمر الغاصبين بقضاء الصلوات التي صلَّوها في الأمكنة المغصوبة.
وأجيب عنه بأن الإمام أحمد بن حنبل يرى بطلان الصلاة ويمتنع أن يجهل هذا الإجماع.
24 / 305
ورُدَّ بأنه لا يرى الحجَّة إلا إجماعَ الصحابة، ولا يحتجُّ بالإجماع ما لم يثبت بالنقل الثابت عن كلِّ فرد من المعتبرين في الإجماع.
وأقول: ما حكوه عنه من مذهبه في الإجماع هو جواب عن الإجماع، أعني أن مِنْ شَرْط الإجماع النقلَ عن جميع المعتبرين، ولم يوجد. بل شَرَط جماعة ــ منهم الغزالي ــ أن يكون النقل متواترًا عن كلِّ واحد.
وأما قولهم: لو كان خلافٌ لنُقل، فكلام ضعيف لا يخفى ضعفه على أحد، ثمَّ لعله نُقل ثم اندرس.
وألزم الغزاليُّ الإمامَ أحمدَ (مستصفى ج ١ ص ٧٩) أن لا تحلَّ امرأة لزوجها وفي ذمَّته دانق ظلم، ولا يصح بيعه ولا صلاته ولا تصرُّفاته، ولا يحصل التحليل بوطءِ مَن هذا حاله؛ لأنه عصى بترك ردِّ المظلمة، ولم يتركها إلا بتزويجه وبيعه وصلاته وتصرفاته، فيؤدّي إلى تحريم أكثر النساء وفوات أكثر الأملاك، وهو خرق للإجماع قطعًا وذلك لا سبيل إليه.
أقول: قوله: ولم يتركها إلا بتزويجه ... إلخ، لا يخفى ما فيه؛ فإن الاشتغال بالتزوُّج والبيع والصلاة والتصرُّفات غير داخل في ترك رد الدانق بحيث يُسمَّى تركًا، بخلاف أفعال الصلاة؛ فإنها من استعمال الدار المغصوبة بحيث تسمَّى استعمالًا. فلصاحب الدار أن يقول للغاصب: لماذا تصلِّي في بيتي؟ ولا يأتي نظير هذا في ظلم الدانق. نعم، له (^١) أن يقول له: لماذا تصلِّي قبل أن تردَّ إليَّ دانقي، ولكن ليس هذا نظير ذاك (^٢).
_________
(^١) في الأصل: «نعم، له أن له».
(^٢) مجموع [٤٧١٦].
24 / 306
[سبب موافقة الشافعي زيدَ بن ثابت في الفرائض]
«الجوهر النقي» (^١) في أول كتاب الفرائض، عند ذِكْر موافقة الشافعي زيدَ بن ثابت:
«... وإن كان لم يقلِّد زيدًا ــ كما هو المشهور عندهم ــ ففيه أيضًا نظر من وجهين: ... الثاني: أنه لم يخالف ولا في مسألة واحدة، ويبعد اتِّفاق رأيين في كتاب من العلم من أوَّله إلى آخره».
أقول: لا يشك من نظر في الخلاف أن ذلك [غير] (^٢) بعيد بالنسبة إلى كتاب الفرائض لقلة مسائله الخلافية. فأما في كتاب الصلاة مثلًا، فلا شكَّ أن الاتفاق فيه بغير تقليد محال.
وموافقة الشافعي زيدًا ليس تقليدًا محضًا، وإنما رأى أنَّ قول زيد يصلح أن يرجَّح به لشهادة رسول الله ﵌ له. على أن ظاهر كلامه في «الأم» أنه لا فرق عنده بين زيد وغيره من الصحابة. وإنما يختار ما يرجِّحه الدليل. والله المستعان (^٣).
* * * *
_________
(^١) بهامش «السنن الكبرى» للبيهقي (٦/ ٢١١).
(^٢) زيادة يستقيم بها السياق.
(^٣) مجموع [٤٧١٦].
24 / 307
دليل أن لا مفهوم للعدد
حديث البخاري (^١) وغيره: «أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كنَّ لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة: واثنان؟ قال: «واثنان».
وفي «الفتح» (^٢): «قال ابن التين ــ تبعًا لعياض ــ: هذا يدلّ على أن مفهوم العدد ليس بحجة؛ لأن الصحابيّة من أهل اللسان ولم تعتبره، إذ لو اعتبرتْه لانتفى الحكم عندها عمَّا عدا الثلاثة، لكنها جوَّزت ذلك، فسألته» اهـ.
وخالفه الحافظ، فعكس، ثم قال: «والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينيّة، وإنّما هي محتملة، ومِن ثَمَّ وقع السؤال عن ذلك» اهـ.
وقد وقع مثل هذا السؤال من عدة من الصحابة، بيّنه الحافظ في هذا الباب.
ووقع مثله أيضًا في باب ثناء الناس على الميّت.
وفي «الفتح» (^٣) هناك: «قوله: «فقلنا: وثلاثة؟» فيه اعتبار مفهوم الموافقة؛ لأنه سأل عن الثلاثة، ولم يسأل عمّا فوق الأربعة كالخمسة مثلًا، وفيه أن مفهوم العدد ليس دليلًا قطعيًّا، بل هو في مقام الاحتمال» اهـ.
أقول: يؤخذ من كلامه أن مفهوم الموافقة قطعيّ، وفيه ما فيه، فلعله يريد
_________
(^١) (١٢٤٩).
(^٢) (٣/ ١٢٢).
(^٣) (٣/ ٢٣٠).
24 / 308
أن مفهوم العدد ليس في الدلالة كمفهوم الموافقة، بل هو أضعف منه، والله أعلم.
والحقُّ فيه ما قال ابن التين وعياض، كما هو ظاهر، والله أعلم (^١).
* * * *
الحمد لله.
تعارض القول والفعل
* إن كان القول خاصًّا به ﵌، فهو ضربان:
أـ للقول مفهوم أتى بخلافه. وفيه ثلاث صور:
١. مع (^٢) الفعل دليلٌ خاص بتأسِّينا به فيه. فالمتأخِّر ناسخ في حقه وحقنا. فإن لم يُعلم فالترجيح، فإن تعذَّر فالوقف.
٢. كذلك، إلَّا أنه ليس مع الفعل دليل خاص بالتأسِّي، وإنما هناك الدليل العام. فالمتأخر ناسخ في حقِّه، فإن لم يُعلم فالوقف. وأمّا في حقنا فالعمل بالمفهوم لأنه مخصِّص لعموم دليل التأسِّي تقدَّم أو تأخَّر.
٣. كالأولى إلا أن مع الفعل دليلًا على اختصاصه به. فالمتأخر ناسخ في حقه ﵌ وحقنا، فإنْ لم يعلم فالترجيح بين دلالة المفهوم ودليل الاختصاص.
_________
(^١) مجموع [٤٧١٨].
(^٢) الأصل: «ومع».
24 / 309
ب ــ القول خاص به ولا مفهوم له. وفيه ثلاث صور أيضًا:
١ ــ مع الفعل دليل خاص بالتأسِّي، فالمتأخر ناسخ في حقه ﵌، فإن لم يُعلم فالوقف. وأمَّا في حقنا فيتعيَّن التأسِّي بالفعل مطلقًا لأنه إن كان السابق فهو مخصِّص لعموم دليل التأسِّي بمضمون القول، وإن كان المتأخر فهو ناسخ في حقّنا.
٢ ــ ليس مع الفعل دليل خاصّ بالتأسِّي وإنما هناك الدليل العام، فالمتأخر ناسخ في حقه وحقنا؛ لأن عموم التأسي متناولٌ للأمرين، فليس أحدهما أَوْلى به من الآخر، فإن لم يعلم المتأخر ترجَّح في حقنا التأسي بالقول لما يُتصوَّر في الفعل من الاحتمالات.
٣ ــ مع الفعل دليل على اختصاصه به ﵌.
أما في حقه فالنسخ أو الوقف، وأمَّا في حقنا فلا تعارض؛ لأن دليل التأسي العام يتناول تأسينا به في مضمون القول ودليل الاختصاص في الفعل يؤيد ذلك.
* وإن كان القول خاصًّا بنا فهو ضربان أيضًا:
أـ أن يكون له مفهوم أنه ﵌ خلافنا.
وفيه ثلاثة أوجه:
١ ــ مع الفعل دليل خاص بالتأسِّي، فلا تعارضَ في حقه ﵌، وأما في حقنا فالمتأخر ناسخ، فإن لم يُعلم ترجّح القول.
٢ ــ لم يدل على التأسي إلا الدليل العام، فلا تعارض في حقه أيضًا، وأما في حقنا فالقول، ويكون مخصِّصًا لعموم دليل التأسي العام.
24 / 310
٣ ــ مع الفعل دليل على اختصاصه به، فلا تعارض.
ب ــ لا مفهوم له. وفيه ثلاثة أوجه أيضًا:
١ ــ مع القول دليل خاص بالتأسي. لا تعارض في حقه، وأما في حقنا فالمتأخر ناسخ، فإن لم يُعلم تَرجَّح القول.
٢ ــ ليس إلّا الدليل العام. لا تعارض في حقه أيضًا، وأمَّا في حقنا فالقول، وهو مخصص لعموم دليل التأسي.
٣ ــ مع الفعل دليل على اختصاصه به، فلا تعارض.
* وإن كان القول يعمّه ﵌ نصًّا ففيه ثلاث صور:
١. مع الفعل دليل خاص للتأسِّي. فالثاني ناسخ، فإن لم يعلم ترجَّح القول.
٢. ليس إلا الدليل العام للتأسي، ففي حقه النسخ أو الوقف، وفي حقنا القول، ويكون هو ناسخًا لعموم دليل التأسي العام.
٣. معه دليل على الاختصاص، ففي حقه النسخ أو الوقف، ولا تعارض في حقنا.
* وإن كان القول يعمّه ظاهرًا فقط، ففيه ثلاث صور:
مع الفعل دليل خاص للتأسي. فأما في حقه فالفعل دالٌّ على الاختصاص أو النسخ، وأما في حقنا فالمتأخر ناسخ، فإن لم يعلم ترجَّح القول.
24 / 311
ليس إلا الدليل العام للتأسي. ففي حقه الفعل تخصيص أو نسخ. وفي حقنا يترجح القول.
معه دليل على الاختصاص، ففي حقه الفعل تخصيص أو نسخ، وفي حقنا لا معارضة (^١).
* * * *
[بحث في الوصف المناسب المؤثِّر في الحكم]
الحمد لله.
كلام أهل الأصول في فصل بيان أقسام المناسب من حيث اعتبار الشرع له وعدمه = مضطرب.
وظاهر صنيع الآمدي (^٢) أن أصل الكلام في استخراج علَّة الحكم المنصوص بالمناسبة، فإن كان الوصف المناسب منصوصًا على كونه علَّةً أو مُجْمَعًا على ذلك فهو المؤثر. وإلَّا فإن لم يكن هناك إلّا بناء الحكم على وَفْقِهِ في تلك الصورة، فإن اعتبر الشرع ذلك الوصفَ في ذلك الحكم في صورة أخرى = فهو الملائم. وإن لم يوجد له اعتبار إلا في الصورة المطلوب تعليلها، فهو المناسب الغريب.
قول «جمع الجوامع» (^٣): «ثم المناسب إن اعتبر الشرعُ بنصٍ أو إجماع
_________
(^١) مجموع [٤٧٢٤].
(^٢) في «الإحكام»: (٣/ ٢٤٢ - ٢٤٤).
(^٣) (٢/ ٢٨٢ - مع حاشية البناني).
24 / 312
عين الوصف في عين الحكم = فالمؤثر ...» إلخ.
أقول: اضطرب كلامهم في هذا الفصل كما أشار إليه الإسنوي في «شرح المنهاج» (^١).
فظاهر ما في «جمع الجوامع» مع شرحه أن المؤثِّر هو ما كان فيه الوصف مناسبًا منصوصًا على أنه علة أو مُجْمَعًا على أنه علة.
وهذا موافق لنصِّ ابن الحاجب، وهو على ما نقله الإسنوي (^٢): «الوصف المناسب الذي اعتبره الشارع، إن كان اعتباره بتنصيص الشارع على كونه علةً أو بقيام الإجماع عليه، فهو المؤثر».
قال الإسنوي: «وأما الآمدي ... وتفسيره للمؤثر موافق لتفسير ابن الحاجب».
أقول: وكلام الآمدي ظاهر في ذلك، فليكن هذا هو المعتمد في تفسير المؤثر.
وأما الملائم، فظاهر عبارة «الجمع» أنَّ المدار على النظر بين الفرع المراد إلحاقُه قياسًا وبين الأصل.
وعليه فالملائم أقسام:
الأول: أن يكون الوصف في الفرع عينه في الأصل، والحكم من جنسه.
_________
(^١) «نهاية السول»: (٤/ ١٠٢ - ١٠٣ مع حاشية محمد بخيت المطيعي).
(^٢) (٤/ ١٠٣).
24 / 313
الثاني: أن يكون الوصف في الفرع من جنس الوصف في الأصل، والحكم بعينه.
الثالث: أن يكون الوصف في الفرع من جنس الوصف في الأصل، والحكم من جنس الحكم أيضًا.
ولم يصرِّح صاحب الجمع إلا بهذا الأخير وطوى غيره، فزاد الشارح الأوَّلين مع المغايرة كما يأتي. ولو بنى على ظاهر طريقة «الجمع» لوجب أن يُزَاد رابعًا، وهو: أن يكون الوصف في الفرع عين الوصف في الأصل والحكمُ في الفرع عين الحكم في الأصل أيضًا؛ كقياس النبيذ على الخمر بفرض أن كون السُّكْر علَّةً لا نصَّ عليه ولا إجماع. ولكن يظهر أن الشارح نظر إلى تفسير البيضاوي والآمدي وغيرهما، وإن كان في عبارته اشتباه.
أما تفسير البيضاوي والآمدي وما يظهر من المَحَلِّي، فهو أن المقصود هو النظر في علة الأصل الثابت فيه الحكم بنصٍ أو إجماع، هل شهد لها نصٌّ أو إجماع في صورة أخرى؟
الإحكام للآمدي (ج ٤ ص ٣): «القسمة الثالثة: القياس ينقسم إلى مؤثر وملائم.
أما المؤثر فإنه يطلق باعتبارين: الأول ما كانت العلة الجامعة فيه منصوصة بالصريح أو الإيماء أو مجمعًا عليها.
والثاني ما أَثَّر عين الوصف الجامع في عين الحكم، أو عينه في جنس الحكم، أو جنسه في عين الحكم. وأما الملائم: فما أَثَّر جنسه في جنس الحكم كما سبق تحقيقه.
24 / 314
ومن الناس من جعل المؤثر من هذه الأقسام ما أَثَّر عينُه في عين الحكم لا غير، والملائم ما بعده من الأقسام».
وقال في (ج ٣ ص ٤٠٦): «القسم الأول: أن يكون الشارع قد اعتبر خصوص الوصف في خصوص الحكم، وعموم الوصف في عموم الحكم في أصل آخر، وذلك كما في إلحاق القتل بالمثقَّل بالمحدد لجامع القتل العمد العدوان، فإنه قد ظهر تأثير عين القتل العمد العدوان في عين الحكم وهو وجوب القتل في المحدَّد، وظهر تأثير جنس القتل من حيث هو جناية على المحلّ المعصوم بالقَوَد في جنس القتل من حيث هو قصاص في الأيدي، وهذا القسم هو المعبَّر عنه بالملائم، وهو متفق عليه بين القياسين، ومختلف فيما عداه».
الحمد لله.
إذا وجدت مناسبة في شيء لِحُكمٍ، فلا يخلو أن يكون الشرع جاء بإثبات ذلك الحكم في ذلك الشيء، كالحُرْمة في الخمر أو لا.
فالأول: لا كلام فيه هاهنا.
وأما الثاني: فلا يخلو أن يكون جاء الشرع بخلافها أو لا.
الأول: المُلْغَى.
وأما الثاني: فلا يخلو أن لا يجيء الشرع بخلافها ولا وفاقها، أو جاء بوفاقها في صورة أخرى.
الأول: المصالح المرسلة.
24 / 315
وأما الثاني: فلا يخلو أن يكون فيها عين الوصف الموجود في صورة البحث وثبت بنص أو إجماع كونه علَّة لعين الحكم المراد إثباته في صورة البحث أو لا.
الأول: المؤثِّر، ومثاله قياس النبيذ على الخمر في الحُرْمة لثبوت النص والإجماع على أن الإسكار في الخمر علة للحرمة.
وأما الثاني: ففيه أربع صور:
الأولى: أن يكون الوصف في الفرع والأصل واحدًا والحكم فيهما كذلك. كقياس النبيذ على الخمر على فرض أنه لم يقم نص ولا إجماع على أن العلة هي الإسكار.
الثانية: أن يكون الوصف فيهما واحدًا، والحكمان مختلفان ولكنهما يدخلان تحت جنس قريب، كقياس تولِّي الولي نكاحَ الصغير على تولِّيه ماله.
الثالثة: أن يكون الحكم فيهما واحدًا، والوصفان مختلفان ولكنهما يدخلان تحت جنس قريب. كقياس المجنون على الصبي في تولّي الأب ماله.
الرابعة: أن يختلف الوصفان ولكنهما داخلان تحت جنس، ويختلف الحكمان ولكنهما داخلان تحت جنس. كقياس المجنون في تولّي الأب نكاحه، على الصبي في تولّي الأب ماله.
وفي كل واحدة من هذه الصور: إما أن لا يوجد أصل آخر يشهد لذلك
24 / 316
الوصف بالاعتبار، أو يوجد.
الأول: هو الغريب.
والثاني: الملائم، وتخرج من النظر بين الأصلين أربعُ صور كالأربع المتقدمة في النظر بين الأصل والفرع.
الأولى: عينٌ في عين، كالملح في شهاوته لاعتبار الطعم في البر.
الثانية: عينٌ في جنس، كما إذا علّلنا الرِّبا في البُرِّ بالقوت مع الادِّخار، واستشهدنا بتحريم الاحتكار في الأقوات التي تُدَّخر. فإن الوصف في الأصلين هو القوت مع الادّخار، والحُكْمان مختلفان، ولكنهما يجتمعان في جنس وهو التشديد.
الثالثة: جنس في عين (^١).
* * * *
[استدلال على أن صيغة «افعل» للوجوب]
الحمد لله.
مما يدلُّ على أن لفظ «افعل» للوجوب: الحديثُ الصحيح في غزوة الفتح أن النبي ﵌ قال لأصحابه: «إنكم قد دنوتم من عدوِّكم والفطر أقوى بكم». قال الصحابي: فكانت رخصة.
_________
(^١) هذا آخر ما كتبه الشيخ في المجموع [٤٧٢٤].
قلت: الرابعة: جنس في جنس. انظر «التقرير والتحرير»: (٣/ ٢٠٦).
24 / 317